فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: المكثرون هم المقلون

(بابُُ المكْثِرُون هُم المْقِلُّونَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكرفيه: المكثرون هم المقلون كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: هم الأقلون، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: (المكثرون هم الأخسرون) وَمَعْنَاهُ: المكثرون من المَال هم المقلون فِي الثَّوَاب يَعْنِي كَثْرَة المَال تؤول بِصَاحِبِهِ إِلَى الإقلال من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة إِذا لم يُنْفِقهُ فِي طَاعَة الله تَعَالَى، فَإِن أنفقهُ فِيهَا كَانَ غَنِيا من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة.

و.

     قَوْلُهُ  تَعَالَى: { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (هود: 51 61) [/ ح.

سيقت هَاتَانِ الْآيَتَانِ بتمامهما فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر { من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} ... الْآيَتَانِ وَفِي رِوَايَة أبي زيد بعد قَوْله: { وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} ... الْآيَة وَمثله للإسماعيلي، لَكِن قَالَ إِلَى قَوْله: { وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} قَوْله: { من كَانَ} .
.
إِلَى آخِره على عمومها فِي الْكفَّار وفيمن يرائي بِعَمَلِهِ من الْمُسلمين،.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير: الْآيَة فِيمَن عمل عملا يُرِيد بِهِ غير الله جوزي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا.
وَعَن أنس: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِن أعْطوا سَائِلًا أَو وصلوا رحما عجل لَهُم جَزَاء ذَلِك بتوسعة فِي الرزق وَصِحَّة فِي الْبدن، وَقيل: هم الَّذين جاهدوا من الْمُنَافِقين مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَسْهم لَهُم من الْغَنَائِم،.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: يَعْنِي الْمُشْركين إِذا عمِلُوا عملا جوزوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا أبين لقَوْله تَعَالَى: { أُولَئِكَ الَّذين لَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار} قَوْله: (نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم) أَي: نوصل إِلَيْهِم أجور أَعْمَالهم كَامِلَة وافية، وَهُوَ من التوفية، وقرىء.
.
يوف، بِالْيَاءِ على أَن الْفِعْل لله، وبالياء على صِيغَة الْمَجْهُول، ويوفي بِالتَّخْفِيفِ وَإِثْبَات الْيَاء.
قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي الدُّنْيَا.
قَوْله: { لَا يبخسون} من البخس وَهُوَ النَّقْص.
قَوْله: (وحبط) أَي: بَطل يُقَال: حَبط عمله يحبط، وأحبطه غَيره، وَمعنى حَبط عَمَلهم لَيْسَ لَهُم ثَوَاب لأَنهم لم يُرِيدُوا بِهِ الْآخِرَة.
قَوْله: { وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} أَي: عَمَلهم فِي نَفسه بَاطِل، وقرىء: وَبَطل، على الْفِعْل، وَعَن عَاصِم: وباطلاً، بِالنّصب.



[ قــ :6105 ... غــ :6443 ]
-
حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا جَرِيرٌ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ عنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ عنْ أبي ذَرٍّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيالِي فَإِذا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْشِي وحْدَهُ ولَيْسَ مَعَهُ إنْسانٌ قَالَ: فَظَنَنْتُ أنَّهُ يَكْرَهُ أنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أمْشِي فِي ظِلِّ القمَرِ فالْتَفَتَ فَرآنِي.
فَقَالَ: (مَنْ هاذا؟) قُلْتُ: أبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ { تَعَالَهْ) قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ ساعَةَ، فَقَالَ: (إنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ مَنْ أعْطَاهُ الله خَيْراً فَنَفَخَ فِيهِ يَمِينَهُ وشِمالَهُ وبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَراءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْراً) .
قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَة، فَقَالَ لِي: (اجْلِسْ هاهُنا) .
قَالَ: فأجْلَسَنِي فِي قاعٍ حَوْلَهُ حِجارَةٌ فَقَالَ لِي: (إجْلِسْ هاهُنا حتَّى أرْجِعَ إلَيْكَ) قَالَ: فانْطَلَقَ فِي الحَرَّةِ حتَّى لَا أراهُ، فَلَبِثَ عَنِّي فأطالَ اللُّبَّثَ، ثُمَّ إنِّي سَمِعْتُهُ وهْوَ مُقْبِلٌ وهْوَ يَقُولُ: (وَإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى) قَالَ: فَلمَّا جاءَ لَمْ أصْبِرْ حتَّى قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله}
جَعَلَنِي الله فِداءَكَ { مَنْ تُكَلِّمُ فِي جانِب الحَرَّةِ؟ مَا سَمعْتُ أحَداً يَرْجِعُ إلَيْكَ شَيْئاً.
قَالَ: (ذالِكَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السلامُ، عَرَضَ لِي فِي جانِبِ الحَرَّةِ قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَّكَ أنَّه مَنْ ماتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دَخَلَ الجنَّةَ.
قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: قُلْتُ: وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعْمَ}
وإنْ شَرِبَ الخَمْرَ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والمطابقة أَيْضا بَين الحَدِيث وَالْآيَة الْمَذْكُورَة هِيَ أَن الْوَعيد الَّذِي فِيهَا مَحْمُول على التَّأْقِيت فِي حق من وَقع لَهُ ذَلِك من الْمُسلمين لَا على التَّأْبِيد لدلَالَة الحَدِيث على أَن المرتكب لجنس الْكَبِيرَة من الْمُسلمين يدْخل الْجنَّة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي أَنه يعذب قبل ذَلِك، كَمَا أَنه لَيْسَ فِي الْآيَة مَا يَنْفِي أَنه قد يدْخل الْجنَّة بعد التعذيب على مَعْصِيّة الزِّنَا.
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد وَعبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة الْأَسدي الْمَكِّيّ سكن الْكُوفَة وَهُوَ من صغَار التَّابِعين سمع أنس بن مَالك، وَزيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْكُوفِي من قضاعة خرج إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيق وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ اسْمه فِي الْأَشْهر جُنْدُب بن جُنَادَة.

والْحَدِيث بِزِيَادَة ونقصان مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي الاستقراض وَفِي الاسْتِئْذَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ، فِي الْإِيمَان عَن مَحْمُود بن غيلَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَبدة بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره.

قَوْله: (خرجت لَيْلَة من اللَّيَالِي) وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَنهُ: كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حرَّة الْمَدِينَة عشَاء، فَبين فِيهِ الْمَكَان وَالزَّمَان.
قَوْله: (فِي ظلّ الْقَمَر) أَي: فِي مَكَان لَيْسَ للقمر فِيهِ ضوء ليخفي نَفسه، وَإِنَّمَا اسْتمرّ يمشي لاحْتِمَال أَن يطْرَأ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَاجَة فَيكون قَرِيبا مِنْهُ.
قَوْله: (قلت: أَبُو ذَر) أَي: أَنا أَبُو ذَر.
قَوْله: (تعاله) أَمر بهاء السكت هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (تعال) ، قَالَ ابْن التِّين: فَائِدَة هَاء السكت أَن لَا يقف على ساكنين وَهُوَ غير مطرد.
قَوْله: (إِن المكثرين هم المقلون) قد مر الْكَلَام فِيهِ آنِفا.
قَوْله: (خيرا) .
أَي: مَالا قَالَ تَعَالَى: { إِن ترك خيرا} قَوْله: (فنفح فِيهِ) بِالْحَاء الْمُهْملَة يُقَال: نفح فلَان فلَانا بِشَيْء أَي: أعطَاهُ، والنفحة الدفعة.
.

     وَقَالَ  صَاحب (الْأَفْعَال) : نفح بالعطاء أعْطى، وَالله نفاح بالخيرات،.

     وَقَالَ  صَاحب (الْعين) : نفح بِالْمَالِ وَالسيف، ونفحت الدَّابَّة رمت بحافرها الأَرْض.
قَوْله: (ووراءه) ، قيل: مَعْنَاهُ يُوصي فِيهِ ويبقيه لوَارِثه، وَحبس بحبسه.
قَوْله: (فِي قاع) هُوَ أَرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عَنْهَا الْجبَال.
قَوْله: (فِي الْحرَّة) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، أَرض ذَات حِجَارَة سود كَأَنَّهَا احترقت بالنَّار.
قَوْله: (وَهُوَ مقبل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: (وَهُوَ يَقُول) ، كَذَلِك الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: (دخل الْجنَّة) أَي: كَانَ مصيره إِلَيْهَا وَإِن ناله عُقُوبَة جمعا بَينه وَبَين مثل { وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} من الْآيَات الموعدة للفساق.
قَوْله: (وَإِن سرق وَإِن زنى) ، قيل: يحْتَمل مَعْنيين، أَحدهمَا: أَن هَذِه الْأمة يغْفر لجميعها.
وَالثَّانِي: أَن يكون يدْخل الْجنَّة من عُوقِبَ بِبَعْض ذنُوبه فَأدْخل النَّار ثمَّ أخرج مِنْهَا بذنوبه.

قَالَ النَّضْرُ: أخبرنَا شُعْبَةُ وحدّثنا حَبيبُ بنُ أبي ثابِتٍ والأعْمَشُ وعَبْدُ العَزِيزِ بنُ رُفَيْعٍ حدّثنا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ بِهاذَا.

قَالَ النَّضر بن شُمَيْل ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، قيل: الْغَرَض بِهَذَا التَّعْلِيق تَصْرِيح الشُّيُوخ الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين بِأَن زيد بن وهب حَدثهمْ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي حَدِيث شُعْبَة قصَّة المكثرين والمقلين إِنَّمَا فِيهِ: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا) ، وَالْعجب من أبي عبد الله كَيفَ أطلق هَذَا الْكَلَام، أخبرنيه الْحسن حَدثنَا حميد يَعْنِي: ابْن زَنْجوَيْه، حَدثنَا النَّضر بن شُمَيْل أَنا شُعْبَة حَدثنَا حبيب بن أبي ثَابت وَالْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز بن رفيع قَالُوا: سمعنَا زيد بن وهب عَن أبي ذَر، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فبشرني أَن من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة.

قلت: وَإِن زنى وسرق؟ قَالَ: وَإِن زنى وسرق) .
قَالَ سُلَيْمَان يَعْنِي: الْأَعْمَش، وَإِنَّمَا يروي هَذَا الحَدِيث عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: أما أَنا فَإِنَّمَا سمعته من أبي ذَر أخبرنيه يحيى بن مُحَمَّد الحنائي حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة عَن حبيب وبلال وَالْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ سمعُوا زيد بن وهب عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث.
قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة فَذكرهمْ وَلم يذكر بِلَالًا وَلم يزدْ على هَذِه الْقِصَّة: أخبرنيه الْهَيْثَم الدوري حَدثنَا زيد بن أخزم حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا شُعْبَة عَن بِلَال وَهُوَ أبي مرداس وَيُقَال ابْن معَاذ تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَنهُ، وَرَوَاهُ شُعْبَة أَيْضا عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد سمع أَبَا ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل قصَّة: من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا، أخبرنيه الحنائي حَدثنَا عبيد الله حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَقد تبع الْإِسْمَاعِيلِيّ على أعتراضه الْمَذْكُور جمَاعَة.
مِنْهُم: مغلطاي وَمن بعده.

قلت: فِيهِ إساءة الْأَدَب حَيْثُ قَالَ: مغلطاي، بطرِيق الاستهتار وَأَرَادَ بقوله: وَمن بعده.
صَاحب (التَّوْضِيح) الشَّيْخ سراج الدّين بن الملقن وَهُوَ شَيْخه، والكرماني أَيْضا، ثمَّ تصدى للجواب عَن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور بقوله: الْجَواب عَن البُخَارِيّ وَاضح على طَريقَة أهل الحَدِيث، لِأَن مُرَاده أصل الحَدِيث فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الأَصْل قد اشْتَمَل على ثَلَاثَة أَشْيَاء فَيجوز إِطْلَاق الحَدِيث على كل وَاحِد من الثَّلَاثَة إِذا أفرد، فَقَوْل البُخَارِيّ: بِهَذَا أَي: بِأَصْل الحَدِيث لَا خُصُوص اللَّفْظ المساق انْتهى.

قلت: الِاعْتِرَاض باقٍ على مَا لَا يخفى لِأَن الْإِطْلَاق فِي مَوضِع التَّقْيِيد غير جَائِز.
وَقَوله: بِهَذَا، أَي: بِأَصْل الحَدِيث ... إِلَى آخِره غير سديد لِأَن الْإِشَارَة بِلَفْظ: هَذَا، تكون للحاضر، والحاضر هُوَ اللَّفْظ المساق، وَالْمرَاد من ثَلَاثَة أَشْيَاء ثَلَاثَة أَحَادِيث.
الأول: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يسرني أَن عِنْدِي مثل أحد هَذَا ذَهَبا.
الثَّانِي: حَدِيث: (المكثرين والمقلين) وَالثَّالِث: حَدِيث: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة) .

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: حَدِيث أبي صالحٍ عنْ أبي الدَّرْداءِ مُرْسَلٌ لَا يَصحُّ، إِنَّمَا أرَدْنا لِلْمَعْرِفَةِ، والصَّحِيحُ حَدِيثُ أبي ذَرٍّ، قِيلَ لأبي عَبْدِ الله: حَدِيثُ عَطاءِ بنِ يَسار عنْ أبي الدَّرْداءِ؟ قَالَ: مُرْسَلٌ أيْضاً لَا يَصِحُّ والصَّحيحُ حَديثُ أبي ذرٍّ.
.

     وَقَالَ : اضْرِبُوا عَلى حَدِيثِ أبي الدَّرْدَاءِ هاذا، إِذا ماتَ قَالَ: لَا إلاهَ إلاَّ الله، عِنْدَ المَوْتِ.

هَذَا: أَعنِي، قَالَ أَبُو عبد الله ... إِلَى آخِره لَا يُوجد فِي كثير من النّسخ.
وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ.
قَوْله: (حَدِيث أبي صَالح) هُوَ ذكْوَان الزيات عَن أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن مَالك مُرْسل لَا يَصح،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن النَّسَائِيّ رَوَاهُ بِسَنَد صَحِيح على شَرط أبي الْحجَّاج الْقشيرِي، فَقَالَ: حَدثنِي قُتَيْبَة عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن الْحسن بن عبيد الله عَن زيد بن وهب وَعَن عَمْرو بن هِشَام عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن إِسْحَاق عَن عِيسَى بن مَالك عَن زيد، عَن أبي الدَّرْدَاء، قَوْله: (إِنَّمَا أردنَا للمعرفة) أَي: لنعرف أَنه قد روى عَنهُ لَا لِأَنَّهُ يحْتَج بِهِ قَوْله: (قيل لأبي عبد الله هُوَ البُخَارِيّ أَيْضا.
قَوْله: حَدِيث عَطاء بن يسَار ضد الْيَمين عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: مُرْسل أَي: هُوَ مُرْسل أَيْضا لَا يَصح.
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : فِيهِ نظر أَيْضا، لِأَن الطَّبَرَانِيّ قد أخرجه بِإِسْنَاد جيد: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب العلاف حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة عَن عَطاء بن يسَار، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... فَذكره قَوْله: هَذَا، أَي: هَذَا الَّذِي رُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء، وَهُوَ قَوْله: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا) فِي حق من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، عِنْد الْمَوْت.