فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا تسبوا الدهر

( بابٌُ لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ)

أَي: بابُُ فِيهِ الْمَنْع عَن سبّ الدَّهْر وَذكره فِي التَّرْجَمَة بقوله: لَا تسبوا الدَّهْر، فَإِنَّهُ فِي لفظ مُسلم هَكَذَا حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب حَدثنِي جرير عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تسبوا الدَّهْر، قإن الله الدَّهْر، وروى مُسلم هَذَا الحَدِيث بطرق مُخْتَلفَة ومتون متباينة.



[ قــ :5852 ... غــ :6181 ]
- ( حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي أَبُو سَلمَة قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الله يسب بَنو آدم الدَّهْر وَأَنا الدَّهْر بيَدي اللَّيْل وَالنَّهَار) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله يسب بَنو آدم الدَّهْر لِأَن مَعْنَاهُ فِي الْحَقِيقَة يرجع إِلَى لفظ لَا تسبوا الدَّهْر وَيُؤَيّد هَذَا رِوَايَة مُسلم المصرحة بذلك كَمَا ذَكرْنَاهُ والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن وهب بن بَيَان قَوْله يسب بَنو آدم الدَّهْر إِلَى آخِره قَالَ الْخطابِيّ كَانَت الْجَاهِلِيَّة تضيف المصائب والنوائب إِلَى الدَّهْر الَّذِي هُوَ من اللَّيْل وَالنَّهَار وهم فِي ذَلِك فرقتان فرقة لَا تؤمن بِاللَّه وَلَا تعرف إِلَّا الدَّهْر اللَّيْل وَالنَّهَار اللَّذَان هما مَحل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار فتنسب المكاره إِلَيْهِ على أَنَّهَا من فعله وَلَا ترى أَن لَهَا مُدبرا غَيره وَهَذِه الْفرْقَة هِيَ الدهرية الَّذين حكى الله عَنْهُم فِي قَوْله وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر وَفرْقَة تعرف الْخَالِق وتنزهه من أَن تنْسب إِلَيْهِ المكاره فتضيفها إِلَى الدَّهْر وَالزَّمَان وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ كَانُوا يسبون الدَّهْر ويذمونه فَيَقُول الْقَائِل مِنْهُم يَا خيبة الدَّهْر وَيَا بؤس الدَّهْر فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُم مُبْطلًا ذَلِك لَا يسبن أحد مِنْكُم الدَّهْر فَإِن الله هُوَ الدَّهْر يُرِيد وَالله أعلم لَا تسبوا الدَّهْر على أَنه الْفَاعِل لهَذَا الصَّنِيع بكم فَالله هُوَ الْفَاعِل لَهُ فَإِذا سببتم الَّذِي أنزل بكم المكاره رَجَعَ السب إِلَى الله تَعَالَى وَانْصَرف إِلَيْهِ وَمعنى قَوْله أَنا الدَّهْر أَنا مَالك الدَّهْر ومصرفه فَحذف اختصارا للفظ واتساعا فِي الْمَعْنى.

     وَقَالَ  غَيره معنى قَوْله أَنا الدَّهْر أَي الْمُدبر أَو صَاحب الدَّهْر أَو مقلبه أَو مصرفه وَلِهَذَا عقبه بقوله بيَدي اللَّيْل وَالنَّهَار.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي لم عدل عَن الظَّاهِر ثمَّ قَالَ الدَّلَائِل الْعَقْلِيَّة مُوجبَة للعدول ويروى بِنصب الدَّهْر على معنى أَنا بَاقٍ أَو ثَابت فِي الدَّهْر وروى أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن الله قَالَ أَنا الدَّهْر الْأَيَّام والليالي أوجدها وأبليها وَآتِي بملوك بعد مُلُوك


[ قــ :5853 ... غــ :618 ]
- حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدّثنا عَبْدُ الأعْلَى حَدثنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ.
( انْظُر الحَدِيث 618 طرفه فِي: 6183) .


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن عَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف والشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد الْبَصْرِيّ الرقام عَن عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.

قَوْله: ( لَا تسموا الْعِنَب الْكَرم) قَالَ الْخطابِيّ: نهى عَن تَسْمِيَة الْعِنَب كرماً لتوكيد تَحْرِيم الْخمر ولتأبيد النَّهْي عَنْهَا بمحو اسْمهَا.
قَوْله: ( وَلَا تَقولُوا خيبة الدَّهْر) كَذَا هُوَ لأكْثر الروَاة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: يَا خيبة الدَّهْر، وَفِي رِوَايَة غير البُخَارِيّ: واخيبة الدَّهْر، والخيبة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَهِي الحرمان، وانتصاب الخيبة على الندبة كَأَنَّهُ فقد الدَّهْر لما يصدر عَنهُ مِمَّا يكرههُ فندبه متفجعاً عَلَيْهِ أَو متوجعاً مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هُوَ دُعَاء على الدَّهْر بالخيبة، وَهُوَ كَقَوْلِهِم قحط الله نوأها يدعونَ على الأَرْض بِالْقَحْطِ، وَهِي كلمة هَذَا أَصْلهَا ثمَّ صَارَت تقال لكل مَذْمُوم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم بِلَفْظ: وادهراه { وادهراه}