فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد

( بَاب ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر البيع وَالشِّرَاء يَعْنِي فِي الْإِخْبَار عَن وقوعهما على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد لَا عَن وقوعهما على الْمِنْبَر وَفِي بعض النّسخ على الْمِنْبَر وَالْمَسْجِد قيل على هَذِه النُّسْخَة يكون التَّقْدِير وعَلى الْمَسْجِد وَلَا تدخل عَلَيْهِ كلمة الاستعلاء وَالْأَصْل أَن يُقَال وَفِي الْمَسْجِد أُجِيب بِأَن هَذَا عكس مَا عمل فِي قَوْله تَعَالَى { ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} وَالْأَصْل أَن يُقَال على جُذُوع النّخل وَلَكِن الْحُرُوف يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي يجوز أَن يكون من بَاب ( علفتها تبتا وَمَاء بَارِدًا ... ) ( قلت) تَقْدِيره وسقيتها مَاء بَارِدًا لِأَنَّهُ لَا يعلف بِالْمَاءِ
[ قــ :446 ... غــ :456]
حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثنا سُفْيَانُ عنْ يَحْيَى عنْ عَمْرَةَ عنْ عائِشَةَ قالَتْ أتَتْها بَرِيرَةُ تَسْأَلُها فَهِيَ كِتَابَتِها فقالَتْ إنْ شِئْتِ أعْطَيْتُ أهْلَكِ وَيَكُونُ الوَلاَءُ لِي.

     وَقَالَ  أهْلُها إِنْ شِئْتِ أعْطَيْتِها مَا بَقِيَ.
.

     وَقَالَ  سُفْيانُ مَرَّةً إنْ شِئْتِ أعْتَقْتِها وَيكُونُ الوَلاءُ لَنا فَلَمَّا جاءَ رسولُ اللَّهِ ذكَّرَتْهُ ذَلِكَ فَقَالَ النبيُّ ابْتاعِيها فَأعْتِقيها فَإِنَّ الوَلاَءَ لِمَنْ أعْتَقَ ثمَّ قامَ رسولُ اللَّهِ عَلَى المِنْبَرِ.
.

     وَقَالَ  سُفْيانُ مرَّةً فَصَعِدَ رسولُ اللَّهِ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ مَا بالُ أقْوَامٍ يشْترِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِن اشْتَرَطَ مائَةَ مَرَّةٍ قَالَ عَلِيٌّ قَالَ يَحْيَى وَعَبْدُ الوَهابِ عنْ يَحْيَى عنْ عَمْرَةَ.
.

     وَقَالَ  جَعْفَرُ بنُ عَوْنَ عنْ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ عَمرَةَ قالتْ سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي اعنها وَرَوَاهُ مالِكٌ عَنْ يَحْيَى عنْ عَمْرَة أَن بَرِيرَة وَلَمْ يَذْكُرْ صَعِدَ المِنْبَرَ.
.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة تعلم من قَوْله: ( مَا بَال أَقوام يشترطون) إِلَى آخِره، فَإِنَّهُ ذكره هُنَا عقيب قَضِيَّة مُشْتَمِلَة على بيع وَشِرَاء وَعتق وَوَلَاء، فَإِنَّهُ لما قَالَ: ( ابتاعيها فأعتقيها فَإِن الْوَلَاء لمن أعتق) ، قبل صُعُوده على الْمِنْبَر، دلّ على حكم هَذِه الْأَشْيَاء، ثمَّ لما قَالَ على الْمِنْبَر: ( مَا بَال أَقوام) الخ، أَشَارَ بِهِ إِلَى الْقَضِيَّة الَّتِي وَقعت، فَكَانَت إِشَارَته إِلَيْهَا كوقوعها على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه، لَا مَا ذكره أَكثر الشُّرَّاح مِمَّا تنفر عَنهُ الطباع وتمج عَنهُ الأسماع، وَسَيعْلَمُ ذَلِك من يقف عَلَيْهِ.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد االمديني.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
الرَّابِع: عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيَّة المدنية، وَقد تكَرر ذكرهم.
الْخَامِس: عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وعَلى رِوَايَة الْحميدِي فِي ( مُسْنده) فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، لِأَن فِي رِوَايَته: حدّثنا سُفْيَان حدّثنا يحيى.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مديني ومكي ومدني.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التابعية عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع عديدة: فِي الزَّكَاة فِي بَاب الصَّدَقَة على موَالِي أَزوَاج النَّبِي.
وَفِي الْعتْق وَالْمكَاتب وَالْهِبَة والبيوع والفرائض وَالطَّلَاق والشروط والأطعمة وَكَفَّارَة الْأَيْمَان، وَأخرجه فِي الطَّلَاق من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِي الْفَرَائِض من حَدِيث ابْن عمر، وَأخرج مُسلم طرفا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَاب البيع وَالشِّرَاء مَعَ النِّسَاء من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَفِي بَاب إِذا اشْترط فِي البيع شُرُوطًا من حَدِيث هَاشم عَن أَبِيه عَنْهَا.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا مطولا ومختصراً.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْعتْق عَن القعْنبِي وقتيبة من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْوَصَايَا عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيُوع عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَفِيه: وَفِي الْعتْق عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عمْرَة عَن عَائِشَة فِي الْفَرَائِض عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان ومُوسَى بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ ابْن علية، ثَلَاثَتهمْ عَن جَعْفَر بن عون بِهِ، وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن ابْن أبي الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ، وَفِي الْعتْق وَفِي الشُّرُوط عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان بِهِ، وَفِي الشُّرُوط أَيْضا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن سُفْيَان بِبَعْضِه.
وَأخرجه ابْن ماجة أَيْضا فِي الْعتْق عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد، قَالَا: حدّثنا وَكِيع عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة زوج النَّبِي أَن بَرِيرَة أتتها وَهِي مُكَاتبَة قد كاتبها أَهلهَا على تسع أَوَاقٍ، فَقَالَت لَهَا: إِن شَاءَ أهلك عددت لَهُم عدَّة وَاحِدَة وَكَانَ الْوَلَاء لي.
قَالَ: فَأَتَت أَهلهَا فَذكرت ذَلِك لَهُم فَأَبَوا إلاَّ أَن يشْتَرط الْوَلَاء لَهُم، فَذكرت عَائِشَة ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: إفعلي.
قَالَ: فَقَامَ النَّبِي فَخَطب النَّاس فَحَمدَ اوأثنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: ( مَا بَال رجال يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب ا، كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب افهو بَاطِل وَإِن كَانَ مائَة شَرط، كتاب اأحق، وَشرط اأوثق، وَالْوَلَاء لمن أعتق) .
ذكر اعراب وَمَعْنَاهُ قَوْله: ( قَالَ: اتتها بَرِيرَة) ، فَاعل: قَالَت، يحْتَمل أَن يكون: عمْرَة، وَيحْتَمل أَن يكون: عَائِشَة، فَإِذا كَانَت: عَائِشَة، فَفِيهِ الْتِفَات من الْحَاضِر إِلَى الْغَائِب، وبريرة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء الأولى وَفتح الثَّانِيَة بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة، وَزعم الْقُرْطُبِيّ أَن وَزنهَا.
فعيلة، من الْبر، وَيحْتَمل أَن تكون بِمَعْنى مفعولة أَي: مبرورة، كأكيلة السَّبع أَي مأكولته وَيحْتَمل أَن تكون بِمَعْنى: فاعلة، كرحيمة بِمَعْنى: راحمة، وَهِي بنت صَفْوَان، كَانَت لقوم من الْأَنْصَار، أَو مولاة لأبي أَحْمد ابْن جحش، وَقيل: مولاة لبَعض بني هِلَال، وَكَانَت قبطية.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: بَرِيرَة مولاة لعَائِشَة كَانَت لعتبة بن أبي لَهب، قلت: ذكرهَا الذَّهَبِيّ فِي الصحابيات،.

     وَقَالَ : يُقَال: إِن عبد الْملك بن مَرْوَان سمع مِنْهَا، وَفِي ( مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) : من حَدِيث عبد الْملك بن مَرْوَان، قَالَ: ( كنت أجالس بَرِيرَة بِالْمَدِينَةِ فَكَانَت تَقول لي: يَا عبد الْملك إِنِّي أرى فِيك خِصَالًا وَإنَّك لخليق أَن تلِي هَذَا الْأَمر، فَإِن وليته فاحذر الدُّنْيَا، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول: إِن الرجل ليدفع عَن بَاب الْجنَّة بعد أَن ينظر إِلَيْهَا بملىء محجمة من دم يريقه من مُسلم بِغَيْر حق) .
انْتهى.
وَعبد الْملك اخْتلف فِي مولده، فَقَالَ حنيفَة بن خياط: سنة ثَلَاث،.

     وَقَالَ  أَبُو حسان الزيَادي: سنة خمس،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن سعد سنة خمس،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن سعد.
سنة سِتّ وَعشْرين، وولاه مُعَاوِيَة ديوَان الْخراج وعمره سِتَّة عشر سنة، فعلى هَذَا تكون بَرِيرَة مَوْجُودَة بعد سنة أَرْبَعِينَ.
وَقد اخْتلف فِي اسْم زوج بَرِيرَة فَفِي ( الصَّحِيح) : مغيث، بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره ثاء، مُثَلّثَة، وَعَن الصريفيني عَن العسكري: معتب، بِعَين مُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَعند أبي، مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ اسْمه: مقسم، وَا تَعَالَى أعلم.
قَوْله: ( تسألها فِي كتَابَتهَا) ، جملَة حَالية وَقعت حَالا عَن بَرِيرَة، وَالْأَصْل فِي السُّؤَال أَن يعدى: بعن، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال} ( الْأَنْفَال: 1) وَلَكِن لما كَانَ سؤالها بِمَعْنى الاستعطاء، بِمَعْنى: تستعطيها فِي أَمر كتَابَتهَا، عدي بِكَلِمَة الظّرْف، وَيجوز أَن يكون معنى: تسْأَل، تستعين بالتضمين، على أَن فِي رِوَايَة جَاءَت هَكَذَا، وَالْكِتَابَة فِي اللُّغَة مصدر: كتب من الْكتب، وَهُوَ الْجمع، وَمِنْه كتبت الْقرْبَة إِذا خرزتها، وَسمي هَذَا العقد؛ كِتَابَة ومكاتبة، لِأَن فِيهِ ضم حريَّة الْيَد إِلَى حريَّة الرَّقَبَة، أَو لِأَن فِيهِ جمعا بَين نجمين فَصَاعِدا، أَو لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا يكْتب الْوَثِيقَة، وَفِي الشَّرْع: تَحْرِير الْمَمْلُوك يدا فِي الْحَال، ورقبة فِي الْمَآل، لِأَن الْمكَاتب لَا يتحرر رَقَبَة إلاَّ إِذا أدّى المَال، وَهُوَ بدل الْكِتَابَة، وَأما فِي الْحَال فَهُوَ حر من جِهَة الْيَد فَقَط حَتَّى يكون أَحَق بِكَسْبِهِ، وَيجب على الْمولى الضَّمَان بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَو على مَاله، وَلِهَذَا قيل: الْمكَاتب طَار عَن ذل الْعُبُودِيَّة وَلم ينزل فِي ساحة الْحُرِّيَّة، فَصَارَ كالنعامة أَن استطير تباعر، وان استحمل تطاير.
قَوْله: ( فَقَالَت: إِن شِئْت) أَي: قَالَت عَائِشَة مُخَاطبَة لبريرة: إِن شِئْت، وَهُوَ بِكَسْر التَّاء.
قَوْله: ( أَعْطَيْت) ، بِلَفْظ الْمُتَكَلّم.
قَوْله: ( أهلك) المُرَاد بِهِ: مواليها، وَهُوَ مَنْصُوب على أَنه مفعول أول لأعطيت، ومفعوله الثَّانِي مَحْذُوف وَهُوَ: ثمنك، لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ.
قَوْله: ( وَيكون الْوَلَاء لي) بِفَتْح الْوَاو، وَهُوَ فِي عرف الْفُقَهَاء عبارَة عَن تناصر يُوجب الْإِرْث، وَالْعقد وَالْوَلَاء فِي اللُّغَة.
النُّصْرَة والمحبة، إلاَّ أَن اخْتصَّ فِي الشَّرْع: بولاء الْعتْق، والموالاة واشتقاقه من الْوَلِيّ وَهُوَ: الْقرب، وَحُصُول الثَّانِي بعد الأول من غير فصل.
قَوْله: ( وَقَالَ أَهلهَا) أَي: أهل بَرِيرَة.
قَوْله: ( إِن شِئْت اعطيتها) مقول القَوْل، التَّاء: فِي شِئْت وَأعْطيت، مَكْسُورَة لِأَنَّهَا خطاب لعَائِشَة.
قَوْله: ( مَا بَقِي) أَي: الَّذِي بَقِي من مَال الْكِتَابَة فِي ذمَّة بَرِيرَة، وَمحل هَذِه الْجُمْلَة النصب لِأَنَّهَا وَقعت مَفْعُولا ثَانِيًا لقَوْله؛ أعطيتهَا، ومفعوله الأول الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: أعطيتهَا.
قَوْله: ( وَقَالَ سُفْيَان) ، هُوَ ابْن عُيَيْنَة أحد الروَاة الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن سُفْيَان حدث بِهِ.
على وَجْهَيْن: فَمرَّة قَالَ: إِن شِئْت أعطيتهَا مَا بَقِي، وَمرَّة قَالَ: إِن شِئْت أعتقتها، وَيكون الْوَلَاء لنا، يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ، و: التَّاء، فِي أعتقتها مَكْسُورَة لِأَنَّهَا خطاب لعَائِشَة.
وَقَوله: ( قَالَ سُفْيَان) دَاخل فِي الْمَوْصُول غير مُعَلّق.
فَافْهَم فَإِن قلت: كم كَانَ مَال الْكِتَابَة على بَرِيرَة؟ قلت: ذكر ف بَاب الْكِتَابَة من حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة: ( عَن عَائِشَة قَالَت: إِن بَرِيرَة دخلت عَلَيْهَا تستعينها فِي كتَابَتهَا وَعَلَيْهَا خمس أَوَاقٍ نجمت عَلَيْهَا فِي خمس سِنِين) الحَدِيث فَإِن قلت: ذكر فِي بَاب سُؤال النَّاس: ( كاتبت أَهلِي على تسع أَوَاقٍ فِي كل عَام أُوقِيَّة فأعينيني، فَقَالَ: خذيها فأعتقيها واشترطي لَهُم الْوَلَاء فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق) ، فَبين الرِّوَايَتَيْنِ تعَارض.
قلت: هَذَا الحَدِيث أصح لاتصاله ولانقطاع ذَاك، وَلِأَن رَاوِي هَذَا عَن أمه وَهُوَ أعرف بِحَدِيث أمه وخالته، وَقيل: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الْخَمْسَة الأواق الَّتِي قد اسْتحقَّت عَلَيْهَا بالنجوم من جملَة التِّسْعَة، أَو أَنَّهَا أَعْطَتْ نجوماً وَفضل عَلَيْهَا خَمْسَة، قلت: هَذَا يردهُ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الشُّرُوط: فِي البيع، وَلم تكن قَضَت من كتَابَتهَا شَيْئا.
والأواق جمع: أُوقِيَّة، بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء، وَالْجمع يشدد ويخفف مثل: أثفية وأثافي وأثافٍ، وَرُبمَا يَجِيء فِي الحَدِيث: وقية، وَلَيْسَت بِالْعَالِيَةِ وهمزتها زَائِدَة، وَكَانَت الْأُوقِيَّة قَدِيما عبارَة عَن أَرْبَعِينَ درهما، ثمَّ أَنَّهَا تخْتَلف باخْتلَاف اصْطِلَاح الْبِلَاد.
قَوْله: ( ذكرته) ، قَالَ الْكرْمَانِي: ذكرته، بِلَفْظ التَّكَلُّم، والمتكلم بِهِ عَائِشَة، والراوي نقل لَفظهَا بِعَيْنِه، وبالغيبة: كَأَن عَائِشَة جردت من نَفسهَا شخصا فحكت عَنْهَا، فَالْأول: حِكَايَة الرَّاوِي عَن لفظ عَائِشَة، وَالثَّانِي: حِكَايَة عَائِشَة عَن نَفسهَا.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: ( ذكرته ذَلِك) ، كَذَا وَقع هُنَا بتَشْديد الْكَاف، فَقيل: الصَّوَاب مَا وَقع فِي رِوَايَة مَالك وَغَيره بِلَفْظ: ذكرت، لِأَن التَّذْكِير يَسْتَعْدِي سبق علم بذلك، وَلَا يتَّجه تخطئة هَذِه الرِّوَايَة لاحْتِمَال السَّبق على وَجه الْإِجْمَال قلت: لم يبين أحد مِنْهُمَا رَاوِي التَّشْدِيد وَلَا رَاوِي التَّخْفِيف، وَاللَّفْظ يحْتَمل أَرْبَعَة أوجه.
الأول: ذكرته، بِالتَّشْدِيدِ وبالضمير الْمَنْصُوب.
وَالثَّانِي: ذكرت، بِالتَّشْدِيدِ بِدُونِ الضَّمِير الْمَنْصُوب.
وَالثَّالِث: ذكرت، على صِيغَة الْمَاضِي للمؤنثة الْوَاحِدَة بِالتَّخْفِيفِ بِدُونِ الضَّمِير.
وَالرَّابِع: ذكرته بِالتَّخْفِيفِ، وَالضَّمِير لِأَن ذكر بِالتَّخْفِيفِ يعدى يُقَال: ذكرت الشَّيْء بعد النسْيَان، وذكرته بلساني وبقلبي وتذكرته وأذكرته غَيْرِي وذكرته، بِمَعْنى.
قَوْله: ( فَقَالَ ابتاعيها) أَي: قَالَ النَّبِي لعَائِشَة: اشتريها، أَي: بَرِيرَة.
قَوْله: ( وَقَالَ سُفْيَان مرّة فَصَعدَ رَسُول ا) أَرَادَ أَنه رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: مرّة قَالَ: ثمَّ قَامَ رَسُول الله على الْمِنْبَر، وَمرَّة قَالَ: فَصَعدَ رَسُول الله على الْمِنْبَر، وَذكر فِي بَاب الشِّرَاء وَالْبيع مَعَ النِّسَاء، قَالَ لي النَّبِي: ( اشْترِي واعتقي فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق، ثمَّ قَامَ من الْعشي فَأثْنى على ابما هُوَ أَهله) الحَدِيث.
قَوْله: ( مَا بَال أَقوام؟) أَي: مَا حَالهم؟ وَفِي بَاب الشِّرَاء وَالْبيع مَعَ النِّسَاء: ( مَا بَال أنَاس يشترطون شُرُوطًا ... ؟) الحَدِيث.
قَوْله: ( لَيست فِي كتاب اتعالى) ، أَي: الشُّرُوط، ويروى: لَيْسَ، بالتذكير، وَوَجهه إِمَّا بِاعْتِبَار جنس الشَّرْط، أَو بِاعْتِبَار الْمَذْكُور.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِمَّا بِاعْتِبَار الِاشْتِرَاط.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، وَالْمرَاد: من كتاب ا، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: يحْتَمل أَن يُرِيد بِكِتَاب ا، حكم ا، وَيُرَاد بذلك نفي كَونهَا فِي كتاب ابواسطة أَو بِغَيْر وَاسِطَة، فَإِن الشَّرِيعَة كلهَا فِي كتاب ا، أما بِغَيْر وَاسِطَة كمالنصوصات فِي الْقُرْآن من الْأَحْكَام، وَأما بِوَاسِطَة قَوْله تَعَالَى: { وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} ( الْحَشْر: 7) { وَأَطيعُوا اوأطيعوا الرَّسُول} ( الْمَائِدَة: 29، والنور: 452، والتغابن: 21) قَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ المُرَاد أَن مَا لم ينص عَلَيْهِ فِي كتاب افهو بَاطِل، فَإِن لفظ: ( الْوَلَاء لمن أعتق) ، من قَوْله، لَكِن الْأَمر بِطَاعَتِهِ فِي كتاب ا، فَجَاز إِضَافَة ذَلِك إِلَى الْكتاب انْتهى.
وَيجوز أَن يكون المُرَاد بِكِتَاب ا: حكم اسواء ذكر فِي الْقُرْآن إو السّنة، وَقيل: المُرَاد من الْكتاب: الْمَكْتُوب، يَعْنِي الْمَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَوْله: ( فَلَيْسَ لَهُ) أَي: ذَلِك الشَّرْط، أَي: لَا يسْتَحقّهُ.
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: ( من شَرط شرطا لَيْسَ فِي كتاب الم يجز لَهُ) .
قَوْله: ( وَإِن اشْترط مائَة مرّة) ، ذكر الْمِائَة للْمُبَالَغَة فِي الْكَثْرَة، لَا أَن هَذَا الْعدَد بِعَيْنِه هُوَ المُرَاد.
.

     وَقَالَ  بَعضهم؛ لفظ مائَة للْمُبَالَغَة، فَلَا مَفْهُوم لَهُ، قلت: لم يدر هَذَا الْقَائِل أَن مَفْهُوم اللَّفْظ فِي اللُّغَة هُوَ مَعْنَاهُ، فعلى قَوْله يكون هَذَا اللَّفْظ مهملاً وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِن كَانَ قَالَ ذَلِك على رَأْي الْأُصُولِيِّينَ حَيْثُ فرقوا بَين مَفْهُوم اللَّفْظ ومنطوقه، فَهَذَا الْموضع لَيْسَ مَحَله، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي بَاب الشِّرَاء وَالْبيع مَعَ النِّسَاء: ( وَإِن اشْترط مائَة شَرط، وَشرط اأحق وأوثق) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه أَيْضا.
قَوْله: ( وَرَوَاهُ مَالك) ، مُعَلّق وَصله فِي بَاب الْمكَاتب: عَن عبد ابْن يُوسُف عَنهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك، كَمَا ذكره مُرْسلا، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك.
وَلَفظه: ( واشرطي لَهُم الْوَلَاء) ، بِغَيْر: تَاء.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: مَعْنَاهُ أظهري، لِأَن الإشراط: الْإِظْهَار.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَهِي رِوَايَة تفرد الشَّافِعِي عَن مَالك بهَا.
قَوْله: ( قَالَ عَليّ) يَعْنِي ابْن عبد االمديني الْمَذْكُور فِي أول الْبَاب.
قَوْله: ( قَالَ يحيى) هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان و: ( عبد الْوَهَّاب) ، هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، يُرِيد بذلك أَن الحَدِيث من طَرِيق هذَيْن الرجلَيْن مُرْسل، يُوضحهُ قَول الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِيمَا عندنَا من حَدِيث يحيى بن سعيد وَعبد الْوَهَّاب عَن يحيى ذَلِك الْمِنْبَر وصعوده، وحديثهما مُرْسل.
حدّثنا أَبُو الْقَاسِم حدّثنا بنْدَار حدّثنا يحيى بن سعيد، قَالَ: وأنبأنا الْقَاسِم أَنبأَنَا بنْدَار حدّثنا عبد الْوَهَّاب، قَالَ: قَالَ: سمعنَا يحيى يَقُول: أَخْبَرتنِي عمْرَة بِهِ.
قَوْله: ( عَن عمْرَة نَحوه) يَعْنِي: نَحْو رِوَايَة مَالك.
قَوْله: ( وَقَالَ جَعْفَر بن عون) الخ، أَفَادَ بِهِ تَصْرِيح يحيى بِسَمَاعِهِ لَهُ عَن عمْرَة، وَكَذَا سَماع عمْرَة عَن عَائِشَة، وخرجه النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان ومُوسَى بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن عون عَن يحيى بن سعيد، فَذكره فأمن بذلك مَا فِيهِ من الْإِرْسَال الْمَذْكُور، وَأعلم أَن التَّعْلِيق عَن مَالك مُتَأَخّر فِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن طَرِيق جَعْفَر بن عون.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام الأول: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز الْكِتَابَة، فَإِذا كَاتب رجل عَبده أَو أمته على مَال شَرط عَلَيْهِ وَقبل العَبْد ذَلِك صَار مكَاتبا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَيْضا قَوْله تَعَالَى: { فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} ( النُّور: 33) وَدلَالَة هَذَا على مَشْرُوعِيَّة العقد لَا تخفى على الْعَارِف بِلِسَان الْعَرَب، سَوَاء كَانَ الْأَمر للْوُجُوب أَو لغيره، وَهَذَا لَيْسَ بِأَمْر إِيجَاب بِإِجْمَاع بَين الْفُقَهَاء سوء مَا ذهب إِلَيْهِ دَاوُد الظَّاهِرِيّ وَمن تبعه، وَرُوِيَ نَحوه عَن عَمْرو بن دِينَار وَعَطَاء وَأحمد فِي رِوَايَة، وروى صَاحب ( التَّقْرِيب) عَن الشَّافِعِي نَحوه، فَإِن قلت: ظَاهر الْأَمر للْوُجُوب كَمَا ذهب إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ قلت: هَذَا فِي الْأَمر الْمُطلق الْمُجَرّد عَن الْقَرَائِن، وَهنا مُقَيّد بقوله: { إِن علمْتُم فيهم خيرا} ( النُّور: 33) فَيكون أَمر ندب، وَذهب بعض أَصْحَابنَا إِلَى أَنه أَمر إِبَاحَة، وَهُوَ غير صَحِيح، لِأَن فِي الْحمل على الْإِبَاحَة إِلْغَاء الشَّرْط إِذْ هُوَ مُبَاح بِدُونِهِ بالِاتِّفَاقِ، وَكَلَام امنزه عَن ذَلِك، وَالْمرَاد بِالْخَيرِ الْمَذْكُور أَن لَا يضر الْمُسلمين بعدالعتق، فَإِن كَانَ يضرهم فَالْأَفْضَل أَن لَا يكاتبه، وَإِن كَانَ يَصح.
وَعَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَطَاء: الْخَيْر الْكسْب خَاصَّة، وَرُوِيَ عَن الثَّوْريّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنه الْأَمَانَة وَالدّين خَاصَّة.
وَقيل؛ هُوَ الْوَفَاء وَالْأَمَانَة وَالصَّلَاح، وَإِذا فقد الْأَمَانَة وَالْكَسْب وَالصَّلَاح لَا يكره عندنَا، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ.
.

     وَقَالَ  أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو الْحُسَيْن بن الْقطَّان من الشَّافِعِيَّة؛ يكره وَلَا يعْتق الْمكَاتب إِلَّا بأَدَاء الْكل عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء، لما روى أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي أَنه قَالَ: ( الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ من كِتَابَته دِرْهَم) وروى الشَّافِعِي فِي ( مُسْنده) أخبرنَا ابْن أبي عُيَيْنَة عَن ابْن نجيح عَن مُجَاهِد أَن زيد ابْن ثَابت قَالَ فِي الْمكَاتب: ( هُوَ عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم) ، وَاخْتَارَهُ لمذهبه، وَهُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَفِيه اخْتِلَاف الصَّحَابَة.
فمذهب ابْن عَبَّاس أَنه يعْتق كَمَا أَخذ الصَّحِيفَة من مَوْلَاهُ يَعْنِي؛ يعْتق بِنَفس العقد وَهُوَ غَرِيم الْمولى بِمَا عَلَيْهِ من بدل الْكِتَابَة، وَمذهب ابْن مَسْعُود أَنه يعْتق إِذا أدّى قيمَة نَفسه، وَمذهب زيد مَا ذَكرْنَاهُ، وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ مؤيد بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور.
الثَّانِي من الْأَحْكَام: جَوَاز تَزْوِيج الْأمة الْمُزَوجَة، لِأَن بَرِيرَة كَانَت مُزَوّجَة وَقد ذكرنَا اسْمه وَالِاخْتِلَاف فِيهِ فَإِن قلت: كَانَ زَوجهَا حرا أَو عبدا.
قلت: فِي رِوَايَة البُخَارِيّ ( عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَأَيْته عبدا) يَعْنِي: زوج بَرِيرَة، ( كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يتبعهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة يبكي عَلَيْهَا ودموعه تسيل على لحيته، فَقَالَ النَّبِي لِعَمِّهِ الْعَبَّاس: أَلا تعجب من حب مغيث بَرِيرَة وَمن بغض بَرِيرَة مغيثاً؟ فَقَالَ النَّبِي: لَو راجعتيه قَالَت: يَا رَسُول اتأمرني؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنا أشفع.
قَالَت: فَلَا حَاجَة لي فِيهِ)
.
فَإِن قلت: ذكر فِي الْفَرَائِض، قَالَ الحكم: كَانَ زَوجهَا حرا قلت: قَالَ: وَقَول الحكم مُرْسل، وَذكر فِي بَاب مِيرَاث السائبة، قَالَ الْأسود: وَكَانَ زَوجهَا حرا.
قَالَ: وَقَول الْأسود مُنْقَطع، وَقَول ابْن عَبَّاس أصح.
وَفِي مُسلم أَيْضا قَالَ عبد الرَّحْمَن.
وَكَانَ زَوجهَا عبدا.
الثَّالِث: فِي ثُبُوت الْوَلَاء للْمُعْتق عَن نفس، فَهَذَا لَا خلاف فِيهِ للْحَدِيث الْمَذْكُور،وَاخْتلفُوا فِيمَن أعتق على أَن لَا وَلَاء لَهُ وَهُوَ الْمُسَمّى بالسائبة، فمذهب الْجُمْهُور أَن الشَّرْط بَاطِل وَالْوَلَاء لمن اعْتِقْ، وَمذهب أَحْمد أَنه لم يكن لَهُ الْوَلَاء عَلَيْهِ، فَلَو أَخذ من مِيرَاثه شَيْئا رده فِي مثله.
.

     وَقَالَ  مَالك وَمَكْحُول وَأَبُو الْعَالِيَة وَالزهْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي اعنه: يَجْعَل، وَلَاؤُه لجَمِيع الْمُؤمنِينَ، كَذَا فعله بعض الصَّحَابَة.
الرَّابِع: فِيهِ دَلِيل على تنجم الْكِتَابَة، لقولها: ( كاتبت أَهلِي على تسع أَوَاقٍ، فِي كل عَام أُوقِيَّة) .
.

     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَلَيْسَ فِيهِ تعرض للكتابة الْحَالة فيتكلم عَلَيْهِ.
قلت: يجوز عِنْد أَصْحَابنَا أَن يشْتَرط المَال حَالا ومنجماً لظَاهِر قَوْله تَعَالَى: { فكاتبوهم إِن علمْتُم} ( النُّور: 33) من غير شَرط التنجم والتأجيل، فَلَا يُزَاد على النَّص بِالرَّأْيِ، وَبِه قَالَ مَالك.
وَفِي ( الْجَوَاهِر) : قَالَ أَبُو بكر: ظَاهر قَول مَالك: إِن التنجيم والتأجيل شَرط فِيهِ، ثمَّ قَالَ: وعلماؤنا النظار يَقُولُونَ: إِن الْكتاب الحالية جَائِزَة ويسمونها قطاعة، وَهُوَ الْقيَاس.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا يجوز حَالا.
وَلَا بُد من نجمين، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي ظَاهر رِوَايَته.
الْخَامِس: اشْتِرَاط الْوَلَاء للْبَائِع هَل يفْسد العقد؟ فِيهِ خلاف، فظاهرا لحَدِيث أَنه لَا يُفْسِدهُ لما قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: ( واشترطي لَهُم الْوَلَاء) .
وَلَا يَأْذَن النَّبِي، فِي عقد بَاطِل.
.

     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: إِذا قُلْنَا إِن صَحِيح فَهَل يَصح الشَّرْط؟ فِيهِ اخْتِلَاف فِي مَذْهَب الشَّافِعِي، وَالْقَوْل بِبُطْلَانِهِ مُوَافق لألفاظ الحَدِيث.
فَإِن قلت: كَيفَ يَأْذَن النَّبِي فِي البيع على شَرط فَاسد؟ وَكَيف يَأْذَن فِي البيع حَتَّى يَقع على هَذَا الشَّرْط وَيقدم البَائِع عَلَيْهِ ثمَّ يبطل اشْتِرَاطه؟ قلت: أُجِيب: عَنهُ، بأجوبة: الأول: مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: وَهُوَ أَنه لم يُوجد اشْتِرَاط الْوَلَاء فِي حَدِيث عَائِشَة إلاَّ من رِوَايَة مَالك عَن هِشَام، فَأَما من سواهُ وَهُوَ: اللَّيْث بن سعد وَعَمْرو بن الْحَارِث فَإِنَّهُمَا رويا عَن هِشَام عَن السُّؤَال لولاء بَرِيرَة ءنما كَانَ من عَائِشَة لأَهْلهَا بأَدَاء مكاتبتها إِلَيْهِم، فَقَالَ: ( لَا يمنعك ذَلِك عَنْهَا: ابتاعي وأعتقي وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن اعْتِقْ) .
وَهَذَا خلاف مَا رَوَاهُ مَالك عَن هِشَام: ( خذيها واشرطي، فَإنَّا الْوَلَاء لمن أعتق) ، مَعَ أَنه يحْتَمل أَن يكون معنى: أشرطي: أظهري، لِأَن الإشراط فِي كَلَام الْعَرَب الْإِظْهَار، وَمِنْه قَول أَوْس بن حجر.
( فأشرط فِيهَا نَفسه وَهُوَ معصم) أَي: أظهر نَفسه، أَي: أظهري الْوَلَاء الَّذِي يُوجب اعتقاك إِنَّه لمن يكون الْعتاق مِنْهُ دون من سواهُ.
الثَّانِي: أَن معنى: ( واشترطي لَهُم) أَي: عَلَيْهِم، كَقَوْلِه تَعَالَى: { إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم وَإِن أسأتم فلهَا} ( الْإِسْرَاء: 7) قيل: فِيهِ نظر، لِأَن سِيَاق الحَدِيث وَكَثِيرًا من أَلْفَاظه يَنْفِيه، ورد بِأَن الْقَرِينَة الحالية تدل على هَذَا مَعَ أَن مَجِيء: اللَّام، بِمَعْنى: على، كثير فِي الْقُرْآن والْحَدِيث والأشعار، على مَا لَا يخفى.
الثَّالِث: أَنه على الْوَعيد الَّذِي ظَاهره الْأَمر وباطنه النَّهْي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} ( فصلت: 04) وَقَوله: { واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم} ( الْإِسْرَاء: 46) أَلاَ ترى أَنه صعد الْمِنْبَر وخطب.

     وَقَالَ : مَا بَال رجال ... إِلَى آخِره.
الرَّابِع: أَنه قد كَانَ أخْبرهُم بِأَن الْوَلَاء لمن.
اعْتِقْ، ثمَّ أقدموا على اشْتِرَاط مَا يُخَالف هَذَا الحكم الَّذِي علموه، فَور دهذا اللَّفْظ على سَبِيل الزّجر والتوبيخ والنكير لمخالفتهم الحكم الشَّرْعِيّ.
الْخَامِس: أَن إبِْطَال هَذَا الشَّرْط عُقُوبَة ونكال لمعاندتهم فِي الْأَمر الشَّرْعِيّ، فَصَارَ هَذَا من بَاب الْعقُوبَة بِالْمَالِ كحرمان الْقَاتِل من الْمِيرَاث، وَكَانَ بَين لَهُم حكم الْوَلَاء، وَأَن هَذَا الشَّرْط لَا يحل، فَلَمَّا أحوا وعاندوا أبطل شرطهم.
السَّادِس: أَن هَذَا خَاص بِهَذِهِ الْقَضِيَّة عَام فِي سَائِر الصُّور، وَيكون سَبَب التَّخْصِيص بِإِبْطَال هَذَا الشَّرْط الْمُبَالغَة فِي زجرهم عَن هَذَا الِاشْتِرَاط الْمُخَالف للشَّرْع، كَمَا أَن فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة كَانَ خَاصّا بِتِلْكَ الْوَاقِعَة، مُبَالغَة فِي إِزَالَة مَا كَانُوا عَلَيْهِ من منع الْعمرَة فِي أشهر الْحَج.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: الْمُشكل فِي هَذَا الحَدِيث مَا وَقع من طَرِيق هِشَام هُنَا، وَهُوَ قَوْله: ( اشتريها وأعتقيها واشترطي لَهُم الْوَلَاء) ، كَيفَ أمرهَا رَسُول ا، بِهَذَا وَفِيه عقد بيع على شَرط لَا يجوز، وتغرير بالبائعين إِذا شَرط لَهُم مَا لَا يَصح؟ وَلما صَعب الِانْفِصَال عَن هَذَا على بعض النَّاس أنكر هَذَا الحَدِيث أصلا، فحكي ذَلِك عَن يحيى بن أكتم وَقد وَقع فِي كثير من الرِّوَايَات سُقُوط هَذِه اللَّفْظَة، وَهَذَا الَّذِي شجع يحيى على إنكارها.
السَّادِس من الْأَحْكَام: مَا قَالَه الْخطابِيّ: إِن فِيهِ دَلِيلا على جَوَاز بيع الْمكَاتب، رَضِي بِهِ أَو لم يرض، عجز عَن أَدَاء نجومه أَو لم: يعجز، أدّى بعض النُّجُوم أم لَا.
.

     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: اخْتلفُوا فِي بيع الْمكَاتب عل ثَلَاثَة مَذَاهِب: الْمَنْع، وَالْجَوَاز، وَالْفرق بَين أَن يَشْتَرِي لِلْعِتْقِ فَيجوز أَو للاستخدام فَلَا.
أما من أجَاز بَيْعه فاستدل بِهَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ ثَبت أَن بَرِيرَة كَانَت مُكَاتبَة، وَهُوَ قَول عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَأحمد وَمَالك فِي رِوَايَة،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك فِي رِوَايَة: لَا يجوز بَيْعه، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَرَبِيعَة.
قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه أَنه لَا يجوز بيع الْمكَاتب مَا دَامَ مكَاتبا حَتَّى يعجز، وَلَا يجوز بيع مكَاتبه بِحَال، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي بِمصْر، وَكَانَ بالعراق يَقُول: يجوز بَيْعه.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ:.

     وَقَالَ  بعض الْعلمَاء: يجوز بَيْعه لِلْعِتْقِ لَا للاستخدام.
السَّابِع: مَا قَالَه الْخطابِيّ: فِيهِ جَوَاز بيع الرَّقَبَة بِشَرْط الْعتْق، لِأَن الْقَوْم قد تنازعوا الْوَلَاء وَلَا يكون الْوَلَاء إلاَّ بعد الْعتْق، فَدلَّ أَن الْعتْق كَانَ مَشْرُوطًا فِي البيع.
قلت: إِذا اشْترط البَائِع على الْمُبْتَاع إِيقَاع معنى من مَعَاني الْبر فَإِن اشْترط عَلَيْهِ من ذَلِك مَا يتعجل كَالْعِتْقِ الْمُعَجل فَذَلِك جَائِز عِنْد الشَّافِعِي، وَلَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة.
فَإِن امْتنع البَائِع من إِنْفَاذ الْعتْق؟ فَقَالَ أَشهب: يجْبر على الْعتْق.
.

     وَقَالَ  ابْن كنَانَة: لَو رَضِي البَائِع بذلك لم يكن لَهُ ذَلِك وَيعتق عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: إِن كَانَ اشْتَرَاهُ على إِيجَاب الْعتْق فَهُوَ حر، وَإِن كَانَ اشْتَرَاهُ من غير إِيجَاب عتق لم يجْبر على عتق، والإيجاب أَن يَقُول: إِن اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حر، وَإِن لم يقل ذَلِك، وَإِنَّمَا اشْترط أَن يسْتَأْنف عتقه بعد كَمَال ملكه فَلَيْسَ بِإِيجَاب.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: البيع فَاسد ويمضي الْعتْق اتبَاعا للسّنة، وَرُوِيَ عَنهُ: البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل، وروى الْمُزنِيّ عَنهُ: لَا يجوز تصرف المُشْتَرِي بِحَال فِي البيع الْفَاسِد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَاسْتحْسن أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن أَن ينجز لَهُ الْعتْق وَيجْعَل عَلَيْهِ الثّمن، وَإِن مَاتَ قبل أَن يعتقهُ كَانَت عَلَيْهِ الْقيمَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: الْعتْق جَائِز وَعَلِيهِ الْقيمَة، وَالْحجّة لأبي حنيفَة فِي هَذَا الْبَاب وَأَمْثَاله حَدِيث عبد ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي: أَنه نهى عَن بيع وَسلف وَعَن شرطين فِي بيعَة، وَعنهُ أَيْضا: لَا يحل سلف وَلَا بيع وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع، أخرجه الْأَرْبَعَة والطَّحَاوِي بأسانيد صِحَاح، وفسروا قَوْله: وَعَن شرطين فِي بيع، بِأَن البيع فِي نَفسه شَرط، فَإِذا شَرط فِيهِ شَرط آخر فقد صَار شرطين.
وَقَول الْخطابِيّ: فَدلَّ أَن الْعتْق كَانَ مَشْرُوطًا فِي البيع لَا دَلِيل لَهُ فِيهِ ظَاهرا، وَالْحكم بِهِ عى جَوَاز البيع بِالشّرطِ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ مُخَالف لظَاهِر الحَدِيث الصَّحِيح.
الثَّامِن: مَا قَالَه الْخطابِيّ فِيهِ أَيْضا: إِنَّه لَيْسَ كل شَرط يشْتَرط فِي بيع كَانَ قادحاً فِي أَصله ومفسداً لَهُ، وَإِن معنى مَا ورد من النَّهْي عَن بيع وَشرط منصرف إِلَى بعض الْبيُوع وَإِلَى نوع من الشُّرُوط،.

     وَقَالَ  عِيَاض: الشُّرُوط الْمُقَارنَة للْبيع ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: أَن يكون من مُقْتَضى العقد: كالتسليم وَجَوَاز التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع، وَهَذَا لَا خلاف فِي جَوَاز اشْتِرَاطه لِأَنَّهُ يقْضِي بِهِ وَإِن لم يشْتَرط.
وَالثَّانِي: أَن لَا يكون من مُقْتَضَاهُ، وَلكنهَا من مصْلحَته: كالتحميل وَالرَّهْن وَاشْتِرَاط الْخِيَار، فَهَذَا أَيْضا يجوز اشْتِرَاطه لِأَنَّهُ من مصْلحَته فَأشبه مَا كَانَ من مُقْتَضَاهُ.
وَالثَّالِث: أَن يكون خَارِجا عَن ذَلِك مِمَّا لَا يجوز اشْتِرَاطه فِي الْعُقُود، بل يمْنَع من مُقْتَضى العقد أَو يُوقع فِيهِ غرراً أَو غير ذَلِك من الْوُجُوه الممنوعة، فَهَذَا مَوضِع اضْطِرَاب الْعلمَاء.
وَا تَعَالَى أعلم.
قلت: عِنْد أَصْحَابنَا البيع بِالشّرطِ على ثَلَاثَة أوجه.
الأول: البيع وَالشّرط كِلَاهُمَا جائزان، وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع: أَحدهَا: أَن كل شَرط يَقْتَضِيهِ العقد ويلائمه فَلَا يُفْسِدهُ بِأَن يَشْتَرِي أمة بِشَرْط أَن تخدمه أَو يَغْشَاهُ، أَو دَابَّة بِشَرْط أَن يركبهَا وَنَحْو ذَلِك.
النَّوْع الثَّانِي: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَكِن يلائمه بِأَن يشْتَرط أَن يرهنه بِالثّمن رهنا، وَسَماهُ أَن يُعْطِيهِ كَفِيلا وَسَماهُ وَالْكَفِيل حَاضر فَقبله، وَكَذَلِكَ الْحِوَالَة، جَازَ اسْتِحْسَانًا خلافًا لزفَر.
النَّوْع الثَّالِث: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يلائمه، وَلَكِن ورد الشَّرْع بِجَوَازِهِ: كالخيار وَالْأَجَل، أَو لم يرد الشَّرْع بِهِ وَلكنه مُتَعَارَف متعامل بَين النَّاس بِأَن اشْترى نعلا على أَن يحذوه البَائِع، أَو قلنسوة بِشَرْط أَن يبطنه.
جَازَ اسْتِحْسَانًا خلافًا لزفَر.
الْوَجْه الثَّانِي: البيع وَالشّرط كِلَاهُمَا فاسدان، وَهُوَ كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يلائمه، وَفِيه مَنْفَعَة لأَحَدهمَا أَو للمعقود عَلَيْهِ.
بِأَن اشْترى حِنْطَة على أَن يطحنها البَائِع، أَو عبدا على أَن لَا يَبِيعهُ، وَكَذَا على أَن لَا يعتقهُ خلافًا للشَّافِعِيّ فِيهِ، فَإِن أعْتقهُ ضمن الثّمن اسْتِحْسَانًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا قِيمَته.
الْوَجْه الثَّالِث: البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل، وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة بل فِيهِ مضرَّة بِأَن بَاعَ ثوبا أَو دَابَّة بِشَرْط أَن لَا يَبِيعهُ وَلَا يَهبهُ، أَو طَعَاما بِشَرْط أَن لَا يَأْكُل وَلَا يَبِيع، جَازَ البيع وَبَطل الشَّرْط.
الثَّانِي: كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة وَلَا مضرَّة لأحد، بِأَن بَاعَ طَعَاما بِشَرْط أَن يَأْكُلهُ جَازَ البيع وَبَطل الشَّرْط.
الثَّالِث: كل شَرط يُوجب مَنْفَعَة لغير الْمُتَعَاقدين وَالْمَبِيع نَحْو: البيع بِشَرْط أَن يقْرض أَجْنَبِيّا لَا يفْسد البيع.
التَّاسِع: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا وَلَاء لمن أسلم على يَدَيْهِ، وَلَا لمن حَالف إنْسَانا على المناصرة،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: فِيهِ حصر الْوَلَاء للْمُعْتق فيقضتي ذَلِك أَن لَا وَلَاء بِالْحلف والموالاة وبإسلام الرجل على يَد الرجل وَلَا بإلتقاطه للقيط، وكل هَذِه الصُّور فِيهَا خلاف بَين الْفُقَهَاء، وَمذهب الشَّافِعِي: لَا وَلَاء فِي شَيْء مِنْهَا للْحَدِيث.
قلت: الْوَلَاء عِنْد أَصْحَابنَا نَوْعَانِ: أَحدهمَا: وَلَاء الْعتَاقَة، وَالْآخر: وَلَاء الْمُوَالَاة، وَقد كَانَت الْعَرَب تتناصر بأَشْيَاء: بِالْقَرَابَةِ والصداقة والمؤاخاة وَالْحلف والعصبة، وَوَلَاء الْعتَاقَة وَوَلَاء الْمُوَالَاة، وَقرر رَسُول الله تناصرهم بِالْوَلَاءِ بنوعين وهما: الْعتَاقَة وَوَلَاء الْمُوَالَاة،.

     وَقَالَ : ( إِن مولى الْقَوْم مِنْهُم وحليفهم مِنْهُم) .
رَوَاهُ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة، فَأَحْمَد فِي ( مُسْنده) : من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عبيد بن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: ( مولى الْقَوْم مِنْهُم، وَابْن أختهم مِنْهُم، وحليفهم مِنْهُم) .
وَالْبَزَّار فِي ( سنَنه) : من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، قَالَ: ( حَلِيف الْقَوْم مِنْهُم وَابْن أختهم مِنْهُم) .
والدارمي فِي ( مُسْنده) : من حَدِيث عَمْرو بن عون أَن رَسُول ا، قَالَ: ( ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم وحليف الْقَوْم مِنْهُم) .
وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( مُعْجَمه) : من حَدِيث عتبَة بن غَزوَان عَن النَّبِي نَحوه، وَالْمرَاد بالحليف مولى الْمُوَالَاة لأَنهم كَانُوا يؤكدون الْمُوَالَاة بِالْحلف.
الْعَاشِر: أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام عِنْد وُقُوع بِدعَة أَن يخْطب النَّاس وَيبين لَهُم حكم ذَلِك وينكر عَلَيْهَا.
الْحَادِي عشر: فِيهِ أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام أَن يحسن الْعشْرَة مَعَ رَعيته، أَلاَ ترى أَنه، لما خطب لم يواجه صَاحب الشَّرْط بِعَيْنِه، لِأَن الْمَقْصُود يحصل لَهُ وَلغيره بِدُونِ فضيحة وشناعة عَلَيْهِ.
الثَّانِي عشر: فِيهِ الْمُبَالغَة فِي إِزَالَة الْمُنكر والتغليظ فِي تقبيحه.
الثَّالِث عشر: فِي جَوَاز كِتَابَة الْأمة دون زَوجهَا.
الرَّابِع عشر: فِيهِ أَن زوج الْأمة لَيْسَ لَهُ منعهَا من السَّعْي فِي كتَابَتهَا،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: لَو اسْتدلَّ مستدل من هَذَا الْمَعْنى بِأَن الزَّوْجَة لَيْسَ عَلَيْهَا خدمَة زَوجهَا كَانَ حسنا.
الْخَامِس عشر: فِيهِ دَلِيل على أَن العَبْد زوج الْأمة لَهُ منعهَا من الْكِتَابَة الَّتِي تؤول إِلَى عتقهَا وفراقها لَهُ، كَمَا أَن لسَيِّد الْأمة عتق أمته تَحت العَبْد، وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى إبِْطَال نِكَاحه، وَكَذَلِكَ لَهُ أَن يَبِيعهَا من زَوجهَا الْحر وَإِن كَانَ فِي ذَلِك بطلَان عقده.
السَّادِس عشر: فِيهِ دَلِيل على أَن بيع الْأمة ذَات الزَّوْج لَيْسَ بِطَلَاق لَهَا، لِأَن الْعلمَاء قد اجْتَمعُوا وَلم يخْتَلف فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث أَيْضا أَن بَرِيرَة كَانَت حِين اشترتها عَائِشَة ذَات الزَّوْج، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي زَوجهَا: هَل كَانَ حرا أَو عبدا؟ وَقد اجْتمع عُلَمَاء الْمُسلمين على أَن الْأمة إِذا أعتقت وَزوجهَا عبد أَنَّهَا تخير، وَاخْتلفُوا إِذا كَانَ زَوجهَا حرا هَل تخير أم لَا؟ .
السَّابِع عشر: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز أَخذ السَّيِّد نُجُوم الْمكَاتب من مَسْأَلَة النَّاس، لترك النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، زجرها عَن مَسْأَلَة عَائِشَة إِذا كَانَت تستعينها فِي أَدَاء نجمها، وَهَذَا يرد قَول من كره كِتَابَة الْمكَاتب الَّذِي يسْأَل النَّاس،.

     وَقَالَ : يطعمني أوساخ النَّاس.
الثَّامِن عشر: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز نِكَاح العَبْد الْحرَّة لِأَنَّهَا إِذا خيرت فاختارته بقيت مَعَه وَهِي حرَّة وَهُوَ عبد.
التَّاسِع عشر: قَالُوا: فِيهِ مَا يدل على ثُبُوت الْوَلَاء فِي سَائِر وُجُوه الْعتْق: كالكتابة وَالتَّعْلِيق بالصيغة وَغير ذَلِك.
الْعشْرُونَ: فِيهِ دَلِيل على قبُول خبر العَبْد وَالْأمة، لِأَن بَرِيرَة أخْبرت أَنَّهَا مُكَاتبَة، فأجابتها عَائِشَة بِمَا أجابت.