فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التعوذ من جهد البلاء

( بابُُ التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التَّعَوُّذ من جهد الْبلَاء، الْجهد بِفَتْح الْجِيم وَبِضَمِّهَا الْمَشَقَّة وَكلما أصَاب الْإِنْسَان من شدَّة الْمَشَقَّة والجهد فِيمَا لَا طَاقَة لَهُ بِحمْلِهِ وَلَا يقدر على دَفعه عَن نَفسه فَهُوَ من جهد الْبلَاء، وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن جهد الْبلَاء؟ فَقَالَ: قلَّة المَال وَكَثْرَة الْعِيَال، وَالْبَلَاء مَمْدُود فَإِذا كسرت الْبَاء قصرت.



[ قــ :6013 ... غــ :6347 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ حدّثني سُمَيٌّ عنْ أبي صالِح عنْ أبي هُرَيْرَةَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَعَوَّدُ مِنْ جَهْدِ البلاَءِ ودَرَكِ الشقاءِ وسوءِ القَضاءِ وشَماتَةِ الأعْدَاءِ.

قَالَ سُفْيانُ: الحَدِيثُ ثلاَثٌ زِدْتُ أنَا واحِدةً لَا أدْرِي أيَّتُهُنَّ هِيَ.
( انْظُر الحَدِيث 6347 طرفه فِي 6616) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَسمي بِضَم السِّين وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْقدر عَن مُسَدّد.
وَأخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن عمر والناقد وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الِاسْتِعَاذَة عَن قُتَيْبَة.

قَوْله: قَالَ: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَرَوَاهُ مُسَدّد عَن سُفْيَان بِسَنَدِهِ هَذَا بِلَفْظ الْأَمر: تعوذوا.
قَوْله: ( ودرك الشَّقَاء) بِفَتْح الدَّال وَالرَّاء وَيجوز سُكُون الرَّاء وَهُوَ الْإِدْرَاك واللحوق، والشقاء بِالْفَتْح وَالْمدّ الشدَّة والعسر وَهُوَ ضد السَّعَادَة، وَيُطلق على السَّبَب الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: دَرك الشَّقَاء يَنْقَسِم قسمَيْنِ فِي أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَكَذَا ( سوء الْقَضَاء) هُوَ عَام أَيْضا فِي النَّفس وَالْمَال والأهل والخاتمة والمعاد.
قَوْله: ( وَسُوء الْقَضَاء) أَي: الْمقْضِي إِذْ حكم الله من حَيْثُ هُوَ حكمه كُله حسن لَا سوء فِيهِ، قَالُوا فِي تَعْرِيف الْقَضَاء وَالْقدر: الْقَضَاء هُوَ الحكم بالكليات على سَبِيل الْإِجْمَال فِي الْأَزَل، وَالْقدر هُوَ الحكم بِوُقُوع الجزئيات الَّتِي لتِلْك الكليات على سَبِيل التَّفْصِيل فِي الْإِنْزَال، قَالَ الله تَعَالَى: { ( 51) وَإِن من شَيْء.
.
إِلَّا بِقدر مَعْلُوم}
( الْحجر: 21) .
قَوْله: ( وشماتة الْأَعْدَاء) هِيَ الْحزن بفرح عدوه والفرح بحزنه وَهُوَ مِمَّا ينْكَأ فِي الْقلب ويؤثر فِي النَّفس تَأْثِيرا شَدِيدا، وَإِنَّمَا دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك تَعْلِيما لأمته، وَهَذِه كلمة جَامِعَة لِأَن الْمَكْرُوه إِمَّا أَن يُلَاحظ من جِهَة المبدأ وَهُوَ سوء الْقَضَاء، أَو من وجهة الْمعَاد وَهُوَ دَرك الشَّقَاء إِذْ شقاوة الْآخِرَة هِيَ الشَّقَاء الْحَقِيقِيّ، أَو من جِهَة المعاش وَذَلِكَ إِمَّا من جِهَة غَيره وَهُوَ شماتة الْأَعْدَاء، أَو من جِهَة نَفسه وَهُوَ جهد الْبلَاء.

قَوْله: ( قَالَ سُفْيَان) هُوَ ابْن عُيَيْنَة رَاوِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: ( الحَدِيث ثَلَاث) أَي: الحَدِيث الْمَرْفُوع الْمَرْوِيّ ثَلَاثَة أَشْيَاء،.

     وَقَالَ : ( زِدْت أَنا وَاحِدَة) فَصَارَت أَرْبعا وَلَا أَدْرِي أيتهن هِيَ، أَي: الرَّابِعَة الزَّائِدَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ لَهُ أَن يخلط كَلَامه بِكَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِحَيْثُ لَا يفرق بَينهمَا؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ مَا خلط بل استبهت عَلَيْهِ تِلْكَ الثَّلَاث بِعَينهَا، وَعرف أَنَّهَا كَانَت ثَلَاثَة من هَذِه الْأَرْبَعَة فَذكر الْأَرْبَعَة تَحْقِيقا لرِوَايَة تِلْكَ الثَّلَاثَة قطعا، إِذْ لَا تخرج مِنْهَا.

وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: تعقب على الْكرْمَانِي حَيْثُ اعتذر عَن سُفْيَان فِي السُّؤَال الْمَذْكُور، فَقَالَ: وَيُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ يميزها إِذا حدث كَذَا قَالَ: وَفِيه نظر.
قلت: لم يقل الْكرْمَانِي أصلا مَا قَالَه نقلا عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَه هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ اعتذار حسن مَعَ أَنه قَالَ عقيب كَلَامه الْمَذْكُور: وروى البُخَارِيّ فِي كتاب الْقدر الحَدِيث الْمَذْكُور، وَذكر فِيهِ الْأَرْبَعَة مُسْندًا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا تردد وَلَا شكّ وَلَا قَول بِزِيَادَة، وَفِي بعض الرِّوَايَات: قَالَ سُفْيَان: أَشك أَنِّي زِدْت وَاحِدَة مِنْهَا.