فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

( بابٌُ لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْر مَرَّتَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ، غير أَن فِي الحَدِيث من: جُحر وَاحِد، واللدغ بِالدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة مَا يكون من ذَوَات السمُوم، واللذع بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة مَا يكون من النَّار، والجحر بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة.

وَقَالَ مُعاوِيَةُ: لَا حَلِيمَ إلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ
مُعَاوِيَة هُوَ ابْن أبي سُفْيَان.
ومناسبة ذكر أَثَره للْحَدِيث الَّذِي هُوَ التَّرْجَمَة هِيَ أَن الْحَلِيم الَّذِي لَيْسَ لَهُ تجربة قد يَقع فِي أَمر مرّة بعد أُخْرَى فَلذَلِك قيد الْحَلِيم بِذِي التجربة.
قَوْله: لَا حَلِيم إلاَّ ذُو تجربة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَا حلم بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون اللَّام إلاَّ بتجربة، والحلم عبارَة عَن التأني فِي الْأُمُور المقلقة، وَالْمعْنَى: أَن الْمَرْء لَا يُوصف بالحلم حَتَّى يجرب الْأُمُور، وَقيل: إِن من جرب الْأُمُور وَعرف عواقبها آثر الْحلم وصبر على قَلِيل الْأَذَى ليدفع بِهِ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ، وَتَعْلِيق مُعَاوِيَة وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) عَن عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: لَا حلم إلاَّ بالتجارب.



[ قــ :5804 ... غــ :6133 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ المُسَيَّب عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( لَا يُلْدغُ المْؤْمِنُ مِنْ جْحْرٍ واحدٍ مَرَّتَيْنِ) .


الحَدِيث هُوَ عين التَّرْجَمَة.
وَعقيل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب وَأَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث الْمصْرِيّ.

قَوْله: ( لَا يلْدغ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمُؤمن مَرْفُوع بِهِ على صِيغَة الْخَبَر،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ أَمر أَي: لَكِن الْمُؤمن حازماً حذرا لَا يُؤْتى من نَاحيَة الْغَفْلَة فينخدع مرّة بعد أُخْرَى، وَقد يكون ذَلِك فِي أَمر الدّين كَمَا يكون فِي أَمر الدُّنْيَا، وَهُوَ أولاهما بالحذر.
قَالَ: وَقد رُوِيَ بِكَسْر الْغَيْن فِي الْوَصْل فَيتَحَقَّق معنى النَّهْي فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَكَذَلِكَ قَرَأنَا،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ إِذا نكث من وَجه أَن يعود إِلَيْهِ، وَقيل: المُرَاد بِالْمُؤمنِ فِي هَذَا الحَدِيث الْكَامِل الَّذِي قد وقفته مَعْرفَته على غوامض الْأُمُور حَتَّى صَار يحذر مِمَّا سيقع، وَأما الْمُؤمن الْمُغَفَّل فقد يلْدغ مرَارًا، وَهَذَا الْكَلَام مِمَّا لم يسْبق إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأول مَا قَالَه لأبي غرَّة الجُمَحِي وَكَانَ شَاعِرًا فَأسر ببدر فَشكى عائلة وفقراً فَمن عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأطْلقهُ بِغَيْر فدَاه، فظفر بِهِ بِأحد فَقَالَ: من عَليّ وَذكر فقره وَعِيَاله، فَقَالَ: لَا تمسح عَارِضَيْك بِمَكَّة، وَتقول: سخرت بِمُحَمد مرَّتَيْنِ، وَأمر بِهِ فَقتل.