فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد

( بابٌُ إذَا أصابَ ثَوْبُ المصَلِّي امْرَأَتَهُ إذَا سَجَدَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا أصَاب ثوب الْمُصَلِّي امْرَأَته وَهُوَ فِي حَالَة السُّجُود، هَل تفْسد صلَاته أم لَا؟ وَظَاهر حَدِيث الْبابُُ يدل على صِحَة الصَّلَاة، وَكَانَت عَادَة البُخَارِيّ أَن يَأْتِي بِمثل هَذِه الْعبارَة فِي التراجم إِذا كَانَ فِي الحكم اخْتِلَاف، وَهَذَا الحكم لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَاف.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي اتعالى عَنهُ، أَنه كَانَ يُؤْتى بِتُرَاب فَيُوضَع على الْخمْرَة فَيسْجد عَلَيْهِ.
قلت: كَانَ هَذَا مِنْهُ على تَقْدِير الصِّحَّة للْمُبَالَغَة فِي التَّوَاضُع والخشوع، لَا على أَنه كَانَ لَا يرى الصَّلَاة على الْخمْرَة، وَكَيف هَذَا وَقد صلى عَلَيْهَا وَهُوَ أَكثر تواضعاً وَأَشد خضوعاً؟ فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة أَنه كَانَ يكره على كل شَيْء دون الأَرْض.
قلت: لَا حجَّة لأحد فِي خلاف مَا فعله النَّبِي، وَيُمكن أَن يُقَال: إِن مُرَاده من الْكَرَاهَة التَّنْزِيه، وَكَذَا يُقَال فِي كل من رُوِيَ عَنهُ مثله.



[ قــ :375 ... غــ :379]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عنْ خالِدٍ قالَ حدّثنا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قالتْ كانَ رسولُ اللَّهِ يُصَلِّي وأنَا حِذَاءَهُ وأَنَا حائِضٌ وَرُبَّما أصابَنِي ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ قالتْ وَكَانَ يُصَلِّي عَلى الخُمْرَةِ.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة تقدم ذكرهم، وخَالِد هُوَ ابْن عبد االواسطي الطَّحَّان أَبُو الْهَيْثَم، وَسليمَان هُوَ أَبُو إِسْحَاق التَّابِعِيّ، وَعبد ابْن شَدَّاد بن الْهَاد، ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث أم الْمُؤمنِينَ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي وكوفي ومدني.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن الْحسن بن مدرك، وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن عَمْرو بن زُرَارَة وَعَن أبي النُّعْمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن عون.
وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه.
قَوْله: ( يُصَلِّي) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر: كَانَ.
قَوْله: ( وَأَنا حذاءه) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا أَي: وَالْحَال أَنا بإزائه ومحاذيه، والحذاء والحذوة والحذة كلهَا بِمَعْنى.
قَالَ الْكرْمَانِي: حذاءه، نصب على الظَّرْفِيَّة، ويروى: حذاؤه، بِالرَّفْع.
قلت: الصَّحِيح الرّفْع على الخبرية.
قَوْله: ( وَأَنا حَائِض) أَيْضا جملَة إسمية وَقعت حَالا إِمَّا من الْأَحْوَال المترادفة أَو من الْأَحْوَال المتداخلة الأولى: بِالْوَاو وَالضَّمِير، وَالثَّانيَِة: بِالْوَاو فَقَط.
قَوْله: ( وَرُبمَا) كلمة رُبمَا تحْتَمل التقليل حَقِيقَة والتكثير مجَازًا.
قَوْله: ( على الْخمْرَة) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم: سجادة صَغِيرَة تعْمل من سعف النّخل وترمل بالخيوط.
قيل: سميت خمرة لِأَنَّهَا تستر وَجه الْمُصَلِّي عَن الأَرْض.
وَمِنْه سمي الْخمار الَّذِي يستر الرَّأْس.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: الْخمْرَة مصلى صَغِير ينسج من السعف، فَإِن كَانَ كَبِيرا قدر طول الرجل أَو أَكثر فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ حينئذٍ: حَصِير، وَلَا يُقَال لَهُ خمرة، وَجَمعهَا: خمر.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: ( جَاءَت فَأْرَة فَأخذت تجر الفتيلة فَجَاءَت بهَا فألقتها بَين يَدي رَسُول ا، على الْخمْرَة الَّتِي كَانَ قَاعِدا عَلَيْهَا، فأحرقت مِنْهَا مثل مَوضِع دِرْهَم) .
وَهَذَا ظَاهر فِي إِطْلَاق الْخمْرَة على الْكَبِيرَة من نوعها.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام.
الأول: فِيهِ جَوَاز مُخَالطَة الْحَائِض.
الثَّانِي: فِيهِ طَهَارَة بدن الْحَائِض وثوبها.
الثَّالِث: إِذا أصَاب ثوب الْمُصَلِّي الْمَرْأَة لَا يضر ذَلِك صلَاته وَلَو كَانَت الْمَرْأَة حَائِضًا.
الرَّابِع: جَوَاز الصَّلَاة على الْخمْرَة من غير كَرَاهَة، وَعَن ابْن الْمسيب: الصَّلَاة على الْخمْرَة سنة، وَقد فعل ذَلِك جَابر وَأَبُو ذَر وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر رَضِي اتعالى عَنْهُم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِيه: أَن الصَّلَاة لَا تبطل بمحاذاة الْمُصَلِّي، وَتَبعهُ بَعضهم فَقَالَ.
وَفِيه: أَن محاذاة الْمَرْأَة لَا تفْسد الصَّلَاة.
قلت: قصدهما بذلك الغمز فِي مَذْهَب أبي حنيفَة فِي أَن محاذاة الْمَرْأَة للْمُصَلِّي مفْسدَة لصَلَاة الرجل، وَلَكِن هَيْهَات لما قَالَا لِأَن الْمُحَاذَاة الْمفْسدَة عِنْده أَن يكون الرجل وَالْمَرْأَة مشتركين فِي الصَّلَاة أَدَاء وتحريمة، وَهُوَ أَيْضا يَقُول: إِن الْمُحَاذَاة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الحَدِيث غير مفْسدَة، فحينئذٍ إطلاقهما الحكم فِيهِ غير صَحِيح، وَهُوَ من ضَرْبَان عرق العصبية.