فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب رجم المحصن

( بابُُ رَجْمِ المُحْصَنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم رجم الْمُحصن.
وَوَقع هُنَا قبل ذكر الْبابُُ عِنْد ابْن بطال: كتاب الرَّجْم، ثمَّ قَالَ: بابُُ الرَّجْم، وَلم يَقع ذَلِك فِي الرِّوَايَات الْمُعْتَمدَة، والمحصن بِفَتْح الصَّاد على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من الْإِحْصَان وَهُوَ الْمَنْع فِي اللُّغَة.
وَجَاء فِيهِ كسر الصَّاد، فَمَعْنَى الْفَتْح أحصن نَفسه بالتزوج عَن عمل الْفَاحِشَة، وَمعنى الْكسر على الْقيَاس وَهُوَ ظَاهر، وَالْفَتْح على غير الْقيَاس.
قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّتِي جئن نَوَادِر، يُقَال: أحصن فَهُوَ مُحصن، وأسهب فَهُوَ مسهب، والفج فَهُوَ ملفج:.

     وَقَالَ  ابْن فَارس والجوهري: هَذَا أحد مَا جَاءَ: أفعل فَهُوَ مفعل، بِالْفَتْح يَعْنِي فتح الصَّاد،.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: كل امرىء عفيف فَهُوَ مُحصن، وكل امْرَأَة متزوجة فبالفتح لَا غير.

وَقَالَ أَصْحَابنَا: شُرُوط الْإِحْصَان فِي الرَّجْم سَبْعَة: الْحُرِّيَّة وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِسْلَام وَالْوَطْء وَالسَّادِس الْوَطْء بِنِكَاح صَحِيح وَالسَّابِع كَونهمَا محصنين حَالَة الدُّخُول بِنِكَاح صَحِيح.
.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم يهوديين.
قُلْنَا: كَانَ ذَلِك بِحكم التَّوْرَاة قبل نزُول آيَة الْجلد فِي أول مَا دخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، فَصَارَ مَنْسُوخا بهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يكون الْإِحْصَان بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد وَلَا الشُّبْهَة، وَخَالفهُم أَبُو ثَوْر فَقَالَ: يكون مُحصنا، وَاخْتلفُوا إِذا تزوج الْحر أمة هَل تحصنه؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: نعم، وَعَن عَطاء وَالْحسن وَقَتَادَة وَالثَّوْري والكوفيين وَأحمد وَإِسْحَاق لَا.
وَاخْتلفُوا إِذا تزوج كِتَابِيَّة، فَقَالَ إِبْرَاهِيم وطاووس وَالشعْبِيّ: لَا تحصنه، وَعَن الْحسن: لَا تحصنه حَتَّى يطَأ فِي الْإِسْلَام، وَعَن جَابر ابْن زيد وَابْن الْمسيب: تحصنه، وَبِه قَالَ عَطاء وَسَعِيد بن جُبَير.

وَقَالَ الحَسَنُ: مَنْ زَنَى بأُخْتِهِ حَدُّهُ حدُّ الزَّانِي.

أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَعَن الْكشميهني وَحده قَالَ: مَنْصُور، بدل الْحسن، وزيفوه.
قَوْله: ( حد الزَّانِي) أَي: كَحَد الزِّنَا وَهُوَ الْجلد، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَده حد الزِّنَا، وروى ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص بن غياث قَالَ: سَأَلت عمر: مَا كَانَ الْحسن يَقُول فِيمَن تزوج ذَات محرم وَهُوَ يعلم؟ قَالَ: عَلَيْهِ الْحَد، وروى أَيْضا من طَرِيق جَابر بن زيد، وَهُوَ أَبُو الشعْثَاء التَّابِعِيّ الْمَشْهُور فِيمَن أَتَى ذَات محرم مِنْهُ قَالَ: يضْرب عُنُقه.



[ قــ :6459 ... غــ :6812 ]
- حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا سَلَمَةُ بنُ كُهيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يحَدِّثُ عنْ عَليٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِينَ رجَمَ المَرْأةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ،.

     وَقَالَ : قَدْ رجَمتُها بِسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَسَلَمَة بن كهيل مصغر كهل وَالشعْبِيّ عَامر بن شرَاحِيل، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن يزِيد وَغَيره، وقصتها أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جلد شراحة يَوْم الْخَمِيس ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، فَقيل لَهُ: أَجمعت بَين حَدَّيْنِ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

قلت: شراحة بنت مَالك بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء ثمَّ حاء مُهْملَة الهمدانية بِسُكُون الْمِيم،.

     وَقَالَ  الْحَازِمِي: بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، لم تثبت الْأَئِمَّة سَماع الشّعبِيّ من عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَقيل للدارقطني: سمع الشّعبِيّ عَن عَليّ؟ قَالَ: سمع مِنْهُ حرفا مَا سمع مِنْهُ غير هَذَا، فَإِن قلت: ذكر البُخَارِيّ فِي كتاب الْحيض: وَيذكر عَن عَليّ، فَذكر فِي الْحيض أثرا صَحِيحا، قَالُوا: إِذا ذكر البُخَارِيّ أثرا ممرضاً كَانَ غير صَحِيح عِنْده، وَلَئِن سلمنَا مَا قَالُوا فَتكون رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عَليّ مُنْقَطِعَة لِأَنَّهُ لَا عِلّة فِي السَّنَد الممرض غير رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عَليّ.

قلت: لَعَلَّ البُخَارِيّ لم يَصح عِنْده سَماع الشّعبِيّ عَن عَليّ إلاَّ هَذَا الْحَرْف، كَمَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ، فَأتي بِهِ هُنَا مُسْندًا، وَالَّذِي فِي الْحيض لم يَصح عِنْده سَماع الشّعبِيّ مِنْهُ فمرضه! وَاحْتج جمَاعَة بأثر عَليّ هَذَا على جَوَاز الْجمع بَين الْجلد وَالرَّجم،.

     وَقَالَ  الْحَازِمِي: وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر،.

     وَقَالَ  الْجُمْهُور: لَا يجمع بَينهمَا، وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: ندب الْجمع إِذا كَانَ الزَّانِي شَيخا ثَيِّبًا لَا شَابًّا ثَيِّبًا وَقَالُوا: إِنَّه قَول بَاطِل.





[ قــ :6460 ... غــ :6813 ]
- حدّثني إسْحاقُ حدّثنا خالِدٌ عنِ الشَّيْبانِيِّ سألْتُ عَبْدَ الله بنَ أبي أوْفَى: هَلْ رجمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: قَبْلَ سُورَةِ النُّور أمْ بَعْدُ؟ قَالَ: لَا أدْرِي.
( الحَدِيث 3186 طرفه فِي: 0486) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
قَوْله: ( حَدثنِي) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع.

وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ، قَالَ الكلاباذي: ابْن شاهين الوَاسِطِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، والشيباني بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان واسْمه فَيْرُوز، مَشْهُور بكنيته أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ، وَعبد الله بن أبي أوفى واسْمه عَلْقَمَة الْأَسْلَمِيّ شهد بيعَة الرضْوَان.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي كَامِل وَأبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: ( سُورَة النُّور) يُرِيد بِهِ قَوْله تَعَالَى: { الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} ( النُّور: ) وَهل: هُوَ نَاسخ لحكم الْآيَة أم لَا؟ وَقد وَقع الدَّلِيل على أَن الرَّجْم وَقع بعد سُورَة النُّور لِأَن نُزُولهَا كَانَ فِي قصَّة الْإِفْك.
وَاخْتلف: هَل كَانَ سنة أَربع أَو خمس أَو سِتّ؟ وَالرَّجم كَانَ بعد ذَلِك، وَقد حَضَره أَبُو هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا أسلم سنة سبع.





[ قــ :6461 ... غــ :6814 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل أخبرنَا عبد الله أخبرنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ أَن رجلا من أسلم أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فحدثه أَنه قد زنى فَشهد على نَفسه أَربع شَهَادَات فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرجم وَكَانَ قد أحصن) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي وَشَيْخه عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد قَوْله " حَدثنَا " وَفِي رِوَايَة أبي ذَر " أخبرنَا " والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن المتَوَكل وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن يحيى وَفِي الرَّجْم عَن ابْن السَّرْح وَغَيره قَوْله " أَن رجلا " هُوَ مَاعِز بن مَالك قَوْله " من أسلم " أَي من بني أسلم وَهِي الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة قَوْله وَشهد على نَفسه أَي أقرّ على نَفسه أَربع مَرَّات وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط تكْرَار إِقْرَاره أَربع مَرَّات فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجب إِلَّا باعترافه أَربع مَرَّات فِي أَربع مجَالِس وَهُوَ أَن يغيب عَن القَاضِي حَتَّى لَا يرَاهُ ثمَّ يعود إِلَيْهِ فَيقر كَمَا فِي حَدِيث مَاعِز فَإِن اعْترف فِي مجْلِس وَاحِد ألف مرّة فَهُوَ اعْتِرَاف وَاحِد.

     وَقَالَ  ابْن أبي ليلى وَأحمد وَإِسْحَاق وَالثَّوْري وَالْحسن بن حييّ وَالْحكم بن عتيبة يجب باعترافه أَربع مَرَّات فِي مجْلِس وَاحِد.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ يَكْفِي مرّة وَاحِدَة وَحَدِيث الْبابُُ حجَّة عَلَيْهِمَا قَوْله " وَكَانَ قد أحصن " أَي وَكَانَ تزوج فَهُوَ مُحصن وَيجوز أحصن بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول -