فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من حلف على الشيء وإن لم يحلف

( بابُُ مَنْ حَلَفَ عَلى الشَّيْءِ وإنْ لَمْ يُحَلَّفْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ بَيَان من حلف على شَيْء يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله.
قَوْله: ( وَإِن لم يحلف) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ مَعْطُوف على مَحْذُوف تَقْدِيره: حلف على ذَلِك وَإِن لم يحلف.



[ قــ :6304 ... غــ :6651 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصْطَنَعَ خَاتمًا مِنْ ذَهَبٍ وكانَ يَلْبَسُهُ فَيَجعَلُ فَصَّهُ فِي باطنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ النَّاسُ خَواتِيمَ، ثمَّ إنَّهُ جَلَسَ عَلى المِنْبَرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: ( إنِّي كُنْتُ ألْبَسُ هاذَا الخاتَمَ وأجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ داخلٍ) فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: ( وَالله لَا ألْبَسُهُ أبَداً) فَنَبَذَ النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ.

طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف لَا يلبس خَاتم الذَّهَب، وَالْحَال أنّ أحدا مَا حلفه على ذَلِك.
وَفِيه أَنه: لَا بَأْس بِالْحلف على مَا يجب الْمَرْء تَركه أَو على مَا يحب فعله من سَائِر الْأَفْعَال، وَأما وَجه حلفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ فِي ذَلِك مَا قَالَه الْمُهلب: إِنَّمَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحلف فِي تضاعيف كَلَامه وَكثير من فتواه تَبَرعا ذَلِك لنسخ مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِ من الْحلف بآبائهم وآلهتهم وأصنام وَغَيرهَا ليعرفهم أَن لَا محلوف بِهِ سوى الله، عز وَجل، وليتدربوا على ذَلِك حَتَّى ينسوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْحلف بغبر الله تَعَالَى.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب اللبَاس فِي: بابُُ خَوَاتِيم الذَّهَب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد وَعَن يحيى عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَأخرجه أَيْضا فِي: بابُُ خَاتم الْفضة عَن يُوسُف بن مُوسَى عَن أبي سَلمَة عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر.

قَوْله: ( فَيجْعَل فصه) بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا قَالَه الْكرْمَانِي،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْعَامَّة تَقول بِالْكَسْرِ.
قَوْله: ( فِي بَاطِن كَفه) إِنَّمَا لبسه كَذَلِك لبَيَان أَنه لم يكن للزِّينَة بل للختم ومصالح أُخْرَى.
قَوْله: ( فَرمى بِهِ) أَي: لم يَسْتَعْمِلهُ وَلَيْسَ أَنه أتْلفه لنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إِضَاعَة المَال.
قَوْله: ( وَالله لَا ألبسهُ أبدا) أَرَادَ بذلك تَأْكِيد الْكَرَاهَة فِي نفوس النَّاس بِيَمِينِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن كَرَاهَته لِمَعْنى، فَإِذا أَزَال ذَلِك الْمَعْنى لم يكن بلبسه بَأْس، وأكد بِالْحلف أَن لَا يلْبسهُ على جَمِيع وجوهه.
قَوْله: ( فنبذ النَّاس) أَي: طرح النَّاس خواتيمهم.