فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب يعطي في الكفارة عشرة مساكين، قريبا كان أو بعيدا

( بابٌُ يُعْطِي فِي الكَفَّارَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ قَرِيباً كَانَ أوْ بَعِيداً)

أَي: هَذَا بابُُ مترجم بقوله: يُعْطي فِي الْكَفَّارَة.
أَي: فِي كَفَّارَة الْيَمين عشرَة مَسَاكِين، كَمَا فِي نَص الْقُرْآن.
قَوْله: قَرِيبا أَي: سَوَاء كَانَت الْمَسَاكِين قريبَة أَو بعيدَة، وَإِنَّمَا قَالَ: قَرِيبا أَو بَعيدا بالتذكير إِمَّا بِاعْتِبَار لفظ: مَسَاكِين، فَلذَلِك قَالَ: كَانَ وَلم يقل: كَانَت وَلَا كَانُوا، وَإِمَّا بِاعْتِبَار أَن فعيلاً يَسْتَوِي فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} ( الْأَعْرَاف: 65) قيل: لَا وَجه لذكر الْعشْرَة هُنَا، لِأَنَّهَا فِي كَفَّارَة الْيَمين، وَحَدِيث الْبابُُ فِي كَفَّارَة الوقاع، فَلَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة.
وَأجَاب الْمُهلب بِمَا حَاصله: أَن حكم الْعشْرَة مَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمين مُبْهمَة من حَيْثُ لم يذكر فِيهِ قريب وَلَا بعيد، وَجَاء فِي كَفَّارَة الوقاع فِي حَدِيث الْبابُُ: ( أطْعمهُ أهلك) وَهُوَ مُفَسّر، والمفسر يقْضِي على الْمُجْمل، وقاس كَفَّارَة الْيَمين على كَفَّارَة الْجِمَاع فِي إجَازَة الصّرْف على الأقرباء لِأَنَّهُ إِذا جَازَ إِعْطَاء الأقرباء فالبعداء أجوز.
انْتهى.

قلت: هَذَا إِنَّمَا يمشي إِذا حمل قَوْله: ( أطْعمهُ أهلك) على وَجه الْكَفَّارَة لَا على وَجه الصَّدَقَة، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُعْطي الْكَفَّارَة أحدا من أَهله إِذا كَانَ مِمَّن يلْزمه نَفَقَته، وَأما إِذا كَانَ مِمَّن لَا يلْزمه نَفَقَته فَيجوز.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَقيل: لَعَلَّ أَهله كَانُوا عشرَة، وَلَيْسَ بِشَيْء.



[ قــ :6361 ... غــ :6711 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدّثنا سفيْانُ عنِ الزُّهرِيِّ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: جاءَ رَجلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ! قَالَ: ( وَمَا شَأْنُكَ؟) قَالَ وَقَعْتُ عَلى امْرَأتِي فِي رَمَضانَ.
قَالَ: ( هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟) قَالَ: لَا.
قَالَ: ( فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ متتابِعَيْنِ؟) قَالَ: لَا.
قَالَ: ( فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟) قَالَ: لَا أجِدُ، فأُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَرِقٍ فِيه تَمْرٌ فَقَالَ: ( خذْ هاذا فَتَصَدَّقْ بِهِ) فَقَالَ: أَعلَى أفْقَرَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لابَتَيْها أفْقَرُ مِنَّا.
ثُمَّ قَالَ: ( خُذْهُ فأطْعِمْهُ أهْلَكَ) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق أخرجه عَن عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.