فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة، وعتق ولد الزنا

( بابُُ عِتْقِ المُدَبَّرِ وأُمِّ الوَلَدِ والمُكاتَبِ فِي الكَفَّارَةِ وعِتْقِ وَلَدِ الزِّنا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْمُدبر وَأم الْوَلَد ... إِلَى آخِره، وَلم يبين حكمه على عَادَته كَمَا ذكرنَا غير مرّة.

وَقَالَ طاوُوسٌ: يُجْزِيءُ المُدَبَّرُ وأمُّ الوَلَدِ
أَي: قَالَ طَاوُوس بن كيسَان الْخَولَانِيّ الْهَمدَانِي: يجوز عتق الْمُدبر وَأم المولد فِي الْكَفَّارَة، وروى هَذَا الْأَثر ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد فِيهِ لين، وَوَافَقَ طاووساً فِي الْمُدبر الْحسن وَإِبْرَاهِيم فِي أم الْوَلَد، وَخَالفهُ فِي الْمُدبر الزُّهْرِيّ وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم.

وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْبابُُ فَقَالَ مَالك: لَا يجوز أَن يعْتق فِي الرّقاب الْوَاجِبَة مكَاتب وَلَا مُدبر وَلَا أم ولد وَلَا الْمُعَلق عُنُقه،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ: إِن كَانَ الْمكَاتب أدّى شَيْئا من كِتَابَته فَلَا يجوز وإلاَّ جَازَ، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر: يجوز عتق الْمُدبر، وَأما عتق أم الْوَلَد فَلَا يجوز فِي الرّقاب الْوَاجِبَة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَعَلِيهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَأما عتق ولد الزِّنَا فِي الرّقاب الْوَاجِبَة فَيجوز، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعلي وَعَائِشَة وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَالْحسن وطاووس وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد،.

     وَقَالَ  عَطاء وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ: لَا يجوز عتقه.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَنه شَرّ الثَّلَاثَة.

قلت: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة إِنْكَار ذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: لَو كَانَ شَرّ الثَّلَاثَة ( وانتظر الْحَاكِم) بِأُمِّهِ حَتَّى تضعه.
.

     وَقَالَ ت عَائِشَة: مَا عَلَيْهِ من ذَنْب أَبَوَيْهِ شَيْء.
ثمَّ قَرَأت { وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} ( الْأَنْعَام: 461 وَغَيرهَا) .



[ قــ :6366 ... غــ :6716 ]
- حدّثنا أبُو النُّعْمانِ أخبرنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرو عنْ جابرٍ: أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ دَبَّرَ مَمْلُوكاً لهُ ولَمْ يَكُنْ لهُ مالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ( مَنْ يَشْترِيه مِنِّي؟) فاشْتَراهُ نُعَيْمُ النحَّامِ بِثَمانِمائَةِ دِرْهَمٍ، فَسَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: عَبْداً قِبْطِيًّا مَاتَ عامَ أوَّلَ.


قَالَ الْكرْمَانِي كَيفَ دلّ الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ ثمَّ قَالَ: إِذا جَازَ بيع الْمُدبر جَازَ إِعْتَاقه، وقاس الْبَاقِي عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَشَارَ بالترجمة إِلَى أَنه إِذا جَازَ بَيْعه جَازَ ماذكر مَعَه بطرِيق الأولى.

قلت: كَلَام الْكرْمَانِي لَهُ وَجه مَا لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا جَازَ بيع الْمُدبر جَازَ إِعْتَاقه، وَقد علم أَنه مِمَّن يجوز بيع الْمُدبر.
وَأما كَلَام هَذَا الْقَائِل فَلَا وَجه لَهُ أصلا لِأَنَّهُ قَالَ: أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى أَنه إِذا جَازَ بَيْعه.
.
إِلَى آخِره، فسبحان الله! فِي أَي مَوضِع أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة أَنه أجَاز بَيْعه حَتَّى يَبْنِي عَلَيْهِ جَوَاز الْعتْق؟ على أَن كَلَام الْكرْمَانِي أَيْضا لَا يمشي إلاَّ بالتعسف.

وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ يعرف بعارم، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِكْرَاه عَن أبي النُّعْمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي الرّبيع.

قَوْله: ( أَن رجلا) هُوَ أَبُو مَذْكُور بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( دبر مَمْلُوكا لَهُ) اسْمه يَعْقُوب ( فَاشْتَرَاهُ نعيم) النحام قَالَ الْكرْمَانِي: فِي بعض النّسخ: نعيم بن النحام، بِزِيَادَة الابْن وَالصَّوَاب عَدمه، ونعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة مصغر النعم والنحام بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة لقب بِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَمِعت نحمة، نعيم، أَي: سعلته فِي الْجنَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء.
قَوْله: ( عبدا قبطياً) بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة نِسْبَة إِلَى قبط، وهم أهل مصر.
قَوْله: ( عَام أول) بِفَتْح اللَّام على الْبناء وَهُوَ من قبيل إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة.
والبصريون يَقُولُونَ: إِنَّه مِمَّا يقدر فِيهِ الْمُضَاف نَحْو: عَام الزَّمن الأول.