فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها

( بابُُُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيا والتَّنافُسِ فِيها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يحذر على صِيغَة الْمَجْهُول من الحذر وَفِي بعض النّسخ: مَا يحذر، بِالتَّشْدِيدِ من التحذير.
قَوْله: من زهرَة الدُّنْيَا، أَي بهجتها ونضارتها وحسنها.
قَوْله: والتنافس فِيهَا، وَهُوَ من النفاسة وَهِي الرَّغْبَة فِي الشَّيْء ومحبة الِانْفِرَاد بِهِ والمغالبة عَلَيْهِ، وَأَصلهَا من الشَّيْء النفيس فِي نَوعه، يُقَال: نافست فِي الشَّيْء مُنَافَسَة ونفاسة ونفاساً، وَنَفس الشَّيْء بِالضَّمِّ نفاسة: صَار مرغوباً فِيهِ، ونفست بِهِ بِالْكَسْرِ بخلت بِهِ، ونفست عَلَيْهِ لم أره أَهلا لذَلِك.

[ قــ :6087 ... غــ :6425 ]
- حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حَدثنِي إسْمَاعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ بنِ عُقْبَةَ عنْ مُوساى ابنِ عُقْبَةَ قَالَ ابنُ شِهابٍ: حدّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبيرِ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبرَهُ أنَّ عَمْرَو بنَ عَوْفٍ وهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ.
كَانَ شَهِدَ بَدْراً مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَه أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِها، وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ صَالَحَ أهْلَ البَحْرَيْنِ وأمَّرَ عَليْهِمُ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أبُو عُبَيْدَةَ بمالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأنْصارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلاة الصُّبْحِ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لهُ فَتَبَسَّمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ رآهُمْ،.

     وَقَالَ : ( أظُنُكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدومِ أبي عُبَيْدَةَ وأنّهُ جاءَ بِشَيْءٍ؟) قَالُوا: أجلْ يَا رَسُول الله! قَالَ: ( فأبْشِرُوا وأمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ ولاكِنْ أخْشَى عَلَيْكُمْ أَن تُبْسَطَ عَليْكِمُ الدُّنْيا كَمَا بُسِطَتْ على مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فَتنافَسُوها كَمَا تَنافَسُوها وتُلْهِيَكُمْ كَمَا ألْهَتْهُمْ) .
طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فتنافسوها)
إِلَى آخِره.
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي أويس وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة ابْن أبي عَيَّاش يروي عَن عَمه مُوسَى بن أبي عَيَّاش الْأَسدي مولى الزبير بن الْعَوام، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والمسور بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم، وَعَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ.

وَفِي هَذَا السَّنَد: إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وهم: مُوسَى وَابْن شهَاب وَعُرْوَة بن الزبير وَفِيه: صحابيان وهما: الْمسور وَعَمْرو بن عَوْف وَكلهمْ مدنيون.

والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ الْجِزْيَة وَالْمُوَادَعَة مَعَ أهل الذِّمَّة وَالْحَرب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن الْمسور بن مخرمَة عَن عَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ.
.
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصًى هُنَاكَ.

قَوْله: ( إِلَى الْبَحْرين) سقط لفظ: إِلَى الْبَحْرين، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين.
وَثَبت فِي رِوَايَة الْكشميهني.
قَوْله: ( فَقدم أَبُو عُبَيْدَة بِمَال) كَانَ قدوم أبي عُبَيْدَة سنة عشر، قدم بِمِائَة ألف وَثَمَانِينَ ألف دِرْهَم كَذَا فِي ( جَامع الْمُخْتَصر) .

     وَقَالَ  قَتَادَة: كَانَ المَال ثَمَانِينَ ألفا،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: قدم بِهِ لَيْلًا،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: هُوَ أَكثر مَال قُدم بِهِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: وصب على حَصِير وفرقه وَمَا أحرم مِنْهُ سَائِلًا، وَكَانَ أهل الْبَحْرين مجوساً.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس.
وَفِيه خلاف بَين الْفُقَهَاء.
قَوْله: ( فوافته) ويروى: فوافت، بِدُونِ الضَّمِير وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا.
فَوَافَقت من الْمُوَافقَة، ووافت من الموافاة، وَهُوَ الْإِتْيَان.
قَوْله: ( فابشروا) بِهَمْزَة الْقطع.
قَوْله: ( وأملوا) من التأميل من الأمل وَهُوَ الرَّجَاء.
قَوْله: ( مَا يسركم) فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول: أملوا قَوْله: ( مَا الْفقر) مَنْصُوب بِتَقْدِير: مَا أخْشَى الْفقر، وَحذف لِأَن أخْشَى عَلَيْكُم مُفَسّر لَهُ،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: فَائِدَة تَقْدِيم الْمَفْعُول هُنَا الاهتمام بشأن الْفقر، قيل: يجوز رفع الْفقر بِتَقْدِير ضمير أَي: مَا الْفقر أخشاه عَلَيْكُم، وَقيل: هَذَا مَخْصُوص بالشعر، وَمضى تَفْسِير التنافس عَن قريب، قَوْله: ( وتلهيكم) أَي: تشغلكم عَن الْآخِرَة.





[ قــ :6088 ... غــ :646 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عَن يَزِيدَ بنِ أبِي حَبِيبٍ عنْ أبي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ ابنِ عامرٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْماً فَصَلَّى عَلى أهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ على المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: ( إنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وإنِّي وَالله لأنظرُ إِلَى حَوْضِي الْآن، وإنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفاتِيح خَزَائنِ الأرْضِ أوْ: مَفاتِيحَ الأرْضِ وإنِّي وَالله مَا أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، ولَكِنِّي أخافُ أنْ تَنَافَسُوا فِيها) .

طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَخَاف أَن تنافسوا فِيهَا) .
قَوْله: اللَّيْث هُوَ ابْن سعد، ويروى: لَيْث، بِدُونِ الْألف وَاللَّام، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب واسْمه سُوَيْد، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الله.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ الصَّلَاة على الشَّهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب إِلَى آخِره.

قَوْله: ( فصلى) أَي: دَعَا لَهُم بِدُعَاء صَلَاة الْمَيِّت وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل لما تقدم فِي الْجَنَائِز أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دفن شُهَدَاء أحد قبل أَن يُصَلِّي عَلَيْهِم.
قَوْله: ( فَرَطكُمْ) الفرط بِفتْحَتَيْنِ الْمُتَقَدّم فِي طلب المَاء.
أَي سابقكم إِلَيْهِ كالمهيء لَهُ.
قَوْله: ( أَو مَفَاتِيح الأَرْض) شكّ من الرَّاوِي.

وَفِيه: إِثْبَات الْحَوْض المورود وَأَنه مَخْلُوق الْيَوْم.
وَفِيه: إِخْبَار بِالْغَيْبِ معْجزَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.





[ قــ :6089 ... غــ :647 ]
- حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَن: زَيْدِ بنِ أسْلَم عنْ عَطاءِ بنِ يسَار عنْ أبي سَعيدٍ الخدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إنَّ أكْثَرَ مَا أخافُ عَليْكُمْ مَا يُخْرِجُ الله لَكُمْ مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ) .
قيل: وَمَا بَرَكاتُ الأرْضِ؟ قَالَ: ( زَهْرَةُ الدُّنْيا) فَقَالَ لهُ رجُلٌ: هَلْ يأتِي الخَيْرُ بالشَّرِّ؟ فَصَمتَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَنَنَّا أنَّهُ يُنْزَلُ علَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عنْ جَبِينِه، فَقَالَ: ( أيْنَ السَّائِلُ؟) قَالَ: أَنا.
قَالَ: أبُو سَعِيد: لَقَدْ حَمدْناهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ، قَالَ: ( لَا يأتِي الخَيْرُ ... إِلَّا بالخَيْرِ، إنَّ هاذَا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وإنَّ كلَّ مَا أنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حبَطاً أوْ يُلِمُّ إلاّ آكِلَةَ الخَضرةِ أكلتْ حتَّى إذَا امْتَدَّتْ خاصِرَتاها اسْتَقْبَلتِ الشَّمْسَ فاجْتَرَّتْ وثَلَطَت وبالَتْ ثُمَّ عادَتْ فأكَلَتْ، وإنَّ هاذَا المالَ حُلْوَةٌ مَنْ أخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعح المَعُونَةُ هُوَ، ومَنْ أخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كانَ كالّذِي يأكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( زهرَة الدُّنْيَا) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك بن سِنَان ونسبته إِلَى خدر بطن من الْأَنْصَار.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بابُُ الصَّدَقَة على الْيَتَامَى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن معَاذ بن فضَالة عَن هِشَام عَن يحيى عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونَة عَن عَطاء بن يسَار أَنه سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ إِلَى آخِره.

قَوْله: ( إِن أَكثر مَا أَخَاف عَلَيْكُم) وَفِي رِوَايَة الزَّكَاة: ( إِن مِمَّا أَخَاف عَلَيْكُم من بعدِي مَا يفتح عَلَيْكُم) وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: ( إِنِّي مِمَّا أَخَاف) .
قَوْله: ( مَا يخرج) بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج وَهُوَ خبر، إِن قيل: هَذَا لَا يصلح أَن يكون خَبرا للأكثره.
وَأجِيب: بِأَن فِيهِ إضماراً تَقْدِيره: مَا أَخَاف بِسَبَبِهِ عَلَيْكُم أَو مِمَّا يخرج.
قَوْله: ( زهرَة الدُّنْيَا) وَفِي كتاب الزَّكَاة زَاد هِلَال: وَزينتهَا، وَهُوَ عطف تفسيري والزهرة بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء، وَقد قرىء فِي الشاذ عَن الْحسن وَغَيره بِفَتْح الْهَاء، فَقيل: هما بِمَعْنى وَاحِد.
وَقيل: بِالتَّحْرِيكِ جمع زَاهِر كفاجر وفجرة وَالْمرَاد بالزهرة الزِّينَة والبهجة مَأْخُوذ من زهرَة الشَّجَرَة وَهُوَ نورها بِفَتْح النُّون، وَالْمرَاد مَا فِيهَا من أَنْوَاع الْمَتَاع وَالْعين وَالثيَاب والزروع وَغَيرهَا مِمَّا يغتر النَّاس بحسنه مَعَ قلَّة الْبَقَاء.
قَوْله: ( فَقَالَ رجل) لم يدر اسْمه.
قَوْله: ( هَل يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ؟) أَي: هَل تصير النِّعْمَة عُقُوبَة؟ قَوْله: ( حَتَّى ظننا) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَتَّى ظَنَنْت أَنه أَي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينزل عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَجْهُول أَي: الْوَحْي.
قَوْله: ( ثمَّ جعل يمسح عَن جَبينه) أَي: الْعرق، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ.
قَوْله: ( لقد حمدناه حِين طلع ذَلِك) أَي: حمدنا الرجل حِين ظهر، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره كَذَلِك،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: تقدم فِي الزَّكَاة أَنهم ذموه، وَقَالُوا لَهُ: لم تكلم النَّبِي وَلَا يكلمك؟ وَأجَاب بِأَنَّهُم ذموه أَو لَا حَيْثُ رَأَوْا سُكُوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحمدوه آخرا حَيْثُ صَار سُؤَاله سَببا لاستفادتهم مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( لَا يَأْتِي الْخَيْر إلاَّ بِالْخَيرِ) زَاد فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ: تكْرَار ذَلِك ثَلَاث مَرَّات.
قَوْله: ( خضرَة) التَّاء فِيهِ إِمَّا للْمُبَالَغَة نَحْو: رجل عَلامَة، أَو هُوَ صفة الْمَوْصُوف مَحْذُوف نَحْو: بقلة خضرَة، أَو بِاعْتِبَار أَنْوَاع المَال.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: هَذَا لَيْسَ بِصفة لِلْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ للتشبيه كَأَنَّهُ قَالَ: المَال كالبقلة الخضرة الحلوة.
قَوْله: ( الرّبيع) أَي: الْجَدْوَل وَهُوَ النَّهر الصَّغِير وَجمع الرّبيع الْأَرْبَعَاء، وَإسْنَاد الإنبات إِلَى الرّبيع مجَاز، والمنبت هُوَ الله عز وَجل فِي الْحَقِيقَة.
قَوْله: ( حَبطًا) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة وَهُوَ: انتفاخ الْبَطن من كَثْرَة الْأكل، يُقَال: حبطت الدَّابَّة تحبط حَبطًا إِذا أَصَابَت مرعى طيبا فأمعنت فِي الْأكل حَتَّى تنتفخ فتموت، وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من التخبط وَهُوَ الِاضْطِرَاب.
قَوْله: ( أويلم) بِضَم أَوله أَي: يقرب أَن يقتل.
قَوْله: ( إلاّ آكِلَة الخضرة) كلمة: إلاّ بِالتَّشْدِيدِ للاستثناء، ويروى بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام للاستفتاح.
وآكلة، بِالْمدِّ وَكسر الْكَاف، والخضرة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم الْخَاء وَسُكُون الضَّاد وبتاء التَّأْنِيث، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: الخضراء بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه وبالمد، ولغيرهم بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه جمع خضرَة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الخضرة بِفَتْح الْخَاء البقلة الخضراء أَو ضرب من الْكلأ، وَقيل: مَا بَين الشّجر والبقل.
قَوْله: ( خاصرتاها) تَثْنِيَة خاصرة وهما جانبا الْبَطن من الْحَيَوَان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني خَاصرتهَا، بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: ( فاجترت) بِالْجِيم من الاجترار وَهُوَ أَن يجر الْبَعِير من الكرش مَا أكله إِلَى فَمه فيمضغه مرّة ثَانِيَة، وكل لقْمَة مِنْهُ تسمى: جرة، وَيصير كل وَاحِدَة بَعرَة.
قَوْله: ( وثلطت) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام والطاء الْمُهْملَة وضبطها ابْن التِّين بِكَسْر اللَّام، أَي: أَلْقَت مَا فِي بَطنهَا رَقِيقا، وَالْغَرَض من هَذَا أَن جمع المَال غير محرم لَكِن الاستكثار مِنْهُ ضار بل يكون سَببا للهلاك.
قَوْله: ( فَنعم المعونة هُوَ) أَي: المَال يَعْنِي: حَيْثُ كَانَ دخله وخرجه بِالْحَقِّ فَنعم العون للرجل فِي الدَّاريْنِ.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمغرب) : المعونة العون.

قلت: أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه مصدر ميمي.

وَفِيه: مثل لِلْمُؤمنِ أَن لَا يَأْخُذ من الدُّنْيَا، إلاَّ قدر حَاجته وَلَا تغره زهرتها فتهلكه.





[ قــ :6091 ... غــ :649 ]
- حدّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عَن الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبقَ شَهادَتُهُمْ أيْمانَهُمْ وأيْمَانُهُمْ شَهادَتُهُمْ.

طابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلم تنقصهم الدُّنْيَا)
إِلَى آخِره يستخرجها من أمعن النّظر فِيهِ.

وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه الْبَلْخِي يُقَال لَهُ: خت، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وخبابُ هُوَ ابْن الْأَرَت.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب المرضى فِي: بابُُ تمني الْمَرِيض الْمَوْت، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن إِسْمَاعِيل الخ.

قَوْله: (وَلم تنقصهم الدُّنْيَا) أَي: لم تدخل الدُّنْيَا فيهم نقصا بِوَجْه من الْوُجُوه، أَي: لم يشتغلوا بِجمع المَال بِحَيْثُ يلْزم فِي كمالهم نُقْصَان.
قَوْله: (إلاّ التُّرَاب) أَرَادَ بِهِ بِنَاء الْحِيطَان، بِقَرِينَة قَوْله فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ: وَهُوَ يَبْنِي حَائِطا، ول وَلَا ذَلِك لَكَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لإِرَادَة الْكَنْز وَدفن الذَّهَب فِي الأَرْض،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: يَعْنِي لَا يكَاد ينجو من فتْنَة المَال إلاَّ من مَاتَ وَصَارَ إِلَى التُّرَاب.





[ قــ :6093 ... غــ :6431 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا يحيى عَن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي قيس قَالَ أتيت خبابُا وَهُوَ يَبْنِي حَائِطا لَهُ فَقَالَ إِن أَصْحَابنَا الَّذين مضوا لم تنقصهم الدُّنْيَا شَيْئا وَإِنَّا أصبْنَا من بعدهمْ شَيْئا لَا نجد لَهُ موضعا إِلَّا التُّرَاب) هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق عَن مُحَمَّد بن الْمثنى ضد الْمُفْرد عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد إِلَى آخِره قَوْله شَيْئا ويروى بِشَيْء



[ قــ :6094 ... غــ :643 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن خبابُ رَضِي الله عَنهُ قَالَ هاجرنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قصه) مُحَمَّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة قَوْله قصه كَذَا لأبي ذَر أَي قصّ الحَدِيث رَاوِيه وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا أخرجه بِتَمَامِهِ فِي أول الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة عَن مُحَمَّد بن كثير بالسند الْمَذْكُور هَهُنَا