فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره

(بَاب تَشْبِيكِ الأصَابِعِ فِي المَسْجِدِ وغَيْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز تشبيك الْأَصَابِع، سَوَاء كَانَ فِي الْمَسْجِد أَو غَيره، وَالْمَوْجُود فِي غَالب النّسخ فِي هَذَا الْبَاب حديثان: أَحدهمَا: حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَالْآخر: حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وَفِي بعض النّسخ حَدِيث آخر عَن ابْن عمر، رَضِي اتعالى عَنْهُمَا، وجد ذَلِك بِخَط البرزالي وَلم يَسْتَخْرِجهُ الحافظان الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم، وَلَا ذكره ابْن بطال أَيْضا، وَإِنَّمَا حكى أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي (كتاب الْأَطْرَاف) أَنه رَآهُ فِي كتاب أبي رُمَيْح عَن الْفربرِي وَحَمَّاد بن شَاكر عَن البُخَارِيّ، وَهُوَ هَذَا.

[ قــ :468 ... غــ :478]
حدّثنا حامِدُ بنُ عُمَرَ عنْ بَشْرٍ قَالَ حدّثنا عاصِمٌ قَالَ حدّثنا واقِدٌ عَنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ أوِ ابنِ عَمْروٍ قَالَ شَبَّكَ النبيُّ أصَابِعَهُ.
.

     وَقَالَ  عاصِمُ بنُ عَلِيٍ حدّثنا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ هَذَا الحدِيثَ منْ أبي فَلَمْ أحْفَظْهُ فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ عَنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أبي وَهُوَ يَقُولُ قَالَ عَبْدُ ااِ قَالَ رسولُ اللَّهِ يَا عَبْدَ ابنَ عَمْروٍ كَيْفَ بِكَ إذَا بَقِيت فِي حُثَالَةٍ مِنَ الناسِ بِهَذَا وَلَفْظُهُ فِي جَمْعِ الحُمَيْدِيّ فِي مْسْنَدِ ابنِ عُمَرَ شَبَّك النَّبِي أصَابِعَهُ.

     وَقَالَ  كَيْفَ أنْتَ يَا عَبْدَ ااِ إذَا بَقِيْتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وأمانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَصَاروا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ قَالَ فَكَيْفَ أفْعَلُ يَا رَسولَ ااِ قَالَ تأخذُ مَا تَعْرِفُ وَتَدَعُ مَا تُنكِرُ وتُقْبِلُ على خاصِتَّكَ وتَدَعُهُمْ وَعَوَامَّهُمْ.
(انظرالحديث 974).
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أحد جزئيها، وَاكْتفى البُخَارِيّ بدلالته على بعض التَّرْجَمَة حَيْثُ دلّ أبي هُرَيْرَة على تَمامهَا.
ذكر رِجَاله فِيهِ تِسْعَة أنفس: الأول: حَامِد بن عمر البكراوي من ذُرِّيَّة أبي بكر الثَّقَفِيّ نزيل نيسابور، وقاضي كرمان، روى عَنهُ مُسلم أَيْضا، مَاتَ بنيسابور أول سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن الْمفضل الرقاشِي الْحجَّة، كَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَيُصلي كل يَوْم أَرْبَعمِائَة رَكْعَة، مَاتَ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد ابْن عمر بن الْخطاب الْعمريّ الْمدنِي، وَثَّقَهُ أَحْمد وَغَيره.
الرَّابِع: أَخُو عَاصِم، وَهُوَ: وَاقد، بِالْقَافِ: ابْن مُحَمَّد بن زيد الْمَذْكُور، ثقه أَبُو زرْعَة وَغَيره.
الْخَامِس: أَبوهُ مُحَمَّد بن عبد ا، وَثَّقَهُ غير وَاحِد.
السَّادِس: عبد ابْن عمر بن الْخطاب.
السَّابِع: عبد ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ.
الثَّامِن: أَبُو عبد اوهو البُخَارِيّ نَفسه.
التَّاسِع: عَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم بن صُهَيْب الوَاسِطِيّ شيخ البُخَارِيّ والدارمي، وَفِي (تَهْذِيب التَّهْذِيب) : كَانَ من ثِقَات الشُّيُوخ وأعيانهم.
.

     وَقَالَ  ابْن معِين: ضَعِيف، وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ بِشَيْء، وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ بِثِقَة، وَفِي رِوَايَة: كَذَّاب، مَاتَ فِي نصف رَجَب سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل وَالسَّمَاع.
وَفِيه: الشَّك بَين عبد ابْن عمر بن الْخطاب وَبَين عبد ابْن عمر بن الْعَاصِ، وَالظَّاهِر أَن الشَّك من وَاقد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: (قَالَ عَاصِم بن عَليّ) تَعْلِيق من البُخَارِيّ وَوَصله إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي (غَرِيب الحَدِيث) لَهُ، قَالَ: حدّثنا عَاصِم بن عَليّ حدّثنا عَاصِم بن مُحَمَّد عَن وَاقد سَمِعت أبي يَقُول: قَالَ عبد ا، قَالَ: رَسُول ا، فَذكره.
قَوْله: (فِي حثالة) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الثَّاء الْمُثَلَّثَة، قَالَ ابْن سَيّده: هُوَ مَا يخرج من الطَّعَام من زوان وَنَحْوه مِمَّا لَا خير فِيهِ.
.

     وَقَالَ  اللحياني: هُوَ أجل من التُّرَاب والدقاق قَلِيلا، وَخَصه بِالْحِنْطَةِ، والحثالة والحثل: الرَّدِيء من كل شَيْء، وَقيل: هُوَ القشارة من التَّمْر وَالشعِير وَمَا أشبههما، وحثالة القرط نقايته.
قَوْله: (مرجت عهودهم) ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي (الْمُنْتَهى) : مرجت عهودهم: إِذا لم تثبت، وَأمر حجوها: إِذا لم يوفوا بهَا وخلطوها، ومرجت أمانتهم فَسدتْ، ومرج الدّين اخْتَلَط واضطرب.
وَفِي (الْمُحكم) : مرج الْأَمر مرجاً فَهُوَ مارج ومريج: الْتبس وَاخْتَلَطَ، ومرج أمره يمرجه: ضيَّعه، وَرجل ممارج يمرج أُمُوره وَلَا يحكمها ومرج الْعَهْد وَالدّين وَالْأَمَانَة: فسد، وأمرج عَهده: لم يَفِ بِهِ، قَوْله: (وَشَبك بَين أَصَابِعه) ، أَي: شَبكَ النَّبِي بَين أَصَابِعه ليمثل لَهُم اختلاطهم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ: جَوَاز تشبيك الْأَصَابِع سَوَاء فِي الْمَسْجِد أَو غَيره لإِطْلَاق الحَدِيث، وَلَكِن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَفِي الصَّلَاة، وَكره إِبْرَاهِيم ذَلِك فِي الصَّلَاة، وَهُوَ قَول مَالك، وَرخّص فِي ذَلِك ابْن عمر وَابْنه سَالم، فَكَانَ يشبكان بَين أصابعهما فِي الصَّلَاة، ذكره ابْن أبي شيبَة، وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يشبك بَين أَصَابِعه فِي الْمَسْجِد.
.

     وَقَالَ  مَالك: إِنَّهُم لينكرون تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَمَا بِهِ بَأْس.
وَإِنَّمَا يكره فِي الصَّلَاة، وقدروه النَّهْي عَن ذَلِك فِي أَحَادِيث.
مِنْهَا: مَا أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) ، فَقَالَ: حدّثنا أَبُو عرُوبَة حدّثنا مُحَمَّد بن سَعْدَان حَدثنَا سُلَيْمَان ابْن عبد اعن عبيد ابْن عمر عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن الحكم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة: (أَن النَّبِي قَالَ لَهُ: يَا كَعْب، إِذا تَوَضَّأت فأحسنت الْوضُوء، ثمَّ خرجت إِلَى الْمَسْجِد فَلَا تشبك بَين أصابعك فَإنَّك فِي صَلَاة) .
وَمِنْهَا: مَا أخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فِي بَيته ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد كَانَ فِي صَلَاة حَتَّى يرجع فَلَا يفعل هَكَذَا، وَشَبك بَين أَصَابِعه) ،.

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن عبد ابْن عبد الرَّحْمَن بن موهب عَن عَمه عَن مولى لأبي سعيد، وَهُوَ مَعَ رَسُول ا، فَدخل رَسُول الله الْمَسْجِد فَرَأى رجلا جَالِسا وسط النَّاس وَقد شَبكَ بَين أَصَابِعه يحدث نَفسه، فَأَوْمأ إِلَيْهِ رَسُول الله فَلم يفْطن لَهُ، فَالْتَفت إِلَى أبي سعيد فَقَالَ: (إِذا صلى أحدكُم فَلَا يشبكن بَين أَصَابِعه، فَإِن التشبيك من الشَّيْطَان) .
فَإِن قلت: هَذِه الْأَحَادِيث مُعَارضَة لأحاديث الْبَاب قلت: غير مقاومة لَهَا فِي الصِّحَّة، وَلَا مُسَاوِيَة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَجه إِدْخَال هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه مُعَارضَة بِمَا رُوِيَ من النَّهْي عَن التشبيك فِي الْمَسْجِد، وَقد وَردت فِيهِ مَرَاسِيل، ومسند من طرق غير ثَابِتَة قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ بالمسند حَدِيث كَعْب بن عجْرَة الَّذِي ذَكرْنَاهُ فَإِن قلت: حَدِيث كَعْب هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان قلت: فِي اسناده اخْتِلَاف، فضعفه بَعضهم بِسَبَبِهِ، وَقيل: لَيْسَ بَين هَذِه الْأَحَادِيث مُعَارضَة لِأَن النَّهْي إِنَّمَا ورد عَن فعل ذَلِك فِي الصَّلَاة أَو فِي الْمُضِيّ إِلَى الصَّلَاة وَفعله لَيْسَ فِي الصَّلَاة وَلَا فِي الْمُضِيّ إِلَيْهَا مُعَارضَة إِذا، وَبَقِي كل حَدِيث على حياله فَإِن قلت: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي فِي الْبَاب وَقع تشبيكه وَهُوَ فِي الصَّلَاة قلت: إِنَّمَا بعد انْقِضَاء الصَّلَاة فِي ظَنّه فَهُوَ فِي حكم المنصرف عَن الصَّلَاة، وَالرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَن ذَلِك مَا دَامَ فِي الْمَسْجِد ضعيفه، لِأَن فِيهَا ضَعِيفا ومجهولاً، وَقد رَوَاهَا ابْن أبي شيبَة، وَلَفظه: (إِذا صلى أحدكُم فَلَا يشبكن بَين أَصَابِعه، فَإِن التشبيك من الشَّيْطَان، وَإِن أحدكُم لَا يزَال فِي صَلَاة مَا دَامَ فِي الْمَسْجِد حَتَّى يخرج مِنْهُ).

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: التَّحْقِيق أَنه لَيْسَ بَين هَذِه الْأَحَادِيث تعَارض، إِذا الْمنْهِي عَنهُ فعله على وَجه الْعَبَث وَالَّذِي فِي الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ الْمَقْصُود التَّمْثِيل وتصوير الْمَعْنى فِي اللَّفْظ فَإِن قلت: مَا حكمه النَّهْي عَن التشبيك؟ قلت: أُجِيب بأجوبة.
الأول: لكَونه من الشَّيْطَان، كَمَا مر الْآن.
الثَّانِي: لِأَنَّهُ يجلب النّوم، وَهُوَ من مظان الْحَدث.
الثَّالِث: أَن صُورَة التشبيك تشبه صُورَة الِاخْتِلَاف، كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي حَدِيث ابْن عمر، فكره ذَلِك لمن هُوَ فِي حكم الصَّلَاة حَتَّى لَا يَقع فِي الْمنْهِي عَنهُ.
قَوْله: للمصلين: (وَلَا تختلفوا فتختلف قُلُوبهم) ، وَا تَعَالَى أعلم.



[ قــ :470 ... غــ :48]
- حَدَّثَنَا إسْحَاقُ قَالَ حدّثنا ابنُ شمَيْلٍ أخبرنَا ابنُ عَوْنٍ عنِ ابنِ سِيرِينَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قلَ صَلَّى بِنَا رسولُ اللَّهِ إحْدَى صَلاَتِي العَشِيَّ قالَ سِيرِينَ قَد سَمَّاهَا أبُو هُرَيْرةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنا قالَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتْينِ ثُمَّ سَلَّمَ فقامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فَي المَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْها كأنَّهُ غَضْبَانُ ووضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ ووضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كفَّهِ اليُسْرَى وَخَرَجَتِ السَّرَعانُ مِنْ أبْوَابِ المَسْجِدِ فقالُوا قَصُرَتِ الصَّلاَةُ وفِي القَوْمِ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فَهَابَاهُ أنْ يُكَلِّمَاهُ وفِي القَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ قَالَ يَا رسولَ اللَّهِ أنَسيتَ أمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ قالَ لَمْ أنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ فقالَ أكَما يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ فقالُوا نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سلَّمَ ثُم كَبَّرَ وسَجَدَ مِثْلَ سْجُودِهِ أوْ أطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وكبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أوْ أَطْولَ ثُمَّ رَفَعَ رأْسَهُ وكَبَّرَ فَرُبَّما سألُوهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَيَقُولُ نُبِّئْتُ أنَّ عِمْرانَ بنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ.
(الحَدِيث 84 أَطْرَافه فِي: 417، 517، 71، 81، 91، 1506، 057) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث يدل على تَمامهَا، لِأَن التشبيك إِذا جَازَ فِي الْمَسْجِد فَفِي غَيره أولى بِالْجَوَازِ.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام، تقدم فِي بابُُ فضل من علم.
الثَّانِي: النَّضر بن شُمَيْل، بِضَم الْمُعْجَمَة، تقدم فِي بابُُ العنزة.
الثَّالِث: عبد ابْن عون، تقدم.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين، تكَرر ذكره.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن إِسْحَاق بن مَنْصُور هُوَ المجزوم بِهِ عِنْد أبي نعيم.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وبصري.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد ابْن مسلمة عَن مَالك وَعَن حَفْص بن عَمْرو عَن آدم عَن شُعْبَة.
وَأخرجه مُسلم عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَعَن حجاج بن الشَّاعِر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن عَليّ ابْن نصر بن عَليّ، وَعَن مُحَمَّد بن عبيد وَعَن معَاذ عَن أَبِيه.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة عَن يزِيد ابْن زُرَيْع، وَعَن عَمْرو بن عُثْمَان.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن أبي أُسَامَة.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من ثَلَاثَة عشر طَرِيقا.

ذكر مَعْنَاهُ) .
قَوْله: (إِحْدَى صَلَاتي الْعشي) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: (الْعشَاء) ، بِالْمدِّ، وَالظَّاهِر أَنه وهم لِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ: (صلى بِنَا النَّبِي الظّهْر أَو الْعَصْر) .
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (صلى بِنَا النَّبِي الْعَصْر فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ) ، وَفِي أُخْرَى لَهُ.
(صلى رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة الظّهْر ثمَّ سلم) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (صلى بِنَا رَسُول الله إِحْدَى صَلَاتي العشى الظّهْر أَو الْعَصْر) ، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (صلى بِنَا رَسُول الله إِحْدَى صَلَاتي العشى الظّهْر أَو الْعَصْر، وأكبر ظَنِّي أَنه ذكر صَلَاة الظّهْر) .
قَوْله: (وأكبر ظَنِّي أَنه ذكر صَلَاة الظّهْر) هُوَ قَول ابْن سِيرِين أَي: أكبر ظَنِّي أَن أَبَا هُرَيْرَة ذكر صَلَاة الظّهْر، وَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب، وَأطلق على الظّهْر وَالْعصر صَلَاتي العشى، لِأَن العشى يُطلق على مَا بعد الزَّوَال إِلَى الْمغرب فَإِن قلت: قَالَ الْجَوْهَرِي: الْعشي والعشية من صَلَاة الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة؟ قلت: الَّذِي ذكره هُوَ أصل الْوَضع، وَفِي الإستعمال يُطلق على مَا ذَكرْنَاهُ،.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: الْعشي، بِفَتْح الْعين وَكسر الشين وَتَشْديد الْيَاء: مَا بَين زَوَال الشَّمْس وغروبها.

قَوْله: (معروضة) أَي: مَوْضُوعَة بِالْعرضِ أَو مطروحة فِي نَاحيَة الْمَسْجِد.
قَوْله: (وضع يَده الْيُمْنَى) ، يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْوَضع حَال التشبيك وَأَن يكون بعد زَوَاله، وَعند الْكشميهني: (وضع خَدّه الْأَيْمن) بدل: يَده الْيُمْنَى) .
قَوْله: (السرعان) قَالَ الْجَوْهَرِي: سرعَان النَّاس، بِالتَّحْرِيكِ: أوائلهم، وَيُقَال: أخفاؤهم والمستعجلون مِنْهُم، وَيلْزم الْإِعْرَاب نونه فِي كل وَجه، وَهُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَه الْجُمْهُور من أهل الحَدِيث واللغة، وَكَذَا ضَبطه المتقنون.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: السرعان، بِفَتْح السِّين وَالرَّاء: أَوَائِل النَّاس الَّذين يتسارعون إِلَى الشَّيْء ويقبلون عَلَيْهِ بِسُرْعَة، وَيجوز تسكين الرَّاء قلت: وَكَذَا نقل القَاضِي عَن بَعضهم، قَالَ: وَضَبطه الْأصيلِيّ فِي البُخَارِيّ، بِضَم السِّين وَإِسْكَان الرَّاء، وَوَجهه أَنه جمع سريع كقفيز وقفزان، وكثيب وكثبان، وَمن قَالَ: سرعَان، بِكَسْر السِّين فَهُوَ خطأ.
وَقيل: يُقَال أَيْضا: سرعَان بِكَسْر السِّين وَالرَّاء وَهُوَ جمع: سريع، كرعيل ورعلان.
وَأما أَقْوَالهم: سرعَان مَا فعلت، فَفِيهِ ثَلَاث لُغَات: الضَّم وَالْكَسْر وَالْفَتْح مَعَ إسكان الرَّاء وَالنُّون مَفْتُوحَة أبدا.
قَوْله:، " قصرت الصَّلَاة " بِضَم الْقَاف وَكسر الصَّاد ويروى بِفَتْح الْقَاف وَضم الصَّاد قَوْله " فهاباه " أَي هاب أَبُو بكر وَعمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويروى: (فَهَابَا) ، بِدُونِ الضَّمِير الْمَنْصُوب، وَهُوَ من الهيبة، وَهُوَ: الْخَوْف والاجلال، وَقد هابه يهابه، وَالْأَمر مِنْهُ: هَب، بِفَتْح الْهَاء.
قَوْله: (أَن يُكَلِّمَاهُ) كلمة أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: من التكليم.
قَوْله: (وَفِي الْقَوْم رجل) جملَة إسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: (ذُو الْيَدَيْنِ) فِيهِ رِوَايَات: فَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (فَقَامَ رجل طَوِيل الْيَدَيْنِ كَانَ رَسُول الله سَمَّاهُ ذَا الْيَدَيْنِ) .
وَفِي رِوَايَة: (فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ) ، وَفِي رِوَايَة: (فَقَامَ رجل من بني سليم) ، وَفِي رِوَايَة: (رجل يُقَال لَهُ الْخِرْبَاق بن عَمْرو، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طول) .
وَفِي رِوَايَة: (وَكَانَ رجلا بسيط الْيَدَيْنِ) ، وَقع ذَلِك فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن: (أَن رَسُول الله صلى بهم الظّهْر ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ سلم وَانْصَرف، فَقَالَ لَهُ الْخِرْبَاق: يَا رَسُول اإنك صليت ثَلَاثًا؟ فجَاء فصلى رَكْعَة ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ للسَّهْو ثمَّ سلم) .
وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) .

وخرباق، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن عبد عَمْرو السّلمِيّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ جَمِيعًا.
.

     وَقَالَ  ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) : ذُو الْيَدَيْنِ، وَيُقَال لَهُ: ذُو الشمالين أَيْضا: ابْن عبد عَمْرو بن فضلَة الْخُزَاعِيّ.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبد االعدني فِي (مُسْنده) : قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ: ذُو الْيَدَيْنِ أحد أجدادنا، وَهُوَ ذُو الشمالين بن عَمْرو بن ثَوْر بن ملكان بن أفْضى بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر،.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حدّثنا ابْن فُضَيْل عَن حُصَيْن عَن عِكْرِمَة قَالَ: (صلى النَّبِي بِالنَّاسِ ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ انْصَرف، فَقَالَ لَهُ بعض الْقَوْم: حدث فِي الصَّلَاة شَيْء؟ وَمَا ذَلِك؟ قَالُوا: لم نصل إلاَّ ثَلَاث رَكْعَات.
فَقَالَ: أكذاك يَا ذَا الْيَدَيْنِ؟ وَكَانَ يُسمى ذَا الشمالين، فَقَالَ: نعم.
فصلى رَكْعَة وَسجد سَجْدَتَيْنِ).

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي (معرفَة الصَّحَابَة) : ذُو الْيَدَيْنِ اسْمه الْخِرْبَاق من بني سليم، كَانَ نزل بِذِي خشب من نَاحيَة الْمَدِينَة، وَلَيْسَ هُوَ ذَا الشمالين خزاعي حَلِيف لبني زهرَة، قتل يَوْم بدر، وَأَن قصَّة ذِي الشمالين كَانَت قبل بدر، ثمَّ أحكمت الْأُمُور بعد ذَلِك.

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي (شرح مُسلم) : وَأما حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ فقد ذكر مُسلم فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أَن اسْمه الْخِرْبَاق، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طول.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: بسيط الْيَدَيْنِ، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: رجل من بني سليم وَوَقع للعذري: سلم وَهُوَ خطأ، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث عبيد بن عُمَيْر مُفَسرًا، فَقَالَ فِيهِ: ذُو الْيَدَيْنِ أَخُو بني سليم، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: ذُو الشمالين رجل من بني زهرَة، وبسبب هَذِه الْكَلِمَة ذهب الحنفيون إِلَى أَن حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن مَسْعُود، قَالُوا: لِأَن ذَا الشمالين قتل يَوْم بدر فِيمَا ذكره أهل السّير، وَهُوَ من بني سليم، فَهُوَ ذُو الْيَدَيْنِ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، وَهَذَا لَا يَصح لَهُم، وَإِن قتل ذُو الشمالين يَوْم بدر فَلَيْسَ هُوَ بالخرباق، وَهُوَ رجل آخر حَلِيف لبني زهرَة اسْمه: عُمَيْر بن عبد عَمْرو من خُزَاعَة، بِدَلِيل رِوَايَة أبي هُرَيْرَة حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ ومشاهدته خَبره، وَلقَوْله: صلى بِنَا رَسُول ا، وَذكر الحَدِيث، وَإِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِخَير بعد يَوْم بدر بِسنتَيْنِ، فَهُوَ غير ذِي الشمالين المستشهد ببدر، وَقد عدوا قَول الزُّهْرِيّ فِيهِ هَذَا من وهمه، وَقد عدهما بَعضهم حديثين فِي نازلتين وَهُوَ الصَّحِيح لاخْتِلَاف صفتهما، لِأَن فِي حَدِيث الْخِرْبَاق ذَا الشمالين أَنه: سلم من ثَلَاث، وَفِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ: من اثْنَتَيْنِ، وَفِي حَدِيث الْخِرْبَاق: إِنَّهَا الْعَصْر، وَفِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ: الظّهْر لغير شكّ عِنْد نعضهم، وَقد ذكر مُسلم ذَلِك كُله.
اناتهى.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: ذُو الْيَدَيْنِ غير ذِي الشمالين الْمَقْتُول ببدر بِدَلِيل مَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وَأما قَول الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: أَنه ذُو الشمالين، فَلم يُتَابع عَلَيْهِ.

قلت: الْجَواب على ذَلِك كُله مَعَ تَحْرِير الْكَلَام فِي هَذَا الْموضع أَنه: وَقع فِي كتاب النَّسَائِيّ: ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد، كِلَاهُمَا لقب على الْخِرْبَاق كَمَا ذكرنَا حَيْثُ قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن رَافع حدّثنا عبد الرَّزَّاق حدّثنا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَأبي بكر بن سُلَيْمَان بن أبي خَيْثَمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: (صلى النَّبِي الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم من رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرف، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشمالين ابْن عَمْرو: أنقضت الصَّلَاة أم نسيت؟ فَقَالَ النَّبِي: مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: صدق يَا رَسُول ا، فَأَتمَّ لَهُم الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نقصتا) ، وَهَذَا سَنَد صَحِيح مُتَّصِل صرح فِيهِ بِأَن ذَا الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ أَيْضا: أَن هَارُون بن مُوسَى الْفَروِي حَدثنِي أَبُو ضَمرَة عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: (نسي رَسُول الله فَسلم فِي سَجْدَتَيْنِ، فَقَالَ ذُو الشمالين: اقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول ا؟ قَالَ رَسُول ا: أصدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نعم، فَقَامَ رَسُول الله فَأَتمَّ الصَّلَاة) ، وَهَذَا أَيْضا سَنَد صَحِيح صَرِيح فِيهِ أَيْضا أَن: ذَا الشمالين، وَهُوَ: ذُو الْيَدَيْنِ.
وَقد تَابع الزُّهْرِيّ على ذَلِك عمرَان بن أبي أنس، قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا عِيسَى بن حَمَّاد أخبرنَا اللَّيْث عَن زيد بن أبي حبيب عَن عمرَان بن أبي أنس عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: (أَن رَسُول ا، صلى يَوْمًا فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف، فأدركه ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُول اانقصت الصَّلَاة أم نسيت؟ فَقَالَ: لم تنقص الصَّلَاة وَلم أنس قَالَ: بلَى، وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ قَالَ رَسُول ا، أصدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نعم فصلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ) : وَهَذَا يضاً سَنَد صَحِيح على شَرط مُسلم.
وَأخرج نَحوه الطَّحَاوِيّ: عَن ربيع الْمُؤَذّن عَن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب إِلَى آخِره نَحوه، فَثَبت أَن الزُّهْرِيّ لم ينْفَرد بذلك، وَأَن الْمُخَاطب للنَّبِي ذُو الشمالين، وَأَن من قَالَ ذَلِك لم يهم، وَلَا يلْزم من عدم تَخْرِيج ذَلِك فِي الصَّحِيح عدم صِحَّته، فَثَبت أَن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد، وَهَذَا أولى من جعله رجلَيْنِ لِأَنَّهُ خلاف الأَصْل فِي هَذَا الْموضع فَإِن قلت: أخرج الْبَيْهَقِيّ حَدِيثا وَاسْتدلَّ بِهِ على بَقَاء ذِي الْيَدَيْنِ بعد النَّبِي، فَقَالَ: الَّذِي قتل ببدر هُوَ ذُو الشمالين بن عبد عَمْرو بن فضلَة، حَلِيف بني زهرَة من خُزَاعَة: وَأما ذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي أخبر النَّبِي، بسهوه فَإِنَّهُ بَقِي بعد النَّبِي.
كَذَا ذكره شَيخنَا أَبُو عبد االحافظ، ثمَّ خرج عَنهُ بِسَنَدِهِ إِلَى معدي بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنِي شُعَيْب بن مطير عَن أَبِيه ومطير حَاضر فَصدقهُ، قَالَ شُعَيْب: يَا أبتاه أَخْبَرتنِي أَن ذَا الْيَدَيْنِ لقيك بِذِي خشب فأخبرك أَن رَسُول ا: الحَدِيث؛ ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ:.

     وَقَالَ  بعض الروَاة: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فَقَالَ ذُو الشمالين: يَا رَسُول اأقصرت الصَّلَاة؟ وَكَانَ شَيخنَا أَبُو عبد ايقول: كل من قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ، فَإِن ذَا الشمالين تقدم مَوته وَلم يعقب وَلَيْسَ لَهُ راو قلت: سَنَده ضَعِيف لِأَن فِيهِ معدي بن سُلَيْمَان، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: ضَعِيف الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: يحدث عَن ابْن عجلَان مَنَاكِير.
.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: يروي المقلوبات عَن الثِّقَات، والملزوقات عَن الْأَثْبَات لَا يجوز الإحتجاج بِهِ إِذا انْفَرد.
وَفِي سَنَده أَيْضا شهيب لم يعرف حَاله وَولده مطير، قَالَ فِيهِ ابْن الْجَارُود: روى عَنهُ ابْنه شُعَيْب لم يكْتب حَدِيثه، وَفِي (الضُّعَفَاء) للذهبي: لم يَصح حَدِيثه، وَفِي (الكاشف) : مطير بن سليم عَن ذِي الزَّوَائِد وَعنهُ أَبنَاء شُعَيْب وسليم لم يَصح حَدِيثه.

ولضعف هَذَا السَّنَد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْمعرفَة) : ذُو الْيَدَيْنِ بَقِي بعد النَّبِي فِيمَا يُقَال، وَلَقَد أنصف وَأحسن فِي هَذِه الْعبارَة، ثمَّ إِن قَول شَيْخه أبي عبد ا: كل من قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ، غير صَحِيح، روى مَالك فِي (موطئِهِ) عَن ابْن شهَاب عَن ابْن أبي بكر بن سُلَيْمَان عَن أبي خثيمَةَ: (بَلغنِي أَن رَسُول الله ركعه رَكْعَتَيْنِ فِي إِحْدَى صَلَاتي النَّهَار، الظّهْر أَو الْعَصْر، فَسلم من اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشمالين، رجل من بني زهرَة بن كلاب: أقصرت الصَّلَاة؟)
الحَدِيث، وَفِي آخِره: مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب، وَعَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن مثل ذَلِك، فقد صرح فِي هَذِه الرِّوَايَة أَنه ذُو الشمالين وَأَنه من بني زهرَة فَإِن قلت: هُوَ مُرْسل.
قلت: ذكر أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد) : أَنه مُتَّصِل من وُجُوه صِحَاح، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا ذكرنَا مِمَّا رَوَاهُ النَّسَائِيّ آنِفا، ثمَّ قَول الْحَاكِم عَن ذِي الشمالين: لم يعقب يفهم من ظَاهِرَة أَن ذَا الْيَدَيْنِ أعقب، وَلَا أصل لذَلِك فِيمَا قد علمناه، وَا تَعَالَى أعلم.
فَإِن قلت: إِن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين إِذا كَانَا لقباً على شخص وَاحِد على مَا زعمتم فَحِينَئِذٍ يدل على أَن أَبَا هُرَيْرَة لم يحضر تِلْكَ الصَّلَاة، وَذَلِكَ لِأَن ذَا الْيَدَيْنِ الَّذِي هُوَ ذُو الشمالين قتل ببدر، وَأَبُو هُرَيْرَة أسلم عَام خَيْبَر وَهُوَ مُتَأَخّر بِزَمَان كثير، وَمَعَ هَذَا فَأَبُو هُرَيْرَة يَقُول: (صلى بِنَا رَسُول الله إِحْدَى صَلَاتي الْعشي، إِمَّا الظّهْر أَو الْعَصْر)
الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُول ا)
أخرجه مُسلم وَغَيره.
وَفِي رِوَايَة: (صلى بِنَا رَسُول ا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ)
الحَدِيث قلت: أجَاب الطَّحَاوِيّ بِأَن معناد: صلى بِالْمُسْلِمين، وَهَذَا جَائِز فِي اللُّغَة، كَمَا رُوِيَ عَن النزل بن سُبْرَة قَالَ: (قَالَ لنا رَسُول ا: أَنا وَإِيَّاكُم كُنَّا ندعى بني عبد منَاف)
الحَدِيث والنزال لم ير رَسُول ا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك: قَالَ لقومنا، وَرُوِيَ عَن طَاوُوس، قَالَ: (قدم علينا معَاذ ابْن جبل فَلم يَأْخُذ من الخضراوات شَيْئا، وَإِنَّمَا أَرَادَ: قدم بلدنا، لِأَن معَاذًا قدم الْيمن فِي عهد رَسُول ا، قبل أَن يُولد طَاوس) ، وَمثله مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي بابُُ: الْبَيَان أَن النَّهْي مَخْصُوص بِبَعْض الْأَمْكِنَة عَن مُجَاهِد، قَالَ: جَاءَنَا أَبُو ذَر، رَضِي اتعالى عَنهُ؟ إِلَى آخِره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُجَاهِد لَا يثبت لَهُ سَماع من أبي ذَر.
وَقَوله: (جَاءَنَا) ، أَي: بلدنا.
فأفهم.

قَوْله: (لم أنس وَلم تقصر) ، أَي: الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (كل ذَلِك لم يكن) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (كل ذَلِك لم أفعل) ، قَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: أَن مَعْنَاهُ لم يكن الْمَجْمُوع، وَلَا يَنْفِي وجود أَحدهمَا.
وَالثَّانِي: هُوَ الصَّوَاب، مَعْنَاهُ: لم يكن لَا ذَلِك وَلَا ذَا فِي ظَنِّي، بل ظَنِّي أَنِّي أكملت الصَّلَاة أَرْبعا.
وَيدل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل، وَأَنه لَا يجوز غَيره، أَنه جَاءَ فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: أَن النَّبِي قَالَ: (لم نقصر وَلم أنس يرجع إِلَى السَّلَام أَي: لم أنس فِيهِ إِنَّمَا سلمت قصدا، وَلم أنس فِي نفس السَّلَام، وَإِنَّمَا سَهَوْت عَن الْعدَد.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَذَا فَاسد، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يكون جَوَابا عَمَّا سُئِلَ عَنهُ.
وَيُقَال: بَين النسْيَان والسهو فرق، فَقيل: كَانَ يسهو وَلَا ينسى، فَلذَلِك نفي عَن نَفسه النسْيَان، لِأَن فِيهِ غَفلَة، وَلم يغْفل.
قَالَه القَاضِي.
.

     وَقَالَ  الْقشيرِي: هَذَا افرق بَينهمَا فِي اسْتِعْمَال اللُّغَة، وَكَأَنَّهُ يلوح من اللَّفْظ على أَن النسْيَان عدم الذّكر لأمر لَا يتَعَلَّق باصلاة، والسهو عدم الذّكر لأمر يتَعَلَّق بهَا، وَيكون النسْيَان الْإِعْرَاض عَن تفقد أمورها حَتَّى يحصل عدم الذّكر، والسهو عدم الذّكر لَا لأجل الْإِعْرَاض.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: لَا نسلم الْفرق، وَلَئِن سلم فقد أضَاف النَّبِي النسْيَان إِلَى نَفسه فِي غير مَا مَوضِع، بقوله: (إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسيت فذكروني) .
.

     وَقَالَ  القَاضِي: إِنَّمَا أنكر نسيت المضافة إِلَى نَفسه، وَهُوَ قد نهى عَن هَذَا بقوله: (بئْسَمَا لأحدكم أَن يَقُول: نسيت كَذَا، وَلكنه نسي) .
وَقد قَالَ أَيْضا: لَا أنسى، وَقد شكّ بعض الروَاة فِي رِوَايَته، فَقَالَ: أنسى أَو أنسّى، وَأَن: أَو للشَّكّ أَو للتقسيم، وَأَن هَذَا يكون مِنْهُ مرّة من قبل شغله، وَمرَّة يغلب وَيجْبر عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ السَّائِل بذلك أنكرهُ.
.

     وَقَالَ : (كل ذَلِك لم يكن) وَفِي الْأُخْرَى: (لم أنس وَلم تقصر) ، أما الْقصر فَبين، وَكَذَلِكَ: لم أنس، حَقِيقَة من قبل نَفسِي وَلَكِن اتعالى أنساني، وَيُمكن أَن يُجَاب عَمَّا قَالَه القَاضِي: أَن النَّهْي فِي الحَدِيث عَن إِضَافَة نسيت إِلَى الْآيَة الْكَرِيمَة لِأَنَّهُ يقبح لِلْمُؤمنِ أَن يضيف إِلَى نَفسه نِسْيَان كَلَام اتعالى، وَلَا يلْزم من هَذَا النَّهْي الْخَاص النَّهْي عَن إِضَافَته إِلَى كل شَيْء.
فَافْهَم.
وَذكر بَعضهم أَن الْعِصْمَة ثَابِتَة فِي الْإِخْبَار عَن اتعالى، وَأما إخْبَاره عَن الْأُمُور الوجودية فَيجوز فِيهَا النسْيَان قلت: تَحْقِيق الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام أَن قَوْله: لم ينس وَلم تقصر الصَّلَاة، مثل قَوْله: كل ذَلِك لم يكن، وَالْمعْنَى: كل من الْقصر وَالنِّسْيَان لم يكن، فَيكون فِي معنى: لَا شَيْء مِنْهُمَا بكائن، على شُمُول النَّفْي وعمومه لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن السُّؤَال عَن أحد الْأَمريْنِ: بِأم، وَيكون لطلب التَّعْيِين بعد ثُبُوت أَحدهمَا عِنْد الْمُتَكَلّم، لَا على التَّعْيِين، غير أَنه إِنَّمَا يكون بِالتَّعْيِينِ أَو بنفيهما جَمِيعًا تخطئه للمستفهم لَا بِنَفْي الْجمع بَينهمَا، حَتَّى يكون نفي الْعُمُوم لِأَنَّهُ عَارِف بِأَن الْكَائِن أَحدهمَا.

وَالثَّانِي: لما قَالَ: كل ذَلِك لم يكن، قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: قد كَانَ بعض ذَلِك.
وَمَعْلُوم أَن الثُّبُوت للْبَعْض إِنَّمَا يُنَافِي النَّفْي عَن كل فَرد لَا النَّفْي عَن الْمَجْمُوع.
وَقَوله: قد كَانَ بعض ذَلِك، مُوجبَة جزئية ونقيضها السالبة الْكُلية، وَلَوْلَا أَن ذَا الْيَدَيْنِ فهم السَّلب الْكُلِّي لما ذكر فِي مُقَابلَته الْإِيجَاب الجزئي، وَهَهُنَا قَاعِدَة أُخْرَى وَهِي: أَن لَفْظَة: كل إِذا وَقعت فِي حيّز النفيي كَانَ النَّفْي مُوجبهَا خَاصَّة، وَأفَاد بمفهومه ثُبُوت الْفِعْل لبَعض الْأَفْرَاد، كَقَوْلِك: مَا جَاءَ كل الْقَوْم وَلم آخذ كل الدَّرَاهِم.
وَقَوله.

(مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ)

وَإِن وَقع النَّفْي فِي حيزها اقْتضى السَّلب عَن كل فَرد.
كَقَوْلِه: (كل ذَلِك لم يكن) .

قَوْله: (أكما يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟) أَي: الْأَمر كَمَا يَقُول.
قَوْله: (فَقَالُوا: نعم) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (فَقَالَ النَّاس: نعم) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فأمأوا) أَي: نعم، وَفِي أَكثر الْأَحَادِيث قَالُوا: نعم، وَيُمكن أَن يجمع بَينهمَا بِأَن بعض أَوْمَأ، وَبَعْضهمْ يكلم.
وَسَنذكر وَجه هَذَا عَن قريب.
قَوْله: (فَرُبمَا سَأَلُوهُ) فَرُبمَا سَأَلُوا ابْن سِيرِين: هَل فِي الحَدِيث: ثمَّ سلم، يَعْنِي: سَأَلُوا ابْن سِيرِين أَن رَسُول الله بعد هَذَا السُّجُود سلم مرّة أُخْرَى، أَو اكْتفى بِالسَّلَامِ الأول؟ وَكلمَة: رب، أَصْلهَا للتقليل، وَكثر اسْتِعْمَالهَا فِي التكثير، وتلحقها كلمة: مَا، فَتدخل على الْجمل.
قَوْله: (فَيَقُول: نبئت) ، بِضَم النُّون: أَي أخْبرت أَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: ثمَّ سلم، وَهَذَا يدل على أَنه لم يسمع من عمرَان، وَقد بَين أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته عَن ابْن سِيرِين الْوَاسِطَة بَينه وَبَين عمرَان، فَقَالَ: حدّثنا مُحَمَّد بن يحيى بن فَارس حدّثنا مُحَمَّد بن عبد ابْن الْمثنى قَالَ حَدثنِي أَشْعَث عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن خَالِد عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن: (أَن رَسُول ا، صلى بهم وسها، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ تشهد ثمَّ سلم) .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ والترمزي.

     وَقَالَ : حسن غَرِيب، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث شُعْبَة عَن خَالِد الْحذاء، قَالَ: سَمِعت أَبَا قلَابَة يحدث عَن عَمه أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن: (أَن رَسُول الله صلى بهم الظّهْر ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ سلم وَانْصَرف، فَقَالَ لَهُ الْخِرْبَاق: يَا رَسُول اإنك صليت ثَلَاثًا قَالَ: فجَاء فصلى رَكْعَة ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ للسَّهْو ثمَّ سلم) .
وَأَبُو قلَابَة اسْمه: عبد ابْن زيد الحرمي، وَعَمه أَبُو الْمُهلب اسْمه: عَمْرو بن مُعَاوِيَة، قَالَه النَّسَائِيّ.
وَقيل: عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة، وَقيل: مُعَاوِيَة بن عَمْرو، وَقيل: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَقيل: النَّضر بن عَمْرو، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ دَلِيلا على أَن سُجُود السَّهْو سَجْدَتَانِ.

الثَّانِي: فِيهِ حجَّة لِأَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّة أَن سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي وَمن تبعه فِي أَنَّهَا قبل السَّلَام.

الثَّالِث: أَن الَّذِي عَلَيْهِ السَّهْو إِذا ذهب من مقَامه ثمَّ عَاد وَقضى مَا عَلَيْهِ هَل يَصح؟ فَظَاهر الحَدِيث يدل على أَنه يَصح، لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَة عمرَان بن حُصَيْن: (فجَاء فصلى رَكْعَة) ، وَفِي رِوَايَة غَيره من الْجَمَاعَة: (فَتقدم وَصلى) ، وَهُوَ رِوَايَة اليخاري هَهُنَا، وَفِي رِوَايَة: (فَرجع رَسُول الله إِلَى مقَامه) ، وَلَكِن اخْتلف الْفُقَهَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَعِنْدَ الشَّافِعِي فِيهَا وَجْهَان: أصَحهمَا: أَنه يَصح لِأَنَّهُ ثَبت فِي صَحِيح مُسلم: (أَنه، عَلَيْهِ السَّلَام، مَشى إِلَى الْجذع وَخرج السرعان) .
وَفِي رِوَايَة: (دخل منزله) .
وَفِي رِوَايَة: (دخل الْحُجْرَة ثمَّ خرج وَرجع النَّاس وَبنى على صلَاته) .
وَالْوَجْه الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْدهم: أَن الصَّلَاة تبطل، بذلك قَالَ النَّوَوِيّ، وَهَذَا مُشكل، وَتَأْويل الحَدِيث صَعب على من أبطلها، وَنقل عَن مَالك أَنه مَا لم ينْتَقض وضوؤه يجوز لَهُ ذَلِك وَإِن طَال الزَّمَان، وَكَذَا رُوِيَ عَن ربيعَة، مستدلين بِحَدِيث عمرَان.
وَمذهب أبي حنيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: إِذا سلم سَاهِيا على الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ فِي مَكَانَهُ لم يصرف وَجهه عَن الْقبْلَة وَلم يتَكَلَّم عَاد إِلَى الْقَضَاء لما عَلَيْهِ، وَلَو اقْتدى بِهِ رجل يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، أما إِذا صرف وَجهه عَن الْقبْلَة فَإِن كَانَ فِي الْمَسْجِد وَلم يتَكَلَّم فَكَذَلِك، لِأَن الْمَسْجِد كُله فِي حكم مَكَان وَاحِد، لِأَنَّهُ مَكَان الصَّلَاة، وَإِن كَانَ خرج فِي الْمَسْجِد ثمَّ تذكر لَا يعود، وتفسد صلَاته.
وَأما إِذا كَانَ فِي الصَّحرَاء فَإِن تذكر قبل أَن يُجَاوز الصُّفُوف من خَلفه أَو من قبل الْيَمين أَو الْيَسَار عَاد إِلَى قَضَاء مَا عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا، وَإِن مَشى أَمَامه لم يذكرهُ فِي الْكتاب.

وَقيل: إِن مَشى قدر الصُّفُوف الَّتِي خَلفه تفْسد وإلاَّ فَلَا، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف اعْتِبَارا لأحد الْجَانِبَيْنِ.
وَقيل: إِذا جَاوز مَوضِع سُجُوده لَا يعود، وَهُوَ الْأَصَح، وَهَذَا إِذا لم يكن بَين يَدَيْهِ ستْرَة، فَإِن كَانَ يعود مَا لم يجاوزها، لِأَن دَاخل الستْرَة فِي حكم الْمَسْجِد.
وَا اعْلَم.

وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث: إِنَّه مَنْسُوخ، وَذَلِكَ أَن عمر بن الْخطاب عمل بعد رَسُول الله بِخِلَاف مَا كَانَ عمله يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ، وَالْحَال أَنه كَانَ فِيمَن حضر يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ، فلولا ثَبت عِنْده انتساخ ذَلِك لما عمل بِخِلَاف مَا عمل بِهِ النَّبِي، وَأَيْضًا فَإِن عمر فعل ذَلِك بِحَضْرَة الصَّحَابَة وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد، فَصَارَ ذَلِك مِنْهُم إِجْمَاعًا.
وروى الطَّحَاوِيّ ذَلِك عَن ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حدّثنا أَبُو عَاصِم عَن عُثْمَان بن الْأسود.
قَالَ: (سَمِعت عَطاء يَقُول: صلى عمر بن الْخطاب بِأَصْحَابِهِ فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنِّي جهزت عيرًا من الْعرَاق بأحمالها وأقتابها حَتَّى وَردت الْمَدِينَة، قَالَ: فصلى بهم أَربع رَكْعَات) .

الرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ قوم على أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة من الْمَأْمُومين لإمامهم إِذا كَانَ على وَجه إصْلَاح الصَّلَاة لَا يقطع الصَّلَاة، وَأَن الْكَلَام من الإِمَام والمأمومين فِيهَا على السَّهْو لَا يقطع الصَّلَاة، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر بن عبد الْبر: وَذهب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه إِلَى الْكَلَام وَالسَّلَام سَاهِيا فِي الصَّلَاة لَا يُبْطِلهَا، كَقَوْل مَالك وَأَصْحَابه سَوَاء، وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهم أَن مَالِكًا يَقُول: لَا يفْسد الصَّلَاة تعمد الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَ فِي شَأْنهَا وإصلاحها، وَهُوَ قَول ربيعَة وَابْن الْقَاسِم، إلاَّ مَا رُوِيَ عَنهُ فِي الْمُنْفَرد، وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل ذكره الْأَثْرَم عَنهُ أَنه قَالَ: مَا تكلم بِهِ الْإِنْسَان فِي صلَاته لإصلاحها لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته، فَإِن تكلم لغير ذَلِك فَسدتْ عَلَيْهِ، وَذكر الْخرقِيّ عَنهُ أَن مذْهبه فِيمَن تكلم عَامِدًا أَو سَاهِيا بطلت صلَاته إلاَّ الإِمَام خَاصَّة، فَإِنَّهُ إِذا تكلم لمصْلحَة صلَاته لم تبطل صلَاته.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَمن تَابعهمْ من أَصْحَاب مَالك وَغَيرهم: إِن من تعمد الْكَلَام وَهُوَ يعلم أَنه لم يتم الصَّلَاة، وَأَنه فِيهَا أفسد صلَاته، فَإِن تكلم نَاسِيا أَو تكلم وَهُوَ يظنّ أَنه لَيْسَ فِي الصَّلَاة، لَا يُبْطِلهَا.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من السّلف وَالْخلف، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَعبد ابْن الزبير وأخيه عُرْوَة وَعَطَاء وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَقَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَجَمِيع الْمُحدثين.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري، وَفِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: تبطل صلَاته بالْكلَام نَاسِيا أَو جَاهِلا، انْتهى.
وَأجْمع الْمُسلمُونَ طرّاً أَن الْكَلَام عَامِدًا فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ الْمُصَلِّي يعلم أَنه فِي الصَّلَاة وَلم يكن ذَلِك لإِصْلَاح صلَاته أَنه يفْسد الصَّلَاة، إلاَّ مَا رُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه: من تكلم لإحياء نفس أَو مثل ذَلِك من الْأُمُور الجسام لم تفْسد بذلك صلَاته، وَهُوَ قَول ضَعِيف فِي النّظر.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض الْمَشْهُور عَن مَالك وَأَصْحَابه الْأَخْذ بِحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ، وروى عَنهُ ترك الْأَخْذ بِهِ، وَأَنه كَانَ يسْتَحبّ أَن يُعِيد وَلَا يَبْنِي.
قَالَ: وَإِنَّمَا تكلم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأَصْحَابه لأَنهم ظنُّوا أَن الصَّلَاة قصرت وَلَا يجوز ذَلِك لِأَحَدِنَا الْيَوْم.
.

     وَقَالَ  الْحَارِث بن مِسْكين: أَصْحَاب مَالك كلهم قَالُوا: كَانَ هَذَا أول الْإِسْلَام، وَأما الْآن فَمن تكلم فِيهَا أَعَادَهَا.

الْخَامِس: فِيهِ دَلِيل على أَن من قَالَ نَاسِيا: لم أفعل كَذَا، وَكَانَ قد فعله، أَنه غير كَاذِب.

السَّادِس: فِيهِ جَوَاز التلقيب الَّذِي سَبيله التَّعْرِيف دون التهجين.

السَّابِع: فِيهِ الْإِجْزَاء بسجدتين عَن السهوات لِأَنَّهُ سَهَا عَن الرَّكْعَتَيْنِ وَتكلم نَاسِيا وَاقْتصر على السَّجْدَتَيْنِ.

الثَّامِن: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد، على مَا ترْجم عَلَيْهِ الْبابُُ.

الأسئلة والأجوبة الأول: كَيفَ تكلم ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْم وهم فِي الصَّلَاة بعد؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُم لم يَكُونُوا على الْيَقِين من الْبَقَاء فِي الصَّلَاة، لأَنهم كَانُوا مجوزين نسخ الصَّلَاة من أَربع إِلَى رَكْعَتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إِن هَذَا كَانَ خطابا للنَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وجواباً، وَذَلِكَ لَا يبطل عندنَا غَيرنَا، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح: (إِن الْجَمَاعَة أَو مأوا) ، أَي: أشاروا نعم، فعلى هَذِه الرِّوَايَة لم يتكلموا.

الثَّانِي: قيل: فِيهِ إِشْكَال على مَذْهَب الشَّافِعِي، لِأَن عِنْدهم أَنه لَا يجوز للْمُصَلِّي الرُّجُوع فِي قدر صلَاته إِلَى قَول غَيره إِمَامًا أَو مَأْمُوما، وَلَا يعْمل إلاَّ على يَقِين نَفسه؟ وَأجَاب: النَّوَوِيّ عَن ذَلِك: بِأَنَّهُ، سَأَلَهُمْ ليتذكر، فَلَمَّا ذَكرُوهُ تذكر فَعلم السَّهْو فَبنى عَلَيْهِ، لَا أَنه رَجَعَ إِلَى مُجَرّد قَوْلهم، وَلَو جَازَ ترك يَقِين نَفسه وَالرُّجُوع إِلَى قَول غَيره لرجع ذُو الْيَدَيْنِ حِين قَالَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لم تقصر وَلم أنس) قلت: هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب مخلص لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من الرُّجُوع، سَوَاء كَانَ رُجُوعه للتذكرة أَو لغيره، وَعدم رُجُوع ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ لأجل كَلَام الرَّسُول لَا لأجل يَقِين نَفسه.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقصار: اخْتلف الروَاة فِي هَذَا عَن مَالك، فَمرَّة قَالَ: يرجع إِلَى قَوْلهم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ قَالَ: يَبْنِي على غَالب ظَنّه.
.

     وَقَالَ  مرّة أُخْرَى: يعْمل على يقينه وَلَا يرجع إِلَى قَوْلهم، كَقَوْل الشَّافِعِي.

الثَّالِث: قد رُوِيَ فِي بعض رِوَايَات مُسلم فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: (بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، صَلَاة الظّهْر)
الحَدِيث، وَهَذَا صَرِيح أَنه حضر تِلْكَ الصَّلَاة؟ وَالْجَوَاب: عَنهُ قد ذَكرْنَاهُ عَن الطَّحَاوِيّ عَن قريب، وَقيل: يحْتَمل أَن بعض الروَاة فهم من قَول أبي هُرَيْرَة فِي إِحْدَى رواياته: (صلى بِنَا) ، أَنه كَانَ حَاضرا، فَروِيَ الحَدِيث بِالْمَعْنَى على زَعمه،.

     وَقَالَ : بَينا أَنا أُصَلِّي.

الرَّابِع: فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أَنه دخل منزله، وَلَا يجوز لأحد الْيَوْم أَن ينْصَرف عَن الْقبْلَة، وَيَمْشي وَقد بَقِي عَلَيْهِ شَيْء من الصَّلَاة؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ فعل ذَلِك وَهُوَ لَا يرى أَنه فِي الصَّلَاة فَإِن قيل: فَيلْزم على هَذَا لَو أكل أَو شرب أَو بَاعَ أَو اشْترى وَهُوَ لَا يرى فِي الصَّلَاة أَنه لَا يُخرجهُ ذَلِك مِنْهَا؟ قلت: هَذَا كُله مَنْسُوخ فَلَا يعْمل بِهِ الْيَوْم، وَا أعلم.