فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا تثاءب فليضع يده على فيه

( بابٌُ إِذا تَثاوَبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا تثاوب أحد فليضع يَده على فِيهِ، أَي: فَمه، وتثاوب بِالْوَاو فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: التثاؤب بِالْهَمْزَةِ بدل الْوَاو، وَقد وَقع الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.



[ قــ :5897 ... غــ :6226 ]
- حدَّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيّ حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبِرِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ الله يُحِبُّ العُطاسَ وَيَكْرَهُ التَّثاؤُبَ، فإِذا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ الله كَانَ حَقاً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ الله، وأمَّا التَّثاوبُ فإنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإِذا تثاوَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطاعَ فإنَّ أحَدَكُمْ إِذا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطانُ.
( انْظُر الحَدِيث 3289 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عُمُوم الرَّد بيشمل وضع الْيَد على الْفَم، وَقد روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد من طَرِيق سهل بن أبي صَالح عَن عبد الرَّحْمَن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أَبِيه بِلَفْظ: إِذا تثاوب أحدكُم فليمسك بِيَدِهِ على فَمه.

والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بابُُ مَا يسْتَحبّ من العطاس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، قيل: إِذا وَقع التثاؤب كَيفَ يردهُ؟ وَأجِيب: بِأَن الْمَعْنى: أذا أَرَادَ التثاؤب، أَو أَن الْمَاضِي بِمَعْنى الْمُضَارع، وَقيل: ضحك الشَّيْطَان حَقِيقَة أَو هُوَ مجَاز عَن الرِّضَا بِهِ؟ وَأجِيب: بِأَن الأَصْل هُوَ الْحَقِيقَة فَلَا ضَرُورَة إِلَى الْعُدُول عَنْهَا.
فَإِن قلت: أَكثر رِوَايَات ( الصَّحِيحَيْنِ) : أَن التثاؤب مُطلق، وَجَاء مُقَيّدا بِحَالَة الصَّلَاة فِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي سعيد: إِذا تثاءب أحدكُم فِي الصَّلَاة فليكظم مَا اسْتَطَاعَ فَإِن الشَّيْطَان يدْخل.
قلت: قَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله: يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد، وللشيطان غَرَض قوي فِي التشويش على الْمُصَلِّي فِي صلَاته، وَقيل: الْمُطلق إِنَّمَا يحمل على الْمُقَيد فِي الْأَمر لَا فِي النَّهْي،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: يَنْبَغِي كظم التثاوب فِي كل حَال، وَإِنَّمَا خص الصَّلَاة لِأَنَّهَا أولى الْأَحْوَال بِدَفْعِهِ لما فِيهِ من الْخُرُوج عَن اعْتِدَال الْهَيْئَة واعوجاج الْخلقَة.
وَقَوله: فِي رِوَايَة مُسلم، فَإِن الشَّيْطَان يدْخل، يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْحَقِيقَة، والشيطان وَإِن كَانَ يجْرِي من الْإِنْسَان مجْرى الدَّم، لكنه لَا يتَمَكَّن مِنْهُ مَا دَامَ ذَاكِرًا لله عز وَجل، والمتثاوب فِي تِلْكَ الْحَالة غير ذَاكر فيتمكن الشَّيْطَان من الدُّخُول فِيهِ حَقِيقَة، وَيحْتَمل أَن يكون أطلق الدُّخُول وَأَرَادَ التَّمَكُّن مِنْهُ.