فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها

( بابُُ كرَاهِيَةِ التعرِّي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِها)

وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي: بابُُ كَرَاهِيَة التعري فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَرَاهَة التعري فِي نفس الصَّلَاة وَغَيرهَا أَي: غير الصَّلَاة.



[ قــ :360 ... غــ :364]
- حَدَّثَنَا مَطَرُ بنُ الْفَضْلِ قالَ حدّثنا رَوْحٌ قالَ حدّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ إسْحَاقَ قَالَ حدّثنا عَمْرُو بنُ دِينارٍ قالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أنَّ رسولَ اللَّهِ كانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إزَارُهُ فقالَ لَهُ العَبَّاسُ عَمُّهُ يَا ابنَ أخي لَوْ حَلَلْتَ إزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ قالَ فَحَلَّهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فَمَا رُؤِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْياناً.
( الحَدِيث 463 طرفاه فِي: 2851، 9283) .


مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ عُمُوم قَوْله: ( فَمَا رُؤِيَ بعد ذَلِك عُريَانا) ، لِأَن ذَلِك يتَنَاوَل مَا بعد النُّبُوَّة كَمَا يتَنَاوَل مَا قبلهَا، ثمَّ بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل حَالَة الصَّلَاة وَغَيرهَا.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مطر بن الْفضل الْمروزِي.
الثَّانِي: روح، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو: ابْن عبَادَة التنيسِي، مر فِي بابُُ اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان.
الثَّالِث: زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق الْمَكِّيّ.
الرَّابِع: عَمْرو بن دِينَار الجُمَحِي، تقدم فِي بابُُ كتاب الْعلم.
الْخَامِس: جَابر بن عبد ا.

ذكر لطائف إِسْنَاده.
فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد والمضارع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين تنيسي ومروزي ومكي، وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل الصَّحَابَة، رَضِي اتعالى عَنْهُم، فَإِن جَابِرا لم يحضر الْقَضِيَّة.
وَهِي حجَّة، خلافًا لطائفة قد شذوا فِيهِ، فَفِي نفس الْأَمر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون سمع ذَلِك من رَسُول الله بعد ذَلِك، أَو من بعض من حضر ذَلِك من الصَّحَابَة، وَالْأَقْرَب أَنه سَمعه من الْعَبَّاس، لِأَنَّهُ حدث بِهِ عَنهُ أَيْضا، وسياقه أتم.
أخرجه الطَّبَرَانِيّ، وَفِيه؛ ( فَقَامَ وَأخذ إزَاره،.

     وَقَالَ : نهيت أَن أَمْشِي عُريَانا)
.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بُنيان الْكَعْبَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن روح بن عبَادَة عَنهُ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( كَانَ ينْقل مَعَهم) أَي: مَعَ قُرَيْش.
قَوْله: ( للكعبة) أَي: لبِنَاء الْكَعْبَة.
.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: لما بنت قُرَيْش الْكَعْبَة لم يبلغ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الْحلم.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَابْن التِّين: كَانَ عمره خمس عشرَة سنة.
.

     وَقَالَ  هِشَام: بَين بِنَاء الْكَعْبَة والمبعث خمس سِنِين.
وَقيل: إِن بِنَاء الْكَعْبَة كَانَ فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من مولده، وَذكر الْبَيْهَقِيّ بناءا لكعبة قبل تزَوجه خَدِيجَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، وَالْمَشْهُور أَن بِنَاء قُرَيْش الْكَعْبَة بعد تزوج خَدِيجَة بِعشر سِنِين، فَيكون عمره إِذْ ذَاك خَمْسَة وَثَلَاثِينَ سنة.
وَهُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق،.

     وَقَالَ  مُوسَى بن عقبَة: كَانَ بِنَاء الْكَعْبَة قبل المبعث بِخمْس عشرَة سنة، وَهَكَذَا قَالَه مُجَاهِد وَغَيره، وَفِي ( سيرة ابْن إِسْحَاق) أَنه كَانَ يحدث عَمَّا كَانَ ايحفظه فِي صغره أَنه قَالَ: ( لقد رَأَيْتنِي فِي غلْمَان قُرَيْش بِنَقْل الْحِجَارَة لبَعض مَا تلعب بِهِ الغلمان، كلنا قد تعرى وَأخذ إزَاره وَجعل على رقبته يحمل عَلَيْهَا الْحِجَارَة، فَإِنِّي لأقبل مَعَهم كَذَلِك وَأدبر إِذْ لكمني لَا كم، مَا أرَاهُ إلاَّ لكمة وجيعة، ثمَّ قَالَ شدّ عَلَيْك إزارك.
فَأَخَذته فشددته عَليّ ثمَّ جعلت أحمل الْحِجَارَة على رقبتي وإزاري عَليّ من بَين أَصْحَابِي)
.
.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: وَحَدِيث ابْن إِسْحَاق هَذَا إِن صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول على أَن هَذَا الْأَمر كَانَ مرَّتَيْنِ، فِي حَال صغره.
وَعند بُنيان الْكَعْبَة.
قَوْله: ( وَعَلِيهِ إِزَار) ويروى: ( عَلَيْهِ إزَاره) ، بالضمير، وَهَذِه الْجُمْلَة حَال بِالْوَاو، وَفِي بعض النّسخ بِلَا وَاو.
قَوْله: ( عَمه) مَرْفُوع لِأَنَّهُ عطف بَيَان.
قَوْله: ( لَو حللت) ، جَوَاب: لَو، مَحْذُوف إِن كَانَت شَرْطِيَّة، وَتَقْدِير: لَو حللت إزارك لَكَانَ أسهل عَلَيْك، وَيجوز أَن تكون: لَو، لِلتَّمَنِّي فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب حينئذٍ.
قَوْله: ( فَجعلت) أَي الْإِزَار، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( فَجَعَلته) ، بالضمير.
وَجَاء فِي رِوَايَة غير ( الصَّحِيحَيْنِ) : ( إِن الْملك نزل عَلَيْهِ فَشد إزَاره) .
قَوْله: ( قَالَ: فَحله) ، يحْتَمل أَن يكون مقول جَابر أَو مقول من حَدثهُ.
قَوْله: ( فَسقط) أَي: رَسُول الله مغشياً عَلَيْهِ، أَي مغمى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لانكشاف عَوْرَته.
قَوْله: ( فَمَا رُؤِيَ) ، بِضَم الرَّاء بعْدهَا همزَة مَكْسُورَة وَيجوز كسر الرَّاء بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ همزَة مَفْتُوحَة.
وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( فَلم يتعرَّ بعد ذَلِك) ، قَوْله: ( عُريَانا) نصب على أَنه مفعول ثَان لرؤي.

ذكر مَا فِيهِ من الْفَوَائِد مِنْهَا: أَن النَّبِي كَانَ فِي صغره محمياً عَن القبائح، وأخلاق الْجَاهِلِيَّة، منزهاً عَن الرذائل والمعايب قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا.
وَمِنْهَا: أَنه كَانَ جبله اتعالى على أحسن الْأَخْلَاق وَالْحيَاء الْكَامِل حَتَّى كَانَ أَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها، فَلذَلِك غشي عَلَيْهِ، وَمَا رُؤِيَ بعد ذَلِك عُريَانا.
وَمِنْهَا: أَنه لَا يجوز التعري للمرء بِحَيْثُ تبدو عَوْرَته لعين النَّاظر إِلَيْهَا، وَالْمَشْي عُريَانا بِحَيْثُ لَا يَأْمَن أعين الْآدَمِيّين إلاَّ مَا رخص فِيهِ من رُؤْيَة الحلائل لِأَزْوَاجِهِنَّ عُرَاة.
قَالُوا: وَقد دلّ حَدِيث الْعَبَّاس الْمَذْكُور أَنه لَا يجوز التعري فِي الْخلْوَة، وَلَا لأعين النَّاس.
وَقيل: إِنَّمَا مخرج القَوْل مِنْهُ للْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فَحَيْثُ كَانَت قُرَيْش رجالها ونساؤها تنقل مَعَه الْحِجَارَة، فَقَالَ: نهيت أَن أَمْشِي عُريَانا فِي مثل هَذِه الْحَالة، لَو كَانَ ذَلِك نهيا عَن التعري فِي كل مَكَان لَكَانَ قد نَهَاهُ عَنهُ فِي غسل الْجَنَابَة فِي الْموضع الَّذِي قد أَمن أَن يرَاهُ فِيهِ أحد، وَلكنه نَهَاهُ عَن التعري بِحَيْثُ يرَاهُ فِيهِ أحد، وَالْقعُود بِحَيْثُ يرَاهُ من لَا يحل لَهُ أَن يرى عَوْرَته فِي معنى الْمَشْي عُريَانا، وَلذَلِك نهى الشَّارِع عَن دُخُول الْحمام بِغَيْر إِزَار فَإِن قلت: روى الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: ( لَو أَسْتَطِيع أَن أواري عورتي من شعاري لواريتها) .
.

     وَقَالَ  عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ: ( إِذا كشف الرجل عَوْرَته أعرض عَنهُ الْملك) .
.

     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: ( إِنِّي لأغتسل فِي الْبَيْت المظلم فَمَا أقيم صلبي حَيَاء من رَبِّي) .
قلت: كل ذَلِك مَحْمُول على الِاسْتِحْبابُُ لاستعمال السّتْر، لَا على الْحُرْمَة، وَفِي ( التَّوْضِيح) : إِذا أَوجَبْنَا السّتْر فِي الْخلْوَة فَهَل يجوز أَن ينزل فِي مَاء النَّهر وَالْعين بِغَيْر مئزر؟ وَجْهَان: أَحدهمَا: لَا، للنَّهْي عَنهُ، وَالثَّانِي: نعم، لِأَن المَاء يقوم مقَام المئزر فِي ستر الْعَوْرَة، وَا أعلم.