فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من مات وعليه نذر

( بابُُ مَنْ ماتَ وعَلَيْهِ نَذْرٌ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من مَاتَ وَالْحَال أَنه عَلَيْهِ نذرا، هَل يقْضى عَنهُ أم لَا؟ .

وأمَرَ ابنُ عُمَرَ امْرأةً جَعَلَتْ أُمُّها عَلى نَفْسِها صَلاةً بِقُباءٍ، فَقَالَ: صَلِّي عَنْها
هَذَا أوضح حكم التَّرْجَمَة، يَعْنِي: من مَاتَ وَعَلِيهِ نذر يقْضِي عَنهُ، وبهذ أخذت الظَّاهِرِيَّة، وَقَالُوا: يجب قَضَاء النّذر عَن الْمَيِّت على ورثته صوما كَانَ أَو صَلَاة.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: تجوز النِّيَابَة عَن الْمَيِّت فِي الصَّلَاة وَالْحج وَغَيرهمَا، لتضمن أَحَادِيث الْبابُُ بذلك.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : الْفِعْل الَّذِي يتَضَمَّن فعل النّذر خَاصَّة كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم فَالْمَشْهُور من مَذَاهِب الْفُقَهَاء أَنه لَا يفعل.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن الحكم: يصام عَنهُ وَهُوَ الْقَدِيم للشَّافِعِيّ، وَصحت بِهِ الْأَحَادِيث فَهُوَ الْمُخْتَار،.

     وَقَالَ هُ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، وَعند الْحَنَفِيَّة: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم عَنهُ، وَنقل ابْن بطال إِجْمَاع الْفُقَهَاء على أَنه: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد فرضا وَلَا سنة لَا عَن حَيّ وَلَا عَن ميت، وَالْجَوَاب عَمَّا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه: صَحَّ عَنهُ خلاف ذَلِك، فَقَالَ مَالك فِي ( الْمُوَطَّأ) : إِنَّه بلغه أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ يَقُول: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَيحمل قَوْله.
فِي الْأَثر الْمَذْكُور صلي عَنْهَا إِن شِئْت،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: صلي عَلَيْهَا، فَأَما أَن يُقَام: على، مقَام: عَن إِذْ: حُرُوف الْجَرّ بَينهَا مناوبة، وَأما أَن يُقَال: الضَّمِير رَاجع إِلَى قبَاء.
انْتهى.

قلت: المناوية بَين الْحُرُوف لَيست على الْإِطْلَاق، وَلم يقل أحد إِن: على، تَأتي بِمَعْنى: عَن، مَعَ أَن جمَاعَة زَعَمُوا أَن.
.
على، لَا تكون إلاَّ اسْما، ونسبوه لسيبويه.
أَقُول: لم لَا يجوز أَن يكون معنى: صلي عَلَيْهَا، أَدعِي لَهَا؟ فَيكون قد أمرهَا بِالدُّعَاءِ لَهَا لَا بِالصَّلَاةِ عَنْهَا.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاس نَحْوَهُ
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَحْو مَا قَالَ عبد الله بن عمر، وَوصل هَذَا المعلَّق ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير قَالَ مرّة: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ نذر قضي عَنهُ وليه، وَرُوِيَ عَنهُ خلاف ذَلِك، رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق أَيُّوب بن مُوسَى عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد، وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَجمع بَعضهم بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن الْإِثْبَات فِي حق من مَاتَ، وَالنَّفْي فِي حق الْحَيّ.

قلت: النَّقْل عَنهُ فِي هَذَا مُضْطَرب فَلَا يقوم بِهِ حجَّة لأحد.



[ قــ :6348 ... غــ :6698 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ الأنْصاريَّ اسْتَفْتى االنبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضِيَهُ، فأفْتاهُ أنْ يَقْضِيهُ عَنْها، فَكانَتْ سُنَّةً بَعْدُ.
( انْظُر الحَدِيث 1672 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ويوضح حكمهَا أَيْضا.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد ابْن مُسلم، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بابُُ مَا يسْتَحبّ لمن يتوفى فَجْأَة أَن يتصدقوا عَنهُ وَقَضَاء النّذر عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس: أَن سعد بن عبَادَة استفتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث.

قَوْله: ( كَانَ على أمه) اخْتلفُوا فِي النّذر الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا، فَقيل: كَانَ صياما، وَقيل: عتقا، وَقيل: كَانَ صَدَقَة، وَقيل: كَانَ نذرا مُطلقًا لَا ذكر فِيهِ لشَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء، وَالْحكم فِي النّذر الْمُبْهم كَفَّارَة يَمِين، رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَجَابِر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَرُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة: أَن النّذر الْمُبْهم أغْلظ الْأَيْمَان وَله أغْلظ الْكَفَّارَات: عتق أَو كسْوَة أَو إطْعَام.
قَالَ: وَالصَّحِيح قَول من جعل فِيهِ كَفَّارَة يَمِين لما رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن إِسْمَاعِيل بن رَافع عَن خَالِد بن يزِيد عَن عقبَة ابْن عَامر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كَفَّارَة يَمِين) .
قَوْله: ( فأفتاه) أَي: فَأفْتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَقْضِيه عَنْهَا، أَي: عَن أمه، وَذَلِكَ بِحَسب مَا وَقع نذرها.
قَوْله: ( فَكَانَت سنة بعد) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: صَار قَضَاء الْوَارِث مَا على الْمَوْرُوث طَريقَة شَرْعِيَّة، وَتَبعهُ بَعضهم على هَذَا التَّفْسِير.

قلت: هَذَا وَإِن كَانَ حَاصِل الْمَعْنى، وَلَكِن معنى التَّرْكِيب لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: فَكَانَت فَتْوَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة يعْمل بهَا بعد إِفْتَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، وَالضَّمِير فِي: كَانَت، يرجع إِلَى الْفَتْوَى يدل عَلَيْهَا.
قَوْله: ( فافتاه) وَهُوَ من قبيل قَوْله: { يَاأَيُّهَآ الَّذِينَءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ( الْمَائِدَة: 8) أَي: فَإِن الْعدْل يدل عَلَيْهِ قَوْله: إعدلوا.





[ قــ :6349 ... غــ :6699 ]
- حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي بِشْرٍ قَالَ: سَمِعتُ سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ عنِ ابْن عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أتَى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا ماتَتْ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَوْ كَانَ عَلَيْها دَيْنٌ أكُنْتَ قاضِيَهُ؟) قَالَ: نَعَمْ قَالَ: ( فاقْضِ دَيْنَ الله فَهْوَ أحَقُّ بالقَضاءِ) .
( انْظُر الحَدِيث 581 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة واسْمه جَعْفَر ابْن أبي وحشية، واسْمه إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: الوَاسِطِيّ.

قَوْله: ( أَتَى رجل) قد تقدم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج فِي: بابُُ الْحَج عَن الْمَيِّت: أَن امْرَأَة قَالَت: إِن أُمِّي نذرت ... إِلَى آخِره، وَلَا مُنَافَاة لاحْتِمَال وُقُوع الْأَمريْنِ جَمِيعًا، وَقد مضى الْكَلَام فِي الْحَج عَن الْغَيْر بتفاصيله.
قَوْله: ( لَو كَانَ عَلَيْهَا دين) تَمْثِيل مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَعْلِيم لأمته الْقيَاس وَالِاسْتِدْلَال.
قَوْله: ( فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ) أَي: فدين الله أَحَق بِالْأَدَاءِ، قيل إِذا اجْتمع حق الله وَحقّ الْعباد يقدم حق الْعباد، فَمَا معنى فَهُوَ أَحَق.
أُجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ إِذا كنت تراعي حق النَّاس فَلِأَن تراعي حق الله كَانَ أولى، وَلَا دخل فِيهِ للتقديم وَالتَّأْخِير إِذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَحَق بالتقديم.