فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت»

( بابُُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أَي: يَا الله اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت.
قَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ ذَلِك تواضعاً، وعد ذَلِك على نَفسه ذَنبا.
وَقيل: أَرَادَ مَا كَانَ عَن سَهْو، وَقيل: مَا كَانَ قبل النُّبُوَّة، وعَلى كل حَال هُوَ مغْفُور لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، فَدَعَا بِهَذَا وَغَيره تواضعاً، وَلِأَن الدُّعَاء عبَادَة.

قلت: هَذَا إرشاد لأمته وَتَعْلِيم لَهُم، وَهُوَ مَعْصُوم عَن الذُّنُوب جَمِيعهَا قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مَا قدم الْفَاضِل وَأخر الْأَفْضَل.



[ قــ :6061 ... غــ :6398 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشارِ حَدثنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَبَّاحِ.
حدّثنا شُعْبَةُ عَن أبي إسْحَاقَ عَن ابنِ أبي مُوسَى عنْ أبِيهِ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّه كَانَ يَدْعُو بِهاذا الدُّعاءِ: ربِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتي وجَهْلِي وإسْرافِي فِي أمْرِي كُلِّهِ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفرْ لِي خَطايايَ وعَمْدي وجَهْلِي وهَزْلِي وكُلُّ ذالِكَ عِنْدي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ وأنْتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الْملك بن صباح بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْبَصْرِيّ، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَابْن أبي مُوسَى قَالَ الْكرْمَانِي: الطَّرِيق الَّذِي بعده يشْعر بِأَن المُرَاد بِهِ أَبُو بردة بن أبي مُوسَى يَعْنِي عَامِرًا، وَالرِّوَايَة الَّتِي بعد الطَّرِيق أَنه هُوَ أَبُو بكر بن أبي مُوسَى، لَكِن قَالَ الكلاباذي: هُوَ عَمْرو بن أبي مُوسَى، وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن عبيد الله بن مُعَاوِيَة وَعَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ.

قَوْله: ( خطيئتي) هِيَ الذَّنب، وَيجوز فِيهِ تسهيل الْهمزَة فَيُقَال: خطية، بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( وجهلي) الْجَهْل ضد الْعلم.
قَوْله: ( وإسرافي) الْإِسْرَاف هُنَا التجاوز عَن الْحَد.
قَوْله: ( خطاياي) جمع خَطِيئَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: ( وعمدي) الْعمد ضد السَّهْو وَالْجهل ضد الْعلم والهزل ضد الْجد وَعطف الْعمد على الْخَطَأ إِمَّا عطف الْخَاص على الْعَام بِاعْتِبَار أَن الْخَطِيئَة أَعم من التعمد، أَو من عطف أحد المتقابلين على الآخر، بِأَن يحمل الْخَطِيئَة على مَا وَقع على سَبِيل الْخَطَأ.
قَوْله: ( أَنْت الْمُقدم) أَي: تقدم من تشَاء من خلقك إِلَى رحمتك بتوفيقك، ( وَأَنت الْمُؤخر) تُؤخر من تشَاء عَن ذَلِك بخذلانك.

وَقَالَ عُبَيْد الله بنُ مُعاذٍ: وحدّثنا أبي حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ عنْ أبي بُرْدَةَ بن أبي مُوسى عنْ أبِيهِ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِهِ.

هَذَا تَعْلِيق عَن عبيد الله بتصغير عبد ابْن معَاذ بِضَم الْمِيم الْعَنْبَري التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: عبد الله، مكبراً وَهُوَ غير صَحِيح، وَعبيد الله هَذَا يروي عَن أَبِيه معَاذ عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن أبي بردة عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِ الحَدِيث الْمَذْكُور.
وَأخرجه مُسلم بِصَرِيح التحديث: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ.





[ قــ :606 ... غــ :6399 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثْنَّى حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ المَجيدِ حَدثنَا إسْرَائِيلُ حدّثا أبُو إسْحاق َ عنْ أبِي بَكْرِ بنِ أبي مُوسَى وَأبي بُردَةَ أحْسِبُهُ عنْ أبي مُوسى الأشْعَريِّ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّه كَانَ يَدْعو: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئتي وجَهْلِي وإسْرافي فِي أمْرِي وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ منِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وجِدِّي وخَطَئِي وعَمْدي وكلُّ ذالِكَ عِنْدِي.
( انْظُر الحَدِيث 8936) [/ ح.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن الْمثنى ضد الْمُفْرد عَن عبيد الله بن عبد الْمجِيد الْحَنَفِيّ الْبَصْرِيّ، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: عَن عبد الحميد، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو عَن أبي بكر، وَأبي بردة ابْني أبي مُوسَى عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَلم يشك فِيهِ.

قَوْله: ( وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني) أَي: من الذُّنُوب.
قَوْله: ( وخطئي) هَكَذَا بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: خطاياي، بِالْجمعِ.
قَوْله: ( وكل ذَلِك عِنْدِي) أَي: أَنا متصف بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فاغفرها.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ الْقَرَافِيّ فِي ( كتاب الْقَوَاعِد) : قَول الْقَائِل فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، دُعَاء بالمحال لِأَن صَاحب الْكَبِيرَة يدْخل النَّار وَدخُول النَّار يُنَافِي الغفران.
أَقُول: فِيهِ منع ومعارضة، أما الْمَنْع فَلَا نسلم الْمُنَافَاة إِذا الْمنَافِي هُوَ الدُّخُول المخلد كَمَا للْكفَّار إِذْ الْإِخْرَاج من النَّار بالشفاعة وَنَحْوهَا أَيْضا غفران، وَأما الْمُعَارضَة فَهِيَ بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام: { ( 71) رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي.
.
مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات}
( نوح: 8) .

     وَقَالَ  بَعضهم: نقل الْكرْمَانِي تبعا لمغلطاي عَن الْقَرَافِيّ ... إِلَى آخِره.

قلت: قطّ لم يتبع الْكرْمَانِي أحدا فِي نَقله هَذَا عَن الْقَرَافِيّ.
وَفِيه: ترك الْأَدَب أَيْضا حَيْثُ يُصَرح بقوله مغلطاي، وَلَو كَانَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي تِلْمِيذه أَو رَفِيقه فِي الِاشْتِغَال لم يكن من الْأَدَب أَن يذكرهُ باسمه بِدُونِ التَّعْظِيم،.

     وَقَالَ  فِي آخر كَلَامه: لم يظْهر لي مُنَاسبَة ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي هَذَا الْبابُُ.

قلت: وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذَلِك أظهر من كل شَيْء وَقد ظهر لغيره من أَصْحَاب التَّحْقِيق مَا لم يظْهر لَهُ لقُصُور تَأمله، وَالله أعلم.