فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إكرام الكبير، ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال

( بابُُ إكْرامِ الكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ الأكْبَرُ بِالْكلامِ والسُّؤَالِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إكرام الْكَبِير، لما روى الْحَاكِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: ( من لم يرحم صَغِيرنَا وَيعرف حق كَبِيرنَا فَلَيْسَ منا) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عمر، وَذكر عبد الرَّزَّاق أَن فِي الحَدِيث من تَعْظِيم جلال الله أَن يوفر ذُو الشيبة فِي الْإِسْلَام.
قَوْله: ( وَيبدأ الْأَكْبَر بالْكلَام) لِأَنَّهُ من آدَاب الْإِسْلَام ومحاسن الْأَخْلَاق، وَلَكِن لَيْسَ هَذَا على الْعُمُوم لِأَنَّهُ إِنَّمَا يبْدَأ الْأَكْبَر بِهِ.
فِيمَا إِذا اسْتَوَى فِيهِ علم الصَّغِير وَالْكَبِير، وَإِذا علم الصَّغِير مَا يجهل الْكَبِير فالصغير يقدم حينئذٍ وَلَا يكون هَذَا سوء أدب وَلَا نقص فِي حق الْكَبِير.
قَوْله: وَالسُّؤَال، أَي: وَيبدأ الْأَكْبَر أَيْضا بالسؤال وَهَذَا أَيْضا إِذا اسْتَوَى الْكَبِير مَعَ الصَّغِير، وَإِذا كَانَ الصَّغِير أعلم يقدم على الْكَبِير، وَكَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يسْأَل وَهُوَ صبي وَهُنَاكَ مشيخة.



[ قــ :5813 ... غــ :6142 ]
- ح دَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ ابنِ يَسَارٍ مَوْلَى الأنْصارِ عَنْ رافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أنَّهُمَا حَدَّثاهُأنَّ عَبْدَ الله بنَ سَهْلٍ ومُحَيْصَةَ بنَ مَسْعُودٍ أتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقا فِي النَّخل، فَقُتِلَ عَبْدُ الله بنُ سَهْلٍ فَجاءَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ سَهْلٍ وحُوَيْصَةَ ابْنا مَسْعُودٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتَكَلَّموا فِي أمْرِ صاحِبِهِمْ، فَبَدَأ عَبْدُ الرَّحْمانِ وَكَانَ أصْغَرَ القَوْمِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَبِّر الكُبْرَ.
قَالَ يَحْيَّى: لَيْلِيَ الكَلامَ الأكْبَرُ، فَتَكَلَّمُوا فِي أمْرِ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ أوْ قَالَ: صاحِبَكُمْ بِأيْمانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: يَا رسولَ الله { أمْرٌ لَمْ نَرَهُ، قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِي أيمانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالُوا: يَا رسُولَ الله} قَوْمٌ كُفَّارٌ، فَوَداهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْ قِبَلِهِ.
قَالَ سَهْلٌ: فأدْرَكْتُ ناقَةً مِنْ تِلْكَ إلابل فَدَخَلَتْ مِرْبَداً لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( كبر الْكبر) وَفِي قَوْله: ( ليلِي الْكَلَام الْأَكْبَر) .

وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَبشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن يسَار ضد الْيَمين وَرَافِع بن خديج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال وبالجيم ابْن رَافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حَارِثَة الأوسي الْمَدِينِيّ، سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ سنة ثَلَاث وَقيل: أَربع وَسبعين، وَكَانَ يَوْم مَاتَ ابْن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة، وَسَهل بن أبي حثْمَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، واسْمه عَامر بن سَاعِدَة بن عَامر أَبُو يحيى، وَقيل: أَبُو مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ الْمَدِينِيّ، سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدهمَا، وَيُقَال: قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَقد حفظ عَنهُ، وَعبد الله بن سهل الْأنْصَارِيّ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن سهل الْأنْصَارِيّ ابْني أخي حويصة ومحيصة ابْني مَسْعُود بن عَامر بن عدي.

وَمضى الحَدِيث فِي آخر الْجِهَاد فِي: بابُُ الْمُوَادَعَة والمصالحة مَعَ الْمُشْركين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن بشر بن الْمفضل عَن يحيى عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة ... إِلَى آخِره، وَبَينهمَا تفَاوت فِي الطول وَالْقصر، وَاخْتِلَاف بعض الْأَلْفَاظ.

قَوْله: ( ابْنا مَسْعُود) بِكَسْر الْهمزَة تَثْنِيَة ابْن.
قَوْله: ( فِي أَمر صَاحبهمْ) أَي: مقتولهم، وَهُوَ عبد الله.
قَوْله: ( كبر الْكبر) بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ جمع الْأَكْبَر أَي: قدم الْأَكْبَر للتكلم، وَإِنَّمَا أَمر أَن يتَكَلَّم الْأَكْبَر فِي السن ليحقق صُورَة الْقَضِيَّة وكيفيتها لَا أَنه يدعيها، إِذا حَقِيقَة الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: ( قَالَ يحيى) هُوَ يحيى بن سعيد الرَّاوِي، قَالَ فِي رِوَايَته: ( ليلى الْكَلَام الْأَكْبَر) بِالرَّفْع أَي: ليتولى الْأَكْبَر الْكَلَام.
قَوْله: ( تستحقون قتيلكم) أَي: دِيَة قتيلكم.
قَوْله: ( أَو قَالَ: صَاحبكُم) شكّ من الرَّاوِي، وَأَرَادَ بالصاحب الْمَقْتُول.
قَوْله: ( بأيمان خمسين مِنْكُم) بِإِضَافَة أَيْمَان إِلَى خمسين أَي: بأيمان خمسين رجلا مِنْكُم، ويروى: بأيمان، بِالتَّنْوِينِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَي: خمسين يَمِينا صادرة مِنْكُم، وبالرواية الأولى.
احتجت الْحَنَفِيَّة حَيْثُ اعتبروا الْعدَد فِي الرِّجَال.
قَوْله: ( أَمر لم نره) أَي: لم نشاهده، وَكَيف تحلف عَلَيْهِ؟ قَوْله: فتبرئكم أَي فتخلصكم من الْيَمين.
وَاعْلَم أَن حكم الْقسَامَة مُخَالف لسَائِر الدَّعَاوَى من جِهَة أَن الْيَمين على الْمُدَّعِي،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْوَارِث هُوَ الْأَخ وَهُوَ الْمُدَّعِي لَا أَبنَاء الْعم، فَلم عرض الْيَمين عَلَيْهِم، وَأجَاب بِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم أَن الْيَمين يخْتَص بالوارث فَأطلق الْخطاب لَهُم، وَأَرَادَ من يخْتَص بِهِ وَمن جِهَة أَنَّهَا خَمْسُونَ يَمِينا وَذَلِكَ لتعظيم أَمر الدِّمَاء، وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالمدعين فَلَمَّا تكلمُوا رد على الْمُدعى عَلَيْهِ، وَلما لم يرْضوا بأيمانهم من جِهَة أَنهم كفار لَا يبالون بذلك عقله من عِنْده لِأَنَّهُ عَاقِلَة الْمُسلمين، وَإِنَّمَا عقله قطعا للنزاع وجبراً لخاطرهم، وإلاَّ فاستحقاقهم لم يثبت.
قَوْله: ( فوداهم) أَي: أعْطى لَهُم دِيَته من قبله بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: من عِنْده، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ من خَالص مَاله أَو من بَيت المَال.

قَوْله: ( مربداً لَهُم) المربد بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: الْموضع الَّذِي يجْتَمع فِيهِ الْإِبِل.
قَوْله: ( فركضتني) أَي: رفستني وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام ضبط الحَدِيث وَحفظه حفظا بليغاً.

وَفِيه: أَنه يَنْبَغِي للْإِمَام مُرَاعَاة الْمصَالح الْعَامَّة، والاهتمام بإصلاح ذَات الْبَين، وَإِثْبَات الْقسَامَة، وَجَوَاز الْيَمين بِالظَّنِّ وَصِحَّة يَمِين الْكَافِر.

قَالَ اللَّيْثُ: حدّثني يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ يَحْيَى: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مَعَ رافِعِ بن خَدِيجٍ.

أَي: قَالَ اللَّيْث بن سعد: حَدثنِي يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن بشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْمَذْكُور عَن قريب، عَن سهل بن أبي حثْمَة ... إِلَى آخِره، هَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث اللَّيْث بِهِ.

وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: حَدثنَا يحيى عنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ وَحْدَهُ.





[ قــ :5814 ... غــ :6144 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ الله حدّثني نافِعٌ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثلُها مَثْلُ المُسْلِمِ تُؤْتِي أكْلُهَا كُلَّ حِينٍ بإذْن رَبِّها، وَلَا تحُتُّ وَرَقَها؟ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي إنَّها النَّخْلَة، فَكَرِهْتُ أنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، فلمَّا لَمْ يَتَكَلَّما قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَةُ.
فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أبي قُلْتُ: يَا أبتاهْ، وَقَعَ فِي نَفْسِي إنَّها النَّخْلَةُ.
قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَن تَقُولَها؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتها كانَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ كَذا وكَذا.
قَالَ: مَا مَنَعَني إلاَّ أنِّي لَمْ أركَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلّمتُما، فَكَرِهْتُ.

أَي قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن سعيد أَيْضا عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر ... إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي: بابُُ مَا لَا يستحي من الْحق، وَمضى أَيْضا فِي الْعلم، وإيراد هَذَا هُنَا لأجل أَن فِيهِ توقير الأكابر.

قَوْله: ( وَلَا تَحت وَرقهَا) ، أَي: لَا تسْقط.
قَوْله: ( فَكرِهت) ، أَي: التَّكَلُّم مَعَ وجود الأكابر.