فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد

( بابُ الأَسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ والصُّنَّاعِ فِي أعْوَادِ المِنْبَرِ وَالمَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاسْتِعَانَة ( بالنجار) على وزن: فعال، بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الَّذِي يعْمل صَنْعَة النجارة.
قَوْله: ( والصناع) أَي: والاستعانة بالصناع، بِضَم الصَّاد وَتَشْديد النُّون، جمع: صانع وَهُوَ من قبيل عطف الْعَام على الْخَاص.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِيهِ لف وَنشر، فَقَوله: ( فِي أَعْوَاد الْمِنْبَر) يتَعَلَّق بالنجار، وَقَوله: ( وَالْمَسْجِد) ، يتَعَلَّق بالصناع أَي: والاستعانة بالصناع فِي الْمَسْجِد، أَي فِي بِنَاء الْمَسْجِد.
قلت: لَا يَصح ذَلِك من حَيْثُ الْمَعْنى لِأَن النجار دَاخل فِي الصناع، وَشرط اللف والنشر أَن يكون من مُتَعَدد.
فَافْهَم.


[ قــ :439 ... غــ :448]
حدّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلٍ قَالَ بَعَثَ رَسولُ اللَّهِ إِلَى امْرَأَةٍ أنْ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أعْوَاداً أجْلِسُ عَلَيْهِنَّ.
.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: قُتَيْبَة بن سعيد.
الثَّانِي: عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، واسْمه سَلمَة بن دِينَار، يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم وَهُوَ الثَّالِث: الرَّابِع: سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، وَقد مر فِي بَاب الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر والسطوح، وَكَذَلِكَ حَدِيثه بأتم مِنْهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن عبد ا.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه.
قَوْله: ( إِلَى امْرَأَة) : هِيَ أنصارية، وَقد بَينا الِاخْتِلَاف فِي اسْمهَا.
فِي بَاب الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر وَكَذَلِكَ فِي اسْم غلامها.
قَوْله: ( أَن مري) أَن: هَذِه مفسرة بِمَنْزِلَة: أَي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فأوحينا إِلَيْهِ أَن أصنع الْفلك} ( الْمُؤْمِنُونَ: 72) وَيحْتَمل أَن تكون مَصْدَرِيَّة بِأَن يقدر قبلهَا حرف الْجَرّ، وَعَن الْكُوفِيّين إِنْكَار بِأَن، التفسيرية الْبَتَّةَ، ويروى: ( مري) بِدُونِ: أَن ومري: أَمر من أَمر يَأْمر، وَالْيَاء عَلامَة الْخطاب للمؤنث.
قَوْله: ( يعْمل) ، مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر.
قَوْله: ( أعواداً) أَي: منبراً مركبا مِنْهَا.
قَوْله: ( أَجْلِس) ، بِالرَّفْع أَي: أَنا أَجْلِس عَلَيْهَا.
وَهَهُنَا مَسْأَلَة أصولية وَهِي أَن الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء أَمر بذلك الشَّيْء أم لَا؟ وَهل الْغُلَام مَأْمُور من قبل رَسُول الله أم لَا؟ وَفِيه الْخلاف، وَالأَصَح عَدمه.
وسَاق البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الْبيُوع بِهَذَا الْإِسْنَاد بِتَمَامِهِ، وَهَهُنَا اخْتَصَرَهُ.
وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: جَوَاز الِاسْتِعَانَة بِأَهْل الصَّنْعَة فِيمَا يَشْمَل الْمُسلمين نَفعه.
وَفِيه: التَّقَرُّب إِلَى أهل الْفضل بِعَمَل الْخَيْر.



[ قــ :440 ... غــ :449]
- حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ قَالَ حدّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أيْمَنَ عنْ أبِيهِ عنْ جابرٍ أنَّ امْرَأَةً قالَتْ يَا رسولَ اللَّهِ أَلاَّ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئاً تَقْعُدُ عَلَيْهِ فإِنَّ لي غُلاَماً نَجَّاراً قَالَ إِنْ شِئْتِ فَعَمِلَتِ المِنْبَرَ.
( الحَدِيث 944 أَطْرَافه فِي: 819، 590، 4853، 5853) .


قَالَ الْكرْمَانِي: الحَدِيث لَا يدل على الشق الآخر من التَّرْجَمَة، وَهُوَ؛ ذكر الصناع وَالْمَسْجِد.
ثمَّ قَالَ: قلت: إِمَّا أَنه اكْتفى بالنجار والمنبر لِأَن الْبَاقِي يعلم مِنْهُ، وَإِمَّا أَنه أَرَادَ أَن يلْحق إِلَيْهِ مَا يتَعَلَّق بذلك، وَلم يتَّفق لَهُ وَلم يثبت عِنْده بِشَرْطِهِ مَا يدل عَلَيْهِ.
قلت: الْجَواب الأول أوجه من الثَّانِي.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة.
الأول: خَلاد، بتفح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام: وَهُوَ ابْن يحيى، سبق فِي بابُُ الصَّلَاة إِذا قدم من سَفَره.
الثَّانِي: عبد الْوَاحِد بن أَيمن، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْمِيم وَفِي آخِره نون: الحبشي الْمَكِّيّ الْقرشِي المَخْزُومِي، وَعبد الْوَاحِد هَذَا يروي عَن أَبِيه أَيمن هَذَا، وَأَبوهُ هُوَ الثَّالِث، وَهُوَ يروي عَن جَابر بن عبد ارضي اتعالى عَنْهُمَا وَهُوَ الرَّابِع.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: رِوَايَة الإبن عَن الْأَب.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومكي.

ذكر تعدد مَوْضِعه أخرجه البُخَارِيّ فِي الْبيُوع أَيْضا عَن خَلاد بن يحيى أَيْضا، وَأخرجه فِي عَلامَة النُّبُوَّة عَن أبي نعيم.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( أَن امْرَأَة) ، هِيَ الَّتِي ذكرت فِي حَدِيث سهل بن سعد الْمَذْكُور آنِفا.
قَوْله: ( أَلاَ؟) هِيَ مُخَفّفَة مركبة من همزَة الِاسْتِفْهَام و: لَا، النافية، وَلَيْسَت حرف التَّنْبِيه وَلَا حرف التحضيض.
قَوْله: ( فَإِن لي غُلَاما نجاراً) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( فَإِن لي غُلَام نجار) .
قَوْله: ( إِن شِئْت) ، جَزَاؤُهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: إِن شِئْت عملت، ويروى: ( إِن شِئْت فعلت) ، بِلَا حذف.
قَوْله: ( فَعمِلت) ، أَي: الْمَرْأَة عملت الْمِنْبَر، وَهَذَا إِسْنَاد مجازي، لِأَن الْعَامِل هُوَ الْغُلَام وَهِي الآمرة، وَهُوَ من قبيل قَوْلهم: كسا الْخَلِيفَة الْكَعْبَة.
قيل: هَذَا الحَدِيث لَا يدل على الِاسْتِعَانَة، لِأَن هَذِه الْمَرْأَة قَالَت ذَلِك من تِلْقَاء نَفسهَا، أُجِيب: بِأَنَّهَا استعانة بالغلام فِي نجارة الْمِنْبَر.

وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: قبُول الْبَذْل إِذا كَانَ بِغَيْر سُؤال، واستنجاز الْوَعْد مِمَّن تعلم مِنْهُ الْإِجَابَة، والتقرب إِلَى أهل الْفضل بِعَمَل الْخَيْر.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال.
فَإِن قلت: الحديثان متخالفان، فَفِي حَدِيث سهل: أَن النَّبِي سَأَلَ الْمَرْأَة أَن تَأمر عَبدهَا بِعَمَل الْمِنْبَر، وَفِي حَدِيث جَابر: أَن الْمَرْأَة سَأَلت النَّبِي ذَلِك.
قلت: يحْتَمل أَن تكون الْمَرْأَة بدأت بِالْمَسْأَلَة، فَلَمَّا أَبْطَأَ الْغُلَام بِعَمَلِهِ استنجزها إِتْمَامه، إِذْ علم طيب نفس الْمَرْأَة بِمَا بذلته من صَنْعَة غلامها، وَيُمكن أَن يكون إرْسَاله إِلَى الْمَرْأَة ليعرفها صَنْعَة مَا يصنع الْغُلَام من الأعواد.