فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لا تحلفوا بآبائكم

( بابٌُ لَا تَحلِفُوا بِآبائِكُمْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، مثل قَوْله: بِأبي أفعل وَلَا أفعل.



[ قــ :6299 ... غــ :6646 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ لله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدْرَكَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ وهْوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأبِيهِ، فَقَالَ: ( أَلا إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ، مَنْ كَانَ حالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللَّه أوْ لِيَصْمُتْ) .

طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِلَفْظ: بَينا أَنا فِي ركب أَسِير فِي غزَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: لَا وَأبي، فَهَتَفَ بِي رجل من خَلْفي: تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَالْتَفت فَإِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عِكْرِمَة عَن عمر: فَالْتَفت فَإِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَو أَن أحدكُم حلف بالمسيح، والمسيح خير من آبائكم، لهلك.
وَفِي رِوَايَة سعيد بن عُبَيْدَة: أَنَّهَا شرك، وَفِي رِوَايَة ابْن الْمُنْذر: لَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بالأوثان وَلَا تحلفُوا بِاللَّه إلاَّ وَأَنْتُم صَادِقُونَ.
وروى ابْن أبي عَاصِم فِي ( كتاب الْأَيْمَان) : وَالنُّذُور، وَمن حَدِيث ابْن عمر: من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك أَو كفر.

وَالْحكمَة فِي النَّهْي عَن الْحلف بِالْآبَاءِ أَنه يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ، وَحَقِيقَة العظمة مُخْتَصَّة بِاللَّه جلت عَظمته.
فَلَا يضاهي بِهِ غَيره، وَهَكَذَا حكم غير الْآبَاء من سَائِر الْأَشْيَاء، وَمَا ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَفْلح وَأَبِيهِ، فَهِيَ كلمة تجْرِي على اللِّسَان لَا يقْصد بهَا الْيَمين، وَأما قسم الله تَعَالَى بمخلوقاته نَحْو: وَالصَّافَّات، وَالطور، وَالسَّمَاء والطارق، والتين وَالزَّيْتُون، وَالْعَادِيات ... فَللَّه أَن يقسم بِمَا شَاءَ من خلقه تَنْبِيها على شرفه، أَو التَّقْدِير: وَرب الطّور.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحلف بِغَيْر الله لَا بِهَذِهِ الْأَقْسَام وَلَا بغَيْرهَا، لإِجْمَاع الْعلمَاء على أَن من وَجب لَهُ يَمِين على آخر فِي حق، فَلهُ أَن يحلف لَهُ إلاَّ بِاللَّه، وَلَو حلف لَهُ بِالنَّجْمِ وَالسَّمَاء،.

     وَقَالَ : نَوَيْت رب ذَلِك، لم يكن عِنْدهم يَمِينا.
وروى ابْن جرير عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سمع ابْن الزبير يَقُول: سمعني عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لف بِالْكَعْبَةِ فنهاني،.

     وَقَالَ : لَو تقدّمت إِلَيْك لعاقبتك.
قَالَ قَتَادَة: وَيكرهُ الْحلف بالمصحف وبالعتق وَالطَّلَاق،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: الْحلف بِالطَّلَاق وَالْعِتْق لَيْسَ يَمِينا عِنْد أهل التَّحْصِيل وَالنَّظَر، وَإِنَّمَا هُوَ طَلَاق بِصفة، وَعتق بِصفة، وَكَلَام خرج على الاتساع وَالْمجَاز، وَلَا يَمِين فِي الْحَقِيقَة إِلَّا بِاللَّه عز وَجل.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِيمَا على من حلف بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَحنث، فَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول: عَلَيْهِ بِكُل آيَة يَمِين، وَبِه قَالَ الْحسن.

     وَقَالَ  النُّعْمَان: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: من حلف بالرحمن فَحنث إِن أَرَادَ بالرحمن الله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين، وَإِن أَرَادَ سُورَة الرَّحْمَن فَلَا كَفَّارَة.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ وَرَبِيعَة: إِذا قَالَ: أشهد لَا أفعل كَذَا، ثمَّ فعل فَهُوَ يَمِين.
فَإِن قَالَ: حَلَفت وَلم يحل، فَقَالَ الْحسن وَالنَّخَعِيّ: لَزِمته يَمِين،.

     وَقَالَ  حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: هِيَ كذبة،.

     وَقَالَ  أَبُو ثَوْر: إِذا قَالَ عَلَيْهِ يَمِين وَلم يكن حلف فَلهَذَا بَاطِل،.

     وَقَالَ  أَصْحَاب الرَّأْي: هِيَ يَمِين، فَإِن قَالَ: هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ إِن فعل كَذَا، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر: يستغر الله.
.

     وَقَالَ  طَاوُوس وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق إِذا أَرَادَ الْعين، وَاخْتلفُوا فِي الرجل يَدْعُو على نَفسه بالخزي والهلاك أَو قطع الْيَدَيْنِ إِن فعل كَذَا، فَقَالَ عَطاء: وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي عبيد وَأَصْحَاب الرَّأْي،.

     وَقَالَ  طَاوُوس عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ اللَّيْث،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: إِذا قَالَ عَلَيْهِ لعنة الله.
.
إِن لم يفعل كَذَا، فَلم يَفْعَله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين.





[ قــ :6300 ... غــ :6647 ]
- حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ حدّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: قَالَ سالِمٌ: قَالَ ابنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ لِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ) .
قَالَ عُمَرُ: فَوَالله مَا حَلَفْتُ بِها مُنْذُ سَمُعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاكِراً وَلَا آثِراً.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَسَعِيد بن عفير بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء هُوَ سعيد بن كثيرين عفير مولى الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ، وَابْن وهب عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان أَيْضا عَن أبي الطَّاهِر وحرملة عَن ابْن وَبِه وَغَيرهمَا.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عُثْمَان.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن مُحَمَّد بن يحيى.

قَوْله: ( ذَاكِرًا) أَي: قَائِلا لَهَا من قبل نَفسِي.
قَوْله: ( وَلَا آثراً) بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْأَثر يَعْنِي: وَلَا حاكياً لَهَا عَن غَيْرِي نَاقِلا عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: وَمِنْه حَدِيث مأثور عَن فلَان، أَي: يحدث بِهِ عَنهُ، والأثر الرِّوَايَة وَنقل كَلَام الْغَيْر.

قَالَ مُجاهِدٌ: { ( 46) أَو إثارة من علم} ( الْأَحْقَاف: 4) يَأْثُرُ عِلْماً

أَي قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { أَو إثارة من علم} وَقَبله: { ائتموني بِكِتَاب من قبل هَذَا أَو إثارة من علم إِن كُنْتُم صَادِقين} وَفسّر قَوْله: { أَو إثارة من علم} بقوله: يأثر علما، يَعْنِي: ينْقل خَبرا عَمَّن كَانَ قبله،.

     وَقَالَ  مقَاتل: يَعْنِي: رِوَايَة عَن الْأَنْبِيَاء، والأثر الرِّوَايَة، وَمِنْه قيل للْحَدِيث: أثر.

تابَعَهُ عُقَيْلٌ والزُّبَيْدِيُّ وإسْحَاقُ الكَلْبِيُّ عنِ الزُّهْرِيِّ

أَي: تَابع يُونُس فِي رِوَايَته عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم فَقَالَ: حَدثنَا عبد الْملك بن شُعَيْب قَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي حَدثنِي عقيل بن خَالِد ... الحَدِيث.
قَوْله: ( والزبيدي) ، أَي: تَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي صَاحب الزُّهْرِيّ، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن مُحَمَّد بن حَرْب عَنهُ.
قَوْله: ( وَإِسْحَاق الْكَلْبِيّ) أَي: تَابعه أَيْضا إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَوَقعت مُتَابَعَته فِي نسخته من طَرِيق أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن شَاذان عَن عبد القدوس بن مُوسَى الْحِمصِي عَن سُلَيْمَان بن عبد الحميد عَن يحيى بن صَالح الوحاي عَن إِسْحَاق ابْن يحيى فَذكره.

وَقَالَ ابنُ عُيَيَيْنَةَ ومَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر بن رَاشد ... إِلَى آخِره، وَتَعْلِيق ابْن عُيَيْنَة وَصله ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن أبي عمر الْعَدنِي عَن سُفْيَان وَتَعْلِيق معمر وَصله أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن عبد الرَّزَّاق عَنهُ وَالتِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
وَلما ذكر يَعْقُوب بن شيبَة هَذَا الحَدِيث فِي ( مُسْنده) قَالَ: حَدِيث مدنِي حسن الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ يحيى بن أبي إِسْحَاق عَن سَالم عَن ابْن عمر، وَلم يقل عَن عمر وَرَوَاهُ عبيد الله بن عَمْرو أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَمَالك وَاللَّيْث وَعبد الله بن دِينَار، فكلهم جَعَلُوهُ عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أدْرك عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ، غير أَيُّوب فَإِنَّهُ جعله عَن نَافِع: أَن عمر ... وَلم يذكر ابْن عمر فِي حَدِيثه.



[ قــ :6301 ... غــ :6648 ]
- حدّثنا مُوسى بن إسْماعِيلَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينار قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ) .

طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم الْقَسْمَلِي، وَعبد الله بن دِينَار مولى ابْن عمر،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تحلف بآبئهم وآلهتهم فَأَرَادَ الله أَن ينْسَخ من قُلُوبهم وألسنتهم ذكر كل شَيْء سَوَاء وَيبقى ذكره تَعَالَى لِأَنَّهُ الْحق المعبود.
وَالسّنة الْيَمين بِاللَّه عز وَجل.





[ قــ :630 ... غــ :6649 ]
- حدّثنا قُتَيْبَة حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قِلابَةَ والقاسِمِ التَّمِيمِيِّ عنْ زَهْدمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هاذا الحَيِّ مِنْ جَرْمٍ وبَيْنَ الأشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإخاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجاجٍ وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ الله أحْمَرُ كأنصهُ مِنَ المَوالِي، فَدَعاهُ إِلَى الطَّعامِ فَقَالَ: إنِّي رَأيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أنْ لَا آكلَهُ، فَقَالَ: قمْ فَلأُحَدِّثَنَّكَ عَن ذاكَ، إنِّي أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: ( وَالله! لَا أحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ) ، فأتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَهْبِ إبِلٍ، فَسألَ عَنَّا فَقَالَ: ( أيْنَ النَّفَرُ الأشْعَرِيُّونَ؟) .
فأمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّراى، فَلَمَّا انْطَلَقْنا قُلْنا: مَا صَنَعْنا؟ حَلَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَحْمِلُنا وَمَا عِنْدَه مَا يَحْمِلُنا.
ثُمَّ حَمَلَنا.
تَغَفَّلْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينَهُ، وَالله لَا نُفْلِحُ أبَداً.
فَرَجَعْنا إلَيْهِ فَقُلْنا لهُ: إنَّا أتَيْناكَ لِتَحْمِلَنا فَحَلَفْتَ أنْ لَا تَحْمِلَنا وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنا، فَقَالَ: ( إنِّي لَسْتُ أَنا حَمَلْتُكُمْ ولَكِنَّ الله حَمَلَكُمْ، وَالله لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فأرَى غَيْرَها خَيْراً مِنْها إلاّ أتَيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وتَحَلَّلْتُها) .

يل: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ على الْحَاشِيَة فِي الْبابُُ السَّابِق وَنَقله النَّاسِخ إِلَى هَذَا الْبابُُ انْتهى.

قلت: هَذَا بعيد جدا مَعَ أَن فِيهِ فِي الْمُطَابقَة أَيْضا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَيْضا: اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حلف فِي هَذِه الْقَضِيَّة مرَّتَيْنِ: أَولا عِنْد الْغَضَب وآخراً عِنْد الرِّضَا، وَلم يحلف إلاّ بِاللَّه، فَدلَّ على أَن الْحلف إِنَّمَا هُوَ بِاللَّه فِي الْحَالَتَيْنِ.
انْتهى.

قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ فِيهِ بَيَان الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَن التَّرْجَمَة: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ.
والْحَدِيث فِيهِ: حلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمطابق ذكره فِي الْبابُُ السَّابِق، لِأَن تَرْجَمته: بابُُ كَيفَ كَانَت يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن جملَة مَا يحلف بِهِ حلفه بِاللَّه، وَلَيْسَت التَّرْجَمَة فِي بَيَان أَن الْحلف على ضَرْبَيْنِ عِنْد الْغَضَب وَعند الرِّضَا، وَإِنَّمَا هُوَ بِاللَّه فِي الْحَالين، وَيُمكن أَن يُوَجه وَجه الْمُطَابقَة وَإِن كَانَ فِيهِ بعض التعسف بِأَن التَّرْجَمَة لما كَانَت فِي معنى الْحلف بِالْآبَاءِ، وَذكر حديثين مطابقين لَهَا، ذكر هَذَا الحَدِيث تَنْبِيها على أَن الْحلف إِذا لم يكن بِالْآبَاءِ وَنَحْو ذَلِك لَا يكون إلاّ بِاللَّه، فَذكره لِأَن فِيهِ الْحلف بِاللَّه فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

وقتيبة هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وَالقَاسِم بن عَاصِم التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة ابْن مضرب على وزن اسْم فَاعل من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة الْجرْمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْإِيمَان، وَلَكِن من قَول أبي مُوسَى: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي رَهْط من الْأَشْعَرِيين ... إِلَى آخِره، وَالَّذِي ذكر قبله هُنَا لَيْسَ هُنَاكَ.

قَوْله: ( من جرم) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ بطْنَان من الْعَرَب: أَحدهمَا: من قضاعة وَهُوَ جرم بن ربان.
وَالْآخر: فِي طي.
قَوْله: ( وَبَين الْأَشْعَرِيين) ، ويروى الأشعرين، بِحَذْف يَاء النِّسْبَة.
قَوْله: ( ود) بِضَم الْوَاو وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ الْمحبَّة.
قَوْله: ( وإخاء) بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالمد، تَقول: آخاء مؤاخاة وإخاء، والعامة تَقول: وأخاه، قَوْله: ( فَكَانَ عِنْد أبي مُوسَى) أَي: فَكَانَ زَهْدَم عِنْده، ويروى: فَكُنَّا.
قَوْله: ( دَجَاج) هُوَ مثلث الدَّال جمع دجَاجَة للذّكر وَالْأُنْثَى لِأَن الْهَاء إِنَّمَا دخلت على أَنه وَاحِد من جنسه.
قَوْله: ( من تيم الله) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف هِيَ حَيّ من بكر.
قَوْله: ( فقذرته) بِفَتْح الذَّال وَكسرهَا أَي: كرهته.
قَوْله: ( فلأحدثتك) أَي: فوَاللَّه لأحدثنك، بنُون التَّأْكِيد، ويروى بِلَا نون.
قَوْله: ( فِي نفر) هُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تقدّمت: فِي رَهْط من الْأَشْعَرِيين، وقذ ذكرنَا هُنَاكَ أَن الرَّهْط عشرَة الرجل من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين وَلَا تكون فيهم امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَتَفْسِير بَقِيَّة الْأَلْفَاظ قد مر هُنَاكَ، والمسافة قريبَة.
قَوْله: ( بِنَهْب) أَي: من الْغَنِيمَة، قيل: تقدم فِي غَزْوَة تَبُوك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتاعهن من سعد.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّه اشْتَرَاهَا مِنْهُ من سهامه من ذَلِك النهب، أَو هما قضيتان: إِحْدَاهمَا: عِنْد قدوم الْأَشْعَرِيين.
وَالثَّانيَِة: فِي غَزْوَة تَبُوك.
قَوْله: ( تغفلنا) أَي: طلبنا غفلته.
قَوْله: ( وتحللتها) أَي: كفرتها والتحلل هُوَ التقص عَن عُهْدَة الْيَمين الْخُرُوج من حرمتهَا.