فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب

( بابُُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ العُطاسِ وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التّثاؤُبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الَّذِي يسْتَحبّ من العطاس، وَكَرَاهَة التثاؤب وَهُوَ بِالْهَمْزَةِ على الْأَصَح، وَقيل بِالْوَاو، وَقيل: التثاؤب على وزن التفاعل، وَهُوَ النَّفس الَّذِي ينفتح مِنْهُ الْفَم من الامتلاء وَثقل النَّفس وكدورة الْحَواس وَيُورث الْغَفْلَة والكسل، وَلذَلِك أحبه الشَّيْطَان وَضحك مِنْهُ، والعطاس سَبَب لخفة الدِّمَاغ واستفراغ الفضلات عَنهُ وصفاء الرّوح، وَلذَلِك كَانَ أمره بِالْعَكْسِ.



[ قــ :5894 ... غــ :6223 ]
- حدَّثنا آدَمْ بنُ أبي إياسٍ حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْب حَدثنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ الله يُحِبُّ العُطاسَ ويَكْرَهُ التَّثاوُبِ، فَإِذا عَطَسَ فَحَمِدَ الله فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يُشَمِّتَهُ، وأمَّا التثاؤُبُ فإنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطانِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتطاعَ، فَإِذا قَالَ: هَا، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطانُ.
( انْظُر الحَدِيث 3289 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب.
واسْمه هِشَام بن سعد الْقرشِي الْمدنِي، وَسَعِيد المَقْبُري ابْن كيسَان الْمدنِي والمقبري بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا، وَكَانَ يسكن عِنْد مَقْبرَة فنسب إِلَيْهَا.

والْحَدِيث مضى فِي بَدْء الْخلق عَن عَاصِم بن عَليّ.

قَوْله: ( إِن الله يحس العطاس) ، يَعْنِي الَّذِي لَا ينشأ من الزُّكَام لِأَنَّهُ الْمَأْمُور فِيهِ بالتحميد والتشميت، وَيحْتَمل التَّعْمِيم، كَذَا قَالَه بَعضهم.
قلت: ظَاهره التَّعْمِيم لَكِن خرج مِنْهُ الَّذِي يعطس أَكثر من ثَلَاث مَرَّات، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: ( فَحق على كل مُسلم سَمعه أَن يشمته) ، ظَاهره الْوُجُوب، وَلَكِن نقل النَّوَوِيّ الِاتِّفَاق على الِاسْتِحْبابُُ، وَقد مر بَيَان الْخلاف فِيهِ، ويستدل بِهِ على اسْتِحْبابُُ مبادرة الْعَاطِس بالتحميد.
قَوْله: ( من الشَّيْطَان) ، إِنَّمَا نسب التثاؤب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يزين للنَّفس شهوتها وَهُوَ من امتلاء الْبدن وَكَثْرَة المأكل، وَقيل: مَا تثاءب نَبِي قطّ لِأَنَّهُ لَا يُضَاف إِلَيْهِ عمل للشَّيْطَان فِيهِ حَظّ.
قَوْله: ( فليرده) ، يَعْنِي: إِمَّا بِوَضْع الْيَد على الْفَم، وَإِمَّا بتطبيق الشفتين وَذَلِكَ لِئَلَّا يبلغ الشَّيْطَان مُرَاده من ضحكه عَلَيْهِ من تَشْوِيه صورته أَو من دُخُوله فَمه، كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات، ويخفض صَوته وَلَا يمده فِي تثاؤبه، وَقد كره ذَلِك فِي العطاس فضلا عَن التثاؤب، وَقَالُوا: وَمن آدَاب الْعَاطِس أَن يخْفض بالعطسة صَوته، وَأَن يُزَوجهُ بِالْحَمْد، وَأَن يُغطي وَجهه لِئَلَّا يَبْدُو من فِيهِ أَو أَنفه مَا يُؤْذِي جليسه، وَلَا يلوى عُنُقه يَمِينا وَلَا شمالاً لِئَلَّا يتَضَرَّر بذلك، وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بِسَنَد جيد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عطس وضع يَده على فَمه وخفض صَوته.
قَوْله: ( فَإِذا قَالَ: هَا، ضحك مِنْهُ الشَّيْطَان) ، وَلَفظه: هَا، حِكَايَة صَوت المتثاوب يَعْنِي: إِذْ بَالغ فِي الثوباء ضحك مِنْهُ الشَّيْطَان فَرحا بذلك.