فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته

(بابُُ الحَلِفِ بِعِزَّةِ الله وصِفاتِهِ وكَلِماتِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْحلف بعزة الله نَحْو أَن يَقُول: وَعزة الله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَو لَا أفعلن كَذَا، وهذايمين فِيهِ الْكَفَّارَة.
قَوْله: (وَصِفَاته) قَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي الْيَمين بِصِفَات الله تَعَالَى، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) : الْحلف بِجَمِيعِ صِفَات الله وأسمائه لَازم كَقَوْلِه: والسميع والبصير والعليم والخبير واللطيف، أَو قَالَ: وَعزة الله وكبريائه وَقدرته وأمانته، وَحقه فَهِيَ أَيْمَان كلهَا تكفر، وَذكر ابْن الْمُنْذر مثله عَن الْكُوفِيّين إِذا قَالَ: وعظمة الله وكبريائه وجلال الله وَأَمَانَة الله، وَحنث عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، وَكَذَلِكَ فِي كل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: فِي جلال الله وعظمة الله وقدرة الله وَحقّ الله وَأَمَانَة الله إِن نوى بهَا الْيَمين فَذَاك وإلاَّ فَلَا،.

     وَقَالَ  أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن أبي حنيفَة: وَإِن قَول الرجل: وَحقّ الله وَأَمَانَة الله لَيست بِيَمِين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه.
قَوْله: (وكلماته) أَي: الْحلف بِكَلِمَات الله نَحْو الْحلف بِالْقُرْآنِ أَو بِمَا أنزل الله، وَاخْتلفُوا فِيمَن حلف بِالْقُرْآنِ أَو الْمُصحف أَو بِمَا أنزل الله، فَروِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن عَلَيْهِ لكل آيَة كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَقيل: كَلَام ابْن مَسْعُود مَحْمُول عل التَّغْلِيظ، وَلَا دَلِيل على صِحَّته.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: إِذا حلف بالمصحف عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَن حلف بِالْقُرْآنِ وَبِه قَالَ أَبُو عبيد،.

     وَقَالَ  عَطاء: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ: أعُوذُ بِعِزَّتِكَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد من طَرِيق يحيى بن معمر عَن ابْن عَبَّاس، فراجع إِلَيْهِ.

وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَبْقَى رجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عنِ النَّارِ، لَا وَعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَها،.

     وَقَالَ  أبُو سَعِيدٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله) لَكَ ذَلِكَ وعَشَرَةُ أمْثْالِهِ)) .

مطابقه للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك لَا أَسأَلك غَيرهَا) ، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى مطولا عَن قريب فِي: بابُُ الصِّرَاط جسر جَهَنَّم، وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ.

وَقَالَ أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامِ: وعزَّتِكَ لَا غِنَى لِي عنْ بَرَكَتِكَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك) ، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي: بابُُ من اغْتسل عُريَانا وَحده عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا فَخر عَلَيْهِ جَراد من ذهب، فَجعل أَيُّوب يحشي فِي ثَوْبه، فناداه ربه، يَا أَيُّوب { ألم أكن أغنيتك عَمَّا ترى؟ قَالَ: بلَى وَعزَّتك، وَلَكِن لَا غنى لي عَن بركتك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لَا غنى لي) أَي: لَا اسْتغْنَاء أَو لَا بُد.



[ قــ :6312 ... غــ :6661 ]
-
حدّثنا آدَمُ حدَّثنا شَيْبانُ حدّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} حتَّى يَضَعَ ربُّ العِزَّةِ فِيها قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ وعِزَّتِكَ، ويُزوَى بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ) .
رواهُ شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ.
(انْظُر الحَدِيث 8484 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك) .
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، واسْمه عبد الرَّحْمَن، وَأَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان، وشيبان مر عَن قريب.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن عبد بن حميد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد أَيْضا.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن الرّبيع بن مُحَمَّد عَن آدم بِهِ.

قَوْله: (وَتقول جَهَنَّم هَل من مزِيد) قَالَ الثَّعْلَبِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا مجَازًا مجازه: هَل من مزِيد، وَيحْتَمل أَن يكون استفهاماً بِمَعْنى الاستزادة، وَإِنَّمَا صلح للوجهين لِأَن فِي الِاسْتِفْهَام ضربا من الْجحْد وطرفاً من النَّفْي.
قَوْله: (مزِيد) اسْم بِمَعْنى الزِّيَادَة.
قَوْله: (قدمه) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من المتشابهات،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: أَي مَا قدم لَهَا من خلقه وَسبق لَهَا بمشيئته ووعده مِمَّن يدخلهَا.
.

     وَقَالَ  النَّضر بن شُمَيْل، معنى الْقدَم هُنَا الْكفَّار الَّذين سبق فِي علم الله تَعَالَى أَنهم من أهل النَّار، وَحمل الْقدَم على الْمُتَقَدّم لِأَن الْعَرَب تَقول للشَّيْء الْمُتَقَدّم: قدم، وَقيل: الْقدَم خلق يخلقه الله يَوْم الْقِيَامَة فيسميه قدماً ويضيفه إِلَيْهِ من طَرِيق الْفِعْل وَالْملك يَضَعهُ فِي النَّار فتمتلىء النَّار مِنْهُ، وَقيل: المُرَاد بِهِ قدم بعض خلقه فأضيف إِلَيْهِ كَمَا يَقُول: ضرب الْأَمِير اللص، على معنى أَنه عَن أمره، وَسُئِلَ الْخَلِيل عَن معنى هَذَا الْخَبَر فَقَالَ: هم قوم قدمهم الله تَعَالَى إِلَى النَّار.
وَعَن عبد الله بن الْمُبَارك: من قد سبق فِي علمه أَنهم من أهل النَّار، وكل مَا تقدم فَهُوَ قدم، قَالَ الله تَعَالَى: { إِن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} (يُونُس: 2) يَعْنِي: أعمالاً صَالِحَة قدموها، وَرُوِيَ عَن حسان بن عَطِيَّة: حَتَّى يضع الْجَبَّار قدمه، بِكَسْر الْقَاف، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن وهب بن مُنَبّه،.

     وَقَالَ : إِن الله تَعَالَى قد كَانَ خلق قوما قبل آدم عَلَيْهِ السَّلَام، يُقَال لَهُم: الْقدَم، رؤوسهم كرؤوس الْكلاب وَالدَّوَاب وَسَائِر أعضائهم كأعضاء بني آدم، فعصوا رَبهم فأهلكهم الله تَعَالَى يمْلَأ الله جَهَنَّم مِنْهُم حِين تستزيد فَإِن قلت: جَاءَ فِي مُسلم: حَتَّى يضع تبَارك وَتَعَالَى فِيهَا رجله، فَتَقول: قطّ قطّ.
فهنالك تمتلىء.

قلت: الرجل الْعدَد الْكثير من النَّاس وَغَيرهم، وَالْإِضَافَة من طَرِيق الْملك.
قَوْله: (قطّ قطّ) ، مر الْكَلَام فِيهِ فِي سُورَة { ق} وَمَعْنَاهُ: حسبي حسبي اكتفيت وامتلئت، وَقيل: إِن ذَلِك حِكَايَة صَوت جَهَنَّم.
قَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا كَانَ بِمَعْنى حسبي وَهُوَ الِاكْتِفَاء فَهُوَ مَفْتُوح الْقَاف سَاكن الطَّاء،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ورويناه بِكَسْرِهَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِكَسْر الْقَاف.
قَوْله: (ويزوي) بِضَم الْيَاء وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْوَاو يَعْنِي: يجمع وَيقبض.
قَوْله: (رَوَاهُ شُعْبَة) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور شُعْبَة عَن قَتَادَة وصل البُخَارِيّ رِوَايَته فِي تَفْسِير سُورَة { ق} فَارْجِع إِلَيْهِ.