فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يتقى من فتنة المال

( بابُُ مَا يتقى من فتْنَة المَال)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يتقى على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " من فتْنَة المَال " أَي الِانْتِهَاء بِهِ وَمعنى الْفِتْنَة فِي كَلَام الْعَرَب الاختبار والابتلاء والفتنة الإمالة عَن الْقَصْد وَمِنْه قَوْله تَعَالَى { وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} أَي ليميلونك والفتنة أَيْضا الاحتراق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى { يَوْم هم على النَّار يفتنون} أَي يحرقون قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي والامتلاء والاختبار يجمع ذَلِك كُله
( وَقَول الله تَعَالَى { أَنما أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} ) وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله من فتْنَة المَال وَقد أخبر الله تَعَالَى عَن الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد أَنَّهَا فتْنَة لِأَنَّهَا تشغل النَّاس عَن الطَّاعَة قَالَ الله تَعَالَى { أَلْهَاكُم التكاثر} أَي شغلكم التكاثر وَخرج لفظ الْخطاب بذلك على الْعُمُوم لِأَن الله تَعَالَى فطر الْعباد على حب المَال وَالْأَوْلَاد وَقد روى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وصححوه من حَدِيث كَعْب بن عِيَاض سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول إِن لكل أمة فتْنَة وفتنة أمتِي المَال

[ قــ :6097 ... غــ :6435 ]
- ( حَدثنِي يحيى بن يُوسُف أخبرنَا أَبُو بكر عَن أبي حُصَيْن عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تعس عبد الدِّينَار وَالدِّرْهَم والقطيفة والخيمصة إِن أعطي رَضِي وَإِن لم يُعْط لم يرض) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَيحيى بن يُوسُف الزمي بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم نِسْبَة إِلَى بَلْدَة يُقَال لَهَا زم وَيُقَال لَهُ ابْن أبي كَرِيمَة فَقيل هُوَ كنية أَبِيه وَقيل هُوَ جده واسْمه كنيته أخرج عَنهُ البُخَارِيّ بِغَيْر وَاسِطَة فِي الصَّحِيح وبواسطة خَارج الصَّحِيح وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة القارىء الْمُحدث وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ عُثْمَان بن عَاصِم وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن يحيى أَيْضا متْنا وإسنادا فِي بابُُ الحراسة فِي الْغَزْو وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن الْحسن بن حَمَّاد عَن يحيى بِهِ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ وَافق أَبَا بكر على رَفعه شريك القَاضِي وَقيس بن الرّبيع عَن أبي حُصَيْن وَخَالفهُم إِسْرَائِيل فَرَوَاهُ عَن أبي حُصَيْن مَوْقُوفا قَوْله تعس بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَفتحهَا أَي سقط وَالْمرَاد هُنَا هلك.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي التعس الشَّرّ قَالَ تَعَالَى { فتعسا لَهُم} أَرَادَ ألزمهم الشَّرّ وَقيل التعس الْبعد أَي بعدا لَهُم وَقيل قَوْلهم تعسا لَهُ نقيض قَوْلهم لعا لَهُ فتعسا دُعَاء عَلَيْهِ بالعثرة ولعا دُعَاء لَهُ بالانتعاش قَوْله عبد الدِّينَار أَي طَالبه وخادمه والحريص على جمعه والقائم على حفظه فَكَأَنَّهُ لذَلِك عَبده.

     وَقَالَ  شيخ شَيخنَا الطَّيِّبِيّ خص العَبْد بِالذكر ليؤذن بانغماسه فِي محبَّة الدُّنْيَا وشهواتها كالأسير الَّذِي لَا يجد خلاصا وَلم يقل مَالك الدِّينَار وَلَا جَامع الدِّينَار لِأَن المذموم من الْملك وَالْجمع الزِّيَادَة على قدر الْحَاجة قَوْله والقطيفة الدثار المخمل وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي لَهُ خمل والخميصة الكساء الْأسود المربع قَوْله إِن أعطي على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَا وَإِن لم يُعْط قَالَ الله تَعَالَى { فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون}



[ قــ :6098 ... غــ :6436 ]
- ( حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من مَال لابتغى ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَشَارَ بِهَذَا الْمثل إِلَى ذمّ الْحِرْص على الدُّنْيَا والشره والازدياد وَهَذِه آفَة يجب الاتقاء مِنْهَا وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل الْبَصْرِيّ وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح يروي بِالسَّمَاعِ عَن ابْن عَبَّاس يَقُول سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي صرح فِيهَا ابْن عَبَّاس بِسَمَاعِهِ من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مرويه عَنهُ فَإِنَّهُ أحد المكثرين وَمَعَ ذَلِك فتحمله كَانَ أَكْثَره عَن كبار الصَّحَابَة والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَهَارُون بن عبد الله قَوْله لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان وَفِي الحَدِيث يَلِيهِ لَو كَانَ لِابْنِ آدم مثل وَاد مَالا وَفِي الحَدِيث الآخر لَو أَن ابْن آدم أعطي وَاديا وَفِي الآخر لَو أَن لِابْنِ آدم واديان قَوْله من مَال وَفِي الحَدِيث الثَّالِث مَلأ من ذهب وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَاديا من ذهب وَعند أَحْمد فِي حَدِيث زيد بن أَرقم " من ذهب وَفِضة " قَوْله " لابتغى " بالغين الْمُعْجَمَة من الابتغاء وَهُوَ الطّلب وَفِي الحَدِيث الثَّانِي " لأحب أَن لَهُ إِلَيْهِ مثله " وَفِي حَدِيث أنس " لتمنى مثله ثمَّ تمنى مثله حَتَّى يتَمَنَّى أَوديَة " وَفِي الحَدِيث الثَّالِث " أحب إِلَيْهِ ثَانِيًا " وَفِي الرَّابِع أحب إِلَيْهِ أَن يكون لَهُ وَاديا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي فِي قَوْله لابتغى لَهما ثَالِثا فَزَاد لَفْظَة لَهما فِي شَرحه ثمَّ قَالَ فَإِن قلت الابتغاء لَا يسْتَعْمل بِاللَّامِ قلت هَذَا مُتَعَلق بقوله ثَالِثا أَي ثَالِثا لَهما أَي مثلثهما انْتهى قَوْله وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم وَفِي الحَدِيث الثَّانِي " وَلَا يمْلَأ عين ابْن آدم " وَفِي الثَّالِث " وَلَا يسد جَوف ابْن آدم " وَفِي الرَّابِع " وَلنْ يمْلَأ فَاه " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن جريج لَا يمْلَأ نفس ابْن آدم وَفِي مُرْسل جُبَير بن يُغير وَلَا يشْبع جَوف ابْن آدم بِضَم الْيَاء من الإشباع وَفِي حَدِيث زيد بن أَرقم " وَلَا يمْلَأ بطن ابْن آدم ".

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي مَا وَجه ذكره فِي الرِّوَايَة الأولى الْجوف وَفِي الثَّانِيَة الْعين وَفِي الثَّالِثَة الْفَم قلت لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهُ الْحَقِيقَة بِقَرِينَة عدم الانحصار على التُّرَاب إِذْ غَيره يملؤه أَيْضا بل هُوَ كِنَايَة عَن الْمَوْت لِأَنَّهُ مُسْتَلْزم للامتلاء فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يشْبع سنّ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوت فالغرض من الْعبارَات كلهَا وَاحِد لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التفنن فِي الْكَلَام.

     وَقَالَ  بَعضهم هَذَا يحسن فِيمَا إِذا اخْتلفت مخارج الحَدِيث وَأما إِذا اتّحدت فَهُوَ من تصرف الروَاة انْتهى قلت إحالته على كَلَام الشَّارِع أولى من إحالته إِلَى تصرف الروَاة مَعَ أَن فِيهِ تَغْيِير لفظ الشَّارِع فَإِن قلت نِسْبَة الامتلاء إِلَى الْجوف والبطن وَاضِحَة فَمَا وَجههَا إِلَى النَّفس والفم وَالْعين قلت أما النَّفس فَعبر بهَا عَن الذَّات وَأَرَادَ الْبَطن من قبيل إِطْلَاق الْكل وَإِرَادَة الْجُزْء وَأما الْفَم فلكونه الطَّرِيق إِلَى الْوُصُول إِلَى الْجوف وَأما الْعين فَلِأَنَّهَا الأَصْل فِي الطّلب لِأَنَّهُ يرى مَا يُعجبهُ فيطلبه ليحوزه إِلَيْهِ وَخص الْبَطن فِي أَكثر الرِّوَايَات لِأَن أَكثر مَا يطْلب المَال لتَحْصِيل المستلذات وأكثرها تكْرَار للْأَكْل وَالشرب.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ وَقع قَوْله وَلَا يمْلَأ إِلَى آخِره موقع التذييل والتقرير للْكَلَام السَّابِق كَأَنَّهُ قيل وَلَا يشْبع من خلق من التُّرَاب إِلَّا بِالتُّرَابِ قَوْله وَيَتُوب الله على من تَابَ أَي من الْمعْصِيَة وَرجع عَنْهَا يَعْنِي يوفقه للتَّوْبَة أَو يرجع عَلَيْهِ من التَّشْدِيد إِلَى التَّخْفِيف أَو يرجع عَلَيْهِ بقبوله



[ قــ :6099 ... غــ :6437 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد أخبرنَا مخلد أخبرنَا ابْن جريج قَالَ سَمِعت عَطاء يَقُول سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَو أَن لِابْنِ آدم مثل وَاد مَالا لأحب أَن لَهُ إِلَيْهِ مثله وَلَا يمْلَأ عين ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ: قَالَ ابْن عَبَّاس فَلَا أَدْرِي من الْقُرْآن هُوَ أم لَا قَالَ وَسمعت ابْن الزبير يَقُول ذَلِك على الْمِنْبَر) هَذَا طَرِيق آخر عَن مُحَمَّد هُوَ ابْن سَلام وَصرح بذلك فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي وَهُوَ يروي عَن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام ابْن يزِيد من الزِّيَادَة أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي الْجَزرِي مَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة قَوْله مثل وَاد ويروى ملْء وَاد قَوْله قَالَ ابْن عَبَّاس فَلَا أَدْرِي من الْقُرْآن هُوَ أم لَا يَعْنِي الحَدِيث الْمَذْكُور يَعْنِي من الْقُرْآن الْمَنْسُوخ تِلَاوَته قَوْله قَالَ وَسمعت ابْن الزبير أَي قَالَ عَطاء سَمِعت عبد الله بن الزبير وَهُوَ مُتَّصِل بالسند الْمَذْكُور قَوْله يَقُول ذَلِك إِشَارَة إِلَى الحَدِيث.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَعبد الله بن الزبير كَانَ يَقُول قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ذَلِك يَعْنِي لَو أَن لِابْنِ آدم إِلَى آخِره وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ قَول لَا أَدْرِي أَيْضا قَوْله على الْمِنْبَر أَي بِمَكَّة كَمَا يَأْتِي الْآن



[ قــ :6100 ... غــ :6438 ]
- ( حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن الغسيل عَن عَبَّاس بن سهل بن سعد قَالَ سَمِعت ابْن الزبير على الْمِنْبَر بِمَكَّة فِي خطبَته يَقُول يَا أَيهَا النَّاس إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول لَو أَن ابْن آدم أعطي وَاديا مَلأ من ذهب أحب إِلَيْهِ ثَانِيًا وَلَو أعطي ثَانِيًا أحب إِلَيْهِ ثَالِثا وَلَا يسد جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ) أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَعبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الغسيل أَي مغسول الْمَلَائِكَة حِين اسْتشْهد وَهُوَ جنب والغسيل هُوَ حَنْظَلَة بن أبي عَامر الأوسي وَعبد الله من صغَار الصَّحَابَة قتل يَوْم الْحرَّة وَكَانَ الْأَمِير على طَائِفَة الْأَنْصَار يَوْمئِذٍ وحَنْظَلَة اسْتشْهد بِأحد وَهُوَ من كبار الصَّحَابَة وَأَبوهُ أَبُو عَامر يعرف بِالرَّاهِبِ وَهُوَ الَّذِي بني مَسْجِد الضرار بِسَبَبِهِ وَنزل فِيهِ الْقُرْآن وَعبد الرَّحْمَن مَعْدُود من صغَار التَّابِعين وَهَذَا الْإِسْنَاد من أَعلَى مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ لِأَنَّهُ فِي حكم الثلاثيات وَإِن كَانَ رباعيا كَذَا قَالَه بَعضهم وَلكنه من الرباعيات حَقِيقَة وَقَوله فِي حكم الثلاثيات فِيهِ نظر وعباس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ وَسَهل من الصَّحَابَة الْمَشْهُورين والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله أعطي على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله مَلأ ويروى ملآن قَوْله ثَانِيًا أَي وَاديا ثَانِيًا -



[ قــ :6101 ... غــ :6439 ]
- حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا إبْرَاهيِمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَوْ أنَّ لابنِ آدَمَ وادِياً مِنْ ذَهَب أحَبَّ أنْ يَكُونَ لهُ وادِيان، ولَنْ يَمْلأُ فاهُ إلاّ التُّرَابُ ويَتُوبُ الله عَلى مَنْ تابَ) .

عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن عبد الله بن الحكم.

قَوْله: ( أحب) وَقع كَذَا بِغَيْر اللَّام.
قَوْله: ( وَلنْ يمْلَأ) ويروي: وَلَا يمْلَأ.





[ قــ :6101 ... غــ :6440 ]
- وَقَالَ لَنا أبُو الوَلِيدِ: حدّثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَة عنْ ثابِت عنْ أنَسٍ عَن أُبّيٍّ قَالَ: كُنَّا نُرَى هاذَا مِنَ القُرْآنِ حتَّى نَزَلَتْ { أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} ( التكاثر: 1) .

أَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، ذهب الْحَافِظ الْمزي إِن هَذَا تَعْلِيق، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم، قَالَ: هَذَا صَرِيح فِي الْوَصْل لقَوْله: ( وَقَالَ لنا) وَإِن كَانَ التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ أَشد اتِّصَالًا.
انْتهى.

قلت: الصَّوَاب مَا قَالَه الْمزي، لِأَن فِيهِ حَمَّاد بن سَلمَة وَهُوَ لم يعد فِيمَن، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا وَلَيْسَ هُوَ على شَرطه فِي الِاحْتِجَاج على أَن عِنْد الْبَعْض: قَالَ فلَان، أَو: قَالَ فلَان، للمذاكرة غَالِبا، وَرُبمَا يكون للإجازة أَو للمناولة.

قَوْله: ( عَن ثَابت) بِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَة فِي أَوله وَهُوَ ابْن أسلم الْبنانِيّ أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ.
قَوْله: ( عَن أبي) هُوَ أبي بن كَعْب الْأنْصَارِيّ.

وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

قَوْله: ( كُنَّا نرى) بِضَم النُّون أَي: كُنَّا نظن، وَيجوز فتحهَا من الرَّأْي، أَي: كُنَّا نعتقد.
قَوْله: ( هَذَا) لم يبين الْمشَار إِلَيْهِ، وَقد بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ حَيْثُ قَالَ فِي رِوَايَته: كُنَّا نرى هَذَا الحَدِيث من الْقُرْآن.
لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من مَال.
.
الحَدِيث.
حَتَّى نزلت: { أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} ( التكاثر: 1) وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل زَاد: إِلَى آخر السُّورَة.
قيل: مَا وَجه التَّخْصِيص بِسُورَة التكاثر وَهِي لَيست ناسخة لَهُ، إِذْ لَا مُعَارضَة بَينهمَا؟ وَأجِيب: بِأَن شَرط نسخ الحكم الْمُعَارضَة، وَأما نسخ اللَّفْظ فَلَا يشْتَرط فِيهِ ذَلِك، فمقصوده أَنه لما نزلت السُّورَة الَّتِي هِيَ بِمَعْنَاهُ أعلمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنسخ تِلَاوَته والاكتفاء بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.
وَأما مُوَافَقَته لِمَعْنى فَلِأَن بَعضهم فسر زِيَارَة الْمَقَابِر بِالْمَوْتِ يَعْنِي شغلكم التكاثر فِي الْأَمْوَال إِلَى أَن متم.
وَقيل: يحْتَمل أَن يُقَال: مَعْنَاهُ كُنَّا نظن أَنه قُرْآن حَتَّى نزلت السُّورَة الَّتِي بِمَعْنَاهُ، فحين المقايسة بَينهمَا عرفنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لَيْسَ قُرْآنًا.
فَلَا يكون من بابُُ النّسخ فِي شَيْء.
وَالله أعلم.
وَقيل: كَانَ قُرْآنًا وَنسخت تِلَاوَته.
وَلما نزلت: { آلهاكم التكاثر} واستمرت تلاوتها كَانَت ناسخة لتلاوة ذَلِك، وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ: كُنَّا نأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا نزل عَلَيْهِ فيحدثنا، فَقَالَ لنا ذَات يَوْم: أَن الله قَالَ: إِنَّمَا أنزلنَا المَال لإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة، وَلَو كَانَ لِابْنِ آدم وادٍ لأحب أَن يكون لَهُ ثانٍ.
.
الحَدِيث ظَاهره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِهِ عَن الله تَعَالَى بِأَنَّهُ من الْقُرْآن.
على أَنه يحْتَمل أَن يكون من الْأَحَادِيث القدسية، فعلى الْوَجْه الأول نسخت تِلَاوَته قطعا، وَإِن كَانَ حكمه مستمراً.