فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ميراث الجد مع الأب والإخوة

( بابُُ مِيراثِ الجَدِّ مَعَ الأبِ والإخْوَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مِيرَاث الْجد الَّذِي من قبل الْأَب مَعَ الْأَب والأخوة الأشقاء، وَمن الْأَب وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن الْجد لَا يَرث مَعَ وجود الْأَب.

وَقَالَ أبُو بَكْرٍ ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ الزُّبَيْرِ: الجَدُّ أبٌ
أَي: الْجد الصَّحِيح أَب أَي: حكمه حكم الْأَب عِنْد عَدمه بِالْإِجْمَاع.
وَالْجد الصَّحِيح هُوَ الَّذِي لَا يدْخل فِي نسبته إِلَى الْمَيِّت أم، وَقد يُطلق على الْجد أَب فِي قَوْله عز وَجل: { كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة} ( الْأَعْرَاف: 72) والمخرج من الْجنَّة آدم جدنا الْأَعْلَى فَإِذا أطلق على الْجد الْأَعْلَى أَب فإطلاقه على أَب الْأَب بطرِيق الأولى، فَإِذا كَانَ أَبَا فَلهُ أَحْوَال ثَلَاث: الْفَرْض الْمُطلق وَالْفَرْض والنصيب والتعصيب الْمَحْض فَهُوَ كَالْأَبِ فِي جَمِيع أَحْوَاله إلاَّ فِي أَربع مسَائِل فَإِنَّهُ لَا يقوم مقَام الْأَب فِيهَا.
الأولى: أَن بني الْأَعْيَان والجدات كلهم يسقطون بِالْأَبِ بِالْإِجْمَاع وَلَا يسقطون بالجد إلاَّ عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الثَّالِثَة: أَن الْأُم مَعَ أحد الزَّوْجَيْنِ وَالْأَب تَأْخُذ ثلث مَا يبْقى، وَمَعَ الْجد تَأْخُذ ثلث الْجَمِيع إلاَّ عِنْد أبي يُوسُف فَإِن عِنْده الْجد كَالْأَبِ فِيهِ.
وَالثَّانيَِة: أَن أم الْأَب، وَإِن علت تسْقط بِالْأَبِ وَلَا تسْقط بالجد وَإِن علت.
الرَّابِعَة: أَن الْمُعْتق إِذا ترك أَبَا الْمُعْتق وَابْنه فسدس الْوَلَاء للْأَب وَالْبَاقِي للِابْن عِنْد أبي يُوسُف، وَعِنْدَهُمَا: كُله للِابْن، وَلَو ترك ابْن الْمُعْتق وجده فَالْولَاء كُله للِابْن بالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا هُوَ شرح كَلَام هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح ذكر شَيْئا من ذَلِك.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: قَوْله: ( الْجد أَب) أَي: هُوَ أَب حَقِيقَة.

قلت: لم يقل بذلك أحد مِمَّن يُمَيّز بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَأما قَول أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فوصله الدَّارمِيّ بِسَنَد على شَرط مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن أَبَا بكر جعل الْجد أَبَا.
وَأما قَول ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الْفَرَائِض من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الْجد أَب، وَأما قَول عبد الله بن الزبير فَمضى فِي المناقب مَوْصُولا من طَرِيق ابْن أبي مليكَة، قَالَ: كتب أهل الْكُوفَة إِلَى ابْن الزبير فِي الْجد فَقَالَ: إِن أَبَا بكر أنزلهُ أَبَا.

وقَرَأ ابنُ عَبَّاسٍ { يَا بني آدم} ( الْأَعْرَاف: 62، وَغَيرهَا) { وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} ( يُوسُف: 83) ولَمْ يَذْكُرْ أنَّ أحَداً خالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمانِهِ وأصْحابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَافِرُونَ.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي ابنُ ابْني دُونَ إخْوَتِي وَلَا أرِثُ أَنا ابنَ ابْنِي.

أَشَارَ بقوله: وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس { يَا بني آدم} إِلَى احتجاجه بِأَن الْجد أَب بقوله تَعَالَى: { يَا بني آدم} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} فَإِنَّهُ أطلق على هؤلا الْأَب مَعَ أَنهم أجداد، وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْجد أَب، وَقَرَأَ { وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم} الْآيَة.
قَوْله: وَلم يذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: خَالف أَبَا بكر أَي: فِيمَا قَالَه من الْجَسَد حكمه حكم الْأَب.
قَوْله: ( وَأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( متوافرون) أَي: فيهم كَثْرَة وَعدد، وَهُوَ إِجْمَاع سكوتي.
وَمِمَّنْ قَالَ مثل قَول ابْن عَبَّاس: معَاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو مُوسَى وَأبي بن كَعْب وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَمن التَّابِعين أَيْضا: عَطاء وطاووس وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ،.

     وَقَالَ  أَيْضا من الْفُقَهَاء: عُثْمَان البتي وَأَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد والمزني وَابْن شُرَيْح، وَذهب عمر وَعلي وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود إِلَى تَوْرِيث الْإِخْوَة مَعَ الْجد، لَكِن اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك، وموضعه كتب الْفَرَائِض.

قَوْله: ( وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَرِثنِي)
إِلَى آخِره أَرَادَ بِهِ الْإِنْكَار أَي: لم لَا يَرث الْجد فَيكون ردا على من حجب الْجد بالإخوة، أَو مَعْنَاهُ: فَلم لَا يَرث الْجد وَحده دون الْإِخْوَة، كَمَا فِي الْعَكْس، فَهُوَ رد على من قَالَ بِالشّركَةِ بَينهمَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَجه قِيَاس ابْن عَبَّاس أَن ابْن الابْن لما كَانَ كالابن عِنْد عدم الابْن كَانَ أَبُو الْأَب عِنْد عدم الْأَب كَالْأَبِ.

ويُذْكَرُ عنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ وابنِ مَسْعُودٍ وزَيْدٍ أقاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ
وَيذكر على صِيغَة الْمَجْهُول إِشَارَة إِلَى التمريض، وَقد ذكرنَا الْآن أَنهم ذَهَبُوا إِلَى تَوْرِيث الْإِخْوَة مَعَ الْجد وَلَكِن باخْتلَاف بَينهم فِي ذَلِك.
وَقَول عمر: إِنَّه كَانَ يقاسم الْجد مَعَ الْأَخ والأخوين فَإِذا زادوا أعطَاهُ الثُّلُث وَكَانَ يُعْطِيهِ مَعَ الْوَلَد السُّدس، رَوَاهُ الدَّارمِيّ من طَرِيق عِيسَى الحناط عَن الشّعبِيّ فَذكره، وَقَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ الشّعبِيّ: كتب ابْن عَبَّاس إِلَى عَليّ يسْأَله عَن سِتَّة إخْوَة وجد، فَكتب إِلَيْهِ أَن أجعله كأحدهم وامح كتابي، وروى الْحسن الْبَصْرِيّ أَن عليا كَانَ يُشْرك الْجد مَعَ الْإِخْوَة إِلَى السُّدس، وَله أَقْوَال أخر، وَقَول ابْن مَسْعُود رُوِيَ فِي امْرَأَة تركت زَوجهَا وَأمّهَا وجدهَا وأخاها لأَبِيهَا أَن للزَّوْج ثَلَاثَة أسْهم: النّصْف وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَهُوَ السُّدس من رَأس المَال، وللأخ سهم وللجد سهم.
وَقَول زيد بن ثَابت فَرَوَاهُ الدَّارمِيّ من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: كَانَ زيد يُشْرك الْجد مَعَ الْأُخوة إِلَى الثُّلُث، وَأخرج عبد الرَّزَّاق من طَرِيق إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ زيد يُشْرك الْجد مَعَ الْإِخْوَة إِلَى الثُّلُث، فَإِذا بلغ الثُّلُث أعطَاهُ إِيَّاه وللأخوة مَا بَقِي ويقاسم الْأَخ للْأَب ثمَّ يرد على أَخِيه ويقاسم الْأُخوة من الْأَب مَعَ الْأُخوة الأشقاء، وَلَا يُورث الْأُخوة للْأَب شَيْئا، وَلَا يُعْطي أَخا لأم مَعَ الْجد شَيْئا، وَله أَقْوَال أُخْرَى طوينا ذكرهَا طلبا للاختصار.



[ قــ :6385 ... غــ :6737 ]
- حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا وُهَيْبٌ عَن ابنِ طاوُوسٍ عَن أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( ألْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها، فَما بَقِيَ فَلأولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) .

وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا، مَعَ أَنه تقدم عَن قريب وَتقدم شَرحه، هُوَ أَن الَّذِي يبْقى بعد الْفَرْض يصرف لأَقْرَب النَّاس إِلَى الْمَيِّت، فَكَانَ الْجد أقرب فَيقدم.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَقد احْتج بِهِ من يُشْرك بَين الْجد وَالْأَخ فَإِنَّهُ أقرب إِلَى الْمَيِّت وَهُوَ ظَاهر ووهيب هُوَ ابْن خَالِد يروي عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس.





[ قــ :6386 ... غــ :6738 ]
- حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عَبْدُ الوارِثِ حدّثنا أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أمَّا الّذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً مِنْ هاذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُهُ ولاكِنْ خلَّةُ الإسْلامِ أفْضَلُ) أوْ قَالَ: خَيْرٌ فإنَّهُ أنْزَلَهُ أَبَا، أوْ قَالَ قَضاهُ أَبَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَإِنَّهُ أنزلهُ أَبَا) فَإِن أَبَا بكر أنزل الْجد أَبَا.

وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ الخوخة فِي الْمَسْجِد.

قَوْله: ( لَو كنت متخذاً) يَعْنِي: لَو كنت مُنْقَطِعًا إِلَى غير الله لانقطعت إِلَى أبي بكر، لَكِن هَذَا مُمْتَنع لِامْتِنَاع ذَلِك ( وَلَكِن خلة الْإِسْلَام) مَعَه أفضل من الْخلَّة مَعَ غَيره.
قَوْله: ( أَو قَالَ خير) شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( أَو قَالَ: قَضَاء أَبَا) أَيْضا شكّ من الرَّاوِي أَي: حكم بِأَنَّهُ أَب.