فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من اتكأ بين يدي أصحابه

( بابُُ مَنِ اتَّكأ بَيْنَ يَدَيّ أصْحابِهِ)

أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان من اتكأ، قيل: الاتكاء الِاضْطِجَاع، وَفِي حَدِيث عمر وَهُوَ متكىء على سَرِير أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجع على سَرِير، بِدَلِيل قَوْله: قد أثر السرير فِي جنبه،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: كل مُعْتَمد على شَيْء مُتَمَكن مِنْهُ فَهُوَ متكىء.

وَقَالَ خَبَّابٌ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، قُلْتُ: أَلا تَدْعُو الله؟ فَقَعَدَ
خبابُ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْأَرَت الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، قَالَ بَعضهم: إِيرَاد البُخَارِيّ حَدِيث خبابُ الْمُعَلق يُشِير بِهِ إِلَى أَن الِاضْطِجَاع اتكاء، وَزِيَادَة.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الِاضْطِجَاع هُوَ النّوم، قَالَه ابْن الْأَثِير،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: ضجع الرجل أَي وضع جنبه على الأَرْض، واضطجع مثله، بل الْوَجْه فِي إِيرَاد حَدِيث خبابُ هُوَ كَقَوْلِه: ( وَهُوَ مُتَوَسِّد) فَإِن التوسد يَأْتِي بِمَعْنى الاتكاء، وَلَا سِيمَا على قَول الْخطابِيّ الْمَذْكُور آنِفا، وَأما هَذَا الْمُعَلق فَإِنَّهُ طرف من حَدِيث طَوِيل قد مضى مَوْصُولا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى أخبرنَا يحيى عَن إِسْمَاعِيل أخبرنَا قيس عَن خبابُ بن الْأَرَت قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُتَوَسِّد بردة لَهُ فِي ظلّ الْكَعْبَة قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِر لنا؟ أَلا تَدْعُو الله لنا؟ ... الحَدِيث، وَمضى أَيْضا فِي أول: بابُُ مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.



[ قــ :5943 ... غــ :6273 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا بِشْرخ بنُ المفضلِ حدّثنا الجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألاَ أخْبِرُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالُوا: بَلى يَا رسُولَ الله! قَالَ: الإشْرَاكُ بِاللَّه وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ.
[نه



[ قــ :5943 ... غــ :674 ]
-
حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرٌ، مِثْلَهُ وكانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلا وقَوْلُ الزُّورِ! فَما زالَ يُكَرِّرُها حَتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَكَانَ مُتكئا) .
وَأخرجه من طَرِيقين.
أَحدهمَا: عَن عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ عَن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن الْمفضل على صِيغَة إسم الْمَفْعُول من التَّفْضِيل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن لَاحق أبي إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ عَن الْجريرِي وَهُوَ سعيد بن إِيَاس، والجريري نِسْبَة إِلَى جرير بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء ابْن عباد أخي الْحَارِث ابْن ضبعة بن قيس بن بكر بن وَائِل وَهُوَ يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة يروي عَن أَبِيه أبي بكرَة نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.
وَالطَّرِيق الآخر: عَن مُسَدّد عَن بشر ... إِلَى آخِره.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل كتاب الْأَدَب فِي: بابُُ عقوق الْوَالِدين من الْكَبَائِر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق عَن خَالِد الوَاسِطِيّ عَن الْجريرِي ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( وعقوق الْوَالِدين) قيل: العقوق كَيفَ يكون فِي دَرَجَة الْإِشْرَاك وَهُوَ كفر؟ وَأجِيب: إِنَّمَا أَدخل فِي سلكه تَعْظِيمًا لأمر الْوَالِدين وتغليظاً على الْعَاق أَو المُرَاد: إِن أكبر الْكَبَائِر فِيمَا يتَعَلَّق بِحَق الله الْإِشْرَاك، وَفِيمَا يتَعَلَّق بِحَق النَّاس العقوق.
قَوْله: ( الزُّور) هُوَ الْبَاطِل.

وَقَالَ الْمُهلب فِيهِ: جَوَاز اتكاء الْعَالم بَين يَدي النَّاس وَفِي مجْلِس الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ السُّلْطَان والأمير فِي بعض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من ذَلِك لَا لما يجده فِي بعض أَعْضَائِهِ، أَو الرَّاحَة يرتفق بذلك وَلَا يكون ذَلِك فِي عَامَّة جُلُوسه.