فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال: 24]

( بابُُ يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه)
أَي هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وأوله { وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وَأَنه إِلَيْهِ تحشرون} وَعَن سعيد بن جُبَير مَعْنَاهُ يحول بَين الْكَافِر أَن يُؤمن وَبَين الْمُؤمن أَن يكفر وَعَن ابْن عَبَّاس يحول بَين الْكَافِر وطاعته وَبَين الْمُؤمن ومعصيته وَكَذَا روى عَن الضَّحَّاك وَعَن مُجَاهِد يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه فَلَا يعقل وَلَا يدْرِي مَا يعلم وَالْغَرَض من هَذِه التَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى أَن الله خَالق لجَمِيع كسب الْعباد من الْخَيْر وَالشَّر وَأَنه قَادر على أَن يحول بَين الْكَافِر وَالْإِيمَان وَلم يقدره إِلَّا على ضِدّه وَهُوَ الْكفْر وعَلى أَن يحول بَين الْمُؤمن وَالْكفْر وأقدره على ضِدّه وَهُوَ الْإِيمَان وَفعل الله عدل فِيمَن أضلّهُ لِأَنَّهُ لم يمنعهُم حَقًا وَجب عَلَيْهِ وخلقهم على إِرَادَته لَا على إرادتهم وَكَانَ من خلق فيهم من قُوَّة الْهِدَايَة والتوفيق على وَجه التَّفْصِيل

[ قــ :6271 ... غــ :6617 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن أخبرنَا عبد الله أخبرنَا مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن عبد الله قَالَ كثيرا مِمَّا كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحلف لَا ومقلب الْقُلُوب) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن معنى مُقَلِّب الْقُلُوب تقليبه قلب عَبده عَن إِيثَار الْإِيمَان إِلَى إِيثَار الْكفْر وَعَكسه وَفعل الله عدل فِي ذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك ومُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن سعيد بن سُلَيْمَان وَفِي الْإِيمَان وَالنُّذُور عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان عَن عَليّ بن حجر وَعبد الله بن جَعْفَر وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَغَيره وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي قَوْله كثيرا نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف تَقْدِيره يحلف حلفا كثيرا مِمَّا كَانَ يُرِيد أَن يحلف بِهِ من أَلْفَاظ الْحلف قَوْله لَا فِيهِ حذف نَحْو لَا أفعل أَو لَا أترك وَحقّ مُقَلِّب الْقُلُوب وَهُوَ الله عز وَجل وَالْوَاو فِيهِ للقسم قَالَ الْكرْمَانِي مُقَلِّب الْقُلُوب أَي يقلب أغراضها وَأَحْوَالهَا من الْإِرَادَة وَغَيرهَا إِذْ حَقِيقَة الْقلب لَا تنْقَلب وَفِيه دلَالَة على أَن أَعمال الْقُلُوب من الإرادات والدواعي وَسَائِر الْأَغْرَاض بِخلق الله تَعَالَى كأفعال الْجَوَارِح



[ قــ :671 ... غــ :6618 ]
- ( حَدثنَا عَليّ بن حَفْص وَبشر بن مُحَمَّد قَالَا أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِابْنِ صياد خبأت لَك خبيئا قَالَ الدخ قَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك قَالَ عمر ائْذَنْ لي فَأَضْرب عُنُقه قَالَ دَعه إِن يكن هُوَ لَا تُطِيقهُ وَإِن لم يكن هُوَ فَلَا خير لَك فِي قَتله) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله إِن يكن هُوَ إِلَى آخِره يَعْنِي إِن كَانَ الَّذِي قَالَ قد سبق فِي علم الله خُرُوجه وإضلاله النَّاس فَلَنْ يقدرك خالقك على قتل من سبق فِي علمه أَنه يخرج ويضل النَّاس إِذْ لَو أقدرك على هَذَا لَكَانَ فِيهِ انقلاب علمه وَالله تَعَالَى عَن ذَلِك وَعلي بن حَفْص الْمروزِي سكن عسقلان وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم وَسَالم بن عبد الله بن عمر والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي بابُُ إِذا أسلم الصَّبِي فَمَاتَ هَل يصلى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ مطولا وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي قَوْله لِابْنِ صياد اسْمه صَاف قَوْله خبيئا ويروى خبا قَوْله الدخ بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة الدُّخان، وَقيل: أَرَادَ أَن يَقُول: الدُّخان، فَلم يُمكنهُ لهيبة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو زَجره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يسْتَطع أَن يخرج الْكَلِمَة تَامَّة.
قَوْله: ( اخْسَأْ) بِالْهَمْزَةِ يُقَال خسأ الْكَلْب إِذا بعد، وأخسأ أَمر مِنْهُ وَهُوَ خطاب زجر وإهانة.
قَوْله: ( فَلَنْ تعدو) ويروى بِحَذْف الْوَاو تَخْفِيفًا، أَو بِتَأْوِيل: لن، بِمَعْنى: لم، والجزم بلن لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي.
قَوْله: ( إِن يكن هُوَ) ويروى: إِن يكنه، وَفِيه رد على النَّحْوِيّ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُخْتَار فِي خبر: كَانَ، الِانْفِصَال.
قَوْله: ( فَلَا تُطِيقهُ) أَي: لَا تطِيق قَتله إِذا الْمُقدر أَنه يخرج فِي آخر الزَّمَان خُرُوجًا يفْسد فِي الأَرْض ثمَّ يقْتله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: ( فَلَا خير لَك) قيل: كَانَ يَدعِي النُّبُوَّة فَلم لَا يكون قَتله خيرا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ غير بَالغ، أَو كَانَ فِي مهادنة أَيَّام الْيَهُود وحلفائهم، وَأما امتحانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالخبء فلإظهار بطلَان حَاله للصحابة، وَأَن مرتبته لَا تتجاوز عَن الكهانة.