فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من السجع في الدعاء

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِي الدُّعاءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَرَاهَة السجع فِي الدُّعَاء والسجع كَلَام مقفى من غير مُرَاعَاة وزن، وَقيل: هُوَ مُرَاعَاة الْكَلَام على رُوِيَ وَاحِد.
وَمِنْه: سجعت الْحَمَامَة إِذا رددت صَوتهَا، وَيُقَال: إِنَّمَا يكره إِذا تكلّف السجع، أما بالطبع فَلَا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا نهى عَنهُ فِي الدُّعَاء لِأَن طلبه فِيهِ تكلّف ومشقة، وَذَلِكَ مَانع من الْخُشُوع وإخلاص التضرع فِيهِ، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: أَن الله لَا يقبل من قلب غافل لاء، وطالب السجع فِي دُعَائِهِ همته فِي ترويج الْكَلَام واشتغال خاطره بذلك، وَهُوَ يُنَافِي الْخُشُوع.
قيل: مر فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ الدُّعَاء على الْمُشْركين: أللَّهم منزل الْكتاب سريع الْحساب إهزم الْأَحْزَاب، وَجَاء أَيْضا: لَا إِلَه إلاَّ الله وَحده، صدق وعده، وَنصر عَبده، وأعز جنده.
وَأجِيب: بِأَن الْمَكْرُوه مَا يقْصد ويتكلف فِيهِ كَمَا ذكرنَا، وَأما مَا ورد على سَبِيل الِاتِّفَاق فَلَا بَأْس بِهِ، وَلِهَذَا ذمّ مِنْهُ مَا كَانَ كسجع الْكُهَّان.



[ قــ :6004 ... غــ :6337 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ حَدثنَا حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيبٍ حدّثنا هارُونُ المُقْرِىءُ حَدثنَا الزُّبَيْرُ بنُ الخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فإِنْ أبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فإِنْ أكْثَرْتَ فَثَلاثَ مِرَارٍ، وَلَا تُمِلَّ النّاسَ هاذَا القُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأتي القَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعَ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، ولاكنْ أنْصِتْ فإِذَا أمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعاءِ فاجْتَنِبْهُ، فإنِّي عَهِدْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إلاّ ذلِكَ، يَعْنِي: لَا يَفْعَلونَ إلاَّ ذالِكَ الاجْتِنابَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَانْظُر السجع من الدُّعَاء فاجتنبه) .
وَيحيى بن مُحَمَّد بن السكن بِفتْحَتَيْنِ الْبَزَّار بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي مر فِي صَدَقَة الْفطر، وحبان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وكنيته أَبُو حبيب ضد الْعَدو الْبَاهِلِيّ، وَهَارُون ابْن مُوسَى المقرىء من الإقراء النَّحْوِيّ الْأَعْوَر، مر فِي تَفْسِير سُورَة النَّحْل وَالزُّبَيْر بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الخريت بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْبَصْرِيّ مر فِي الْمَظَالِم.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: هَذَا الْقُرْآن مفعول ثَان وَيجوز أَن يكون مفعولان لفعل من غير أَفعَال الْقُلُوب إِذا كَانَ أَحدهمَا غير ظَاهر، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض أَي: لَا تملهم عَن الْقُرْآن.
وَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، وَتَفْسِيره يدل على ذَلِك.
قَوْله: ( وَلَا ألفينك) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون اللَّام وَكسر الْفَاء وبنون التَّأْكِيد الثَّقِيلَة أَي: لَا أصادفنك وَلَا أجدنك.
قَوْله: ( وهم فِي حَدِيث) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَهَذَا النَّهْي، وَإِن كَانَ بِحَسب الظَّاهِر للمتكلم، لكنه فِي الْحَقِيقَة للمخاطب.
كَقَوْلِه: لَا أرينك هَاهُنَا.
قَوْله: ( فتملهم) بِضَم أَوله وَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فَظَاهر، وَأما النصب فتقديره: بِأَن تملهم.
قَوْله: ( أنصت) أَمر من الْإِنْصَات وَهُوَ السُّكُوت مَعَ الإصغاء.
قَوْله: ( أمروك) أَي: فَإِذا التمسوا مِنْك وَالْحَال أَنهم يشتهونه، أَي: الحَدِيث.
قَوْله: ( فَانْظُر السجع من الدُّعَاء فاجت نبه) أَي: اتركه.
قَالَ ابْن التِّين: المُرَاد المستكره مِنْهُ،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: الاستكثار مِنْهُ.
قَوْله: ( لَا يَفْعَلُونَ إلاّ ذَلِك) فسره بقوله: يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِك الاجتناب، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا عَن يحيى بن مُحَمَّد شيخ البُخَارِيّ بِسَنَدِهِ فِيهِ: لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك، بِدُونِ لَفْظَة: إلاَّ، وَهُوَ وَاضح، وَكَذَا أخرجه الْبَزَّار فِي ( مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ عَن الْبَزَّار.

وَفِيه من الْفِقْه: أَنه يكره الإفراط فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة خوف الْملَل عَنْهَا.
والانقطاع، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل، كَانَ يَتَخَوَّلُ أَصْحَابه بِالْمَوْعِظَةِ كَرَاهِيَة السَّآمَة عَلَيْهِم،.

     وَقَالَ : تكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا.
وَفِيه: أَنه لَا يَنْبَغِي أَن لَا يحدث بِشَيْء من كَانَ فِي حَدِيث حَتَّى يفرغ مِنْهُ.
وَفِيه: أَنه لَا يَنْبَغِي نشر الْحِكْمَة وَالْعلم وَلَا التحديث بهما من لَا يحرص على سماعهما وتعلمهما، لِأَن فِي ذَلِك إذلال الْعلم، وَقد رفع الله قدره.