فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يتقى من محقرات الذنوب

( بابُُ مَا يُتَّقى مِنْ مُحَقَّراتِ الذُّنُوبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يتقى أَي: مَا يجْتَنب من محقرات الذُّنُوب، وَجَاء هَذَا اللَّفْظ فِي حَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: ( يَا عَائِشَة! إياك ومحقرات الذُّنُوب فَإِن لَهَا من الله طَالبا) .
وَصَححهُ ابْن حبَان، والمحقرات جمع محقرة وَهِي الذُّنُوب الَّتِي يحتقرها فاعلها.



[ قــ :6154 ... غــ :6492 ]
- حدّثنا أبُو الوَلِيد حدّثنا مَهْدِيُّ عنْ غَيْلانَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أعْمالاً هِيَ أدَقُّ فِي أعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ إنْ كُنَّا نَعدُّ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُوبِقاتِ.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: يَعْنِي بِذالِكَ المُهْلِكاتِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، ومهدي هُوَ ابْن مَيْمُون الْأَزْدِيّ، وغيلان بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن جرير،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ غيلَان بن جَامع، وَهُوَ غلط صَرِيح لِأَن غيلَان بن جرير من أهل الْبَصْرَة، وغيلان بن جَامع كُوفِي قَاضِي الْكُوفَة.

وَرِجَال السَّنَد كلهم بصريون.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( لتعملون) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.
قَوْله: ( هِيَ أدق) أفعل التَّفْضِيل من الدقة بِكَسْر الدَّال، وَأَرَادَ بِهِ أَنهم كَانُوا يحقرونها ويهونونها.
قَوْله: ( إِن كُنَّا تعدها) إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، وَجَاز اسْتِعْمَالهَا بِدُونِ اللَّام الفارقة بَينهَا وَبَين النافية عِنْد الْأَمْن من الالتباس، وتعدها، بِدُونِ اللَّام فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَعند الْأَكْثَرين: لنعدها، بلام التَّأْكِيد وَأَيْضًا بالضمير وَعِنْدَهُمَا بِحَذْف الضَّمِير أَيْضا، وَلَفْظهمَا: إِن كُنَّا نعد.
قَوْله: ( على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي زَمَنه وأيامه.
قَوْله: ( الموبقات) أَي: المهلكات هَكَذَا فسره البُخَارِيّ على مَا يَجِيء الْآن، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: من الموبقات، وَسُقُوط كلمة: من، فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي.

قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، ( يَعْنِي بذلك) أَي بِلَفْظ الموبقات يَعْنِي أَرَادَ بهَا: المهلكات، وَهِي جمع موبقة أَي: مهلكة، وثلاثيه: وبق يبْق فَهُوَ وبق إِذا هلك، وأوبقه غَيره فَهُوَ موبق، فالفاعل بِكَسْر الْبَاء وَالْمَفْعُول بِفَتْحِهَا وَمعنى الحَدِيث رَاجع إِلَى قَوْله عز وَجل: { وتحسبونه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم} ( النُّور: 51) وَكَانَت الصَّحَابَة يعدون الصَّغَائِر من الموبقات لشدَّة خشيتهم لله وَلم تكن لَهُم كَبَائِر، والمحقرات، إِذا كثرت صَارَت كَبَائِر للإصرار عَلَيْهَا.