فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به

( بابُُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ مُلْتَحِفاً بهِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صَلَاة من يُصَلِّي فِي الثَّوْب الْوَاحِد حَال كَونه ملتحفاً بِهِ.
الالتحاف، لُغَة: التغطي، وكل شَيْء تغطيت بِهِ فقد التحفت بِهِ،.

     وَقَالَ  اللَّيْث: اللحف تغطيتك الشَّيْء باللحاف،.

     وَقَالَ  غَيره: لحفت الرجل ألحفه لحفاً: إِذا طرحت عَلَيْهِ اللحاف، أَو غطيته بِشَيْء، وتلحفت: اتَّخذت لنَفْسي لحافاً.

قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ المُلتَحِفُ المُتَوَشِّحُ وَهْوَ المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عاتِقَيْهِ وَهْوَ الإِشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ.

أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ فِي حَدِيثه الَّذِي رَوَاهُ فِي الالتحاف عَن سَالم بن عمر عَن عبد ابْن عمر، قَالَ: ( رأى عمر بن الْخطاب رجلا يُصَلِّي ملتحفاً، فَقَالَ لَهُ عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، حِين سلم: لَا يصلينَّ أحدكُم ملتحفاً، وَلَا تشبهوا باليهود) .
رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن ابْن أبي دَاوُد عَن عبد ابْن صَالح عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : حدّثنا عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر: ( أَن عمر بن الْخطاب رأى رجلا يُصَلِّي ملتحفاً، فَقَالَ: لَا تشبهوا باليهود، من لم يجد مِنْكُم إلاَّ ثوبا وَاحِدًا فليتزر بِهِ) .
وَكَذَا فِي حَدِيثه الَّذِي رَوَاهُ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره.

قَوْله: ( المتوشح) اسْم فَاعل من بابُُ التفعل، من: توشح يتوشح، والتوشح بِالثَّوْبِ: التغشي بِهِ، وَالْأَصْل فِيهِ من الوشاح، وَهُوَ شَيْء ينسج عريضاً من أَدِيم، وَرُبمَا رصع بالجواهر والخرز، وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقيها وكشحيها.
وَيُقَال فِيهِ: وشاح وإشاح،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: التوشح أَن يتوشح بِالثَّوْبِ ثمَّ يخرج الْأَيْسَر من تَحت يَده الْيُمْنَى، ثمَّ يعْقد طرفيها على صَدره، وَقد وشحه الثَّوْب.
قَوْله: ( وَهُوَ الْمُخَالف) أَي: المتوشح هُوَ الَّذِي يُخَالف بَين طرفِي الثَّوْب، وأوضح ذَلِك بقوله: ( وَهُوَ الاشتمال على مَنْكِبَيْه) ، وَالضَّمِير يرجع إِلَى التوشح الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: ( المتوشح) ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { أعدلوا هُوَ أقرب} ( الْمَائِدَة: 8) والظاهرأن الزُّهْرِيّ لما فسر الملتحف بالمتوشح عِنْد رِوَايَة حَدِيثه فِيهِ، أوضحه البُخَارِيّ بقوله: وَهُوَ الْمُخَالف.
إِلَى آخِره.

قَالَ: قالَتْ أُمُّ هَانِىءٍ: التَحَفَ النبيُّ بِثَوبٍ وخالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عاتِقَيْهِ.

هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي هَذَا الْبابُُ، وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ.
( وَخَالف بَين طَرفَيْهِ) ، وَفَائِدَة ذكر هَذَا هِيَ الْإِشَارَة إِلَى أَن أم هانىء فسرت التحاف النَّبِي بِثَوْب بقولِهَا: ( وَخَالف بَين طَرفَيْهِ) .

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَفَائِدَة هَذِه الْمُخَالفَة فِي الثَّوْب أَن لَا ينظر الْمُصَلِّي إِلَى عَورَة نَفسه إِذا ركع.
قلت: يجوز أَن تكون الْفَائِدَة أَيْضا أَن لَا يسْقط إِذا ركع وَإِذا سجد.

وَأم هانىء، بالنُّون وبالهمزة: بنت أبي طَالب القريشية الهاشمية، أُخْت عَليّ بن أبي طَالب، اسْمهَا فَاخِتَة، وَقيل: هِنْد وَقد تقدم ذكرهَا.


[ قــ :350 ... غــ :354]
- حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ موسَى قَالَ حدّثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ أنَّ النبيَّ صَلَّى فِي ثَوْبٍ واحدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ.
( الحَدِيث 453 طرفاه فِي: 553، 653) .

مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن قَوْله: ( قد خَالف بَين طَرفَيْهِ) هُوَ الالتحاف الَّذِي هُوَ التوشح، والاشتمال على الْمَنْكِبَيْنِ.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة.
الأول: عبيد ا، بتصغير العَبْد: بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي، مَوْلَاهُم الْكُوفِي، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر فِي بابُُ دعاؤكم إيمَانكُمْ.
الثَّانِي: هِشَام بن عُرْوَة.
الثَّالِث: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
الرَّابِع: عمر بن أبي سَلمَة، بِضَم الْعين، وَاسم أبي سَلمَة: عبد االمخزومي أَبُو حَفْص، ربيب رَسُول ا، ولد بِأَرْض الْحَبَشَة فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَقبض زمَان عبد الْملك بن مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ لِأَن هشاماً تَابِعِيّ روى عَن أَبِيه وَهُوَ تَابِعِيّ وروى هُوَ عَن صَحَابِيّ، وَهَذَا سَنَد عَال جدا يشبه سَنَد الثلاثيات، وَلَو كَانَ هِشَام يرويهِ عَن صَحَابِيّ لَكَانَ ثلاثياً حَقِيقَة.
لِأَنَّهُ يكون حينئذٍ بَين البُخَارِيّ وَبَين الصَّحَابِيّ اثْنَيْنِ، فَيكون: ثلاثياً، وَهنا بَينه وَبَين الصَّحَابِيّ: ثَلَاثَة، فَيُشبه الثلاثي من جِهَة الْعُلُوّ، وَلَيْسَ بثلاثي حَقِيقَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
أخرجه البُخَارِيّ من ثَلَاثَة طرق عَن عبيد ابْن مُوسَى، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَعَن عبيد ابْن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى، وَعَن أبي كريب، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك، وَابْن ماجة عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع، الْكل عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه بِهِ.
وَبَقِيَّة الْكَلَام ظَاهِرَة.





[ قــ :351 ... غــ :355]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدّثنا يَحْيَى قَالَ حدّثنا هِشَامٌ قالَ حدّثني أبي عَنْ عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَة أنَّهُ رَأَى النبيَّ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ ألْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عاتِقَيْهِ.


هَذِه طَريقَة أُخْرَى فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَلكنهَا أنزل دَرَجَة من الطَّرِيقَة الأولى، وَفَائِدَة هَذِه الطَّرِيقَة أَن فِيهَا التَّصْرِيح عَن عمر بن أبي سَلمَة أَنه رأى النَّبِي يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد، وفيهَا زِيَادَة وَهِي قَوْله: ( فِي بَيت أم سَلمَة) .
وَفَائِدَة هَذِه الزِّيَادَة تعْيين الْمَكَان الَّذِي يُؤَيّد التَّصْرِيح الْمَذْكُور.

وَرِجَاله المذكورون قد مروا غير مرّة، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة.
وَقد مرت غير مرّة، وَهِي أم عمر بن أبي سَلمَة الْمَذْكُور.
هَذِه طَريقَة أُخْرَى فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بالنزول عَن عبيد بِضَم الْعين مُصَغرًا ابْن إِسْمَاعِيل وَيُقَال اسْمه عبد الله وَيعرف بعبيد أَبُو مُحَمَّد الْهَبَّاري بِفَتْح الْهَاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْكُوفِي مَاتَ سنة خمس وَمِائَتَيْنِ يروي عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وَقد تقدم فِي بابُُ فضل من علم وَفِي هَذِه الطَّرِيقَة فَائِدَتَانِ ليستا فِي الطريقتين الْأَوليين إِحْدَاهمَا أَن فِيهَا تَصْرِيح هِشَام عَن أَبِيه بِأَن عمر أخبرهُ وَفِي الطريقتين الْأَوليين العنعنة وَالْأُخْرَى فِيهَا ذكر لفظ الاشتمال وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة تَفْسِير قَوْله " قد خَالف بَين طَرفَيْهِ وَألقى طَرفَيْهِ على عَاتِقيهِ " وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من أَربع طرق صِحَاح الأولى عَن أبي بكرَة قَالَ حَدثنَا روح بن عبَادَة قَالَ حَدثنَا هِشَام بن حسان وَشعْبَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عمر بن أبي سَلمَة " أَنه رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد فِي بَيت أم سَلمَة ".
الثَّانِيَة عَن يُونُس عَن ابْن وهب عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه " عَن عمر بن أبي سَلمَة أَنه رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد فِي بَيت أم سَلمَة وَاضِعا طَرفَيْهِ على عَاتِقيهِ " الثَّالِثَة عَن ابْن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم وَعبد الله بن صَالح قَالَ حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن يحيى بن سعيد عَن أبي أُمَامَة بن سهل عَن عمر بن أبي سَلمَة قَالَ " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد ملتحفا بِهِ " وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد إِلَى آخِره وَلَفظه فِي آخِره " مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ على مَنْكِبَيْه ".
الرَّابِعَة مثل رِوَايَة أبي دَاوُد عَن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا عبد الله بن صَالح حَدثنِي اللَّيْث قَالَ حَدثنِي يحيى بن سعيد عَن أبي أُمَامَة بن سهل عَن عمر بن أبي سَلمَة قَالَ " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد ملتحفا بِهِ مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ على مَنْكِبَيْه " قَوْله " يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد " جملَة فعلية فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول ثَان لقَوْله " رَأَيْت " قَوْله " مُشْتَمِلًا " بِالنّصب على الْحَال من الرَّسُول هَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي بِالْجَرِّ أَو الرّفْع فَوجه الْجَرّ للمجاورة وَوجه الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير وَهُوَ مُشْتَمل بِهِ قَوْله " فِي بَيت أم سَلمَة " أما ظرف لقَوْله يُصَلِّي أما للاشتمال وَأما لَهما.

     وَقَالَ  ابْن بطال التوشح نوع من الاشتمال تجوز الصَّلَاة بِهِ وَالْفُقَهَاء مجمعون على جَوَاز الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد وَقد رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود خلاف ذَلِك ( قلت) ذهب طَاوس وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة وَعبد الله بن وهب من أَصْحَاب مَالك وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ إِلَى أَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد مَكْرُوهَة إِذا كَانَ قَادِرًا على ثَوْبَيْنِ وَإِن لم يكن قَادِرًا إِلَّا على ثوب وَاحِد يكره أَيْضا أَن يُصَلِّي بِهِ ملتحفا مُشْتَمِلًا بِهِ بل السّنة أَن يأتزر بِهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ قَالَ حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا زُهَيْر بن عباد قَالَ حَدثنَا حَفْص بن ميسرَة عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا صلى أحدكُم فليلبس ثوبيه فَإِن الله أَحَق من تزين لَهُ فَإِن لم يكن لَهُ ثَوْبَان فليتزر إِذا صلى وَلَا يشْتَمل أحدكُم فِي صلَاته اشْتِمَال الْيَهُود " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا.
وَذهب جُمْهُور أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد تجوز وَالَّذين ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعلي بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأنس بن مَالك وخَالِد بن الْوَلِيد وَجَابِر بن عبد الله وعمار بن يَاسر وَأبي بن كَعْب وَعَائِشَة وَأَسْمَاء وَأم هَانِيء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن التَّابِعين الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن الْفُقَهَاء أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بالأحاديث الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبابُُ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث وَتَتَابَعَتْ بِجَوَاز الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد متوشحا بِهِ فِي حَال وجود غَيره من الثِّيَاب وَأخرج فِي ذَلِك عَن أحد عشر صحابيا وهم أَبُو هُرَيْرَة وطلق بن عَليّ وَجَابِر بن عبد الله وَعبد الله بن عمر وَعمر بن أبي سَلمَة وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَعبد الله بن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأنس بن مَالك وَأم هَانِيء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة فِي الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد قَالَ وَفِي الْكتاب عَن أبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَأنس وَعَمْرو ابْن أبي أَسد وَأبي سعيد وكيسان وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأم هَانِيء وعمار بن يَاسر وطلق بن عَليّ وَعبادَة بن الصَّامِت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ( قلت) وَفِي الْبابُُ أَيْضا عَن حُذَيْفَة وَعبد الله بن أبي أُميَّة وَعبد الله بن أبي أنيس وَعبد الله بن سرجس وَعبد الله بن عبد الله بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَعلي بن أبي طَالب ومعاذ بن جبل وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأبي أُمَامَة وَأبي عبد الرَّحْمَن حاضن عَائِشَة وَأم حَبِيبَة وَأم الْفضل وَرجل لم يسم فَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ وَأبي دَاوُد وَحَدِيث طلق بن عَليّ عِنْد أبي دَاوُد والطَّحَاوِي وَحَدِيث جَابر عِنْد الطَّحَاوِيّ وَالْبَزَّار وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد الطَّحَاوِيّ وَحَدِيث عمر بن أبي سَلمَة عِنْد البُخَارِيّ وَغَيره وَحَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع عِنْد أبي دَاوُد والطَّحَاوِي وَحَدِيث أم هَانِيء عِنْد البُخَارِيّ وَغَيره وَحَدِيث عبد الله بن عَبَّاس عِنْد الطَّحَاوِيّ وَحَدِيث أبي بن كَعْب عِنْد ابْن أبي شيبَة والطَّحَاوِي وَحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ عِنْد ابْن ماجة والطَّحَاوِي وَحَدِيث أنس بن مَالك عِنْد أَحْمد والطَّحَاوِي وَحَدِيث عَمْرو بن أبي أَسد عِنْد الْبَغَوِيّ فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَالْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَحَدِيث كيسَان عِنْد ابْن ماجة وَحَدِيث عَائِشَة عِنْد أبي دَاوُد وَحَدِيث عمار بن يَاسر عِنْد وَحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَحَدِيث حُذَيْفَة عِنْد أَحْمد وَحَدِيث عبد الله بن أبي أُميَّة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَحَدِيث عبد الله بن أبي أنيس عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَحَدِيث عبد الله بن سرجس عِنْده أَيْضا وَحَدِيث عبد الله بن عبد الله الْمُغيرَة عِنْد أَحْمد وَحَدِيث عَليّ بن أبي طَالب عِنْد الطَّبَرَانِيّ.
وَحَدِيث معَاذ عِنْده أَيْضا وَحَدِيث مُعَاوِيَة عِنْده أَيْضا وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْده أَيْضا وَحَدِيث عبد الرَّحْمَن حاضن عَائِشَة عِنْده أَيْضا فِي الْأَوْسَط وَحَدِيث أم حَبِيبَة عِنْد أَحْمد وَحَدِيث أم الْفضل عِنْده أَيْضا وَحَدِيث الرجل الَّذِي لم يسم عِنْده أَيْضا فَمن أَرَادَ أَن يقف على متون أَحَادِيثهم بأسانيدها فَعَلَيهِ بشرحنا شرح مَعَاني الْآثَار.
وَأما الْجَواب عَمَّا احتجت بِهِ الطَّائِفَة الأولى من حَدِيث عبد الله بن عمر فَهُوَ أَن ابْن عمر روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِبَاحَة الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد أخرجه الطَّحَاوِيّ عَن أبي بكرَة عَن روح عَن زَمعَة بن صَالح قَالَ سَمِعت ابْن شهَاب يحدث عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثل مَا روى البُخَارِيّ عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَظهر من هَذَا أَن حَدِيثه ذَاك فِي اسْتِعْمَال الْأَفْضَل فَبِهَذَا يرْتَفع الْخلاف بَين روايتيه وَكَذَلِكَ كل مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبابُُ من منع الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد فَهُوَ مَحْمُول على الْأَفْضَل لَا على عدم الْجَوَاز وَقيل هُوَ مَحْمُول على التَّنْزِيه لَا على التَّحْرِيم


[ قــ :353 ... غــ :357]
- حَدَّثَنَا إسْماعِيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ قَالَ حدّثني مالِكُ بنُ أنسٍ عَنْ أبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هانِىءٍ بِنْتِ أبي طالِبٍ أخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هانِىءٍ بِنْتَ أبي طالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رسولِ الله عامَ الفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وفاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فقالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنا أُمُّ هَانِيءٍ بِنْتُ أبي طالِبٍ فقالَ مَرْحَباً بأُمِّ هَانِىءٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسُلِهِ قامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفاً فِي ثَوْبٍ واحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ.

قُلْتُ يَا رسولَ اللَّهِ زَعَمَ ابنُ أُمِّي أنَّهُ قاتِلٌ رَجُلاٌ قَدْ أجَرْتُهُ فُلاَنَ بنَ هُبَيْرَةَ فَقال رسولُ الله قَدْ أجَرْنَا مَنْ أجَرْتِ يَا أُمِّ هَانِىءٍ قالَتْ أُمُّ هَانِيءٍ وذَاَكَ ضُحًى.
( انْظُر الحَدِيث 0 وطرفيه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: واسْمه سَالم بن أبي أُميَّة مولى عمر بن عبيد ابْن معمر القريشي التَّيْمِيّ، مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة، وَأَبُو مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: اسْمه يزِيد.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون.
وَفِيه: أَن أَبَا مرّة مولى أم هانىء، وَذكر فِي بابُُ الْعلم مولى عقيل، وَهُوَ فِي نفس الْأَمر مولى أم هَانِيء، وَنسب إِلَى وَلَاء عقيل مجَازًا لإكثاره الْمُلَازمَة لعقيل.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة وَفِي الْأَدَب عَن القعْنبِي.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة، وَفِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رمح، عَن أبي كريب، وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن حجاج بن الشَّاعِر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن عَن مَالك بِهِ، وَفِي السّير عَن أبي الْوَلِيد الدِّمَشْقِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن مهْدي عَن مَالك، وَفِي السّير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.
وَأخرجه ابْن ماجة فِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن رمح.

ذكر مَعَانِيه وَإِعْرَابه قَوْله: ( عَام الْفَتْح) أَي: فتح مَكَّة.
قَوْله: ( يغْتَسل) جملَة حَالية.
وَقَوله: ( وَفَاطِمَة تستره) ، جملَة إسمية حَالية أَيْضا.
قَوْله: ( فَقلت أَنا) .
ويروى: ( قلت) .
بِدُونِ: الْفَاء.
قَوْله: ( مرْحَبًا) ، مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره: لقِيت رحبا وسعة.
قَوْله: ( ثَمَانِي رَكْعَات) بِكَسْر النُّون وَفتح الْيَاء، قَالَ الْكرْمَانِي: ثَمَان رَكْعَات، بِفَتْح النُّون.
قلت: حينئذٍ يكون مَنْصُوبًا بقوله: فصلى،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: هُوَ فِي الأَصْل مَنْسُوب إِلَى الثّمن، لِأَنَّهُ الْجُزْء الَّذِي صير السَّبْعَة ثَمَانِيَة فَهُوَ ثمنهَا، ثمَّ إِنَّهُم فتحُوا أَوله لأَنهم يغيرون فِي النّسَب، وحذفوا مِنْهُ إِحْدَى يائي النِّسْبَة وعوضوا مِنْهَا الْألف، كَمَا فعلوا فِي الْمَنْسُوب إِلَى الْيمن، فثبتت ياؤه عِنْد الْإِضَافَة كَمَا ثبتَتْ يَاء القَاضِي تَقول: ثَمَانِي نسْوَة، وَتسقط مَعَ التَّنْوِين عِنْد الرّفْع والجر، وتثتب عِنْد النصب لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجمع.
قَوْله: ( ملتحفاً) ، نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: صلى.
قَوْله: ( فَلَمَّا انْصَرف) أَي: من الصَّلَاة.
قَوْله: ( زعم) ، مَعْنَاهُ هُنَا: قَالَ أَو ادّعى.

قَوْله: ( ابْن أُمِّي) وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: ( ابْن أبي) ، وَلَا تفَاوت فِي الْمَقْصُود لِأَنَّهَا أُخْت عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، من الْأَب وَالأُم، وَلَكِن الْوَجْه فِي رِوَايَة: ( ابْن أُمِّي) تَأْكِيد الْحُرْمَة والقرابة والمشاركة فِي الْبَطن، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى، حِكَايَة عَن هَارُون لمُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام: { قَالَ يَا ابْن أُمِّي لَا تَأْخُذ بلحيتي} ( طه: 49) .
قَوْله: ( إِنَّه قَاتل) لفظ قَاتل اسْم فَاعل لَا ماضٍ من بابُُ المفاعلة، وَالْمعْنَى أَنه عازم لقَتله، لِأَنَّهُ لم يكن قَاتلا حَقِيقَة فِي ذَلِك الْوَقْت، وَلَكِن لما عزم على التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ أطلقت عَلَيْهِ الْقَاتِل.
قَوْله: ( رجلا) مَنْصُوب بقوله: قَاتل.
قَوْله: ( قد أجرته) جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لرجل، وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة بِدُونِ الْمَدّ، وَلَا يجوز فِيهِ الْمَدّ لِأَنَّهُ إِمَّا من الْجور فَتكون الْهمزَة فِيهِ للسلب.
والإزالة يَعْنِي لسلب الْفَاعِل على الْمَفْعُول أصل الْفِعْل، نَحْو: أشكيته، أَي: أزلت شكايته.
وَإِمَّا من الْجوَار بِمَعْنى: الْمُجَاورَة.

قَوْله: ( فلَان بن هُبَيْرَة) يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَأما النصب فعلى أَنه بدل من: رجلا، أَو من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي أجرته.
وهبيرة، بِضَم الْهَاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: ابْن أبي وهب بن عمر بن عَائِد بن عمرَان المَخْزُومِي زوج أم هانىء بنت أبي طَالب، شَقِيقَة عَليّ بن أبي طَالب، كرم اوجهه، وَهِي أسلمت عَام الْفَتْح، وَكَانَ لهبيرة أَوْلَاد مِنْهَا وهم: عمر، وَبِه كَانَ يكنى، وهانيء ويوسف وجعدة، وَقد ذكرنَا أَن اسْم أم هانىء: فَاخِتَة، وكنيت بهانىء أحد أَوْلَادهَا الْمَذْكُورين.
ثمَّ قَوْلهَا؛ فلَان ابْن هُبَيْرَة، فِيهِ اخْتِلَاف كثير من جِهَة الرِّوَايَة وَمن جِهَة التَّفْسِير، فَفِي ( التَّمْهِيد) من حَدِيث مُحَمَّد بن عجلَان عَن سعيد بن أبي سعد عَن أبي مرّة: ( عَن أم هانىء قَالَت: أَتَانِي يَوْم الْفَتْح حموان لي فاجرتهما، فجَاء عَليّ يُرِيد قَتلهمَا فَأتيت النَّبِي وَهُوَ فِي قبَّة بِالْأَبْطح بِأَعْلَى مَكَّة) .
الحَدِيث، وَفِيه: ( أجرنا من أجرت وأمَّنَّا من أمنت) .
وَفِي ( مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) ( إِنِّي أجرت حموي) .

وَفِي رِوَايَة: ( حموي ابْن هُبَيْرَة) .
وَفِي رِوَايَة: ( حموي ابْني هُبَيْرَة) .
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: فِي حَدِيث أبي النَّضر مَا يدل على أَن الَّذِي أجرته كَانَ وَاحِدًا، وَفِي هَذَا اثْنَيْنِ: وَأما من جِهَة التَّفْسِير فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج: الرّجلَانِ هما: جعدة بن هُبَيْرَة، وَرجل آخر، وَكَانَا من الشرذمة الَّذين قَاتلُوا خَالِدا، رَضِي اتعالى عَنهُ، وَلم يقبلُوا الْأمان وَلَا ألقوا السِّلَاح، فأجارتهما أم هَانِيء، وَكَانَا من أحمائها، وروى الْأَزْرَقِيّ بِسَنَد فِيهِ الْوَاقِدِيّ فِي حَدِيث أم هَانِيء هَذَا: أَنَّهُمَا الْحَارِث بن هَاشم، وَابْن هُبَيْرَة بن أبي وهب، وَجزم ابْن هِشَام فِي ( تَهْذِيب السِّيرَة) بِأَن اللَّذين أجرتهما أم هانىء هما: الْحَارِث بن هِشَام وَزُهَيْر بن أبي أُميَّة المخزوميان.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَرَادَت أم هانىء ابْنهَا من هُبَيْرَة أَو ربيبها، كَمَا أَن الْإِبْهَام فِيهِ مُحْتَمل أَن يكون من أم هَانِيء، وَأَن يكون الرَّاوِي نسي اسْمه فَذكره بِلَفْظ: فلَان، قَالَ الزبير بن بكار: فلَان بن هُبَيْرَة هُوَ: الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي،.

     وَقَالَ  بَعضهم؛ الَّذِي يظْهر لي أَن فِي رِوَايَة الْبابُُ حذفا، لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ فلَان بن عَم هُبَيْرَة، فَسقط لفظ: عَم، أَو كَانَ فِيهِ: فلَان قريب هُبَيْرَة، فَتغير لفظ: قريب، بِلَفْظ: ابْن، وكل من الْحَارِث بن هِشَام، وَزُهَيْر بن أبي أُميَّة، وَعبد ابْن أبي ربيعَة يَصح وَصفه بِأَنَّهُ: ابْن عَم هُبَيْرَة.
وقريبه، لكَون الْجَمِيع من بني المخزوم.

قلت: الأصوب وَالْأَقْرَب أَن يَقُول فِي تَوْجِيه رِوَايَة أبي النَّضر.
فلَان بن هُبَيْرَة، أَن يكون المُرَاد من فلَان هُوَ: ابْن هُبَيْرَة من غير أم هَانِيء: فنسي الرَّاوِي اسْمه وَذكره بِلَفْظ: فلَان، وَيدل على صِحَة هَذَا رِوَايَة ابْن عجلَان فِي ( التَّمْهِيد) وَرِوَايَات الطَّبَرَانِيّ، فَإِنَّهَا تدل على أَن الَّذِي أجرته أم هَانِيء هُوَ حموها.
فَإِن قلت: الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي النَّضر وَاحِد، وَفِي هَذِه الرِّوَايَات اثْنَان.
قلت: لَا يضر ذَلِك لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الرَّاوِي اقْتصر على ذكر وَاحِد مِنْهُمَا نِسْيَانا، كَمَا أبهم اسْمه نِسْيَانا،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: إِن كَانَ ابْن هُبَيْرَة مِنْهَا فَهُوَ جعدة، وَجوز أَبُو عمر أَن يكون من غَيرهَا وَهُوَ الأصوب لما ذكرنَا.
فَإِن قلت: قَالَ بَعضهم: نقل أَبُو عمر، من أهل النّسَب أَنهم لم يذكرُوا لهبيرة ولدا من غَيرهَا.
قلت: لَا يلْزم من عدم ذكرهم ذَلِك أَن لَا يكون لَهُ ابْن من غَيرهَا.
فَإِن قلت: قَالَ هَذَا الْقَائِل: جعدة مَعْدُود فِيمَن لَهُ رِوَايَة وَلم يَصح لَهُ صُحْبَة، وَقد ذكره من حَيْثُ الرِّوَايَة فِي التَّابِعين: البُخَارِيّ وَابْن حبَان وَغَيرهمَا، فَكيف يتهيأ لمن هَذِه سَبيله فِي صغر السن أَن يكون عَام الْفَتْح مُقَاتِلًا حَتَّى يحْتَاج إِلَى الْأمان؟ ثمَّ لَو كَانَ ولد أم هانىء لم يهم، عَليّ رَضِي اعنه، بقتْله لِأَنَّهَا كَانَت قد أسلمت وهرب زَوجهَا وَترك وَلَدهَا عِنْدهَا؟ قلت: كَونه تابعياً أَو صحابياً على مَا فِيهِ الِاخْتِلَاف لَا يُنَافِي مَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا قبل ذَلِك، وَقَوله: فَكيف يتهيأ إِلَى آخِره؟ مُجَرّد دَعْوَى فَيحْتَاج إِلَى برهَان، فَظهر مِمَّا ذكرنَا أَن قَول الْكرْمَانِي: أَرَادَت أم هانىء ابْنهَا من هُبَيْرَة أَو ربيبها أقرب إِلَى الصَّوَاب وأوجه.

وَقَول بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر لي ... الخ بعيد من ذَلِك، وَتصرف من عِنْده بِغَيْر وَجه لِأَن فِيهِ ارْتِكَاب الْحَذف وَالْمجَاز وَالتَّقْدِير بِشَيْء بعيد غير مُنَاسِب، ومخالف لما ذكره هَؤُلَاءِ المذكورون آنِفا، وَهَذَا كُله خلاف الأَصْل، وَمِمَّا يمجه من لَهُ يَد فِي التَّصَرُّف فِي الْكَلَام.

قَوْله: ( وَذَلِكَ ضحى) ويروى: ( وَذَاكَ ضحى) ، وَهُوَ إِشَارَة لما ذكرته من قَوْلهَا: ( فصلى ثَمَانِي رَكْعَات) أَي: كَانَ ذَلِك وَقت ضحى، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَة أَحْمد فِي هَذَا الحَدِيث، وَذَلِكَ يو فتح مَكَّة ضحى، وَيجوز أَيْضا يُقَال: وَذَلِكَ صَلَاة ضحى، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَة أبي حَفْص بن شاهين أَن أم هانىء قَالَت: يَا رَسُول ا؟ مَا هَذِه الصَّلَاة؟ قَالَ: ( الضُّحَى) ، وَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة: ( ثمَّ صلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات) ، وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الْأَصَح، وَهَذَا أَيْضا يمْنَع التحرض فِي ذَلِك بِأَن قَالَ بَعضهم هِيَ: صَلَاة الْفَتْح، وَبَعْضهمْ: صَلَاة الْإِشْرَاق، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا فِي رِوَايَة مُسلم: ( ثمَّ صلى ثَمَانِي رَكْعَات سبْحَة الضُّحَى) .
ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ: مِنْهَا: جَوَاز تستر الرِّجَال بِالنسَاء.
وَمِنْهَا: جَوَاز السَّلَام من وَرَاء حجاب.
وَمِنْهَا: عدم الِاكْتِفَاء بِلَفْظ: أَنا، فِي الْجَواب، بل يُوضح غَايَة التَّوْضِيح كَمَا فِي ذكر الكنية وَالنّسب هَهُنَا.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ الترحيب بالزائر وَذكر كنيته.
وَمِنْهَا: أَنه يدل على صَلَاة الضُّحَى وَأَنَّهَا ثَمَانِي رَكْعَات.
وَمِنْهَا: جَوَاز أَمَان رجل حر أَو امْرَأَة حرَّة لكَافِر وَاحِد أَو جمَاعَة، وَلم يجز بعد ذَلِك قِتَالهمْ إلاَّ أَن يكون فِي ذَلِك مفْسدَة، وَلَا يجوز أَمَان ذمِّي لِأَنَّهُ مُتَّهم بهم، وَلَا أَسِير وَلَا تَاجر يدْخل عَلَيْهِم، وَلَا أَمَان عبد عِنْد أبي حنيفَة إلاَّ أَن يَأْذَن لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَال.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: يجوز، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأبي يُوسُف فِي رِوَايَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ.
مثل قَول أبي حنيفَة، وَلَو أَمن الصَّبِي وَهُوَ لَا يعقل لَا يَصح، كَالْمَجْنُونِ.
وَإِن كَانَ يعقل وَهُوَ مَحْجُور عَن الْقِتَال فعلى الْخلاف، وَإِن كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي الْقِتَال فَالْأَصَحّ أَنه يَصح بالِاتِّفَاقِ.




[ قــ :354 ... غــ :358]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة أَن سَائِلًا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أولكلكم ثَوْبَان) مُطَابقَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن السُّؤَال فِيهِ عَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَالْجَوَاب فِي الْحَقِيقَة أَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد جَائِزَة على مَا تقرر عَن قريب ( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة وَمَالك هُوَ ابْن أنس وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم عَن يحيى بن يحيى قَالَ قَرَأت على مَالك عَن ابْن شهَاب إِلَى آخِره نَحوه.

     وَقَالَ  حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى قَالَ أخبرنَا ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي يُونُس وحَدثني عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث قَالَ حَدثنِي أبي عَن جدي قَالَ حَدثنِي عقيل بن خَالِد كِلَاهُمَا عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي عَن مَالك وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من سِتَّة طرق وَأحمد والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ وروى ابْن حبَان هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن شهَاب لَكِن قَالَ فِي الْجَواب " ليتوشح بِهِ ثمَّ ليصل فِيهِ " وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد حَدثنَا ملازم بن عَمْرو الْحَنَفِيّ حَدثنَا عبد الله بن بدر عَن قيس بن طلق عَن أَبِيه قَالَ " قدمنَا على نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجَاء رجل فَقَالَ يَا نَبِي الله مَا ترى فِي الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد قَالَ فَأطلق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إزَاره وطارق لَهُ رِدَاء فَاشْتَمَلَ بهما ثمَّ قَامَ فصلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا أَن قضى الصَّلَاة قَالَ أوكلكم يجد ثَوْبَيْنِ " وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَفِي رِوَايَته طابق قَوْله " طَارق " من قَوْلهم طَارق الرجل بَين الثَّوْبَيْنِ إِذا ظَاهر بَينهمَا أَي لبس أَحدهمَا على الآخر وَكَذَلِكَ معنى طابق وَأخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث طلق بن عَليّ هَذَا من طَرِيقين أَحدهمَا نَحْو حَدِيث أبي هُرَيْرَة سَوَاء.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَن سَائِلًا " وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " قَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أونصلي فِي ثوب وَاحِد قَالَ نعم فَقَالَ أوكلكم يجد ثَوْبَيْنِ " وَفِي رِوَايَة أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " سُئِلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد فَقَالَ أولكلكم ثَوْبَان " وعَلى كل تَقْدِير السَّائِل مَجْهُول قَوْله " أولكلكم ثَوْبَان " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام ( وَقَالَ الْكرْمَانِي) ( فَإِن قلت) مَا الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بِالْوَاو ( قلت) مُقَدّر أَي أَأَنْت سَائل عَن مثل هَذَا الظَّاهِر وَمَعْنَاهُ لَا سُؤال عَن أَمْثَاله وَلَا ثَوْبَيْنِ لكلكم إِذْ الِاسْتِفْهَام مُفِيد لِمَعْنى النَّفْي بِقَرِينَة الْمقَام وَهَذَا التَّقْدِير على سَبِيل التَّمْثِيل ( قلت) اللَّفْظ وَإِن كَانَ لفظ الِاسْتِفْهَام وَلَكِن الْمَعْنى بالإخبار عَمَّا كَانَ يُعلمهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من حَالهم فِي الْعَدَم وضيق الثِّيَاب يَقُول فَإِذا كُنْتُم بِهَذِهِ الصّفة وَلَيْسَ لكل وَاحِد مِنْكُم ثَوْبَان وَالصَّلَاة وَاجِبَة عَلَيْكُم فاعلموا أَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد جَائِزَة.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض وَقَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أولكلكم ثَوْبَان أَو يجد ثَوْبَيْنِ صيغته صِيغَة الِاسْتِفْهَام وَمَعْنَاهُ التَّقْرِير والإخبار عَن مَعْهُود حَالهم وَفِي ضمنه دَلِيل على الرُّخْصَة وتنبيه على أَن الثَّوْب أفضل وَأتم وَهُوَ الْمَفْهُوم مِنْهُ عِنْد أَكثر الْعلمَاء ( قلت) ذهب الطَّحَاوِيّ والباجي أَيْضا إِلَى أَن مَفْهُومه التَّسْوِيَة بَين الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد مَعَ وجود غَيره وَعَدَمه فِي الْإِجْزَاء.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ لَفظه استخبار وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَار عَن الْحَال الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا من ضيق الثِّيَاب والتقتير لما عِنْدهم وَقد وَقعت فِي ضمنه الْفَتْوَى من طَرِيق الفحوى كَأَنَّهُ استزادهم فِي هَذَا علما وفقها يَقُول إِذا كَانَ ستر الْعَوْرَة وَاجِبا على كل وَاحِد مِنْكُم وَكَانَت الصَّلَاة لَازِمَة لَهُ وَلَيْسَ لكل وَاحِد مِنْكُم ثَوْبَان فَكيف لم تعلمُوا أَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد جَائِزَة.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ لَو كَانَت الصَّلَاة مَكْرُوهَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد لكرهت لمن لَا يكون لَهُ إِلَّا ثوب وَاحِد لِأَن حكم الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد لمن يجد ثَوْبَيْنِ كَهُوَ فِي الصَّلَاة لمن لَا يجد غَيره.
.

     وَقَالَ  بَعضهم وَهَذِه الْمُلَازمَة فِي مقَام الْمَنْع للْفرق بَين الْقَادِر وَغَيره وَالسُّؤَال إِنَّمَا كَانَ عَن الْجَوَاز وَعَدَمه لَا عَن الْكَرَاهَة ( قلت) أَخذ هَذَا الْقَائِل صدر الْكَلَام من كَلَام الطَّحَاوِيّ ثمَّ غمز فِيهِ وَلَو أَخذ جَمِيع كَلَامه لما كَانَ يجد إِلَى مَا قَالَه سَبِيلا