فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: المعصوم من عصم الله

( بابٌُ المَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمَعْصُوم من عصمَة الله بِأَن حماه عَن الْوُقُوع فِي الْهَلَاك، يُقَال: عصمه الله من الْمَكْرُوه وَقَاه وَحفظه، وَالْفرق بَين عصمَة الْمُؤمنِينَ وعصمة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، أَن عصمَة الْأَنْبِيَاء بطرِيق الْوُجُوب، وَفِي حق غَيرهم بطرِيق الْجَوَاز.

عاصِمٌ: مانِعٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير: { لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} ( هود: 34) أَي لَا مَانع.

قَالَ مُجاهِدٌ: سُداً عنِ الحَقِّ يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلاَلَةِ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير سدًى فِي قَوْله عز وَجل: { أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} ( الْقِيَامَة: 63) بقوله: يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: سداً بتَشْديد الدَّال بعْدهَا ألف، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً} ( يس: 9) قَالَ: عَن الْحق، ثمَّ قَالَ: ورأيته فِي بعض نسخ البُخَارِيّ: سدى، بتَخْفِيف الدَّال مَقْصُور، وَعَلِيهِ شرح الْكرْمَانِي ثمَّ قَالَ: وَلم أر فِي شَيْء من نسخ البُخَارِيّ إلاَّ الَّذِي أوردته.
انْتهى.

قلت: هَذَا كَلَام ينْقض آخِره أَوله، لِأَنَّهُ قَالَ أَولا، ورأيته فِي بعض نسخ البُخَارِيّ سدًى بتَخْفِيف الدَّال، ثمَّ قَالَ: وَلم أر فِي شَيْء من نسخ البُخَارِيّ إلاَّ الَّذِي أوردته، وَمَعَ هَذَا هُوَ لم يطلع على جَمِيع نسخ البُخَارِيّ، وَهَذَا لَا يتَصَوَّر إلاَّ بالتعسف فِي النّسخ الَّتِي فِي مدينته، وَأما النّسخ الَّتِي فِي بِلَاد كرمان وبلخ وخراسان فَمن أَيْن يتَصَوَّر لَهُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِمَا؟
دَسَّاها أغْوَاها
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { وَقد خَابَ من دساها} ( الشَّمْس: 01) بقوله: أغواها.
وَأخرج الطَّبَرِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن حبيب بن ثَابت عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله: دساها، قَالَ أَحدهمَا: أغواها،.

     وَقَالَ  الآخر: أضلها.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مُنَاسبَة الْآيَتَيْنِ بالترجمة بَيَان أنّ من لم يعصمه الله كَانَ سدًى ومغوًى.

[ قــ :6265 ... غــ :6611 ]
- حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني أبُو سَلَمَةَ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( مَا اسْتُخْلِفَ خلِيفةٌ إلاّ لهُ بِطانتانِ: بِطانَةٌ تأمُرُهُ بالخَيْرِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وبِطانَةٌ تأمُرُهُ بالشَّرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، والمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن إصبغ: وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة وَفِي السّير عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى.

قَوْله: ( بطانتان) ، البطانة بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة الصاحب الوليجة المشاور وَهُوَ اسْم جنس يَشْمَل الْوَاحِد وَالْجمع.
قَوْله: ( ويحضه) أَي: يحثه.
قَوْله: ( وبطانة تَأمره بِالشَّرِّ) قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: تَأمره، دَلِيل على أَنه لَا يشْتَرط فِي الْأَمر الْعُلُوّ وَلَا الاستعلاء.