فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تعليم الفرائض

(بابُُ تَعْلِيمِ الفَرائِضِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان تَعْلِيم الْفَرَائِض.
قيل: لَا وَجه لدُخُول هَذَا فِي هَذَا الْبابُُ، ورد بِأَنَّهُ حث على تَعْلِيم الْعلم وَمن الْعلم الْفَرَائِض، وَقد ورد حَدِيث فِي الْحَث على تَعْلِيم الْفَرَائِض وَلَكِن لم يكن على شَرطه فَلذَلِك لم يذكرهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس، فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض، وَإِن الْعلم سيقبض حَتَّى يخْتَلف الإثنان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يفصل بَينهمَا.

وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بالظَّنِّ
عقبَة بِالْقَافِ ابْن عَامر الْجُهَنِيّ وَالِي مصر من قبل مُعَاوِيَة، وَليهَا سنة أَربع وَأَرْبَعين ثمَّ عَزله بِمسلمَة بن مخلد، وَجمع لَهُ مُعَاوِيَة بَين مصر وَالْمغْرب، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بِمصْر،.

     وَقَالَ  ابْن يُونُس: توفّي بإسكندرية، وَكَانَ عقبَة ابتنى بِمصْر دَارا.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: توفّي فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: وَدفن فِي المقطم.
.

     وَقَالَ  خَليفَة: توفّي سنة ثَمَان وَخمسين.
قَوْله: (تعلمُوا) أَي الْعلم حذف مَفْعُوله ليشْمل كل علم وَيدخل فِيهِ علم الْفَرَائِض أَيْضا، وَهَذَا وَجه الْمُنَاسبَة، وَبِهَذَا يرد كَلَام (التَّوْضِيح) : حَيْثُ قَالَ: وَأما كَلَام عقبَة والْحَدِيث الَّذِي بعده فَلَا مُنَاسبَة بَينهمَا لما ذكره.

قلت: من لَهُ أدنى فهم يَقُول بالمناسبة لما ذكرنَا، على أَنه يجوز أَن يكون مُرَاد عقبَة من قَوْله: تعلمُوا، أَي: علم الْفَرَائِض، يُرِيد بِهِ هَذَا الْعلم الْمَخْصُوص شدَّة الاهتمام بِهِ لِأَن الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن يدل على شدَّة الاعتناء بِعلم الْفَرَائِض وبتعلمه وتعليمه، وَكَيف لَا وَقد جعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصف الْعلم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم، وَهُوَ أول شَيْء ينسى من أمتِي) وروى الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْعلم ثَلَاثَة مَا سوى ذَلِك فَهُوَ فضل: آيَة محكمه، أَو سنة قَائِمَة، أَو فَرِيضَة عادلة.
قَوْله: (قبل الظانين) فسره بقوله: يَعْنِي الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي قبل اندراس الْعلم وَالْعُلَمَاء وحدوث الَّذين لَا يعلمُونَ شَيْئا ويتكلمون بِمُقْتَضى ظنونهم الْفَاسِدَة.



[ قــ :6373 ... غــ :6724 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا ابنُ طاوُوس عَنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إيَّاكُمْ والظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وكُونُوا عِبادَ الله إخْواناً) .

مطابقته لأثر عقبَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالظَّن) ووهيب مصغر وهب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، يروي عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بابُُ لَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه.

قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالظَّن) مَعْنَاهُ: اجتنبوه، قَالَ الْمُهلب: هَذَا الظَّن لَيْسَ هُوَ الِاجْتِهَاد على الظَّن وَإِنَّمَا هُوَ الظَّن الْمنْهِي عَنهُ فِي الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ الَّذِي لَا يسْتَند إِلَى أصل.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَالْأَظْهَر أَن المُرَاد بِهِ ظن السوء بِالْمُسْلِمين لَا مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ.
قَوْله: (أكذب الحَدِيث) قيل: الْكَذِب لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.
فَكيف جَاءَ مِنْهُ أفعل التَّفْضِيل؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ الظَّن أَكثر كذبا من سَائِر الْأَحَادِيث.
قيل: الظَّن لَيْسَ بِحَدِيث.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ حَدِيث نفساني وَمَعْنَاهُ: الحَدِيث الَّذِي منشؤه الظَّن أَكثر كذبا من غَيره.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ أَي: الظَّن منشأ أَكثر الْكَذِب.
(وَلَا تجسسوا) بِالْجِيم وَهُوَ مَا تطلبه لغيرك (وَلَا تحسسوا) بِالْحَاء وَهُوَ مَا تطلبه لنَفسك.
وَقيل: التَّجَسُّس بِالْجِيم الْبَحْث عَن بواطن الْأُمُور وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي الشَّرّ، وَقيل: بِالْجِيم فِي الْخَيْر وَبِالْحَاءِ فِي الشَّرّ،.

     وَقَالَ  الْجرْمِي: مَعْنَاهُمَا وَاحِد وهما تطلب معرفَة الْأَخْبَار.
قَوْله: (وَلَا تدابروا) أَي: وَلَا تقاطعوا وَلَا تهاجروا.