فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب في الحوض

( بابٌُ فِي الحَوْضِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر حَوْض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والحوض الَّذِي يجمع فِيهِ المَاء وَيجمع على أحواض وحياض.
وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِيهِ كَثِيرَة بِحَيْثُ صَارَت متواترة من جِهَة الْمَعْنى، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَهُوَ الْكَوْثَر على بابُُ الْجنَّة يسقى الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُ، وَهُوَ مَخْلُوق الْيَوْم.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ فِي ( التَّذْكِرَة) : ذهب صَاحب ( الْقُوت) : وَغَيره إِلَى أَن الْحَوْض يكون بعد الصِّرَاط، وَذهب آخَرُونَ إِلَى الْعَكْس، وَالصَّحِيح أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حوضين: أَحدهمَا فِي الْموقف قبل الصِّرَاط، وَالْآخر دَاخل الْجنَّة، وكل مِنْهُمَا يُسمى: كوثراً، وَفِي بعض النّسخ: كتاب فِي الْحَوْض، وَقَبله الْبَسْمَلَة.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: { ( 108) إنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} ( الْكَوْثَر: 1)

وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: فِي الْحَوْض، الْكَوْثَر فوعل من الْكَثْرَة، وَالْعرب تسمى كل شَيْء كثير فِي الْعدَد أَو الْقدر والخطر: كوثراً، وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة: قيل لعجوز آب ابْنهَا من السّفر: بِمَا آب ابْنك؟ قَالَت: آب بكوثر، يَعْنِي: بِمَال كثير، وَهُوَ اسْم لحوض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَعَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
فِي ذكر الْكَوْثَر: هُوَ حَوْض ترد عَلَيْهِ أمتِي، وَقد اشْتهر اخْتِصَاص نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحوض، لَكِن أخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سَمُرَة رَفعه: أَن لكل نَبِي حوضاً،.

     وَقَالَ  اخْتلف فِي وَصله وإرساله وَأَن الْمُرْسل أصح، والمرسل أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا بِسَنَد صَحِيح عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل نَبِي حوضاً وَهُوَ قَائِم على حَوْضه بِيَدِهِ عَصا يَدْعُو من عرف من أمته، أَلا وَإِنَّهُم يتباهون أَيهمْ أَكثر تبعا وَإِنِّي لأرجو أَن أكون أَكْثَرهم تبعا، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن سَمُرَة مَوْصُولا مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاد لين فَإِن ثَبت فالمختص بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَوْثَر الَّذِي يصب من مَائه فِي حَوْضه فَإِنَّهُ لم ينْقل نَظِيره لغيره، وَقد امتن الله عز وَجل عَلَيْهِ بِهِ فِي السُّورَة الْمَذْكُورَة.

وَقد أنكر الْحَوْض الْخَوَارِج وَبَعض الْمُعْتَزلَة، وَمِمَّنْ كَانَ يُنكره عبيد الله بن زِيَاد أحد أُمَرَاء الْعرَاق، وَهَؤُلَاء ضلوا فِي ذَلِك وخرقوا إِجْمَاع السّلف وفارقوا مَذْهَب أَئِمَّة الْخلف.

وَرويت أَحَادِيث الْحَوْض عَن أَكثر من خمسين صحابياً.
مِنْهُم: ابْن عمر وَأَبُو سعيد وَسَهل بن سعد وجندب وَأم سَلمَة وَعقبَة بن عَامر وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وحارثة بن وهب والمستورد وَأَبُو ذَر وثوبان وَأنس وَجَابِر بن سَمُرَة، فَهَؤُلَاءِ أخرج عَنْهُم مُسلم، وَأَبُو بكر الصّديق وَزيد ابْن أَرقم وَأَبُو أُمَامَة وَعبد الله بن زيد وسُويد بن جبلة وَعبد الله الصنَابحِي والبراء بن عَازِب وَأَسْمَاء بنت أبي بكر وَخَوْلَة بنت قيس وَابْن عَبَّاس وَكَعب بن عجْرَة وَبُرَيْدَة وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأبي بن كَعْب وَأُسَامَة بن زيد وَحُذَيْفَة بن أسيد وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب ولقيط بن عَامر وَزيد بن ثَابت وَالْحسن بن عَليّ وَأَبُو بكرَة وَخَوْلَة بنت حَكِيم، وَحَدِيث أبي بكر عِنْد أَحْمد وَأبي عوَانَة، وَحَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد الْبَيْهَقِيّ وَغَيره، وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد ابْن حبَان وَغَيره وَحَدِيث عبد الله بن زيد عِنْد البُخَارِيّ، وَحَدِيث سُوَيْد بن جبلة عِنْد أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي فِي ( مُسْنده) ، وَحَدِيث عبد الله الصنَابحِي عِنْد أَحْمد وَابْن مَاجَه، وَحَدِيث الْبَراء بن عَازِب ... وَحَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد البُخَارِيّ، وَحَدِيث خَوْلَة بنت قيس عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد البُخَارِيّ، وَحَدِيث كَعْب ابْن عجْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَحَدِيث بُرَيْدَة عِنْد ابْن أبي عَاصِم وَأَحَادِيث ابْن أبي بن كَعْب وَمن ذكر مَعَه إِلَى: خَوْلَة بنت حَكِيم، كلهَا عِنْد ابْن أبي عَاصِم، وعرباض بن سَارِيَة عِنْد ابْن حبَان، وَأَبُو مَسْعُود البدري وسلمان الْفَارِسِي وَسمرَة بن جُنْدُب وَعقبَة بن عَمْرو عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وخبابُ بن الْأَرَت عِنْد الْحَاكِم، والنواس بن سمْعَان عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف عِنْد ابْن مَنْدَه، وَعُثْمَان بن مَظْعُون عِنْد ابْن كثير فِي ( نهايته) : ومعاذ بن جبل ولقيط بن صبرَة عِنْد ابْن الْقيم فِي ( الْحَاوِي) : وَجَابِر بن عبد الله عِنْد أَحْمد وَالْبَزَّار، وَعمر وعائذ بن عَمْرو وَأَبُو بَرزَة وأخو زيد بن أَرقم وَيُقَال: إِن اسْمه: ثَابت عِنْد أَحْمد.

وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( اصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي عَلى الحَوْضِ) .

عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ بِحَدِيث طَوِيل فِي غَزْوَة حنين.



[ قــ :6234 ... غــ :6575 ]
- حدّثني يَحْيَاى بنُ حَمَّادٍ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ سُليْمانَ عنْ شَقِيقٍ عنْ عَبْدِ الله عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَنا فَرَطُكمْ عَلى الحوْضِ) .

( ح) وحدّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدّثنا مُحَمَّدُ بُن جَعْفَرٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ المُغَيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( أَنا فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، ولَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحابي! فَيُقالُ: إنّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَفِي أَحَادِيث الْبابُُ كلهَا ذكر الْحَوْض مَا عدا حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي رُوِيَ عَنهُ عَطاء بن يسَار على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَلَا يحْتَاج عِنْد ذكرهَا إِلَى ذكر وَجه الْمُطَابقَة.

وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن يحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ عَن أبي عوَانَة الوضاح عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود.
الثَّانِي: عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن الْمُغيرَة بن مقسم الضَّبِّيّ عَن أبي وَائِل هُوَ شَقِيق الْمَذْكُور عَن عبد الله.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره.

قَوْله: ( أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض) الفرط بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء الَّذِي يتَقَدَّم الواردين ليصلح لَهُم الْحِيَاض والدلاء وَنَحْوهَا، يُقَال: فرطت الْقَوْم إِذا تقدمتهم لترداد لَهُم المَاء وتهيء لَهُم، وَفِيه بِشَارَة لهَذِهِ الْأمة فهنيئاً لمن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرطه.

قَوْله: ( ليرفعن) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يظهرهم لي حَتَّى أَرَاهُم.
قَوْله: ( ليختلجن) بِلَفْظ الْمَجْهُول أَيْضا أَي: يعدل بهم عَن الْحَوْض ويجذبون من عِنْدِي، قَالَ الْكرْمَانِي: وهم إِمَّا المرتدون وَإِمَّا العصاة.

تابَعَهُ عاصِمٌ عنْ أبي وائِلٍ.

     وَقَالَ  حُصَيْنٌ: عنْ أبي وائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

أَي: تَابع سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَاصِم بن أبي النجُود قارىء الْكُوفَة فِي رِوَايَته عَن أبي وَائِل الْمَذْكُور عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَوَصله الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي ( مُسْنده) : من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَاصِم.
قَوْله: ( حُصَيْن) مصغر حصن بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة، يَعْنِي: خَالف حُصَيْن سُلَيْمَان الْأَعْمَش وعاصماً، فَقَالَ: عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم من طَرِيق حُصَيْن.





[ قــ :635 ... غــ :6577 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَاى عنْ عُبَيْدِ الله حدّثني نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( أمامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْباءَ وأذْرُحَ) .

يحيى هُوَ الْقطَّان.
وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.

قَوْله: ( أمامكم) بِفَتْح الْهمزَة أَي: قدامكم.
قَوْله: ( حَوْض) وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: حَوْضِي، بِزِيَادَة يَاء الْإِضَافَة.
قَوْله: ( جرباء) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة مَقْصُورا عِنْد الْجُمْهُور،.

     وَقَالَ  عِيَاض: جَاءَ فِي البُخَارِيّ ممدوداً،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) : الصَّوَاب أَنَّهَا مَقْصُورَة وَذكرهَا البُخَارِيّ وَمُسلم، قَالَ: وَالْمدّ خطأ ( وأذرح) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة كَذَا فِي رِوَايَة الْجُمْهُور.
قَالَ عِيَاض: وَوَقع فِي رِوَايَة العذري فِي مُسلم بِالْجِيم وَهُوَ وهم، قَالَ الْكرْمَانِي: وهما موضعان.
قَالَ: وَفِي ( صَحِيح مُسلم) قَالَ عبيد الله: فَسَأَلته يَعْنِي ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ: قَرْيَتَانِ بِالشَّام بَينهمَا مسيرَة ثَلَاث لَيَال.
انْتهى.

قلت: قَالَ الرشاطي: الجرباء على لفظ تَأْنِيث الأجرب قَرْيَة بِالشَّام،.

     وَقَالَ  ابْن وضاح: أذرح بفلسطين، قَالَ الرشاطي: وباذرح بَايع الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مُعَاوِيَة وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَة مِائَتي ألف دِرْهَم.

وَهَذَا الْموضع يحْتَاج إِلَى بسط كَلَام لوُقُوع الِاخْتِلَاف الْكثير فِي طول الْحَوْض وَعرضه، وَهنا قَالَ: مَا بَين جرباء وأذرح، وَلم بَين قدر الْمسَافَة بَينهمَا، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو على مَا يَجِيء حَوْضِي مسيرَة شهر، وَفِي حَدِيث أنس عِنْده أَيْضا: قدر حَوْضِي كَمَا بَين أَيْلَة وَصَنْعَاء من الْيمن، وَفِي حَدِيث حَارِثَة بن وهب عِنْده أَيْضا: كَمَا يبين الْمَدِينَة وَصَنْعَاء، وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة عِنْد مُسلم: بعد مَا بَين طَرفَيْهِ كَمَا بَين صنعاء وأيلة، وَفِي حَيْثُ عقبَة بن عَامر عِنْده أَيْضا: وَإِن عرضه كَمَا بَين أَيْلَة إِلَى الْجحْفَة.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا بَين عدن وأيلة، وَفِي حَدِيث أبي ذَر: مَا بَين عمان إِلَى أَيْلَة.
وَفِي حَدِيث أبي بردة عِنْد ابْن حبَان: مَا يين ناحيتي حَوْضِي كَمَا يبين أَيْلَة وَصَنْعَاء مسيرَة شهر.
وَفِي حَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَمَا يبين صنعاء إِلَى الْمَدِينَة، وَفِي حَدِيث ثَوْبَان: مَا بَين عدن وعمان البلقاء، وَعند عبد الرَّزَّاق فِي حَدِيث ثَوْبَان: مَا بَين مَكَّة وأيلة، وَفِي لفظ: مَا بَين مَكَّة وعمان، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر وَعند أَحْمد: بعْدهَا بَين مَكَّة وأيلة، وَفِي لفظ: مَا بَين مَكَّة وعمان، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد: مَا بَين صنعاء إِلَى بَصرِي، وَفِي حَدِيث أنس عِنْد أَحْمد: كَمَا بَين مَكَّة وأيلة، أَو: بَين صنعاء وَمَكَّة، وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن أبي شيبَة وَابْن مَاجَه: مَا بَين كعبة إِلَى الْقُدس، وَفِي حَدِيث عتبَة بن عمر وَعند الطَّبَرَانِيّ: كَمَا بَين الْبَيْضَاء إِلَى بَصرِي.

وَقد جمع الْعلمَاء بَين هَذَا الِاخْتِلَاف، فَقَالَ القَاضِي عِيَاض: هَذَا من اخْتِلَاف التقادير لِأَن ذَلِك لم يَقع فِي حَدِيث وَاحِد فيعد اضطراباً من الروَاة، وَإِنَّمَا جَاءَ من أَحَادِيث مُخْتَلفَة عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي كل مِنْهَا مثلا لبعد أقطار الْحَوْض وسعته بِمَا سنح لَهُ من الْعبارَة، وَيقرب ذَلِك ببعد مَا بَين الْبِلَاد النائية بَعْضهَا من بعض، لَا على إِرَادَة الْمسَافَة المتحققة.
قَالَ: فَبِهَذَا يجمع بَين الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلفَة من جِهَة الْمَعْنى.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه نظر من جِهَة أَن ضرب الْمثل وَالتَّقْدِير إِنَّمَا يكون فِيمَا يتقارب، وَإِمَّا هَذَا الِاخْتِلَاف المتباعد الَّذِي يزِيد تَارَة إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَينْقص إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا.
انْتهى.

قلت: فِي نظره نظر لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما أخبر بِثَلَاثَة أَيَّام كَانَ هَذَا الْمِقْدَار، ثمَّ إِن الله تَعَالَى تفضل عَلَيْهِ باتساعه شَيْئا بعد شَيْء، وَكلما اتَّسع أخبرهُ بِقدر مَا اتَّسع، وكل من روى بِمِقْدَار خلاف مَا رَوَاهُ غَيره بِحَسب ذَلِك، وَبِهَذَا الْوَجْه يحصل الْجَواب الشافي عَن الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور، فَلَا يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى كَلَام طَوِيل غير طائل، كَمَا صدر ذَلِك عَن بَعضهم.

وَأما تَفْسِير الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة فَنَقُول: الأيلة مَدِينَة كَانَت عامرة وَهِي بِطرف بَحر القلزم من طرف الشَّام، وَهِي الْآن خراب يمر بهَا الْحَاج من مصر وغزة وإليها تنْسب الْعقبَة الْمَشْهُورَة عِنْد أهل مصر، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة نَحْو شهر بسير الأثقال كل يَوْم مرحلة.
وإلاَّ فدون ذَلِك.
وَصَنْعَاء: ثِنْتَانِ إِحْدَاهمَا: صنعاء الْيمن أعظم مدنها.
وَالْأُخْرَى: صنعاء قَرْيَة عل بابُُ دمشق من نَاحيَة بابُُ الفراديس، قَالَه ياقوت، وَالْأولَى هِيَ المرادة فِي الحَدِيث، فَلذَلِك قيد فِي الحَدِيث: وَصَنْعَاء من الْيمن.
والجحفة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء وَهُوَ مَوضِع بِالْقربِ من رابغ وَهِي من مِيقَات أهل الشَّام ومصر، وَالْيَوْم أهل الشَّام يحرمُونَ من ذِي الحليفة مِيقَات أهل الْمَدِينَة، وعدن مَدِينَة فِي أقْصَى الْيمن على سَاحل بَحر الْهِنْد، وعمان ثِنْتَانِ.
الأولى بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم وبتخفيفها بلد قريب من البلقاء فلذك قيل عمان البلقاء، وَالْأُخْرَى بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم بلد على شاطىء الْبَحْر بَين الْبَصْرَة وعدن.
والبلقاء: بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا قَاف وبالمد بَلْدَة مَعْرُوفَة من فلسطين، قَالَه بَعضهم.

قلت: البلقاء تمد وتقصر،.

     وَقَالَ  الرشاطي: البلقاء من عمل دمشق.
وبصري: بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة، قَالَ ياقوت: بلد بِالشَّام وَهِي قَصَبَة حوران من أَعمال دمشق.
والبيضاء: بِالْقربِ من الربذَة الْبَلَد الْمَعْرُوف بَين مَكَّة وَالْمَدينَة،.

     وَقَالَ  الرشاطي: الْبَيْضَاء تَأْنِيث الْأَبْيَض، مَوضِع تِلْقَاء حمى الربذَة.





[ قــ :636 ... غــ :6578 ]
- حدّثني عَمْرُو بنُ مُحَمدٍ حدّثنا هُشَيْمٌ أخبرنَا أبُو بِشْرٍ وعَطاءُ بنُ السَّائِبِ عنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: الكَوْثَرُ الخَيرُ الكثيرُ الّذِي أعْطاهُ الله إيَّاهُ.

( انْظُر الحَدِيث 6694) .


أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الْكَوْثَر فِي قَوْله تَعَالَى: { إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} ( الْكَوْثَر: 1) .

قد مضى هَذَا فِي تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن هشيم عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير، وَهنا أخرجه عَن عَمْرو بن مُحَمَّد بن بكير النَّاقِد الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا يروي عَن هشيم مصغر هشم ابْن بشير بِالتَّصْغِيرِ أَيْضا عَن أبي بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس، وَعَن عَطاء بن السَّائِب الْكُوفِي الْمُحدث الْمَشْهُور من صغَار التَّابِعين صَدُوق اخْتَلَط فِي آخر عمره، وَسَمَاع هشيم مِنْهُ بعد اخْتِلَاطه، فَلذَلِك أخرج لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بِأبي بشر وَمَاله غَيره إلاَّ فِي هَذَا الْموضع.

قَوْله: ( إِيَّاه) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

قَالَ أبُو بِشْرٍ:.

قُلْتُ لِسَعِيدٍ: إنَّ أُناساً يَزْعَمُونَ أنّهُ نَهَرٌ فِي الجَنّةِ؟ فَقَالَ سَعيدٌ: النَّهَرُ الّذِي فِي الجَنة ِ مِنَ الخَيْرِ الّذي أعْطاهُ الله إيَّاهُ.

أَبُو بشر هُوَ جَعْفَر الْمَذْكُور، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير.
قَوْله: إِنَّه، أَي: إِن الْكَوْثَر نهر فِي الْجنَّة، قَالَ الْهَرَوِيّ: جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه أَي: الْكَوْثَر الْقُرْآن والنبوة.





[ قــ :637 ... غــ :6579 ]
- حدّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثنا نافِعُ بنُ عُمَرَ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بنُ عَمْروٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَوْله: ( حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِس، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْها فَلاَ يَظْمَأُ أبَداً) .

سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي الْمصْرِيّ، وَنَافِع بن عمر الجُمَحِي الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ، يروي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَوْض عَن دَاوُد بن عَمْرو عَن نَافِع بِهِ.
قَوْله: ( حَوْضِي مسيرَة شهر) وَفِي رِوَايَة مُسلم: مسيرَة شهر وزواياه سَوَاء.
قَوْله: ( مَاؤُهُ أَبيض من اللَّبن) قَالَ الْمَازرِيّ: مُقْتَضى كَلَام النُّحَاة أَن يُقَال: أَشد بَيَاضًا، وَلَا يُقَال: أَبيض من كَذَا، وَمِنْهُم من أجَازه فِي الشّعْر، وَمِنْهُم من أجَاز بقلة، وَيشْهد لَهُ هَذَا الحَدِيث وَغَيره،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من تصرف الروَاة، فقد وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عِنْد مُسلم بِلَفْظ: أَشد بَيَاضًا من اللَّبن.
انْتهى.

قلت: القَوْل بِأَن هَذَا جَاءَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أولى من نِسْبَة الروَاة إِلَى الْغَلَط على زعم النُّحَاة، واستشهاده لذَلِك بِرِوَايَة مُسلم لَا يفِيدهُ لِأَنَّهُ لَا مَانع أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اسْتعْمل أفعل التَّفْضِيل من اللَّوْن فَيكون حجَّة على النُّحَاة.
قَوْله: ( وريحه أطيب من الْمسك) وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر: أطيب ريحًا من الْمسك، وَعند ابْن حبَان فِي حَدِيث أبي أُمَامَة: أطيب رَائِحَة، وَزَاد ابْن أبي عَاصِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي حَدِيث بُرَيْدَة: وألين من الزّبد، وَزَاد مُسلم فِي حَدِيث أبي ذَر وثوبان: وَأحلى من الْعَسَل، وَزَاد أَحْمد فِي حَدِيث ابْن عَمْرو من حَدِيث ابْن مَسْعُود: وأبرد من الثَّلج، وَعند التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث ابْن عمر: وماؤه أَشد بردا من الثَّلج.
قَوْله: ( وكيزانه) جمع كوز قَوْله: ( كنجوم السَّمَاء) الظَّاهِر أَن التَّشْبِيه فِي الْعدَد، وَيحْتَمل أَن يكون فِي الضياء.
وَعند مُسلم من حَدِيث ابْن عمر: فِيهِ أَبَارِيق كنجوم السَّمَاء.
قَوْله: ( من شرب مِنْهَا) أَي: من الكيزان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من شرب مِنْهُ، أَي: من شرب من الْحَوْض.
قَوْله: ( فَلَا يظمأ أبدا) أَي: فَلَا يعطش أبدا، وَزَاد ابْن أبي عَاصِم فِي حَدِيث أبي ابْن كَعْب: وَمن صرف عَنهُ لم يرو أبدا.





[ قــ :638 ... غــ :6580 ]
- حدّثنا سَعيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ قَالَ ابنُ شِهابٍ: حدّثني أنَسُ ابنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( إنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أيْلَةَ وصَنْعاءَ منَ اليَمَنِ، وإنَّ فِيهِ مِنَ الأبارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّماءِ) .

سعيد بن عفير هُوَ سعيد بن كثير بن عفير أَبُو عُثْمَان الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد الأياي.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن حَرْمَلَة.

قَوْله: ( حَدثنِي أنس) هَذَا يرد قَول من قَالَ بِأَن ابْن شهَاب لم يسمعهُ من أنس.
قَوْله: ( وَصَنْعَاء من الْيمن) احْتَرز بقوله: ( من الْيمن) ، عَن صنعاء الَّتِي من الشَّام، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: ( من الأباريق) جمع إبريق، قَالَ الْجَوْهَرِي: الإبريق فَارسي مُعرب، قَوْله: ( كعدد نُجُوم السَّمَاء) التَّشْبِيه هُنَا فِي الْعدَد.





[ قــ :639 ... غــ :6581 ]
- حدّثنا أبُو الوَليدِ حدّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وحدّثنا هدْبَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ حَدثنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( بَيْنَما أَنا أسيرُ فِي الجنّةِ إِذا أَنا بِنَهَرَ حافَتاهُ قِبابُُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ.
قُلْتُ: مَا هاذا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَر ُ الّذي أعْطاكَ رَبُّكَ، فَإِذا طِينُهُ أوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أذْفَرُ)
، شَكَّ هُدْبَةُ.

أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك.
وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى الْأَزْدِيّ.

وَأخرج الحَدِيث من طَرِيقين.
الأول: عَن أبي الْوَلِيد عَن همام عَن قَتَادَة عَن أنس.
وَالثَّانِي: عَن هدبة بن خَالِد ... إِلَى آخِره، وَفِيه صرح بتحديث الزُّهْرِيّ عَن أنس، وَفِي الطَّرِيق الأول بالعنعنة.

قَوْله: ( بَيْنَمَا أَنا أَسِير فِي الْجنَّة) كَانَ هَذَا فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَصرح بذلك فِي تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: إِن كَانَ هَذَا أَي قَوْله: ( إِذا أَنا بنهر) مَحْفُوظًا، دلّ على أَن الْحَوْض الَّذِي يدْفع عَنهُ أَقوام يَوْم الْقِيَامَة غير النَّهر الَّذِي فِي الْجنَّة، أَو يكون هُوَ الَّذِي يراهم وَهُوَ دَاخل وهم من خَارِجهَا فيناديهم فيصرفون عَنهُ، وَأنكر عَلَيْهِ بَعضهم فَقَالَ: يُغني عَنهُ أَن الْحَوْض الَّذِي هُوَ خَارج الْجنَّة يمد من النَّهر الَّذِي هُوَ دَاخل الْجنَّة، فَلَا إِشْكَال.
انْتهى.

قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه يحْتَاج إِلَى دَلِيل أَنه يمد من النَّهر الَّذِي فِي الْجنَّة، ونقول: أحسن من ذَلِك أَن يُقَال: إِن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حوضين: أَحدهمَا: فِي الْجنَّة، وَالْآخر يكون يَوْم الْقِيَامَة، وَقد ذكرنَا عَن قريب.
قَوْله: ( حافتاه) بتَخْفِيف الْفَاء أَي: جابناه وَلَا مُنَافَاة بَين كَونه نَهرا أَو الْحَوْض لِإِمْكَان اجْتِمَاعهمَا.
قَوْله: ( قبابُ الدّرّ) ، القبابُ بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى جمع قبَّة من الْبناء، وَيجمع على قبب أَيْضا، والدر جمع درة وَهِي اللؤلؤة.
قَوْله: ( المجوف) أَي: الخاوي.
قَوْله: ( فَإِذا طينه) ، بِكَسْر الطَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا نون.
قَوْله: ( أَو طيبه) بِكَسْر الطَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَالشَّكّ فِيهِ من هدبة شيخ البُخَارِيّ.
قَوْله: ( اذفر) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي: الذكي الرَّائِحَة،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: الذفر حِدة الرَّائِحَة الطّيبَة والخبيثة.





[ قــ :640 ... غــ :658 ]
- حدّثنا مُسْلمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدّثنا وُهَيْبٌ حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ عنُ أنَسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَيَرِدَنَّ عَليَّ ناسٌ منْ أصْحابي الحَوْضَ حتَّى إذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فأقُولُ: أصْحابي { فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ} ) .


وهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ.
وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب أَبُو حَمْزَة الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن حَاتِم.

قَوْله: ( ليردن) بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة للتَّأْكِيد، ويردن بالنُّون الثَّقِيلَة.
قَوْله: ( عَليّ) ، بتَشْديد الْيَاء ( وناس) بِالرَّفْع فَاعل: يردن، وَكلمَة: من، فِي: من أَصْحَابِي، للتبيين والحوض مَنْصُوب بقوله: ليردن.
قَوْله: ( اختلجوا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْجِيم أَي: جذبوا، من الخلج وَهُوَ النزع والجذب.
قَوْله: ( دوني) أَي: بِالْقربِ مني.
قَوْله: ( فَأَقُول: أَصْحَابِي) بِالتَّكْبِيرِ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: ( أصيحابي) بِالتَّصْغِيرِ.
قَوْله: ( فَيَقُول) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( فَيُقَال) .
قَوْله: ( مَا أَحْدَثُوا بعْدك!) أَي: من الْمعاصِي الْمُوجبَة الحرمان الشّرْب من الْحَوْض.





[ قــ :641 ... غــ :6583 ]
- حدّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثا مُحَمد بنُ مُطَرِّفٍ، حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ: قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنِّي فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ ومَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمأْ أبدا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوَامٌ أعْرفُهُمْ ويَعْرفُونِي ثمَّ يُحالُ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ) .

قَالَ أَبُو حَازِم فسمعني النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش فَقَالَ هَكَذَا سَمِعت من سهل فَقلت نعم فَقَالَ أشهد على أبي سعيد الْخُدْرِيّ لسمعته وَهُوَ يزِيد فِيهَا فَأَقُول إِنَّهُم مني فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول سحقا سحقا لمن غير بعدِي.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس سحقا بعدا يُقَال سحيق بعيد وسحقه وأسحقه أبعده) مُحَمَّد بن مطرف بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة وبالقاف أَبُو غَسَّان اللَّيْثِيّ الْمدنِي نزل عسقلان وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ قَوْله " إِنِّي فَرَطكُمْ " ويروى أَنا فَرَطكُمْ والفرط بِفتْحَتَيْنِ الَّذِي يتَقَدَّم الواردين ليصلح لَهُم الْحِيَاض وَقد مر عَن قريب قَوْله ويعرفوني ويروى ويعرفونني على الأَصْل قَوْله " يُحَال " على صِيغَة الْمَجْهُول من حَال بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا منع أَحدهمَا من الآخر قَوْله " لسمعته " اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد قَوْله وَهُوَ يزِيد فِيهَا أَي وَالْحَال أَنه يزِيد فِي هَذِه الْمقَالة وَالَّذِي زَاده هُوَ قَوْله فَأَقُول إِلَى قَوْله.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس قَوْله " سحقا " أَي بعدا وَكرر للتَّأْكِيد وَهُوَ نصب على الْمصدر وَهَذَا مشْعر بِأَنَّهُم مرتدون عَن الدّين لِأَنَّهُ يشفع للعصاة ويهتم بأمرهم وَلَا يَقُول لَهُم مثل ذَلِك قَوْله ".

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس " أَي عبد الله بن عَبَّاس وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم من رِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ بِلَفْظَة قَوْله يُقَال سحيق أَي بعيد من كَلَام أبي عُبَيْدَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى { أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} وَمِنْه النَّخْلَة السحوق الطَّوِيلَة قَوْله " سحقه " وأسحقه أبعده ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معنى سحقه الَّذِي هُوَ ثلاثي وَمعنى أسحقه الَّذِي هُوَ مزِيد فِيهِ بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ أبعده وَهَذَا أَيْضا من كَلَام أبي عُبَيْدَة



[ قــ :641 ... غــ :6585 ]
- وَقَالَ أحْمَدُ بنُ شَبِيبِ بنِ سَعِيدٍ الحَبَطِيُّ: حدّثنا أبي عنْ يُونسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ كانَ يُحَدِّثُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ القيامةِ رَهطٌ مِنْ أصْحابي فَيُحَلَّؤْونَ عنِ الحَوْضِ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحابي {فَيَقُولُ: إنَّك لاَ علْمَ لَكَ بِما أحْدَثُوا بَعْدَكَ إنهُمُ ارْتَدُّوا عَلى أدْبارِهِمُ القَهْقَهرَى) .


هَذَا تَعْلِيق عَن أَحْمد بن شبيب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن سعيد الحبطي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة ينْسب إِلَى الحبطات من تَمِيم وَهُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن تَمِيم بن مر، والْحَارث هُوَ الحبط وَولده يُقَال لَهما: الحبطات، وَأحمد هَذَا يروي عَن أَبِيه شبيب بن سعيد عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَبُو عوَانَة عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَأبي الْحسن الْمَيْمُونِيّ قَالَا: حَدثنَا أَحْمد بن شبيب بِهِ.

قَوْله: ( يرد عَليّ) بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( رَهْط) قد مر غير مرّة أَن الرَّهْط من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين، وَلَا يكون فيهم امْرَأَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على أرهط وأرهاط وأراهط، جمع الْجمع.
قَوْله: ( فيحلؤون) ، من التحلثة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام بعْدهَا همزَة مَضْمُومَة على صِيغَة الْمَجْهُول: أَي يمْنَعُونَ ويطردون يُقَال: حلأه عَن المَاء إِذا طرده وَمنعه مِنْهُ، هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، ويروى: ( فيجلون) على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا بِالْجِيم الساكنة وَفتح اللاَّم أَي يصرفون.
قَوْله: ( على أدبارهم) ، ويروى: ( على أَعْقَابهم) .
قَوْله: ( الْقَهْقَرِي) هُوَ الرُّجُوع إِلَى خلف، فَإِذا قلت: رجعت الْقَهْقَرِي فكأنك قلت: رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم، لِأَن الْقَهْقَرِي ضرب من الرُّجُوع،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْقَهْقَرِي مصدر فَيكون مَنْصُوبًا على المصدرية من غير لَفظه كَمَا فِي قَوْلك: قعدت جُلُوسًا.





[ قــ :64 ... غــ :6586 ]
- حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حدّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ أنَّهُ كانَ يحَدِّثُ عنْ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( يَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ رِجالٌ مِنْ أصْحابي فَيُحَلَّوُونَ عنْهُ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحابي} فَيَقُولُ: إنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِما.
أحْدَثُوا بَعْدَكَ، إنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أدْبارِهِمُ القَهْقَرَى)
.
( انْظُر الحَدِيث 5856)

أَحْمد بن صَالح أَبُو جَعْفَر الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي مضى، غير أَن فِي ذَاك: قَالَ سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة: وَهنا قَالَ: عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا الِاخْتِلَاف لَا يضر، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة دَاخل فيهم، وَلَا يُقَال: إِنَّه رِوَايَة عَن مَجْهُول، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول.
وَقَالَ شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ: كانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُجْلَوْنَ.

     وَقَالَ  عُقَيْلٌ: فَيُحَلُّؤونَ.

شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن شعيباً وَعقيل بن خَالِد الْأَيْلِي اخْتلفَا فِي روايتهما عَن الزُّهْرِيّ، فروى شُعَيْب: فيجلون، بِالْجِيم وروى عقيل: فيحلؤون، بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَقد مر ضبطهما وتفسيرهما الْآن.

وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي رافِعٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى زبيد، قَبيلَة.
وَمن المنسوبين إِلَيْهَا: مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر أَبُو الْهُذيْل الشَّامي الْحِمصِي صَاحب الزُّهْرِيّ، يروي عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْقرشِي الْهَاشِمِي الْمدنِي الْمَشْهُور بالباقر، عَن عبيد الله بن أبي رَافع مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسم أبي رَافع أسلم.
.

     وَقَالَ  الغساني: وَفِي بعض النّسخ عبد الله مكبر وَهُوَ وهم وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: الزُّهْرِيّ وَشَيْخه وَشَيخ شَيْخه، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد من رِوَايَة عبد الله بن سَالم عَنهُ كَذَلِك.