فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل ذكر الله عز وجل

( بابُُ فضل ذكر الله عز وَجل)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل ذكر الله تَعَالَى وَالْمرَاد بِذكر الله هُنَا الْإِتْيَان بالألفاظ الَّتِي ورد التَّرْغِيب فِيهَا والإكثار مِنْهَا وَقد يُطلق ذكر الله وَيُرَاد بِهِ الْمُوَاظبَة على الْعَمَل بِمَا أوجبه الله تَعَالَى أَو ندب إِلَيْهِ كَقِرَاءَة الْقُرْآن وَقِرَاءَة الحَدِيث ومدارسة الْعلم والتنفل بِالصَّلَاةِ.

     وَقَالَ  الرَّازِيّ رَحمَه الله المُرَاد بِذكر اللِّسَان الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على التَّسْبِيح والتحميد والتمجيد وَالذكر بِالْقَلْبِ التفكر فِي أَدِلَّة الذَّات وَالصِّفَات وَفِي أَدِلَّة التكاليف من الْأَمر وَالنَّهْي حَتَّى يطلع على أَحْكَامهَا وَفِي أسرار مخلوقات الله تَعَالَى وَالذكر بالجوارح هُوَ أَن تصير مستغرقة فِي الطَّاعَات

[ قــ :6070 ... غــ :6407 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن بريد بن عبد الله عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثل الَّذِي يذكر ربه وَالَّذِي لَا يذكر مثل الْحَيّ وَالْمَيِّت) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الَّذِي يذكر الله تَعَالَى كالحي بِسَبَب فَضِيلَة الذّكر وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وبريد بِضَم الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عَامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس والْحَدِيث أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَيْضا بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور بِلَفْظ مثل الْبَيْت الَّذِي يذكر الله فِيهِ وَالْبَيْت الَّذِي لَا يذكر الله فِيهِ مثل الْحَيّ وَالْمَيِّت وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن حبَان وَأبي عوَانَة وَالْبَيْت لَا يُوصف بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْت حَقِيقَة وَالَّذِي يُوصف بهما هُوَ السَّاكِن فَيكون هَذَا من قبيل ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا تجوزا من الرَّاوِي قَوْله " وَالَّذِي لَا يذكر الله " وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر ربه أَيْضا وَجه التَّشْبِيه بَين الذاكر والحي الِاعْتِدَاد بِهِ والنفع والنصرة وَنَحْوهَا وَبَين تَارِك الذّكر وَالْمَيِّت التعطيل فِي الظَّاهِر والبطلان فِي الْبَاطِن



[ قــ :6071 ... غــ :6408 ]
- ( حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن لله مَلَائِكَة يطوفون فِي الطّرق يَلْتَمِسُونَ أهل الذّكر فَإِذا وجدوا قوما يذكرُونَ الله تنادوا هلموا إِلَى حَاجَتكُمْ قَالَ فيحفونهم بأجنحتهم إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ فيسألهم رَبهم وَهُوَ أعلم مِنْهُم مَا يَقُول عبَادي قَالُوا يَقُولُونَ يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قَالَ فَيَقُول هَل رأوني قَالَ فَيَقُولُونَ لَا وَالله مَا رأوك قَالَ فَيَقُول وَكَيف لَو رأوني قَالَ يَقُولُونَ لَو رأوك كَانُوا أَشد لَك عبَادَة وَأَشد لَك تمجيدا وَأكْثر لَك تسبيحا قَالَ فَيَقُول فَمَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَك الْجنَّة قَالَ يَقُول وَهل رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَا وَالله يَا رب مَا رأوها قَالَ فَيَقُول فَكيف لَو أَنهم رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَو أَنهم رأوها كَانُوا أَشد عَلَيْهَا حرصا وَأَشد لَهَا طلبا وَأعظم فِيهَا رَغْبَة قَالَ فمم يتعوذون قَالَ يَقُولُونَ من النَّار قَالَ يَقُول وَهل رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَا وَالله مَا رأوها قَالَ يَقُول فَكيف لَو رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَو رأوها كَانُوا أَشد مِنْهَا فِرَارًا وَأَشد لَهَا مَخَافَة قَالَ فَيَقُول فأشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم قَالَ يَقُول ملك من الْمَلَائِكَة فيهم فلَان لَيْسَ مِنْهُم إِنَّمَا جَاءَ لحَاجَة قَالَ هم الجلساء لَا يشقى بهم جليسهم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات والْحَدِيث أخرجه مُسلم من طَرِيق سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِن لله مَلَائِكَة سيارة فضلا يَبْتَغُونَ أهل الذّكر " الحَدِيث.

     وَقَالَ  عِيَاض فضلا بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة قَالَ وَهُوَ الصَّوَاب.

     وَقَالَ  فِي الأكمال فضلا بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الضَّاد.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير أَي زِيَادَة عَن الْمَلَائِكَة المرتبين مَعَ الْخَلَائق ويروى بِسُكُون الضَّاد وَبِضَمِّهَا وَقيل السّكُون أَكثر وأصوب.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ فضلا بِضَم الْفَاء وَسُكُون الضَّاد جمع فَاضل كنزل جمع نَازل قَوْله يَلْتَمِسُونَ أَي يطْلبُونَ وَعند مُسلم يَبْتَغُونَ كَمَا ذكرنَا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ قَوْله أهل الذّكر يتَنَاوَل الصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وتلاوة الحَدِيث وتدريس الْعُلُوم ومناظرة الْعلمَاء وَنَحْوهَا قَوْله " فَإِذا وجدوا قوما يذكرُونَ الله " فِي رِوَايَة مُسلم فَإِذا وجدوا مَجْلِسا فِيهِ ذكره قَوْله تنادوا وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ يتنادون قَوْله هلموا أَي تَعَالَوْا وَهَذَا ورد على اللُّغَة التميمية حَيْثُ لَا يَقُولُونَ باستواء الْوَاحِد وَالْجمع فِيهِ وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع هَلُمَّ بِلَفْظ الْإِفْرَاد قَوْله " لي حَاجَتكُمْ " وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة " إِلَى بغيتكم " قَوْله " فيحفونهم " أَي يطوقونهم بأجنحتهم وَمِنْه { وَترى الْمَلَائِكَة حافين} وَمِنْه { وحففناهما بِنَخْل} وَالْبَاء للتعدية وَقيل للاستعانة قَوْله " إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا " قَوْله " فيسألهم رَبهم " أَي فَيسْأَل الْمَلَائِكَة رَبهم وَهُوَ أعلم أَي وَالْحَال أَنه أعلم مِنْهُم أَي من الْمَلَائِكَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " وَهُوَ أعلم بهم " وَوجه هَذَا السُّؤَال الْإِظْهَار للْمَلَائكَة أَن فِي بني آدم المسبحين والمقدسين وَأَنه اسْتِدْرَاك لما سبق مِنْهُم من قَوْلهم { أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} وَفِي رِوَايَة مُسلم " من أَيْن جئْتُمْ فيقولن جِئْنَا من عِنْد عباد لَك فِي الأَرْض " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " أَي شَيْء تركْتُم عبَادي يصنعون قَالَ فَيَقُول " هَكَذَا رِوَايَة أبي ذَر فَيَقُول بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة غَيره يَقُول أَي يَقُول الله قَوْله " فَمَا يسْأَلُون " ويروى " فَمَا يسألونني " قَوْله " يَسْأَلُونَك الْجنَّة " وَفِي رِوَايَة مُسلم " يسْأَلُون جنتك " قَوْله " وَهل رأوها " أَي الْجنَّة وَفِي رِوَايَة مُسلم " وَهل رَأَوْا جنتي " قَوْله " فمم يتعوذون " وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فَمن أَي شَيْء يتعوذون قَوْله من النَّار وَفِي رِوَايَة مُسلم من نارك قَوْله فيهم فلَان لَيْسَ مِنْهُم إِنَّمَا جَاءَ لحَاجَة وَفِي مُسلم يَقُولُونَ رب فيهم فلَان عبد خطاء إِنَّمَا مر فَجَلَسَ مَعَهم وَزَاد قَالَ فَيَقُول وَله قد غفرت قَوْله هم الجلساء جمع جليس وَفِي رِوَايَة مُسلم هم الْقَوْم لَا يشقى بهم جليسهم وَفِيه أَن الصُّحْبَة لَهَا تَأْثِير عَظِيم وَإِن جلساء السُّعَدَاء سعداء والتحريض على صُحْبَة أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح
( رَوَاهُ شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَلم يرفعهُ) يَعْنِي روى الحَدِيث الْمَذْكُور شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور وَلم يرفعهُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَوَصله أَحْمد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة قَالَ بِنَحْوِهِ وَلم يرفعهُ حَاصله أَنه مَوْقُوف -