فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: كم التعزير والأدب

( بابٌُ كَمِ التَّعْزِيرُ والأدَبُ) أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ كم التَّعْزِير، وَأَشَارَ بِلَفْظ: كم إِلَى الْخلاف فِي عدد التَّعْزِير على مَا يَجِيء عَن قريب، وَالتَّعْزِير مصدر من عزّر بِالتَّشْدِيدِ مَأْخُوذ من العزر وَهُوَ الرَّد وَالْمَنْع، وَاسْتعْمل فِي الدّفع عَن الشَّخْص لدفع أعدائه عَنهُ ومنعهم عَن إضراره، وَمِنْه: عزره القَاضِي إِذا أدبه لِئَلَّا يعود إِلَى الْقَبِيح، وَيكون بالْقَوْل وَالْفِعْل بِحَسب مَا يَلِيق بالمعزر.
قَوْله: وَالْأَدب بِمَعْنى التَّأْدِيب وَهُوَ أَعم من التَّعْزِير، وَمِنْه تَأْدِيب الْوَالِد وتأديب الْمعلم.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي وَأَبُو زيد: الْأَدَب اسْم يَقع على كل رياضة محمودة يتَخَرَّج بهَا الْإِنْسَان فِي فَضِيلَة من الْفَضَائِل.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مبلغ التَّعْزِير على أَقْوَال.
أَحدهَا: لَا يُزَاد على عشر جلدات إلاّ فِي حد، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق.
وَالثَّانِي رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ: يحْتَمل أَن لَا يتَجَاوَز بالتعزير عشرَة أسواط، وَيحْتَمل مَا سوى ذَلِك.
وَالثَّالِث: أَن لَا يبلغ فَوق عشْرين سَوْطًا.
وَالرَّابِع: أَن لَا يبلغ أَكثر من ثَلَاثِينَ جلدَة، وهما مرويان عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَالْخَامِس قَالَ الشَّافِعِي فِي قَوْله الآخر: لَا يبلغ عشْرين سَوْطًا.
وَالسَّادِس قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: لَا يبلغ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا بل ينقص مِنْهُ سَوْطًا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول وَالسَّابِع قَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف: أَكْثَره خَمْسَة وَسَبْعُونَ سَوْطًا.
وَالثَّامِن قَالَ مَالك: التَّعْزِير رُبمَا كَانَ أَكثر من الْحَد إِذا أدّى الإِمَام اجْتِهَاده إِلَى ذَلِك، وَرُوِيَ مثله عَن أبي يُوسُف وَأبي ثَوْر وَالتَّاسِع قَالَ اللَّيْث: لَا يتَجَاوَز تِسْعَة وَأَقل، وَبِه قَالَ أهل الظَّاهِر، نَقله ابْن حزم والعاشر قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَا يجوز اعْتِبَار التَّعْزِير بالحدود لأَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي أَن التَّعْزِير موكول إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام فيخفف تَارَة ويشدد أُخْرَى.



[ قــ :6487 ... غــ :6848 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حدّثنا اللَّيْثُ، حدّثني يَزِيدُ بنُ أبي حَبِيبٍ، عنْ بُكَيْرِ بنِ عَبْدِ الله، عنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله، عنْ أبي بُرْدَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَا يُجْلَدُ فوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلاّ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه بَين قَوْله فِي التَّرْجَمَة: كم التَّعْزِير، وَفِيه بحث يَأْتِي عَن قريب.

وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة أَبُو رَجَاء الْمصْرِيّ وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، وَبُكَيْر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن الْأَشَج، وَسليمَان بن أبي يسَار ضد الْيَمين وَعبد الرحمان بن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: عَن أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ عبد الرحمان عَن جَابر ثمَّ خطّ على قَوْله: عَن جَابر، فَصَارَ: عَن عبد الرحمان عَن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه هانىء بِكَسْر النُّون ابْن نيار بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف الأوسي الْحَارِثِيّ الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، خَال الْبَراء بن عَازِب، شهد بَدْرًا وَسمع النَّبِي وروى عَنهُ جَابر بن عبد الله عِنْد الشَّيْخَيْنِ، وَعبد الرحمان بن جَابر عِنْد البُخَارِيّ هَاهُنَا.

وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أَحْمد بن عِيسَى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ وَعَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن أبي عبد الرحمان الْمنْقري عَن أَبِيه عَن سعيد بن أبي أَيُّوب عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن فلَان عَن أبي بردة بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن وهب الْحَرَّانِي عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن أبي عبد الرَّحِيم عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه عَن أبي بردة وَفِي الْمُحَاربَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ عَن فُضَيْل بن سُلَيْمَان نَحوه.
وَابْن مَاجَه فِي الْحُدُود عَن مُحَمَّد بن رمح التجِيبِي عَن اللَّيْث بِهِ، وَفِي حَدِيث أبي لَهِيعَة: حَدثنِي بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن جَابر حَدثنِي أَبُو بردة بِهِ.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ مُسلم: عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن رجل من الْأَنْصَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  حَفْص بن ميسرَة: عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه، قَالَ: وَالْقَوْل قَول اللَّيْث وَمن تَابعه، وَفِي مَوضِع آخر: حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه عَن أبي بردة صَحِيح،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ثَابت وَأحسن مَا يُصَار إِلَيْهِ فِي هَذَا مَا ثَبت عَن بكير فَذكره، قَالَ: وَقد أَقَامَ إِسْنَاده عَمْرو بن الْحَارِث فَلَا يضرّهُ تَقْصِير من قصره.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْمُنْذر: فِي إِسْنَاده مقَال، وَنقل ابْن بطال عَن الْأصيلِيّ: أَنه اضْطربَ حَدِيث عبد الله بن جَابر فَوَجَبَ تَركه لاضطرابه ولوجود عمل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِخِلَافِهِ.
قلت: رد عَلَيْهِ بِأَن عبد الرحمان ثِقَة صرح بِسَمَاعِهِ وإبهام الصَّحَابِيّ لَا يضر، وَقد اتّفق الشَّيْخَانِ على تَصْحِيحه وهم الْعُمْدَة فِي الصَّحِيح وَلَا يضر هَذَا الِاخْتِلَاف عِنْدهمَا فِي صِحَة الحَدِيث لِأَنَّهُ كَيفَ مَا دَار يَدُور على ثِقَة، وَحَاصِل الِاخْتِلَاف هَل هُوَ صَحَابِيّ مُبْهَم أَو مُسَمّى؟ فالراجح الثَّانِي، وإبهام الصَّحَابِيّ أَيْضا لَا يضر، فالراجح أَنه أَبُو بردة بن نيار، وَهل بَين عبد الرحمان وَأبي بردة وَاسِطَة وَهُوَ أَبوهُ جَابر أَو لَا؟ .
فالراجح هُوَ الثَّانِي أَيْضا.

قَوْله: إِلَّا فِي حد من حُدُود الله ظَاهره أَن المُرَاد بِالْحَدِّ مَا ورد فِيهِ من الشَّارِع عدد من الْجلد أَو الضَّرْب الْمَخْصُوص أَو عُقُوبَة، وَقيل: المُرَاد بِالْحَدِّ حق الله، وَقيل: المُرَاد بِالْحَدِّ هَاهُنَا الْحُقُوق الَّتِي هِيَ أوَامِر الله تَعَالَى ونواهيه وَهِي المُرَاد بقوله: وَفِي آيَة أُخْرَى.

     وَقَالَ :.

     وَقَالَ : وَمعنى الحَدِيث: لَا يُزَاد على الْعشْر فِي التأديبات الَّتِي لَا تتَعَلَّق بِمَعْصِيَة: كتأديب الْأَب وَلَده الصَّغِير، وَقيل: يحْتَمل أَن يفرق بَين مَرَاتِب الْمعاصِي، فَمَا ورد فِيهِ تَقْدِير لَا يُزَاد عَلَيْهِ، وَمَا لم يرد فِيهِ التَّقْدِير فَإِن كَانَ كَبِيرَة جَازَت الزِّيَادَة فِيهِ، وَكَانَ مَالك يرى الْعقُوبَة بِقدر الذَّنب، وَيرى ذَلِك موكولاً إِلَى اجْتِهَاد الْأَئِمَّة وَإِن جَاوز ذَلِك الْحَد.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: لم يبلغ مَالِكًا هَذَا الحَدِيث، يَعْنِي حَدِيث الْبابُُ،.

     وَقَالَ  ابْن الْقصار: لما كَانَ طَرِيق التَّعْزِير إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام على حسب مَا يغلب على ظَنّه أَنه يردع بِهِ، وَكَانَ فِي النَّاس من يردعه الْكَلَام وَفِيهِمْ من لَا يردعه مائَة سَوط، وَهِي عِنْده كضرب الْمُزَوجَة، فَلم يكن للتحديد فِيهِ معنى وَكَانَ مفوضاً إِلَى مَا يُؤَدِّيه اجْتِهَاده بِأَن يردع مثله.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: ألاّ يرى أَن سيدنَا رَسُول الله زَاد المواصلين فِي النكال؟ فَكَذَلِك يجوز للْإِمَام أَن يزِيد فِيهِ على حسب اجْتِهَاده، فَيجب أَن يضْرب كل وَاحِد على قدر عصيانه للسّنة ومعاندته أَكثر مِمَّا يضْرب الْجَاهِل، وَلَو كَانَ فِي شَيْء من ذَلِك حد، لم يجز خِلَافه.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: الْحَد فِي سَبْعَة أَشْيَاء: الرِّدَّة، والحرابة قبل أَن يقدر عَلَيْهِ، والزنى، وَالْقَذْف بِالزِّنَا، وَشرب الْمُسكر أسكر أم لم يسكر، وَالسَّرِقَة، وَجحد الْعَارِية.
وَأما سَائِر الْمعاصِي فَإِنَّمَا فِيهَا التَّعْزِير فَقَط وَهُوَ الْأَدَب.
وَمن الْأَشْيَاء الَّتِي رأى فِيهَا قوم من الْمُتَقَدِّمين حدا وَاجِبا: السكر وَالْقَذْف بِالْخمرِ والتعريض وَشرب الدَّم وَأكل الْخِنْزِير وَالْميتَة وَفعل قوم لوط وإتيان الْبَهِيمَة وسحق النِّسَاء وَترك الصَّلَاة غير جَاحد لَهَا وَالْفطر فِي رَمَضَان وَالسحر.





[ قــ :6488 ... غــ :6849 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيَ، حدّثنا فضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا مُسْلِمُ بنُ أبي مَرْيَمَ، حدّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ عَمَّنْ سَمَعَ النبيَّصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْر ضَرَبات إلاّ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله
انْظُر الحَدِيث 6848 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن فُضَيْل تَصْغِير فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم السّلمِيّ الْمَدِينِيّ عَن عبد الرحمان بن جَابر بن عبد الله عَمَّن سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَوْله: عَمَّن سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبْهَم وَلَكِن لَا يضر إِبْهَام الصَّحَابِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد سَمَّاهُ أَبُو حَفْص بن ميسرَة فَقَالَ: عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ،.

     وَقَالَ : رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن رجل من الْأَنْصَار.
وَقَوله: عَن رجل من الْأَنْصَار، يحْتَمل أَن يكون أَبَا بردة، وَيحْتَمل أَن يكون جَابر بن عبد الله، لِأَن كلّاً من أبي بردة وَجَابِر بن عبد الله أَنْصَارِي.





[ قــ :6489 ... غــ :6850 ]
- حدّثنا يَحْيى بنُ سُلَيْمان، حدّثني ابنُ وَهْبٍ أَخْبرنِي عَمْرٌ وَأَن بُكَيْراً حدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَما أَنا جالِسٌ عِنْدَ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ، إذْ جاءَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ، فَحَدَّثَ سُلَيْمان بنَ يَسارٍ، ثمَّ أقْبَلَ عَليْنا سُلَيْمانُ بنُ يَسارٍ، فَقَالَ: حدّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الأنْصاريَّ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشَرةِ أسْواطٍ إلاّ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله
انْظُر الحَدِيث 6848 وطرفه
هَذَا طَرِيق ثَالِث فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان الْكُوفِي نزل مصر عَن عبد الله بن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث بن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج إِلَى آخِره، وَمعنى هَذَا الحَدِيث فِي الطَّرِيق الثَّلَاثَة وَاحِد غير أَن أَلْفَاظه مُخْتَلفَة، فَفِي الأول: عشر جلدات، وَفِي الثَّانِي: عشر ضربات، وَفِي الثَّالِث: عشرَة أسواط.





[ قــ :6490 ... غــ :6851 ]
- حدّثنا يَحْياى بنُ بَكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، حدّثنا أبُو سَلَمَة أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: نَهاى رسولُ الله عنِ الوِصالِ فَقَالَ لهُ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: فإنّكَ يَا رسولَ الله تُواصِلُ فَقَالَ رسولُ الله أيُّكُمْ مِثْلِي؟ إنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي ويسْقِين فَلَمَّا أبَوْا أنْ يَنْتَهُوا عنِ الوِصالِ واصَلَ بِهِمْ يَوْماً، ثمَّ يَوْماً، ثُمَّ رَأوُا الهِلالَ فَقَالَ: لَوْ تَأخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كالمُنَكِّلِ بِهِمْ حِينَ أبَوْا.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: كالمنكل بهم أَي: كالمحذر المريد لعقوبتهم.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز التَّعْزِير بالتجويع وَنَحْوه من الْأُمُور المعنوية.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة قَرِيبا وبعيداً، وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف والْحَدِيث بِهَذَا الْوَجْه من أَفْرَاده.

قَوْله: عَن الْوِصَال أَي: بَين الصومين.
قَوْله: فَقَالَ لَهُ رجال ويروى: رجل، بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: إِنِّي أَبيت قد مر فِي كتاب الصَّوْم: أظل، وَيُرَاد مِنْهُمَا الْوَقْت الْمُطلق لَا الْمُقَيد بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار.
قَوْله: يطعمني إطْعَام الله تَعَالَى لَهُ وسقيه مَحْمُول على الْحَقِيقَة بِأَن يرزقه الله تَعَالَى طَعَاما وَشَرَابًا من الْجنَّة ليَالِي صِيَامه كَرَامَة لَهُ، وَقيل: هُوَ مجَاز عَن لازمها وَهُوَ الْقُوَّة، وَقيل: الْمجَاز هُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ لَو أكل حَقِيقَة بِالنَّهَارِ لم يكن صَائِما، وبالليل لم يكن مواصلاً.
قَوْله: فَلَمَّا أَبَوا أَي: فَلَمَّا امْتَنعُوا.
قَوْله: أَن ينْتَهوا كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: الِانْتِهَاء، وَإِنَّمَا لم ينْتَهوا لأَنهم فَهموا مِنْهُ أَنه للتنزيه والإرشاد إِلَى الْأَصْلَح وَإِنَّمَا رَضِي لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالوصال لاحْتِمَال الْمصلحَة تَأْكِيدًا لزجرهم وبياناً للمفسدة المترتبة على الْوِصَال.
قَوْله: لَو تَأَخّر أَي: الْهلَال لزدت الْوِصَال عَلَيْكُم إِلَى تَمام الشَّهْر حَتَّى يظْهر عجزكم.
قَوْله: كالمنكل أَي: قَالَ ذَلِك كالمنكل من النكال وَهُوَ الْعقُوبَة.

تابَعَهُ شُعَيْبٌ ويَحْياى بنُ سَعِيدٍ ويُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ.

أَي: تَابع عقيلاً شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَيُونُس بن يزِيد فِي روايتهم عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
أما مُتَابعَة شُعَيْب فرواها البُخَارِيّ فِي كتاب الصّيام فِي: بابُُ التنكيل لمن أَكثر الْوِصَال: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوِصَال فِي الصَّوْم فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُسلمين: إِنَّك تواصل ... الخ.
وَأما مُتَابعَة يحيى بن سعيد فوصلها الذهلي فِي الزهريات وَأما مُتَابعَة يُونُس فوصلها مُسلم من طَرِيق ابْن وهب عَنهُ: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر قَالَ: سَمِعت عبد الله بن وهب يحدث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، وحَدثني حَرْمَلَة بن يحيى قَالَ؟ أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس عَن ابْن شهَاب.
قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان ... الحَدِيث مطولا.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ: عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمأي قَالَ عبد الرحمان بن خَالِد بن مُسَافر الفهمي الْمصْرِيّ أَمِير مصر لهشام بن عبد الْملك بن مَرْوَان يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي وَذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن أَبَا صَالح رَوَاهُ عَن اللَّيْث عَن عبد الرحمان بن خَالِد، فَجمع فِيهِ بَين سعيد وَأبي سَلمَة.



[ قــ :6491 ... غــ :685 ]
- ح دّثني عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ، حَدثنَا عَبْدُ الأعْلَى، حدّثنا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سالِمٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ أنَّهُمْ كانُوا يُضْرَبُونَ عَلى عَهْدِ رسولِ الله إذَا اشْتَرَوْا طَعاماً جِزَافاً أنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكانِهمْ حتَّى يَؤْوُهُ إِلَى رِحالِهمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِنَّهُم كَانُوا يضْربُونَ الخ، وَذَلِكَ لمخالفتهم الْأَمر الشَّرْعِيّ.

وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن الْوَلِيد أَبُو الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر،.

     وَقَالَ  الجياني: كَذَا رَوَاهُ مُسْندًا مُتَّصِلا عَن ابْن السكن وَأبي زيد وَغَيرهمَا، وَفِي نُسْخَة أبي أَحْمد مُرْسلا لم يذكر فِيهِ ابْن عمر أرْسلهُ عَن سَالم وَالصَّوَاب مَا تقدم، وَقد وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن سَالم عَن ابْن عمر بِهِ، وَقد تقدم فِي الْبيُوع من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله أَن ابْن عمر قَالَ ... فَذكر نَحوه.

قَوْله: يضْربُونَ على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: على زَمَانه.
قَوْله: جزَافا بِالْجِيم بالحركات الثَّلَاث وَهُوَ فَارسي مُعرب وَأَصله: كزافاً، بِالْكَاف مَوضِع الْجِيم وَهُوَ البيع بِلَا كيل وَنَحْوه.
قَوْله: أَن يبيعوه أَي: لِأَن يبيعوه، فكلمة: أَن مَصْدَرِيَّة أَي: يضْربُونَ لبيعهم فِي مكانهم.
قَوْله: حَتَّى يؤوه كلمة: حَتَّى، للغاية و: أَن، مقدرَة بعْدهَا، وَالْمعْنَى: إيواؤهم إِيَّاهَا إِلَى رحالهم أَي: إِلَى مَنَازِلهمْ.
وَالْمَقْصُود النَّهْي عَن بيع الْمَبِيع حَتَّى يقبضهُ المُشْتَرِي.





[ قــ :649 ... غــ :6853 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أخبرنَا عبْدُ الله، أخبرنَا يُونُسُ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي عُرْوَةُ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا انْتَقَمَ رسولُ الله لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتى إلَيْهِ حتَّى يُنْتَهكَ مِنْ حُرْماتِ الله فَيَنْتَقِمَ لله.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْتَقم لله إِذا انتهك حُرْمَة حد من حُدُود الله إِمَّا بِالضَّرْبِ وَإِمَّا بِالْحَبْسِ وَإِمَّا بِشَيْء آخر يكرههُ، وَهَذَا دَاخل فِي: بابُُ التَّعْزِير والتأديب.

وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَن يُونُس.

قَوْله: مَا انتقم من الانتقام وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي الْعقُوبَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: معنى الحَدِيث مَا عاقب رَسُول الله أحدا على مَكْرُوه أَتَاهُ من قبله، يُقَال: نقم ينقم ونقم ينقم فَالْأول من بابُُ علم وَالثَّانِي من بابُُ ضرب.
قَوْله: حَتَّى ينتهك أَي: حَتَّى يُبَالغ فِي خرق محارم الشَّرْع وإتيانها، والانتهاك ارْتِكَاب الْمعْصِيَة.
وَفِيه حذف تَقْدِيره: حَتَّى ينتهك شَيْء من حرمات الله جمع حُرْمَة كظلمة تجمع على ظلمات وَالْحُرْمَة مَا لَا يحل انتهاكه.
قَوْله: فينتقم بِالنّصب عطف على قَوْله: حَتَّى ينتهك لِأَن: أَن، مقدرَة بعد: حَتَّى فَافْهَم.