فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس

( بابُُ إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المسْجِدَ فَليرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَن يَجْلِسَ)

أَي: هَذَا بابُُ يُقَال فِيهِ: إِذا دخل ... الخ، والنسخ مُخْتَلفَة فِيهِ، فَفِي بَعْضهَا مثل مَا ذكرنَا، وَفِي بَعْضهَا: بابُُ إِذا دخل الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ، وَفِي بَعْضهَا: إِذا دخل الْمَسْجِد فليركع قبل أَن يجلس، وَلما كَانَت كلمة: إِذا، هُنَا بِمَعْنى الشَّرْط دخل فِي جوابها: الْفَاء.



[ قــ :503 ... غــ :516]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عامرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزَبَيْرِ عنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عنْ أبي قَتَادَةَ السَّلمِيِّ أنَّ رسولَ اللَّهِ قَالَ: إِذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أنُ يَجْلِسَ.
( الحَدِيث 444 طرفه فِي: 3611) .

التَّرْجَمَة وَمتْن الحَدِيث سَوَاء.


ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد ابْن يُوسُف التنيسِي، من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
الثَّانِي: مَالك بن أنس.
الثَّالِث: عَامر بن عبد ابْن الزبير بن الْعَوام الْقرشِي الْمدنِي أَبُو الْحَارِث، بِالْمُثَلثَةِ، كَانَ عَالما عابداً، مر فِي بابُُ إِثْم من كذب.
الرَّابِع: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن سليم، بِضَم السِّين: الزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء وبالقاف: الْأنْصَارِيّ الْمدنِي.
الْخَامِس: أَبُو قَتَادَة، واسْمه: الْحَارِث، بِالْمُثَلثَةِ: ابْن ربعي، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة وبالياء الْمُشَدّدَة: السّلمِيّ، بِفَتْح السِّين وَاللَّام كليهمَا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي ( جَامع الْأُصُول) : وَأكْثر أَصْحَاب الحَدِيث يكسرون اللَّام لِأَنَّهُ نِسْبَة إِلَى: سَلمَة، بِكَسْر اللَّام، فَارس رَسُول ا، رُوِيَ لَهُ مائَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، للْبُخَارِيّ ثَلَاثَة عشر، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وَخمسين.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن الْإِسْنَاد كُله مدنِي مَا خلا شيخ البُخَارِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مكي بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى والقعنبي وقتيبة، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك بِهِ، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَعَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن الْعَبَّاس بن عُثْمَان عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن مَالك،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ شيخ يُقَال لَهُ: سعيد بن عِيسَى عَن عبد ابْن إِدْرِيس عَن زَكَرِيَّا عَن عَامر عَن عبد ابْن الزبير عَن أبي قَتَادَة وَلم يُتَابع عَلَيْهِ، وَسَعِيد هَذَا ضَعِيف، وَلَيْسَ هُوَ من حَدِيث زَكَرِيَّا وَلَا من حَدِيث الشّعبِيّ، وَالْمَحْفُوظ قَول مَالك وَمن تَابعه.
.

     وَقَالَ  سُهَيْل بن أبي صَالح:: عَن عَامر بن عبد ابْن الزبير عَن عَمْرو بن سليم عَن جَابر بن عبد ا، فَوَهم فِي ذكره جَابِرا.
.

     وَقَالَ  الطوسي فِي ( الْأَحْكَام) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي ( الْجَامِع) : حَدِيث سُهَيْل غير مَحْفُوظ.
.

     وَقَالَ  عَليّ بن الْمَدِينِيّ: حَدِيث سُهَيْل خطأ.
.

     وَقَالَ  ابْن مَاجَه: رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن سعيد عَن عَامر عَن أبي قَتَادَة وَهُوَ وهم.
وَفِي ( صَحِيح ابْن حبَان) : عَن أبي قَتَادَة رَفعه بِزِيَادَة: ( قبل أَن يجلس أَو يستخبر) .
وَفِي ( مُصَنف ابْن أبي شيبَة) زِيَادَة من طَرِيق حَسَنَة: ( أعْطوا الْمَسَاجِد حَقّهَا.
قيل: يَا رَسُول اوما حَقّهَا؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس)
.
وَزَاد أَبُو أَحْمد الْجِرْجَانِيّ: ( وَإِذا دخل بَيته فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ، فَإِن اعز وَجل جَاعل لَهُ من ركعتيه فِي بَيته خيرا) .
.

     وَقَالَ  إِسْنَاده مُنكر،.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي: قَالَ البُخَارِيّ: هَذِه الزِّيَادَة لَا أصل لَهَا، وَأنكر ذَلِك ابْن الْقطَّان.
وَزعم أَنه لَا يَصح نسبته إِلَيْهِ.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( فليركع) أَي: فَليصل، أطلق الْجُزْء وَأَرَادَ الْكل.
فَإِن قلت: الشَّرْط سَبَب للجزاء، فَمَا السَّبَب هَهُنَا؟ أهوَ الرُّكُوع أَو الْأَمر بِالرُّكُوعِ؟ قلت: إِن أُرِيد بِالْأَمر تعلق الْأَمر فَهُوَ الْجَزَاء، وَإِلَّا فالجزاء هُوَ لَازم الْأَمر، وَهُوَ الرُّكُوع، وَالْمرَاد من الرَّكْعَتَيْنِ تَحِيَّة الْمَسْجِد، وَلَا يتَأَدَّى هَذَا بِأَقَلّ من رَكْعَتَيْنِ لِأَن هَذَا الْعدَد لَا مَفْهُوم لأكثره بالِاتِّفَاقِ، وَاخْتلف فِي أَقَله، وَالصَّحِيح اعتبارهما.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: قَالَ ابْن بطال: اتّفق أَئِمَّة الْفَتْوَى أَنه مَحْمُول على النّدب والإرشاد مَعَ استحبابُهم الرُّكُوع لكل من دخل الْمَسْجِد لما رُوِيَ: أَن كبار أَصْحَاب رَسُول الله يدْخلُونَ الْمَسْجِد ثمَّ يخرجُون وَلَا يصلونَ، وَأوجب أهل الظَّاهِر فرضا على كل مُسلم دَاخل فِي وَقت تجوز فِيهِ الصَّلَاة الرَّكْعَتَيْنِ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَاجِب فِي كل وَقت، لِأَن فعل الْخَيْر لَا يمْنَع مِنْهُ إلاَّ بِدَلِيل معَارض لَهُ.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: من دخل الْمَسْجِد فِي أَوْقَات النَّهْي فَلَيْسَ بداخل فِي أمره بِالرُّكُوعِ عِنْد دُخُوله الْمَسْجِد، وَاسْتدلَّ الطَّحَاوِيّ أَيْضا فِي عدم الْوُجُوب بقوله للَّذي رَآهُ يتخطى: إجلس فقد آذيت، وَلم يَأْمُرهُ بِالصَّلَاةِ.
فَقَالَ السفاقسي: وفقهاء الْأَمْصَار حملُوا هَذَا على النّدب لقَوْله للَّذي سَأَلَهُ عَن الصَّلَاة: ( هَل على غَيرهَا؟ قَالَ: إلاَّ أَن تطوع) .
وَلَو قُلْنَا بوجوبهما لحرم على الْمُحدث الْحَدث الْأَصْغَر دُخُول الْمَسْجِد حَتَّى يتَوَضَّأ، وَلَا قَائِل بِهِ، فَإِذا جَازَ دُخُول الْمَسْجِد على غير وضوء لزم مِنْهُ أَنه لَا يجب عَلَيْهِ سجودها عِنْد دُخُوله، فَإِن قصد دُخُول الْمَسْجِد ليُصَلِّي فِيهِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة فَلَا يجوز لَهُ ذَلِك عِنْد الشَّافِعِي.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هِيَ سنة بِإِجْمَاع، فَإِن دخل وَقت كَرَاهَة يكره لَهُ أَن يُصَلِّيهمَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَحكي ذَلِك أَيْضا عَن الشَّافِعِي، ومذهبه الصَّحِيح أَن لَا كَرَاهَة.
وَا أعلم.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَظَاهر مَذْهَب مَالك أَنَّهُمَا من النَّوَافِل.
وَقيل: من السّنَن، فَإِن دخل مجتازاً فَهَل يُؤمر بهما؟ خفف فِي ذَلِك مَالك، وَعَن بعض أَصْحَاب مَالك: إِن من تكَرر دُخُوله الْمَسْجِد سقطتا عَنهُ، وَاسْتدلَّ بَعضهم بقوله: ( قبل أَن يجلس) ، بأه إِذا خَالف وَجلسَ لَا يشرع لَهُ التَّدَارُك، ورد هَذَا بِمَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) من حَدِيث أبي ذَر: ( أَنه دخل الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: أركعت رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا، ثمَّ قَالَ: قُم فَارْكَعْهُمَا) .
ترْجم عَلَيْهِ ابْن حبَان بابُُ تَحِيَّة الْمَسْجِد لَا تفوت بِالْجُلُوسِ.
.

     وَقَالَ  الْمُحب الطَّبَرِيّ: يحْتَمل أَن يُقَال: وقتهما قبل الْجُلُوس وَقت فَضِيلَة وَبعده وَقت جَوَاز، أَو يُقَال: وقتهما قبله أَدَاء وَبعده قَضَاء، وَيحْتَمل أَن يحمل مشروعيتهما بعد الْجُلُوس على مَا إِذا لم يطلّ الْفَصْل.