فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم

( بابُُ هَلْ يُصَلَّى عَلى غَيْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: هَل يصلى على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ اسْتِقْلَالا أَو تبعا، وَيدخل فِي قَوْله: غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَلَائِكَة والأنبياء والمؤمنون، وَإِنَّمَا صدر التَّرْجَمَة بالاستفهام للْخلاف فِي جَوَاز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمنهمْ من أنكر الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُطلقًا، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة من حَدِيث عُثْمَان بن حَكِيم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أعلم الصَّلَاة تنبغي من أحد على أحد إلاَّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكى القَوْل بِهِ عَن مَالك، وَجَاء نَحوه عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَعَن سُفْيَان أَيْضا؛ وَمِنْهُم من جوزها تبعا مُطلقًا وَلَا يجوزها اسْتِقْلَالا، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَجَمَاعَة وَمِنْهُم من جوزها مُطلقًا يعْنى اسْتِقْلَالا وتبعاً، وحجتهم حَدِيث الْبابُُ.

وَأما الصَّلَاة على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فقد ورد فِيهَا أَحَادِيث: مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أخرجه الطَّبَرَانِيّ: إِذا صليتم عَليّ فصلُّوا على أَنْبيَاء الله، فَإِن الله بَعثهمْ كَمَا بَعَثَنِي، وَسَنَده ضَعِيف.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الدُّعَاء بِحِفْظ الْقُرْآن.
وَفِيه: وصلِّ عَليّ وعَلى سَائِر النَّبِيين.
أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وَأما الصَّلَاة على الْمَلَائِكَة فَيمكن أَن تُؤْخَذ من الحَدِيث الْمَذْكُور، لِأَن الله سماهم رسلًا، وَأما الْمُؤْمِنُونَ فَحَدِيث الْبابُُ يدل على جَوَاز الصَّلَاة عَلَيْهِم على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ.

وقَوْلُ الله تَعَالَى: { وصل عَلَيْهِم.
.
سكن لَهُم}
( التَّوْبَة: 103)
صدر بِهَذِهِ الْآيَة تَنْبِيها على أَن الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجوز، وَأَيْضًا توضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة.
قَوْله: ( وصل عَلَيْهِم) أَي: أدع لَهُم واستغفر لَهُم لِأَن معنى الصَّلَاة الدُّعَاء، وَفِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ، وَهُوَ قَول الْوَالِي إِذا أَخذ الصَّدَقَة: آجرك الله فِيمَا أَعْطَيْت، وَبَارك لَك فِيمَا أبقيت.
قَوْله: ( سكن) عَن ابْن عَبَّاس: رَحْمَة لَهُم، وَعَن قَتَادَة: وقار، وَعَن الْكَلْبِيّ: طمأنينة لَهُم أَن الله قد قبل مِنْهُم، وَعَن أبي معَاذ: تَزْكِيَة لَهُم مِنْك، وَعَن أبي عُبَيْدَة: تثبيت.



[ قــ :6024 ... غــ :6359 ]
- حدَّثنا سلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرو بن مُرَّةَ عنِ ابنِ أبي أوْفاى قَالَ: كَانَ إِذا أتَى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، فأتاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ أبي أوْفاى.

مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ أَيْضا تَرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَفِيه إِيضَاح للإبهام الَّذِي فِي الْبابُُ.

وَعَمْرو بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء وَاسم ابْن أبي أوفى عبد الله، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة بن خَالِد الْأَسْلَمِيّ، وَكِلَاهُمَا صحابيان.

والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بابُُ صَلَاة الإِمَام ودعائه لصَاحب الصَّدَقَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( فَأَتَاهُ أبي) هُوَ أَبُو أوفى.
قَوْله: ( على آل أبي أوفى) آل الرجل أهل بَيته، وَقيل: لفظ الْآل مقحم وتحقيقة قد مر فِي كتاب الزَّكَاة فِي الْبابُُ الْمَذْكُور.





[ قــ :605 ... غــ :6360 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ عَبْدِ الله بن أبي بَكْرٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَمْرو ابْن سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أنَّهُمْ قالُوا: يَا رسولَ الله! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كَما صَلَّيْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ كَما بارَكْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
( انْظُر الحَدِيث 3369) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه إِيضَاح للإبهام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة.

وَعبد الله بن أبي بكر يروي عَن أَبِيه أبي بكر بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو حميد عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ الْمدنِي الصَّحَابِيّ، وَفِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَاف.

والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( وَذريته) بِضَم الذَّال وَحكي بِكَسْرِهَا وَهِي: النَّسْل، وَقد يخْتَص بِالنسَاء والأطفال، وَقد يُطلق على الأَصْل وَهِي من: ذَرأ، بِالْهَمْز أَي: خلق إلاَّ أَنَّهَا سهلت لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَقيل: هِيَ من الذَّر أَي: خلقُوا وأمثال الذَّر، وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن المُرَاد بآل مُحَمَّد أَزوَاجه وَذريته، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن الصَّلَاة على الْآل لَا تجب لسقوطها فِي هَذَا الحَدِيث، ورد هَذَا بِثُبُوت الْأَمر بذلك فِي غير هَذَا الحَدِيث.
وَأخرج عبد الرَّزَّاق من طَرِيق ابْن طَاوُوس عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن رجل من الصَّحَابَة الحَدِيث الْمَذْكُور بِلَفْظ: صل على مُحَمَّد وَأهل بَيته وأزواجه وَذريته.