فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب سترة الإمام سترة من خلفه

( بابٌُ سُتْرَةُ الإِمامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَون ستْرَة الإِمَام الَّذِي يُصَلِّي وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ جِدَار وَنَحْوه ستْرَة لمن كَانَ يُصَلِّي خَلفه من الْمُصَلِّين.
والسترة، بِضَم السِّين: مَا يستر بِهِ، وَالْمرَاد هَهُنَا عكازة أَو عَصا أَو عنزة، وَنَحْو ذَلِك.
وَفِي بعض النّسخ قبل قَوْله بابُُ ستْرَة الإِمَام، أيواب ستْرَة الْمُصَلِّي.
أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي بَيَان أَحْكَام ستْرَة الْمُصَلِّي.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب والأبواب الَّتِي قبلهَا من حَيْثُ أَن الْأَبْوَاب السَّابِقَة فِي أَحْكَام الْمَسَاجِد بوجوهها، وَهَذِه الْأَبْوَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْمُصَلِّين فِي غَيرهَا.
وَهِي خَمْسَة أَبْوَاب متناسقة.


[ قــ :480 ... غــ :493]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ أَقبلت رَاكِبًا على حمَار أتان وَأَنا يَوْمئِذٍ قد ناهزت الِاحْتِلَام وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بمنى إِلَى غير جِدَار فمررت بَين يَدي بعض الصَّفّ فَنزلت وَأرْسلت الأتان ترتع وَدخلت فِي الصَّفّ فَلم يُنكر ذَلِك عَليّ أحد) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تستنبط من قَوْله إِلَى غير جِدَار لِأَن هَذَا اللَّفْظ مشْعر بِأَن ثمَّة ستْرَة لِأَن لفظ غير يَقع دَائِما صفة وَتَقْدِيره إِلَى شَيْء غير جِدَار وَهُوَ أَعم من أَن يكون عَصا أَو عنزة أَو نَحْو ذَلِك.

     وَقَالَ  بَعضهم فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى إِلَى ستْرَة وَقد بوب عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ بابُُ من صلى إِلَى غير ستْرَة ( قلت) دَلِيله لَا يساعد نظره لِأَنَّهُ لم يقف على دقة الْكَلَام وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا لم يقف على هَذِه النُّكْتَة وَالْبُخَارِيّ دقق نظره فأورد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ للْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ على أَن ذَلِك مَعْلُوم من حَال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد تقدم فِي كتاب الْعلم فِي بابُُ مَتى يَصح سَماع الصَّغِير غير أَن هُنَاكَ شَيْخه إِسْمَاعِيل عَن مَالك وَهَهُنَا عبد الله بن يُوسُف عَنهُ وَهُنَاكَ حَدثنِي مَالك وَهَهُنَا أخبرنَا مَالك وَهُنَاكَ فَلم يُنكر ذَلِك على صِيغَة الْمَجْهُول مَعَ طي ذكر الْفَاعِل وَهَهُنَا على صِيغَة الْمَعْلُوم وَالْفَاعِل هُوَ قَوْله أحد وَقد ذكرنَا مبَاحث هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ مستوفاة



[ قــ :481 ... غــ :494]
- ( حَدثنَا إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا عبد الله بن نمير قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا خرج يَوْم الْعِيد أَمر بالحربة فتوضع بَين يَدَيْهِ فَيصَلي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءه وَكَانَ يفعل فِي السّفر فَمن ثمَّ اتخذها الْأُمَرَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ( فَإِن قلت) كَيفَ الظُّهُور والترجمة فِي أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك ( قلت) يدل على ذَلِك من وُجُوه ثَلَاثَة.
الأول أَنه لم ينْقل وجود ستْرَة لأحد من الْمَأْمُومين وَلَو كَانَ ذَلِك لنقل لتوفر الدَّوَاعِي على نقل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَدلَّ ذَلِك على أَن سترته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت ستْرَة لمن خَلفه.
الثَّانِي أَن قَوْله " فَيصَلي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءه " يدل على دُخُول النَّاس فِي الستْرَة لأَنهم تابعون للْإِمَام فِي جَمِيع مَا يَفْعَله.
الثَّالِث أَن قَوْله وَرَاءه يدل على أَنهم كَانُوا وَرَاء الستْرَة أَيْضا إِذْ لَو كَانَت لَهُم ستْرَة لم يَكُونُوا وَرَاءه بل كَانُوا وَرَاءَهَا وَقد نقل القَاضِي عِيَاض الِاتِّفَاق على أَن الْمَأْمُومين يصلونَ إِلَى ستْرَة يَعْنِي بِهِ ستْرَة الإِمَام.

     وَقَالَ  وَلَكِن اخْتلفُوا هَل سترتهم ستْرَة الإِمَام أَو سترتهم الإِمَام نَفسه.

     وَقَالَ  بَعضهم فِيهِ نظر لما رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ الصَّحَابِيّ أَنه صلى بِأَصْحَابِهِ فِي سفر وَبَين يَدَيْهِ ستْرَة فمرت حمير بَين يَدي أَصْحَابه فَأَعَادَ بهم الصَّلَاة وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ لَهُم " إِنَّهَا لم تقطع صَلَاتي وَلَكِن قطعت صَلَاتكُمْ " ( قلت) لَا يرد هَذَا على مَا نَقله عِيَاض من الِاتِّفَاق لاحْتِمَال أَنه لم يقف على قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَذَا روى عَن ابْن عمر أخرجه عبد الرَّزَّاق مَوْقُوفا عَلَيْهِ على أَن الرِّوَايَة عَن الحكم مُخْتَلفَة وَمَعَ هَذَا لَا يُقَاوم مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل وَيظْهر أثر هَذَا الْخلاف الَّذِي نَقله عِيَاض فِيمَا لَو مر بَين يَدي الإِمَام أحد فعلى قَول من يَقُول أَن الإِمَام نَفسه ستْرَة لمن خَلفه تضر صلَاته وصلاتهم وعَلى قَول من يَقُول أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة من خَلفه تضر صلَاته وَلَا تضر صلَاتهم ( قلت) ستْرَة الإِمَام ستْرَة مُطلقًا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فَإِذا وجدت ستْرَة لَا تضر صَلَاة الإِمَام وَلَا صَلَاة الْمَأْمُوم.
( بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول اسحق قَالَ أَبُو عَليّ الجياني لم أجد اسحق هَذَا مَنْسُوبا من الروَاة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بعض النّسخ اسحق بن مَنْصُور ( قلت) كَذَا جزم بِهِ أَبُو نعيم وَخلف.
الثَّانِي عبد الله بن نمير بِضَم النُّون وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب أَبُو عُثْمَان الْقرشِي الْعَدوي الْمدنِي توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين كوفيين ومدنيين وَفِيه أَن شَيْخه الرَّاوِي عَن ابْن نمير غير مَنْسُوب ( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ الْخلال عَن عبد الله بن نمير.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَمر بالحربة " أَي خادمه بِأخذ الحربة وللبخاري فِي الْعِيدَيْنِ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع " كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمصلى والعنزة تحمل وتنصب بَين يَدَيْهِ فَيصَلي إِلَيْهَا " وَزَاد ابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة والإسماعيلي " وَذَلِكَ أَن الْمصلى كَانَ فضاء لَيْسَ فِيهِ شَيْء يستره " قَوْله " وَالنَّاس " بِالرَّفْع عطف على فَاعل يُصَلِّي ووراءه مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة قَوْله " ذَلِك " أَي الْأَمر بالحربة والوضع بَين يَدَيْهِ وَالصَّلَاة إِلَيْهَا لم يكن مُخْتَصًّا بِيَوْم الْعِيد قَوْله " فَمن ثمَّ " بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة أَي فَمن أجل ذَلِك اتخذ الحربة الْأُمَرَاء وَهُوَ الرمْح العريض النصل يخرج بهَا بَين أَيْديهم فِي الْعِيد وَنَحْوه وَهَذِه الْجُمْلَة أَعنِي قَوْله فَمن ثمَّ اتخذها الْأُمَرَاء من كَلَام نَافِع كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه بِدُونِ هَذِه الْجُمْلَة فَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّباح أخبرنَا عبد الله بن رَجَاء الْمَكِّيّ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخرج لَهُ حَرْبَة فِي السّفر فينصبها فَيصَلي إِلَيْهَا " ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الِاحْتِيَاط وَأخذ آلَة دفع الْأَعْدَاء سِيمَا فِي السّفر.
وَفِيه جَوَاز الِاسْتِخْدَام وَأمر الْخَادِم.
وَفِيه أَنه ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه وَادّعى بَعضهم فِيهِ الْإِجْمَاع نَقله ابْن بطال قَالَ الستْرَة عِنْد الْعلمَاء سنة مَنْدُوب إِلَيْهَا.

     وَقَالَ  الْأَبْهَرِيّ ستْرَة الْمَأْمُوم ستْرَة إِمَامه فَلَا يضر الْمُرُور بَين يَدَيْهِ لِأَن الْمَأْمُوم تعلّقت صلَاته بِصَلَاة إِمَامه قَالَ وَلَا خلاف أَنه الستْرَة مَشْرُوعَة إِذا كَانَ فِي مَوضِع لَا يَأْمَن الْمُرُور بَين يَدَيْهِ وَفِي الْأَمْن قَولَانِ عِنْد مَالك وَعند الشَّافِعِي مَشْرُوعَة مُطلقًا لعُمُوم الْأَحَادِيث وَلِأَنَّهَا تصون الْبَصَر قَالَ فَإِن كَانَ فِي الفضاء فَهَل يُصَلِّي إِلَى غير ستْرَة أجَازه ابْن الْقَاسِم لحَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور.

     وَقَالَ  الْمطرف وَابْن الْمَاجشون لَا بُد من ستْرَة وَذكر عَن عُرْوَة وَعَطَاء وَسَالم وَالقَاسِم وَالشعْبِيّ وَالْحسن أَنهم كَانُوا يصلونَ فِي الفضاء إِلَى غير ستْرَة ( قلت) قَالَ مُحَمَّد يسْتَحبّ لمن يُصَلِّي فِي الصَّحرَاء أَن يكون بَين يَدَيْهِ شَيْء مثل عَصا وَنَحْوهَا فَإِن لم يجد يسْتَتر بشجرة وَنَحْوهَا ( فَإِن قلت) الحربة الْمَذْكُورَة هَل لَهَا حد فِي الطول وَمَا الْمُعْتَبر فِي طول الستْرَة ( قلت) قَالَ أَصْحَابنَا مقدارها ذِرَاع فَصَاعِدا وَأخذُوا ذَلِك بِحَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا جعلت بَين يَديك مثل مؤخرة الرحل فَلَا يَضرك من يمر بَين يَديك " رَوَاهُ مُسلم وَذكر شيخ الْإِسْلَام فِي مبسوطه من حَدِيث أبي جُحَيْفَة الْآتِي ذكره أَن مِقْدَار العنزة طول ذِرَاع فِي غلظ أصْبع وَيُؤَيّد هَذَا قَول ابْن مَسْعُود يجزىء من الستْرَة السهْم وَفِي الذَّخِيرَة طول السهْم ذِرَاع وَعرضه قدر أصْبع وَاخْتلف مَشَايِخنَا فِيمَا إِذا كَانَت الستْرَة أقل من ذِرَاع.

     وَقَالَ  شيخ الْإِسْلَام لَو وضع قناة أَو جعبة بَين يَدَيْهِ وارتفع قدر ذِرَاع كَانَت ستْرَة بِلَا خلاف وَإِن كَانَت دونه فَفِيهِ خلاف وَفِي غَرِيب الرِّوَايَة النَّهر الْكَبِير لَيْسَ بسترة كالطريق وَكَذَا الْحَوْض الْكَبِير.

     وَقَالَ ت الْمَالِكِيَّة تجوز القلنسوة الْعَالِيَة والوسادة بِخِلَاف السَّوْط وَجوز فِي الْعُتْبِيَّة الستْرَة بِالْحَيَوَانِ الطَّاهِر بِخِلَاف الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَجوز بِظهْر الرجل وَمنع بِوَجْهِهِ وَتردد فِي جنبه وَمنع بِالْمَرْأَةِ وَاخْتلفُوا فِي الْمَحَارِم وَلَا يسْتَتر بنائم وَلَا مَجْنُون ومأبون فِي دبره وَلَا كَافِر انْتهى.
-



[ قــ :48 ... غــ :495]
- حَدَّثَنَا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَوْنِ بنِ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أبي أنَّ النبيَّ صَلى بِهِمْ بالبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنْزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ والعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ المَرْأةُ وَالحِمَارُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق.

ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: شُعْبَة بن حجاج.
الثَّالِث: عون بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون.
الرَّابِع: أَبوهُ أَبُو حنيفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء، مر فِي كتاب الْعلم واسْمه: وهب بن عبد االسوائي، بِضَم السِّين الْمُهْملَة.

ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْمُضَارع الْمُفْرد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن آدم.
وَأخرجه مطولا ومختصراً فِي بابُُ اسْتِعْمَال وضوء النَّاس، وَفِي ستر الْعَوْرَة، وَفِي الآذان، وَفِي صفة النَّبِي فِي موضِعين، وَفِي اللبَاس فِي موضِعين، وَأخرجه أَيْضا بعد بابَُُيْنِ فِي بابُُ الصَّلَاة إِلَى العنزة، وَفِي بابُُ الستْرَة بِمَكَّة وَغَيرهَا.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة.
وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد والترمزي وَابْن ماجة، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بابُُ الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْأَحْمَر.

ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: قَوْله: (بالبطحاء) أَي: بطحاء مَكَّة، وَيُقَال لَهَا: الأبطح أَيْضا.
قَوْله: (وَبَين يَدَيْهِ عنزة) ، جملَة وَقعت حَالا.
قَوْله: (الظّهْر) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: صلى.
قَوْله: (رَكْعَتَيْنِ) نصب إِمَّا على أَنه حَال، وَإِمَّا على أَنه بدل من الظّهْر، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله: (وَالْعصر رَكْعَتَيْنِ) .
قَوْله: (تمر بَين الْمَرْأَة وَالْحمار) ، جملَة وَقعت حَالا، وَالْجُمْلَة الفعلية إِذا وَقعت حَالا وَكَانَ فعلهَا مضارعاً يجوز فِيهَا الْوَاو وَتركهَا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جعل الستْرَة بَين يَدَيْهِ إِذا كَانَ فِي الصَّحرَاء.
وَفِيه: أَن مُرُور الْمَرْأَة وَالْحمار لَا يقطع الصَّلَاة، وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء، وَرُوِيَ عَن أنس وَمَكْحُول وَأبي الْأَحْوَص وَالْحسن وَعِكْرِمَة: يقطع الصَّلَاة الْكَلْب وَالْحمار وَالْمَرْأَة.
وَعَن ابْن عَبَّاس: يقطع الصَّلَاة الْكَلْب الْأسود وَالْمَرْأَة الْحَائِض.
وَعَن عِكْرِمَة يقطع الصَّلَاة الْكَلْب وَالْحمار وَالْخِنْزِير وَالْمَرْأَة واليهودي وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي.
وَعَن عَطاء: لَا يقطع الصَّلَاة إِلَّا الْكَلْب الْأسود وَالْمَرْأَة الْحَائِض.
وَعَن أَحْمد، فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يقطع الصَّلَاة مُرُور الْكَلْب الْأسود البهيم.
وَفِي رِوَايَة: يقطعهَا أَيْضا الْحمار وَالْمَرْأَة وَالْكَلب البهيم الَّذِي لَا يخالط لَونه لون آخر.
وَفِي (جَامع شمس الْأَئِمَّة) : تفْسد الصَّلَاة بمرور الْمَرْأَة بَين يَدَيْهِ.
وَفِي (الْكَافِي) : عِنْد أهل الْعرَاق تفْسد بمرور الْكَلْب وَالْمَرْأَة وَالْحمار وَالْخِنْزِير.
والْحَدِيث الْمَذْكُور حجَّة على من يَقُول بِقطع الصَّلَاة بمرور الْمَرْأَة وَالْحمار، وَالْحجّة على من يرى بِقطع الصَّلَاة بالأشياء الْمَذْكُورَة من هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء، وادرؤا مَا اسْتَطَعْتُم فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان) .
وَفِي الْبابُُ عَن ابْن عمر وَأبي أُمَامَة وَأنس وَجَابِر، فَحَدِيث ابْن عمر عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) وَحَدِيث أبي أُمَامَة وَأنس أَيْضا عِنْده، وَحَدِيث جَابر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) .
قلت: أما حَدِيث الْخُدْرِيّ فَفِيهِ مقَال، وَأما حَدِيث ابْن عمر وَأبي أَمَانَة وَأنس، فَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَا يَصح مِنْهَا شَيْء.
وَأما حَدِيث جَابر فَفِيهِ عِيسَى بن مَيْمُون، قَالَ ابْن حبَان: لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ، ومستند الْمَذْكُورين مَا رَوَاهُ مُسلم: عَن عبد اابن الصَّامِت عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (تقطع صَلَاة الرجل إِذا لم يكن بَين يَدَيْهِ كأخرة الرحل الْمَرْأَة وَالْحمار وَالْكَلب الْأسود.
قلت مَا بَال الْأسود من الْأَحْمَر؟ قَالَ: يَا أَبَا أخي، سَأَلت رَسُول الله كَمَا سأاتني فَقَالَ: الْكَلْب الْأسود شَيْطَان) .
وَحجَّة الْعَامَّة مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: (كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي وَأَنا مُعْتَرضَة بَين يَدَيْهِ كاعتراض الْجِنَازَة) .
وَقد رُوِيَ هَذَا بِوُجُود مُخْتَلفَة، مِنْهَا مَا فِيهِ: وَأَنا حزاءه، وَأَنا حَائِض.
وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن اعْتِرَاض الْمَرْأَة خُصُوصا الْحَائِض بَين الْمُصَلِّي وَبَين الْقبْلَة لَا يقطع الصَّلَاة، فالمارة بطرِيق الأولى.
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) بابُُ من قَالَ الْحمار لَا يقطع الصَّلَاة.
وَبَوَّبَ أَيْضا بابُُ من قَالَ الْكَلْب لَا يقطع الصَّلَاة، ثمَّ روى عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ: (أَتَانَا رَسُول الله وَنحن فِي بادية وَمَعَهُ عَبَّاس، فصلى فِي صحراء لَيْسَ بَين يَدَيْهِ ستْرَة وحمارة، لنا وكلبة تعبثان بَين يَدَيْهِ، فَمَا بالى ذَلِك) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَتَأَول الْجُمْهُور الْقطع الْمَذْكُور فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة على قطع الْخُشُوع، جمعا بَين الْأَحَادِيث.
فَإِن قلت: قلت: هَذَا جيد فِيمَا إِذا كَانَت الْأَحَادِيث الَّتِي رويت فِي هَذَا الْبابُُ مستوية الْأَقْدَام، وَأما إِذا قُلْنَا: أَحَادِيث الْجُمْهُور أقوى وَأَصَح من أَحَادِيث من خالفهم فالأخذ بالأقوى أولى وَأقوى: فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْقصار: من قَالَ: إِن الْحمار يقطع الصَّلَاة؟ قَالَ: إِن مُرُور حمَار عبد اكان خلف الإِمَام بَين يَدي بعض الصَّفّ، وَالْإِمَام ستْرَة لمن خَلفه.
قلت: رد هَذَا بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّار أَن الْمُرُور كَانَ بَين يَدَيْهِ: فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث سعيد بن غَزوَان عَن أَبِيه أَنه نزل بتبوك وَهُوَ حَاج، فَإِذا بِرَجُل مقْعد فَسَأَلَهُ عَن أمره فَقَالَ: سأحدثك بِحَدِيث فَلَا تحدث بِهِ مَا سَمِعت، إِنِّي حَيّ: أَن رَسُول الله نزل بتبوك إِلَى نَخْلَة فَقَالَ: هَذِه قبلتنا، ثمَّ صلى إِلَيْهَا.
فَأَقْبَلت وَأَنا غُلَام أسعى حَتَّى مَرَرْت بَينه وَبَينهَا فَقَالَ: قطع صَلَاتنَا قطع اأثره، فَمَا قُمْت عَلَيْهَا إِلَى يومي هَذَا.
قلت: قَوْله: عَلَيْهَا، أَي: على رجْلي وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لوُجُود الْقَرِينَة.
قلت: أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ.
.

     وَقَالَ  غير حَدِيث واهٍ، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَهُوَ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، لِأَن ذَلِك كَانَ بتبوك وَحَدِيثه كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع بعْدهَا.
وَا أعلم.
وَفِيه: جَوَاز قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة، بل هُوَ أفضل من الْإِتْمَام، وَهل هُوَ رخصَة أَو عَزِيمَة؟ فِيهِ خلاف بَيْننَا وَبَين الشَّافِعِي على مَا يَأْتِي بَيَانه فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى.