فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب

( بابٌُ)

إِن لم يقدر شَيْء قبل لفظ: بابُُ، أَو بعده لَا يكون معرباً، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد العقد والتركيب.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ جرت لَهُ عَادَة أَنه إِذا ذكر لفظ بابُُ مُجَردا عَن التَّرْجَمَة يدل ذَلِك على أَن الحَدِيث الَّذِي يذكر بعده يكون لَهُ مُنَاسبَة بِأَحَادِيث الْبابُُ الَّذِي قبله، وَهَهُنَا لَا مُنَاسبَة بَينهمَا أصلا بِحَسب الظَّاهِر على مَا لَا يخفى، لَكِن تكلّف فِي ذَلِك فَقيل: تعلقه بِأَبْوَاب الْمَسَاجِد من جِهَة أَن الرجلَيْن تأخراً مَعَ النَّبِي فِي الْمَسْجِد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الْمظْلمَة لانتظار صَلَاة الْعشَاء مَعَه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فعلى هَذَا كَانَ يَلِيق أَن يترجم لَهُ: فضل الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة.

قلت: كل وَاحِد من الْكَلَامَيْنِ غير موجه، لِأَن حَدِيث الْبابُُ لَا يدل عَلَيْهِ أصلا، لِأَن حَدِيث الْبابُُ فِي الرجلَيْن اللَّذين خرجا من عِنْد النَّبِي فِي لَيْلَة مظْلمَة حَتَّى أَتَيَا أهلهما،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بابُُ أَحْكَام الْمَسَاجِد وَا تَعَالَى أعلم، لِأَن الرجلَيْن كَانَا مَعَ النَّبِي فِي الْمَسْجِد وَهُوَ مَوضِع جُلُوسه مَعَ أَصْحَابه.
وأكرمهما اتعالى بِالنورِ فِي الدُّنْيَا ببركته وَفضل مَسْجده وملازمته، قَالَ: وَذَلِكَ آيَة للنَّبِي، وكرامة لَهُ قلت: هَذَا أَيْضا فِيهِ بعد وَالْوَجْه فِيهِ أَن يُقَال: إنَّهُمَا لما كَانَ فِي الْمَسْجِد مَعَ النَّبِي، وهما ينتظران صَلَاة الْعشَاء مَعَه أكرما بِهَذِهِ الْكَرَامَة، وللمسجد فِي حُصُول هَذِه الْكَرَامَة دخل، فَنَاسَبَ ذكر حَدِيث الْبابُُ هَهُنَا بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة.


[ قــ :455 ... غــ :465]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا معَاذ بن هِشَام قَالَ حَدثنِي أبي قَتَادَة قَالَ حَدثنَا أنس أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرجا من عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي لَيْلَة مظْلمَة ومعهما مئل المصباحين يضيئان بَين أَيْدِيهِمَا فَلَمَّا افْتَرقَا صَار مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَاحِد حَتَّى أَتَى أَهله) وَجه الْمُنَاسبَة والمطابقة قد ذَكرْنَاهُ الْآن ( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول مُحَمَّد بن الْمثنى بِلَفْظ الْمَفْعُول من التَّثْنِيَة مر فِي بابُُ حلاوة الْإِيمَان.
الثَّانِي معَاذ بِضَم الْمِيم مر فِي بابُُ من خص بِالْعلمِ قوما.
الثَّالِث أَبوهُ هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي الْأَعْمَى الْبَصْرِيّ.
الْخَامِس أنس بن مَالك ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبالإفراد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن رِجَاله كلهم بصريون وَفِيه أَن الرَّاوِي عَن الصَّحَابِيّ كَانَ مَعَه غَيره فَلذَلِك أخبر بِصِيغَة الْجمع.
( ذكر تعدد مَوْضِعه) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة متْنا وإسنادا وَفِي منقبة أسيد بن حضير وَعباد بن بشر فِي مَنَاقِب الْأنْصَارِيّ.

     وَقَالَ  فِيهِ.

     وَقَالَ  معمر عَن ثَابت عَن أنس أَن أسيد بن حضير ورجلا من الْأَنْصَار.

     وَقَالَ  حَمَّاد حَدثنَا ثَابت عَن أنس كَانَ أسيد وَعباد بن بشر عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَن رجلَيْنِ " هما عباد بن بشر وَأسيد بن حضير.

     وَقَالَ  السفاقسي الرّجلَانِ عباد بن بشر وعويم بن الساعدة وَأسيد بن حضير وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَأسيد بِضَم الْهمزَة مصغر أَسد وحضير بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء وعويم بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو مصغر عوم قَوْله " مظْلمَة " بِكَسْر اللَّام يُقَال أظلم اللَّيْل.

     وَقَالَ  الْفراء ظلم اللَّيْل بِالْكَسْرِ وأظلم بِمَعْنى قَوْله " ومعهما " الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " يضيئان " من أَضَاء تَقول ضاءت النَّار وأضاءت مثله وأضاءته النَّار يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَضَاء إِمَّا مُتَعَدٍّ بِمَعْنى نور وَإِمَّا غير مُتَعَدٍّ بِمَعْنى لمع وأظلم يحْتَمل أَن يكون غير مُتَعَدٍّ وَهُوَ الظَّاهِر وَأَن يكون مُتَعَدِّيا.
قَوْله " بَين أَيْدِيهِمَا " أَي قدامهما وَهُوَ مفعول فِيهِ إِن كَانَ فعل الإضاءة لَازِما ومفعول بِهِ إِن كَانَ مُتَعَدِّيا قَوْله " مِنْهُمَا " أَي من الرجلَيْن قَوْله " وَاحِد " أَي من المصباحين وارتفاعه على أَنه فَاعل صَار ( وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) أَن فِيهِ دلَالَة ظَاهِرَة لكرامة الْأَوْلِيَاء وَلَا شكّ فِيهِ.
وَفِيه رد على من يُنكر ذَلِك وَقد وَقع مثل هَذَا قَدِيما وحديثا.
أما قَدِيما فَمن ذَلِك مَا ذكره ابْن عَسَاكِر وَغَيره " عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان أَنه خرج من عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِيَدِهِ عرجون فأضاء العرجون " وَفِي دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مَيْمُون بن زيد بن أبي عبس حَدثنِي أبي " أَن أَبَا عبس كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّلَوَات ثمَّ يرجع إِلَى بني حَارِثَة فَخرج فِي لَيْلَة مظْلمَة مطيرة فنورت لَهُ عَصَاهُ حَتَّى دخل دَار بني حَارِثَة " وَمن حَدِيث كثير بن زيد عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنفرنا فِي لَيْلَة مظْلمَة فَأَضَاءَتْ أصابعي حَتَّى جمعُوا عَلَيْهَا ظهْرهمْ وَمَا هلك مِنْهُم وَإِن أصابعي لتنير " وَفِي لفظ " نفرت دوابنا وَنحن فِي مشقة " الحَدِيث.
وَأما حَدِيثا فَمن ذَلِك مَا ثَبت بالتواتر عَن جمَاعَة من طلبة الْعلم الثِّقَات أَنهم كَانُوا مَعَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة حسان الدّين الرهاوي مُصَنف الْبَحْر وَغَيره فِي وَلِيمَة بِمَدِينَة عينتاب وَكَانَت فِي لَيْلَة مظْلمَة شَاتِيَة فَلَمَّا تفَرقُوا أَرَادَ جمَاعَة أَن ينوروا على الشَّيْخ إِلَى بابُُ دَاره لشدَّة الظلمَة فَمَا رَضِي بذلك فَرَجَعُوا وَتَبعهُ جمَاعَة من بعد فَقَالُوا وهم يحلفُونَ أَنهم شاهدوا نورين عظيمين مثل الفوانيس أَحدهمَا عَن يَمِين الشَّيْخ وَالْآخر عَن يسَاره فَلم يَزَالَا مَعَه إِلَى أَن وصل إِلَى بابُُ دَاره فَلَمَّا فتح الْبابُُ وَدخل الشَّيْخ ارْتَفع النوران وَلَقَد أخبروا عَنهُ بكرامات أُخْرَى غير ذَلِك وَهُوَ أحد مشايخي الَّذين أخذت عَنْهُم الْعلم وانتفعت بهم