فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة إلى الأسطوانة

(بابُُ الصَّلاَةِ إلىَ الاسطُوَانَةِ.
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي اسْتِحْبابُُ الصَّلَاة إِلَى جِهَة الإسطوانة إِذا كَانَ فِي مَوضِع فِيهِ أسطوانة، والأسطوانة، بِضَم الْهمزَة مَعْرُوفَة، وَالنُّون أَصْلِيَّة وَزنهَا: أفعوالة، مثل: أقحوانة، لِأَنَّهُ يُقَال: أساطين مسطنة.
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: وَزنهَا: فعلوانة، وَهَذَا يدل على زِيَادَة الْوَاو وَالْألف وَالنُّون،.

     وَقَالَ  قوم: وَزنهَا أففعلانة، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما جمع على أساطين، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام: أفاعين،.

     وَقَالَ  بَعضهم: الْغَالِب أَن الأسطوانة تكون من بِنَاء بِخِلَاف العمود فَإِنَّهُ من حجر وَاحِد.
قلت: قيد الْغَالِب لَا طائل تَحْتَهُ، وَلَا نسلم أَن العمود يكون من حجر وَاحِد لِأَنَّهُ رُبمَا يكون أَكثر من وَاحِد، وَيكون من خشب أَيْضا.

وَقَالَ عَمرُ: المُصَلُّونَ أحَقُّ بِالسَّوَارِى من المتَحَدِّثِينَ إلَيْها
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر ظَاهِرَة، لِأَن السَّوَارِي هِيَ الأساطين، واسواري جمع سَارِيَة؛.
قَالَ ابْن الْأَثِير: السارية الأسطوانة، وَذكر الْجَوْهَرِي فِي بابُُ سرا، ثمَّ ذكر الْمَادَّة الواوية والمادة اليائية، وَالظَّاهِر أَن السارية من ذَوَات الْيَاء، وَهَذَا الَّذِي علقه البُخَارِيّ وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة من طَرِيق هَمدَان يُرِيد عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، أَي رَسُوله إِلَى أهل الْيمن عَن عمر بِهِ، وهمدان بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْمِيم وبالدال الْمُهْملَة.
قَوْله: (المصلون أَحَق) ، وَجه الأحقية أَن الْمُصَلِّين والمتحدثين مشتركان فِي الْحَاجة إِلَى السارية: المتحدثون إِلَى الإستناد، والمصلون لجعلها ستْرَة، لَكِن الْمُصَلِّين فِي عبَادَة فَكَانُوا أَحَق.
قَوْله: (من المتحدثين) أَي: الْمُتَكَلِّمين.

وَرَأى عُمَرُ رَجُلاً يُصَلِّي بَيْنَ أسْطُوَانَتَيْن فأدْنَاهُ إلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ صلِّ إلَيْها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فأدناه إِلَى سَارِيَة) ، وَابْن عمر هُوَ عبد ا، وَلذَا وَقع بِإِثْبَات ابْن فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَغَيرهمَا، وَعند الْبَعْض، رأى عمر، بِحَذْف: ابْن قَالَ بَعضهم: هُوَ أشبه بِالصَّوَابِ، فقد رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من طَرِيق مُعَاوِيَة ابْن قُرَّة بن إِيَاس الْمُزنِيّ عَن أَبِيه، وَله صُحْبَة قَالَ: (رَآنِي عمر وَأَنا اصلي.
فَذكر مثله سَوَاء، وَلَكِن زَاد: فَأخذ بقفاي) .
انْتهى.
قلت: رِوَايَة الْأَكْثَرين أشبه بِالصَّوَابِ مَعَ احْتِمَال أَن يكون قضيتان: إِحْدَاهمَا مَعَ عمر، وَالْأُخْرَى مَعَ ابْنه، وَلَا مَانع لذَلِك.
.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَقد عرف بذلك الْمِيم الْمَذْكُور فِي التَّعَلُّق.
قلت: هَذَا إِنَّمَا يكون إِذا تحقق اتِّحَاد الْقَضِيَّة.
قَوْله: (فأدناه) أَي: قربَة، من: الإدناء، وَهُوَ التَّقْرِيب.
وَادّعى ابْن التِّين أَن عمر إِنَّمَا كره لانْقِطَاع الصُّفُوف.
وَقيل: أرادبذلك أَن تكون صلَاته إِلَى ستْرَة.


[ قــ :489 ... غــ :502]
- حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدّثنا يَز (يدُ بنُ أبي عُبَيْدٍ قَالَ كنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ ابنِ الأَكْوَع فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطِوَانَةِ الَّتِي عنْدَ المُصْحَفِ فَقِلْتُ يَا أبَا مُسْلِمٍ أرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عنْدَ هَذِهِ الاسْطُوانَلاِ قَالَ فإِنِّي رأيْتُ النبيَّ يَتَحَرَّى الصلاَةَ عِنْدَها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَيصَلي عِنْد الأسطوانة) ، وَقَوله: (يتحَرَّى الصَّلَاة عِنْدهَا) .

ذكر رِجَاله وهم ثَلَاثَة: الأول: مكي بن إِبْرَاهِيم.
الثَّانِي: يزِيد بن أبي عُبَيْدَة، مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع.
الثَّالِث: سَلمَة بن الْأَكْوَع.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: أَنه من ثلاثيات البُخَارِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي مُوسَى عَن مكي بِهِ، وَعَن اسحاق بن إِبْرَاهِيم، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن يَعْقُوب بن حميد.

ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: (الَّتِي عِنْد الْمُصحف) ، هَذَا يدل على أَنه كَانَ فِي مَسْجِد رَسُول الله مَوضِع خَاص للمصحف الَّذِي كَانَ ثمَّة من عهد عُثْمَان، وَوَقع عِنْد مُسلم بِلَفْظ: يُصَلِّي وَرَاء الصندوق) ، وَكَأَنَّهُ كَانَ للمصحف صندوق يوضع فِيهِ والأسطوانة الْمَذْكُورَة فِيهِ مَعْرُوفَة بأسطوانة الْمُهَاجِرين.
قَوْله: (يابا مُسلم) أَصله: يَا أَبَا مُسلم، حذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف، وَهُوَ كنيته سَلمَة بن الْأَكْوَع.
قَوْله: (أَرَاك) أَي: أبصرك.
قَوْله: (تتحرى) ، أَي تجتهد وتختار،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: لما كَانَ رَسُول الله يسْتَتر بالعنزة فِي الصَّحرَاء كَانَت الإسطوانة أولى بذلك، لِأَنَّهَا أَشد ستْرَة مِنْهَا.
قَوْله: (يتحَرَّى الصَّلَاة عِنْدهَا) ، أَي: عِنْد الأسطوانة أُمَامَة وَلَا نَكُون إِلَى جنبه لِئَلَّا يَتَخَلَّل الصُّفُوف شَيْء وَلَا يكون لَهُ ستْرَة.





[ قــ :490 ... غــ :503]
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ حدّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بنِ عامرٍ بن أنَسٍ قَالَ لقَدْ رَأيْتُ كِبَارَ أصْحَابِ النبيِّ يَبْتَدِرُونَ السَّوَاري عِنْدَ المَغْرِبِ.
وَزَادَ شُعْبَةُ عنْ عَمْروٍ عنْ أنسٍ حَتَّى يَخْرُجَ النبيُّ.
( الحَدِيث 305 طرفه فِي: 516) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: قبيصَة بن عقبَة الْكُوفِي.
الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّالِث: عَمْرو، بِالْوَاو: وَابْن عَامر الْكُوفِي الْأنْصَارِيّ، وَلَيْسَ هُوَ: عَمْرو بن عَامر الْبَصْرِيّ، فَإِنَّهُ سلمى، وَلَا وَالِد أَسد فَإِنَّهُ بجلي.
الرَّابِع: أنس بن مَالك.

ذكر لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته كوفيون مَا خلا أنس.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن قبيصَة وَعَن بنْدَار عَن غنْدر عَن شُعْبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي عَامر عَن سُفْيَان عَنهُ، وَفِي نُسْخَة: عَن شُعْبَة، بدل: سُفْيَان.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( لقد أدْركْت) ، هَذَا رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: ( لقد رَأَيْت) .
قَوْله: ( كبار أَصْحَاب مُحَمَّد) ، الْكِبَار: جمع كَبِير، وَالْأَصْحَاب: جمع صَاحب.
قَوْله: ( يبتدرون السَّوَارِي) ، يتسارعون إِلَيْهَا.
قَوْله: ( عِنْد الْمغرب) أَي: عِنْد آذان الْمغرب، وَصرح بذلك الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن مهْدي عَن سُفْيَان، وَلمُسلم من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس نَحوه.
قَوْله: ( وَزَاد شُعْبَة عَن عَمْرو) إِلَى آخِره تَعْلِيق، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الآذان من طَرِيق غنْدر عَن عَمْرو بن عَامر الْأنْصَارِيّ، وَزَاد فِيهِ أَيْضا.
( يصلونَ الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب) .
قَوْله: ( حَتَّى يخرج النَّبِي) ويروى: ( حِين يخرج) وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي حكم الصَّلَاة قبل الْمغرب بعد الْغُرُوب فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى.