فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد

( بابٌُ يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن الشَّخْص يَأْخُذ بنصول السِّهَام إِذا مر فِي مَسْجِد من الْمَسَاجِد، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا لِئَلَّا يَقع لفظ: بابُُ ضائعاً، وَأَيْضًا فِيهِ بَيَان أَن الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: يَأْخُذ، يرجع إِلَى هَذَا الْمُقدر، لِئَلَّا يكون إضماراً قبل الذّكر، وليلتئم التَّرْكِيب، وَلم: أر أحدا من الشُّرَّاح يذكر شَيْئا فِي مثل هَذِه الْمَوَاضِع، مَعَ أَن فيهم من يَدعِي دعاوي عريضة فِي هَذَا الْبابُُ وَلَيْسَ لَهُ حَظّ من هَذِه الدقائق.
والنصول: جمع نصل.
قَالَ الْجَوْهَرِي: النصل نصل السهْم وَالسيف وَالرمْح، وَالْجمع نصول ونصال.
والنبل، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره لَام: السِّهَام الْعَرَبيَّة، وَهِي مُؤَنّثَة لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، وَجَوَاب: إِذا، هُوَ قَوْله: يَأْخُذ مقدما.



[ قــ :442 ... غــ :451]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدّثنا سُفْيَانُ قَالَ قلْتُ لِعَمْرٍ وأسَمِعْتَ جابرَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ مرَّ رَجُلٌ فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ سِهامٌ فَقَالَ لهُ رَسولُ اللَّهِ أمْسِكْ بنصَالِها.
( الحَدِيث 154 طرفاه فِي: 3707، 4707) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ، أَمر بإمساك النصال عِنْد الْمُرُور فِي الْمَسْجِد.

ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة.
الأول: قُتَيْبَة بن سعيد.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار.
الرَّابِع: جَابر بن عبد االأنصاري.

ذمر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: السُّؤَال عَن السماع بطرِيق الِاسْتِفْهَام، وَلم يذكر لَهُ جَوَاب، قَالَ ابْن بطال.
فَإِن قيل: حَدِيث جَابر لَا يظْهر فِيهِ الْإِسْنَاد لِأَنَّهُ لم ينْقل أَن عمرا قَالَ لَهُ: نعم.
قُلْنَا: قد ذكر البُخَارِيّ فِي غير كتاب الصَّلَاة أَنه قَالَ: نعم، فَبَان بقوله: نعم، إِسْنَاد الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : هَذِه مَسْأَلَة اخْتلف فِيهَا المحدثون، فَمنهمْ من شَرط النُّطْق إِذا قَالَ لَهُ التلميذ: أخْبرك فلَان بِكَذَا وَكَذَا، وَمِنْهُم من لم يتشرط، وَذكر البُخَارِيّ فِي مَوضِع آخر عَن عَليّ بن عبد اعن سُفْيَان، فَقَالَ: نعم.
انْتهى.
قلت: الْمَذْهَب الرَّاجِح الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر الْمُحَقِّقين مِنْهُم البُخَارِيّ أَن قَول الشَّيْخ: نعم، لَا يشْتَرط، بل يَكْتَفِي بسكوت الشَّيْخ إِذا كَانَ متيقظاً، فعلى هَذَا فالإسناد فِي حَدِيث جَابر ظَاهر، وَمَعَ ذَلِك فقد جَاءَ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ أَنه قَالَ لَهُ: نعم، فَانْقَطع النزاع.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: حُكيَ عَن رِوَايَة الْأصيلِيّ أَنه ذكره فِي حَدِيثه، فَقَالَ: نعم، وَلم أره فِيهَا، قلت: عدم رُؤْيَته لَا يسْتَلْزم عدم الرِّوَايَة عَنهُ.
فَإِن لم يره هُوَ فقد حكى من هُوَ أكبر مِنْهُ أَنه رُوِيَ عَنهُ لفظ.
نعم.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن عَليّ بن عبد ا.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن عبد ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن مَنْصُور.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن هِشَام بن عمار سبعتهم، عَنهُ بِهِ، وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو عَن جَابر، وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن يحيى بن يحيى وَأبي الرّبيع عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح، كِلَاهُمَا عَن لَيْث بن سعد عَن أبي الزبير عَن جَابر: ( أَن النَّبِي أَمر رجلا كَانَ يتَصَدَّق بِالنَّبلِ فِي الْمَسْجِد أَن لَا يمر بهَا إلاَّ وَهُوَ آخذ بنصولها) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( مُعْجَمه الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي الْبِلَاد عَن مُحَمَّد بن عبد ا، قَالَ: ( كُنَّا عِنْد أبي سعيد الْخُدْرِيّ، فَقلب رجل نبْلًا فَقَالَ أَبُو سعيد: أما كَانَ هَذَا يعلم أَن رَسُول الله نهى عَن تقليب السِّلَاح وسله) يَعْنِي فِي الْمَسْجِد.

وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث زيد بن جُبَير، وَهُوَ ضَعِيف، عَن دَاوُد بن الْحصين عَن نَافِع عَن ابْن عمر يرفعهُ: ( خِصَال لَا تنبغي فِي الْمَسْجِد: لَا يتَّخذ طَرِيقا، وَلَا يشهر فِيهِ سلَاح، وَلَا ينبض فِيهِ بقوس، وَلَا ينثر فِيهِ نبل، وَلَا يمر فِيهِ بِلَحْم نيء، وَلَا يضْرب فِيهِ حد، وَلَا يقْتَصّ فِيهِ من أحد، وَلَا يتَّخذ سوقاً) .
وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث الْحَارِث بن نَبهَان، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، عَن عتبَة بن يقظان، وَهُوَ غير ثِقَة، عَن أبي سعيد، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال وَالْعين، عَن مَكْحُول عَن وَاثِلَة، وَأنكر سَمَاعه عَنهُ ابْن مسْهر وَالْحَاكِم.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ الْأَوْسَط) سمع مِنْهُ أَن النَّبِي قَالَ: ( جَنبُوا مَسَاجِدنَا صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ وشراءكم وَبَيْعكُمْ وَخُصُومَاتكُمْ وَرفع أَصْوَاتكُم وَإِقَامَة حُدُودكُمْ وسل سُيُوفكُمْ، وَاتَّخذُوا على أَبْوَابهَا الْمَطَاهِر وَجَمِّرُوهَا فِي الْجمع) .
وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس: ( نزهوا الْمَسَاجِد وَلَا تتخذوها طرقاً، وَلَا تمر فِيهِ حَائِض، وَلَا يقْعد فِيهِ جنب إلاَّ عابري سَبِيل، وَلَا ينثر فِيهِ نبل، وَلَا يسل فِيهِ سيف، وَلَا يضْرب بِهِ حد، وَلَا ينشد فِيهِ شعر.
فَإِن أنْشد قيل: فض افاك)
.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: تَأْكِيد حُرْمَة الْمُسلمين، لِأَن الْمَسَاجِد مورودة بالخلق لَا سِيمَا فِي أَوْقَات الصَّلَاة، وَهَذَا التَّأْكِيد من النَّبِي لِأَنَّهُ خشِي أَن يُؤْذى بهَا أحد.
وَفِيه: كريم خلقه ورأفته بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَفِيه: التَّعْظِيم لقَلِيل الدَّم وَكَثِيره.
وَفِيه: أَن الْمَسْجِد يجوز فِيهِ إِدْخَال السِّلَاح.