فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد؟

(بابٌُ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ: هَل يغمز الرجل؟ إِلَى آخِره، يَعْنِي: نعم، إِذا غمزها فَلَا شَيْء يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من فَسَاد الصَّلَاة.



[ قــ :506 ... غــ :519]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَليٍ قَالَ حدّثنا يَحْيى قَالَ حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حدّثنا القَاسِمُ عنْ عائِشَةَ رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالَتْ بِئْسَمَا عَدَلْتُمُنا بِالكَلْبِ وَالجِمَارِ لَقَدْ رَأيْتْني ورسولُ اللَّهِ يُصَلِّي وَأنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ فإِذَا أرَادَ أنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُما.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَبَين البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ صِحَة الصَّلَاة وَلَو أَصَابَهَا بعض جسده، وبيَّن فِي الْبابُُ السَّابِق صِحَّتهَا وَلَو أَصَابَهَا بعض ثِيَابه.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو: بِالْوَاو، ابْن عَليّ الفلاس الْبَاهِلِيّ.
الثَّانِي: يحيى الْقطَّان.
الثَّالِث: عبيد االعمري.
الرَّابِع: الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر.
الْخَامِس: عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا.

ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) .
قَوْله: (بئْسَمَا) ، كلمة بئس من أَفعَال الذَّم، كَمَا أَن كلمة: نِعْمَ، من أَفعَال الْمَدْح، وشرطهما أَن يكون الْفَاعِل الْمظهر فيهمَا مُعَرفا بِاللَّامِ أَو مُضَافا إِلَى الْمُعَرّف بهَا، أَو مضمراً مُمَيّزا بنكرة مَنْصُوبَة، وَهَهُنَا يجوز الْوَجْهَانِ.
الأول: أَن تكون: مَا بِمَعْنى الَّذِي، وَيكون فَاعِلا: لبئس.
وَالْجُمْلَة أَعنِي قَوْله: (عدلتمونا) ، صلَة لَهُ بِكَوْن الْمَخْصُوص بالذم محذوفاً، وَالتَّقْدِير: بئس الَّذِي عدلتمونا بالحمار ذَلِك الْفِعْل.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون فَاعل: بئس، مضمراً مُمَيّزا، وَتَكون الْجُمْلَة بعده صفة والمخصوص بالذم أَيْضا محذوفاً، وَالتَّقْدِير: بئس شَيْئا مَا عدلتمونا بالحمار شَيْء.
وَفِي الْوَجْهَيْنِ الْمَخْصُوص بالذم مُبْتَدأ أَو خَبره الْجُمْلَة الَّتِي قبله، وَمعنى: عدلتمونا: جعلتمونا مثله.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي بابُُ الصَّلَاة على الْفراش.

قَوْلهَا: (لقد رَأَيْتنِي) بِضَم التَّاء، وَكَون الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ضميرين لشَيْء وَاحِد من خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب، وَالتَّقْدِير: لقد رَأَيْت نَفسِي.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِن كَانَت الرُّؤْيَة بمعناها الْأَصْلِيّ فَلَا يجوز حذف أحد مفعوليه، وَإِن كَانَت بِمَعْنى الإبصار فَلَا يجوز اتِّحَاد الضميرين، ثمَّ أجَاب بقول الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل اأمواتاً} (آل عمرَان: 961) جَازَ حذف أَحدهمَا لِأَنَّهُ مُبْتَدأ فِي الأَصْل فيحذف كالمبتدأ، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي هَذَا مُخَالف لقَوْله فِي الْمفصل وَفِي سَائِر مَوَاضِع الْكَشَّاف لَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد مفعولي الحسبان، ثمَّ أجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنهُ أَيْضا: أَنه إِذا كَانَ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول عبارَة عَن شَيْء وَاحِد جَازَ الْحَذف، وَأمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن القَوْل بِجَوَاز الْحَذف فِيمَا إِذا اتَّحد الْفَاعِل وَالْمَفْعُول معنى وَالْقَوْل بِعَدَمِهِ فِيمَا إِذا كَانَ بَينهمَا الِاخْتِلَاف.
والْحَدِيث هُوَ من الْقسم الأول، إِذْ تَقْدِيره: رَأَيْت نَفسِي مُعْتَرضَة أَو أعطي للرؤية الَّتِي بِمَعْنى: الإبصار، حكم الرُّؤْيَة الَّتِي من أَفعَال الْقُلُوب.
قَوْلهَا: (وَرَسُول الله يُصَلِّي) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا على الأَصْل، أَعنِي: بِالْوَاو، وَكَذَلِكَ قَوْلهَا: (وَأَنا مُضْطَجِعَة) .
قَوْلهَا: (غمز رجْلي) قَالَ الْجَوْهَرِي: غمزت الشَّيْء بيَدي،.

     وَقَالَ  الشَّاعِر:
وَكنت إِذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أَو تستقيما
وغمزته بعيني، قَالَ تَعَالَى: { وَإِذا مروا بهم يتغامزون} (المطففين: 03) وَالْمرَاد هُنَا الغمز بِالْيَدِ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (فَإِذا سجد غمزني، فقبضت برجلي، وَإِذا قَامَ بسطتهما) .
وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (فَإِذا سجد غمزني فرفعتهما فقبضتهما، فَإِذا قَامَ مددتهما) .
وَفِي رِوَايَة: (غمزها بِرجلِهِ، فَقَالَ: تنحي) .
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: (فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد ضرب رجْلي فقبضتهما فَسجدَ) .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: (فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد غمز رجْلي فضممتهما إِلَيّ ثمَّ سجد) .

ثمَّ مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ قد ذكرنَا مُسْتَوفى فِي بابُُ الصَّلَاة على الْفراش.