فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الموعظة ساعة بعد ساعة

( بابُُ المَوْعِظَةِ ساعَةً بَعْدَ ساعَةٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن الموعظة يَنْبَغِي أَن تكون سَاعَة بعد سَاعَة لِأَن الِاسْتِمْرَار عَلَيْهَا يُورث الْملَل وَهُوَ معنى قَوْله: كَانَ يَتَخَوَّلنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّام كَرَاهِيَة السَّآمَة علينا، وَالْمَوْعِظَة اسْم من لوعظ وَهُوَ النصح والتذكير بالعواقب، تَقول وعظته وعظاً وعظةً فاتعظ، أَي: قبل الموعظة.
فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الْبابُُ فِي الدَّعْوَات؟ .

قلت: لِأَن المواعظ يخالطها غَالِبا التَّذْكِير بِاللَّه وَالذكر من جملَة الدُّعَاء كَمَا سبق فِيمَا مضى.



[ قــ :6074 ... غــ :6411 ]
- حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا أبي حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني شَقيقٌ قَالَ: كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَ الله إذْ جاءَ يَزِيدُ بنُ مُعاوِيَةَ فَقُلْنا: أَلا تَجْلِسُ؟ قَالَ: لَا! ولاكِنْ أدْخُلُ فأخْرِجُ إلَيْكُمْ صاحِبَكُمْ وَإِلَّا جِئْتُ أَنا فَجَلَسْتُ، فَخَرَجَ عَبْدُ الله وهْوَ آخِذٌ بِيَدِهِ، فقامَ عَليْنا فَقَالَ: أما إنِّي أخْبرُ بِمَكانِكُمْ ولاكنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ كَراهِيَةَ السَّآمَةِ عَليْنا.

طابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( كَانَ يَتَخَوَّلنَا)
إِلَى آخِره.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتخولهم بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعلم كَيْلا ينفروا، وَمضى أَيْضا فِي الْبابُُ الَّذِي يَلِيهِ.

قَوْله: ( كُنَّا نَنْتَظِر عبد الله) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة مُسلم: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد بابُُ عبد الله ننتظره فَمر بِنَا يزِيد بن مُعَاوِيَة.
قَوْله: ( إِذْ جَاءَ) كلمة: إِذْ للمفاجأة.
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن مُعَاوِيَة النَّخعِيّ الْكُوفِي التَّابِعِيّ الثِّقَة العابد.
قتل غازياً بِفَارِس كَانَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ذكر إِلَّا فِي هَذَا الْموضع.
قَوْله: ( أَلا تجْلِس؟) كلمة: أَلا، للعرض والتنبيه وَالْخطاب ليزِيد.
قَوْله: ( أَدخل) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع أَي: أَدخل دَار عبد الله.
قَوْله: ( فَأخْرج) بِضَم الْهمزَة من الْإِخْرَاج.
قَوْله: ( صَاحبكُم) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود.
قَوْله: ( وإلاَّ) ، أَي: وَإِن لم أخرجه جِئْت فَجَلَست عنْدكُمْ.
قَوْله: ( وَهُوَ آخذ) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( أما إِنِّي) كلمة: أما، بِالتَّخْفِيفِ، وَإِنِّي، بِكَسْر الْهمزَة.
قَوْله: ( أخبر) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( بمكانكم) أَي: بكونكم، هَذَا جَوَاب ابْن مَسْعُود لَهُم فِي قَوْلهم: وَدِدْنَا أَنَّك لَو ذكرتنا كل يَوْم وَكَانَ يذكرهم كل خَمِيس.
قَوْله: ( يَتَخَوَّلنَا) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: يتعهدنا وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: يتخوننا بالنُّون بِمَعْنى يتعهدنا.
قَوْله: ( كَرَاهِيَة السَّآمَة) أَي: لأجل كَرَاهَة الملالة، وَكَانَ ذَلِك رفقا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه، فَيجب أَن يقْتَدى بِهِ لِأَن التّكْرَار يسْقط النشاط، ويمل الْقلب وينفره.