فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا عيش إلا عيش الآخرة

( كتاب الرَّقاق)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الرقَاق، وَهُوَ جمع رَقِيق من الرقة، قَالَ ابْن سَيّده: الرقة الرَّحْمَة، ورققت لَهُ أرق، ورق وَجهه اسْتَحى، وَيُقَال: الرقة ضد الغلظة، يُقَال: رق يرق رقا فَهُوَ رَقِيق ورقاق، وَفِي ( التَّوْضِيح) : كتاب الرقَاق، كَذَا فِي الْأُصُول،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : عبر جمَاعَة من الْعلمَاء فِي كتبهمْ الرَّقَائِق، وَكَذَا، فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من رِوَايَة النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ، وَهُوَ جمع رَقِيقه وَالْمعْنَى وَاحِد، وَفِي بعض النّسخ: مَا جَاءَ فِي الرقَاق، وَسميت أَحَادِيث الْبَاب بذلك لِأَن فِي كل مِنْهَا مَا يحدث فِي الْقلب رقّه.


( بابُُ مَا جاءَ فِي الصِّحَّةِ والفَراغِ وأنْ: لَا عَيشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ.
.
الخ، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ، وَفِي رِوَايَته عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني سقط لفظ: الصِّحَّة والفراغ، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن الْكشميهني: مَا جَاءَ فِي الرقَاق، وَأَن لَا عَيْش إلاَّ عَيْش الْآخِرَة.
وَفِي ( شرح ابْن بطال) : بابُُ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة، كَرِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَذْكُورَة فِي حديثين من أَحَادِيث الْبابُُ على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :6075 ... غــ :6412 ]
- حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ هُوَ ابنُ أبي هِنْدٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( نِعْمَتَان مَغْبُونٌ فِيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاس: الصِّحَّةُ والفَرَاغُ) .


مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والمكي كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْألف وَاللَّام وَهُوَ اسْم بِلَفْظ النِّسْبَة وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ الْكِبَار، وَقد روى أَحْمد هَذَا الحَدِيث عَنهُ بِعَيْنِه، وَعبد الله بن سعيد من صغَار التَّابِعين لِأَنَّهُ لَقِي بعض صغَار الصَّحَابَة وَهُوَ أَبُو أُمَامَة بن سهل وَهُوَ يروي عَن أَبِيه سعيد بن أبي هِنْد الْفَزارِيّ مولى سَمُرَة بن جُنْدُب، وأوضح هَذَا يحيى الْقطَّان فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: عَن عبد الله بن سعيد حَدثنِي أبي أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ.
وَالضَّمِير فِي قَوْله: ( هُوَ ابْن أبي هِنْد) يرجع إِلَى سعيد لَا لعبد الله وَهُوَ من تَفْسِير البُخَارِيّ.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن صَالح بن عبد الله وسُويد بن نصر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ غير وَاحِد عَن عبد الله بن سعيد ورفعوه.
وَوَقفه بَعضهم.

قَوْله: ( نعمتان) تَثْنِيَة نعْمَة وَهِي الْحَالة الْحَسَنَة وَبِنَاء النِّعْمَة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الْإِنْسَان كالجلسة،.

     وَقَالَ  الإِمَام فَخر الدّين: النِّعْمَة عبارَة عَن الْمَنْفَعَة المفعولة على جِهَة الْإِحْسَان إِلَى الْغَيْر.
قَوْله: ( مغبون) إِمَّا مُشْتَقّ من الْغبن بِسُكُون الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي البيع، وَإِمَّا من الْغبن بِفَتْح الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي الرَّأْي، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَانِ الْأَمْرَانِ إِذا لم يستعملا فِيمَا يَنْبَغِي فقد غبن صَاحبهمَا فيهمَا، أَي: باعهما ببخس لَا تحمد عاقبته، أَو: لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِك رَأْي أَلْبَتَّة فَإِن الْإِنْسَان إِذْ لم يعْمل الطَّاعَة فِي زمن صِحَّته فَفِي زمن الْمَرَض بِالطَّرِيقِ الأولى، وعَلى ذَلِك حكم الْفَرَاغ أَيْضا فَيبقى بِلَا عمل خاسراً مغبوناً، هَذَا وَقد يكون الْإِنْسَان صَحِيحا وَلَا يكون متفرغاً لِلْعِبَادَةِ لاشتغاله بِأَسْبابُُ المعاش وَبِالْعَكْسِ فَإِذا اجْتمعَا فِي العَبْد وَقصر فِي نيل الْفَضَائِل فَذَلِك هُوَ الْغبن لَهُ كل الْغبن، وَكَيف لَا وَالدُّنْيَا هِيَ سوق الأرباح وتجارات الْآخِرَة؟ قَوْله: ( كثير) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله: ( مغبون) مقدما وَالْجُمْلَة خبر قَوْله: ( نعمتان) قَوْله: ( الصِّحَّة) أَي إِحْدَى النعمتين: الصِّحَّة فِي الْأَبدَان.
قَوْله: ( والفراغ) أَي: الْأُخْرَى مِنْهُمَا الْفَرَاغ، وَهُوَ عدم مَا يشْغلهُ من الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة.

قَالَ عَباسٌ العَنْبَرِيُّ: حَدثنَا صَفْوَانُ بنُ عِيسَى عنْ عبْدِ الله بنِ سَعِيدِ بنِ أبي هِنْدٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... مِثْلَهُ.

هَذَا تَعْلِيق أوردهُ البُخَارِيّ عَن عَبَّاس بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن صَفْوَان بن عِيسَى الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن سعيد الْمَذْكُور فِي السَّنَد السَّابِق عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عَبَّاس الْعَنْبَري الْمَذْكُور.





[ قــ :6077 ... غــ :6414 ]
- حدّثني أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ حَدثنَا الفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حَدثنَا أبُو حازِمِ حَدثنَا سَهْلُ بنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخَنْدَقِ، وهْوَ يَحْفِر ونَحْن نَنْقُلُ التُّرَابَ، ويَمُرُّ بِنا فَقَالَ اللَّهُمَّ:
( لاَ عَيْشَ إلاّ عِيْشُ الآخِرَهْ ... فاغْفِرْ لِلأنْصارِ والمُهاجِرَهْ)

( انْظُر الحَدِيث 7973 وطرفه) .


مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأحمد بن الْمِقْدَام بِكَسْر الْمِيم الْعجلِيّ والفضيل بن سُلَيْمَان النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم مصغر النمر، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي سَلمَة بن دِينَار.

والْحَدِيث مضى فِي فضل الْأَنْصَار.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ.

قَوْله: ( وَهُوَ يحْفر) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْفر الخَنْدَق.
فَإِن قلت: تقدم فِي فضل الْأَنْصَار: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهم يحفرون؟ .

قلت: الْجمع بَينهمَا بِأَن يُقَال: كَانَ مِنْهُم من يحْفر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمِنْهُم من كَانَ ينْقل التُّرَاب.

تابَعَهُ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ
قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) : هَذَا يحْتَاج إِلَى نظر،.

     وَقَالَ  غَيره: هَذَا لَيْسَ بموجود فِي نسخ البُخَارِيّ فَيَنْبَغِي إِسْقَاطه.