فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب رفع البصر إلى السماء

( بابُُ رَفْعِ البَصَرِ إِلَى السَّماءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء.
وَفِيه الرَّد على من قَالَ: لَا يَنْبَغِي النّظر إِلَى السَّمَاء تخشعاً وتذللاً لله تَعَالَى وَهُوَ بعض الزهاد، وروى عَن عَطاء السّلمِيّ أَنه مكث أَرْبَعِينَ سنة لَا ينظر إِلَى السَّمَاء، فحانت مِنْهُ نظرة فَخر مغشياً عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ فتق فِي بَطْنه، وَذكر الطَّبَرِيّ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه كره أَن يرفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الدُّعَاء، وَإِنَّمَا نهى عَن ذَلِك الْمُصَلِّي فِي دُعَاء كَانَ أَو غَيره، كَمَا تقدم فِي كتاب الصَّلَاة عَن أنس رَفعه: مَا بَال أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة؟ فَاشْتَدَّ قَوْله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ: لينتهين عَن ذَلِك أَو ليخطفن أَبْصَارهم، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن جَابر نَحوه، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن ابْن عمر نَحوه،.

     وَقَالَ : أَن تلتمع، وَصَححهُ ابْن حبَان.

وقَوْلِهِ تَعَالَى: { ( 88) أَفلا ينظرُونَ إِلَى.
.
كَيفَ رفعت}
( الغاشية: 17 18) وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على رفع الْبَصَر وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: { كَيفَ خلقت} وَزَاد الْأصيلِيّ وَغَيره: { وَإِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت} وَهَذَا أولى لِأَن الِاسْتِدْلَال فِي جَوَاز رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء، بقوله: { وَإِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت} أَي: وَلَا ينظرُونَ إِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت وَهِي قَائِمَة على غير عمد، وَقد ذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي تَخْصِيص الْإِبِل بِالذكر وُجُوهًا كَثِيرَة.
مِنْهَا: مَا قَالَه الْكَلْبِيّ: إِنَّهَا تنهض بحملها وَهِي باركة.
وَمِنْهَا: مَا قَالَه مقَاتل: إِنَّهَا عيس الْعَرَب وأعز الْأَمْوَال عِنْدهم.
وَمِنْهَا: مَا قَالَه الْحسن حِين سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة، وَقيل لَهُ: الْفِيل أعظم فِي الأعجوبة: إِن الْعَرَب بعيدَة الْعَهْد فَلَا يركب ظهرهَا وَلَا يُؤْكَل لَحمهَا وَلَا يحلب درها.
وَمِنْهَا: مَا قيل: إِنَّهَا فِي عظمها للْحَمْل الثقيل تنقاد للقائد الضَّعِيف،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: ذكر الله ارْتِفَاع سرر الْجنَّة وفرشها، فَقَالُوا: كَيفَ نصعدها؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.

وَقَالَ أيُّوبُ عَنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عَنْ عائِشَةَ: رَفَعَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسَهُ إِلَى السَّماءِ
لم يثبت هَذَا التَّعْلِيق إلاَّ لأبي ذَر عَن الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي، وَهُوَ طرف من حَدِيث أَوله: مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي ويومي وَبَين سحرِي وَنَحْرِي ... الحَدِيث، وَفِيه: فَرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء.

     وَقَالَ : الرفيق الْأَعْلَى، أخرجه هَكَذَا أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل ابْن علية عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن عَائِشَة، وَقد مضى للْبُخَارِيّ فِي الْوَفَاة النَّبَوِيَّة من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب بِتَمَامِهِ لَكِن فِيهِ: فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء.
وَأخرج مُسلم من حَدِيث أبي مُوسَى: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء.
وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن سَلام: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جلس يتحدث يكثر أَن يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء.



[ قــ :5886 ... غــ :6215 ]
- حدَّثنا ابنُ أبِي مَرَيَمَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أخْبَرَنِي شَرِيكٌ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَها، فَلَمَّا كانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّماءِ فَقَرَأ: { إِن فِي خلق السَّمَاوَات.
.
لأولي الْأَلْبابُُ}
( آل عمرَان: 190) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَنظر إِلَى السَّمَاء) .
وَابْن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ، وروى عَن مُحَمَّد ابْن جَعْفَر بن أبي كثير عَن شريك، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ابْن عبد الله بن أبي نمر بن عبد الله عَن كريب بن أبي مُسلم مولى ابْن عَبَّاس، ومَيْمُونَة زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ التَّهَجُّد فِي أَوَاخِر الصَّلَاة.

قَوْله: ( الآخر) ويروى: الْأَخير.
قَوْله: ( أَو بعضه) شكّ من الرَّاوِي، ويروى: أَو بعده، وَالله أعلم.