فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله

( بابُُ إقامَةِ الحُدُودِ والإنتِقامِ لِحُرُماتِ الله)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وجوب إِقَامَة الْحُدُود وَوُجُوب الانتقام لحرمات الله تَعَالَى، وَهِي جمع حُرْمَة كظلمات جمع ظلمَة، وَالْحُرْمَة مَا لَا يحل انتهاكه.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: لَا يحل لأحد من الْأَئِمَّة ترك حرمات الله أَن تنتهك وَعَلَيْهِم تَغْيِير ذَلِك، والانتقام افتعال من نقم ينقم من بابُُ علم يعلم، ونقم ينقم من بابُُ ضرب يضْرب، ونقم من فلَان الْإِحْسَان إِذا جعله مِمَّا يُؤَدِّيه إِلَى كفر النِّعْمَة، وَمعنى الانتقام لحرمات الله الْمُبَالغَة فِي عُقُوبَة من ينتهكها.



[ قــ :6433 ... غــ :6786 ]
- حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا خُيِّرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أمْرَيْنِ إلاّ اخْتارَ أيْسَرَهُما مَا لَمْ يَأَثَمْ، فَإِذا كانَ الإثْجمُ كانَ أبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَالله مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ قَطُّ حتَّى تُنْتَهَكُ حُرَماتُ الله فَيَنْتَقِمُ لله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَالله مَا انتقم لنَفسِهِ) أَي: مَا عاقب أحدا على مَكْرُوه أَتَاهُ من قبله.

وَأخرج الحَدِيث عَن يحيى بن عبد الله بن بكير الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير الخ، وَمضى فِي: بابُُ صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة الخ.

قَوْله: ( مَا خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ ابْن بطال: هَذَا التَّخْيِير لَيْسَ من الله، لِأَن الله لَا يُخَيّر رَسُوله بَين أَمريْن أَحدهمَا إِثْم إلاَّ إِن كَانَ فِي الدّين أَحدهمَا يؤول إِلَى الْإِثْم كالغلو فَإِنَّهُ مَذْمُوم كَمَا لَو أوجب على نَفسه شَيْئا شاقاً من الْعِبَادَة فيعجر عَنهُ، وَمن ثمَّة نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الترهب.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: المُرَاد التخير فِي أَمر الدُّنْيَا، وَأما أَمر الْآخِرَة فَكل مَا صَعب كَانَ أعظم ثَوابًا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي رَحمَه الله: إِن كَانَ التَّخْيِير من الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله وَالْمُسْلِمين فَمَعْنَاه مَا لم يؤده إِلَى إِثْم كالتخيير فِي المجاهدة والاقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ تنجر إِلَى الْهَلَاك لَا تجوز.
قَوْله: ( مَا لم يَأْثَم) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مَا لم يكن إِثْم قَوْله: ( كَانَ أبعدهُمَا مِنْهُ) أَي: كَانَ الْإِثْم أبعد الْأَمريْنِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( يُؤْتى) على صِيغَة الْمَجْهُول بِالنّصب حول قَوْله: ( فيتقم) يجوز فِيهِ النصب وَالرَّفْع فالنصب عطف على تنتهك وَالرَّفْع على التَّقْدِير فَهُوَ ينْتَقم لله