فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد

( بابُ الأَبْوابِ والغَلَقِ لِلْكَعْبَةِ والمَسَاجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اتِّخَاذ الْأَبْوَاب للكعبة ولغيرها من الْمَسَاجِد لأجل صونها عَمَّا لَا يصلح فِيهَا، وَلأَجل حفظ مَا فِيهَا من الْأَيْدِي العادية، وَلِهَذَا قَالَ ابْن بطال: اتِّخَاذ الْأَبْوَاب للمساجد وَاجِب، وَعلل الْوُجُوب بِمَا ذكرنَا.
قَوْله: ( والغلق) بتحريك اللَّام، وَهُوَ المغلاق وَهُوَ مَا يغلق بِهِ الْبَاب.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  لِي عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ حدّثنا سُفْيَانُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ لِي ابنُ أبي مُلَيْكَةَ يَا عَبْدَ المَلِكِ لَوْ رَأيْتَ مَسَاجِدَ ابنِ عبَّاسٍ وَأبْوَابَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْأَبْوَاب.
قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد ا) ، المُرَاد بِهِ البُخَارِيّ نَفسه، وَعبد ابْن مُحَمَّد هُوَ الْجعْفِيّ المسندي، مضى ذكره فِي الْبَاب السَّابِق، وسُفْيَان: هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن جريج هُوَ عبد ابْن جريج، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم، وَاسم أبي مليكَة: زُهَيْر بن عبد ابْن جدعَان التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي.
قَوْله: ( لَو رَأَيْت) ، جَزَاؤُهُ مَحْذُوف، أَي: رَأَيْتهَا كَذَا وَكَذَا، وَيحْتَمل أَن تكون: لَو، للتمنى فَلَا تحْتَاج إِلَى الْجَزَاء، وَهَذَا الْكَلَام يدل على أَن هَذِه الْمَسَاجِد كَانَت لَهَا أَبْوَاب، وأغلاق بِأَحْسَن مَا يكون، وَلَكِن كَانَت فِي الْوَقْت الَّذِي قَالَ ابْن أبي مليكَة لِابْنِ جريج: خربَتْ واندرست.

[ قــ :458 ... غــ :468]
- ( حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان وقتيبة قَالَا حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قدم مَكَّة فَدَعَا عُثْمَان بن طَلْحَة فَفتح الْبابُُ فَدخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبلال وَأُسَامَة بن زيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة ثمَّ أغلق الْبابُُ فَلبث فِيهِ سَاعَة ثمَّ خَرجُوا قَالَ ابْن عمر فبدرت فَسَأَلت بِلَالًا فَقَالَ صلى فِيهِ فَقلت فِي أَي قَالَ بَين الأسطوانتين قَالَ ابْن عمر فَذهب عَليّ أَن أسأله كم صلى) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَفتح الْبابُُ " وَفِي قَوْله " ثمَّ أغلق ".
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول أَبُو النُّعْمَان بِضَم الْمِيم مُحَمَّد بن الْمفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي قُتَيْبَة بن سعيد وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث حَمَّاد بن زيد وَقد تقدم غير مرّة.
الرَّابِع أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
الْخَامِس نَافِع مولى ابْن عمر.
السَّادِس عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه روى البُخَارِيّ عَن شيخين وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان وَفِي الْجِهَاد عَن يحيى بن بكير وَعَن مُسَدّد عَن يحيى وَعَن أبي نعيم وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن رمح وَعَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَعَن أبي الرّبيع وقتيبة أبي كَامِل ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد بِهِ وَعَن ابْن أبي عَمْرو عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن حميد بن مسْعدَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن القعْنبِي وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَعَن مُحَمَّد بن مسلمة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عُثْمَان بن طَلْحَة " هُوَ عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة عبد الله بن عبد الْعُزَّى الْعَبدَرِي الحَجبي قتل أَبوهُ وَعَمه يَوْم أحد كَافِرين فِي جمَاعَة من بني عَمهمَا وَهَاجَر هَذَا مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد وَعَمْرو وَدفع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ وَإِلَى ابْن عَمه شيبَة بن عُثْمَان مِفْتَاح الْكَعْبَة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أسلم يَوْم هدنة الْحُدَيْبِيَة وَجَاء يَوْم الْفَتْح بمفتاح الْكَعْبَة وَفتحهَا فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " خذوها " يَعْنِي الْمِفْتَاح " يَا آل أبي طَلْحَة خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا ظَالِم " ثمَّ نزل الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا إِلَى وَفَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ تحول إِلَى مَكَّة وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين قَوْله " وبلال " عطف على قَول النَّبِي أَي وَدخل بِلَال أَيْضا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَدخل أَيْضا أُسَامَة بن زيد وَعُثْمَان بن أبي طَلْحَة وإدخاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَعَه لمعان تخص كل وَاحِد مِنْهُم فَأَما دُخُول بِلَال فلكونه مؤذنه وخادم أَمر صلَاته وَأما أُسَامَة فَلِأَنَّهُ كَانَ يتَوَلَّى خدمَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَأما عُثْمَان فلئلا يتَوَهَّم النَّاس أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَزله وَلِأَنَّهُ كَانَ يقوم بِفَتْح الْبابُُ وإغلاقه قَوْله " فبدرت " أَي أسرعت قَوْله " فَسَأَلت بِلَالًا " أَي عَن صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْكَعْبَة قَوْله " فَقلت فِي أَي " أَي فِي أَي نواحيه ويروى فِي أَي نواحيه بِوُجُود الْمُضَاف إِلَيْهِ قَوْله " بَين الاسطوانتين " هِيَ تَثْنِيَة الاسطوانة بِضَم الْهمزَة وَزنهَا أفعوالة وَقيل فعلوانة وَقيل افعلانة قَوْله " فَذهب عَليّ " أَي فَاتَ مني سُؤال الكمية قَوْله " أَن أسأله " بِفَتْح أَن مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ فَاعل ذهب ( وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) مَا قَالَه الْخطابِيّ وَابْن بطال أَن إغلاق بابُُ الْكَعْبَة كَانَ لِئَلَّا يكثر النَّاس عَلَيْهِ فيصلوا بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيكون ذَلِك عِنْدهم من الْمَنَاسِك كَمَا فعل فِي صَلَاة اللَّيْل حِين لم يخرج إِلَيْهِم خشيَة أَن تكْتب عَلَيْهِم وَقيل إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِئَلَّا يزدحموا عَلَيْهِ لتوفر دواعيهم على مُرَاعَاة أَفعاله ليأخذوها عَنهُ وَقيل ليَكُون ذَلِك أسكن لِقَلْبِهِ وَأجْمع لخشوعه.
وَمِنْهَا مَا قَالَ ابْن بطال اتِّخَاذ الْأَبْوَاب للمساجد وَاجِب وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَمِنْهَا أَن الْمُسْتَحبّ لمن يدْخل الْكَعْبَة أَن يُصَلِّي بَين الاسطوانتين كَمَا فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسَيَجِيءُ فِي كتاب الْحَج عَن ابْن عمر أَنه سَأَلَ بِلَالًا هَل صلى فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ نعم بَين العمودين اليمانيين وَفِي لفظ " جعل العمودين عَن يسَاره وعمودا عَن يَمِينه وَثَلَاثَة أعمدة وَرَاءه وَكَانَ الْبَيْت يَوْمئِذٍ على سِتَّة أعمدة ثمَّ صلى " وَفِي لفظ " فَمَكثَ فِي الْبَيْت نَهَارا طَويلا ثمَّ خرج فابتدر النَّاس من الدُّخُول فسبقتهم فَوجدت بِلَالًا قَائِما وَرَاء الْبَيْت فَقلت لَهُ أَيْن صلى فَقَالَ بَين ذَيْنك العمودين المقدمين قَالَ ونسيت أَن أسأله كم صلى وَعند الْمَكَان الَّذِي صلى فِيهِ مرّة مرّة حَمْرَاء " وروى أَحْمد من حَدِيث عُثْمَان بن أبي طَلْحَة بِسَنَد صَالح " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل الْبَيْت فصلى رَكْعَتَيْنِ بَين الساريتين " وَفِي فَوَائِد سمويه بن عبد الرَّحْمَن بن الوضاح قَالَ " قلت لشيبة زَعَمُوا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل الْكَعْبَة فَلم يصل فِيهَا قَالَ كذبُوا وَأبي لقد صلى رَكْعَتَيْنِ بَين العمودين ثمَّ ألصق بهما بَطْنه وظهره " -