فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض، والغنم، والزروع، والأمتعة

( بابٌُ هَلْ يَدْخلُ فِي الأيْمانِ والنُّذُور الأرْضُ والغَنَمُ والزُّرُوعُ والأمْتِعَةُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: هَل يدْخل فِي الْأَيْمَان ... إِلَى آخِره، يَعْنِي: هَل يَصح الْيَمين وَالنّذر على الْأَعْيَان؟ فصورة الْيَمين نَحْو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هَذِه الشملة لتشتعل، عَلَيْهِ نَارا) ، وَصُورَة النّذر مثل أَن يَقُول: هَذِه الأَرْض لله نذرا، وَنَحْوه.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا أَن يبين أَن المَال يَقع على كل متملك، أَلا ترى قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أصبت أَرضًا لم أصب مَالا قطّ أنفس مِنْهُ، وَقَول أبي طَلْحَة: أحب الْأَمْوَال إِلَيّ بيرحاء، وهم الْقدْوَة فِي الفصاحة وَمَعْرِفَة لِسَان الْعَرَب؟.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ يَقُول: إِن من حلف أَو نذر أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله فَإِنَّهُ لَا يَقع يَمِينه ونذره من الْأَمْوَال إلاَّ على مَا فِيهِ الزَّكَاة خَاصَّة.
انْتهى.

قلت: قد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِير المَال حَيْثُ قَالَ ابْن عبد الْبر وَآخَرُونَ: إِن المَال فِي لُغَة دوس، قَبيلَة أبي هُرَيْرَة، غير الْعين كالعروض وَالثيَاب، وَعند جمَاعَة: المَال هُوَ الْعين كالذهب وَالْفِضَّة خَاصَّة، وَحكى المطرزي أَن المَال هُوَ الصَّامِت كالذهب وَالْفِضَّة والناطق، وَحكى القالي عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: المَال عِنْد الْعَرَب أَقَله مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَمَا نقص عَن ذَلِك فَلَا يُقَال لَهُ مَال.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده فِي ( العريض) : الْعَرَب لَا توقع اسْم المَال مُطلقًا إلاَّ على الْإِبِل لشرفها عِنْدهم وَكَثْرَة غنائها، قَالَ: وَرُبمَا أوقعوه على أَنْوَاع الْمَوَاشِي كلهَا، وَمِنْهُم من أوقعه على جَمِيع مَا يملكهُ الْإِنْسَان لقَوْله تَعَالَى: { وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} ( النِّسَاء: 5) فَلم يخص شَيْئا دون شَيْء، وَهُوَ اخْتِيَار كثير من الْمُتَأَخِّرين، فَلَمَّا رأى البُخَارِيّ هَذَا الِاخْتِلَاف أَشَارَ إِلَى أَن المَال يَقع على كل متملك، كَمَا حكى عَنهُ الْمُهلب، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، فتبيَّن من ذَلِك أَنه اخْتَار هَذَا القَوْل فَلَا حَاجَة إِلَى قَول صَاحب ( التَّوْضِيح) : إِنَّه أَرَادَ بِهِ الرَّد على أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ اخْتَار قولا من الْأَقْوَال فَكَذَلِك اخْتَار أَبُو حنيفَة قولا من الْأَقْوَال، فَلَا اخْتِصَاص بِذكر الرَّد عَلَيْهِ خَاصَّة، وَلَكِن عرق العصبية الْبَاطِلَة نَزعه إِلَى ذَلِك.

وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصَبْتُ أرْضاً لَمْ أصِبْ مَالا قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، قَالَ: ( إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَها وتَصَدَّقْتَ بِها) .

ذكر هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الأَرْض يُطلق عَلَيْهَا المَال، وَهَذَا تَعْلِيق ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا مَوْصُولا.
قَوْله: حبست، أَي: وقفت، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

وَقَالَ أبُو طَلْحَةَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحبُّ أمْوالي إلَيَّ بَيْرُحاءٍ، لِحَائِطٍ لهُ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجدِ
ذكر هَذَا التَّعْلِيق أَيْضا عَن أبي طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، إِشَارَة إِلَى أَن الْحَائِط الَّذِي هُوَ الْبُسْتَان من النّخل يُطلق عَلَيْهِ المَال، وَقد تقدم هَذَا مَوْصُولا فِي: بابُُ الزَّكَاة على الْأَقَارِب.
قَوْله: ( إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( بيرحاء) قد مر ضَبطه هُنَاكَ.
قَوْله: ( لحائط) ، اللَّام فِيهِ للتبيين كَمَا فِي نَحْو { هيت لَك} أَي: هَذَا الِاسْم لحائط.
قَوْله: ( مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد) أَي: مُقَابِله.
وتأنيثه بِاعْتِبَار الْبقْعَة.



[ قــ :6357 ... غــ :6707 ]
- حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثنيمالِكٌ عنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ الدِّيليِّ عنْ أبي الغَيْثِ مَوْلَى ابنِ مُطِيعٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَرَ فَلع نَغْنَمْ ذَهَباً وَلَا فِضةً إلاَّ الأمْوالَ والثِّيابَ والمَتاعَ، فأهْدَى رجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ يُقالُ لَهُ: رِفاعَة بنُ زَيْدٍ، لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلاَماً يُقالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَادي القُرَى حتَّى إذَا كانَ بِوَادِي القُرَى، بَيْنَما مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إذَا سَهْمٌ عائِزٌ فَقَتَلهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئاً لهُ الجَنَّةُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( كَلاَّ! والَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغانِمِ لَمْ تُصِبْها المقاسِمِ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارا) ، فَلمَّا سَمِعَ ذالِكَ النّاسُ جاءَ رجلٌ بِشِرَاكٍ أوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أوْ: شِرَاكَانِ مِنْ نارٍ.

( انْظُر الحَدِيث 4324) .

أَشَارَ بِهَذَا الحَدِيث إِلَى أَن المَال لَا يُطلق إلاَّ على الثِّيَاب والأمتعة وَنَحْوهمَا، لِأَن الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله: إلاَّ الْأَمْوَال، مُنْقَطع يَعْنِي: لَكِن الْأَمْوَال هِيَ الثِّيَاب وَالْمَتَاع، قيل: هَذَا على لُغَة دوس قَبيلَة أبي هُرَيْرَة كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِي هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، فروى ابْن الْقَاسِم مثل رِوَايَة البُخَارِيّ، وروى يحيى بن يحيى وَجَمَاعَة عَن مَالك: الْأَمْوَال وَالثيَاب من الْمَتَاع، بواو الْعَطف.

وَإِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن أويس، وثور بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن زيد الديلِي بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى ديل بن هداد بن زيد قَبيلَة من الأزد فِي تغلب وَفِي ضبة، وَأَبُو الْغَيْث بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة واسْمه سَالم مولى ابْن مُطِيع.

والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن مَالك بن أنس عَن ثَوْر بن زيد عَن سَالم ... إِلَى آخِره.
قَوْله: ( من بني ضبيب) بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبباء أُخْرَى،.

     وَقَالَ  ابْن الرشاطي: فِي جذام الضبيب.
قَوْله: ( رِفَاعَة) بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالعين الْمُهْملَة ابْن زيد بن وهب، قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة فِي جمَاعَة من قوم فأسلموا، وَعقد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على قومه.
قَوْله: ( مدعم) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة، وَكَانَ أسود.
قَوْله: ( فَوجه) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( وَادي الْقرى) جمع الْقرْيَة مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة.
قَوْله: ( عاير) بِالْعينِ الْمُهْملَة وَبعد ألف يَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: لَا يُدري من رمى بِهِ، كَذَا ضَبطه بَعضهم،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: العائر بِالْعينِ المهلمة والهمزة بعد الْألف وبالراء: الجائر عَن قَصده.
قَوْله: ( أَن الشملة) هِيَ الكساء.
قَوْله: ( لم تصبها المقاسم) أَي: أَخذهَا قبل قسْمَة الْغَنَائِم وَكَانَ غلولاً.
قَوْله: ( بِشِرَاك) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَهُوَ سير النَّعْل الَّذِي يكون على وَجهه.