فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا جَزَاؤُهُ فَجَهَنَّمُ}

( كِتابُ الدِّيَاتِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَحْكَام الدِّيات وَهُوَ جمع دِيَة أَصْلهَا: ودى من وديت الْقَتِيل أديه دِيَة إِذا أَعْطَيْت دِيَته، واتديت أَي: أخذت دِيَته، فحذفت الْوَاو مِنْهُ وَعوض عَنْهَا الْهَاء، وَإِذا أردْت الْأَمر مِنْهُ تَقول: د، بِكَسْر الدَّال أَصله: أودِ، فحذفت الْوَاو مِنْهُ تبعا لفعله فَصَارَ أدِ، وَاسْتغْنى عَن الْهمزَة فحذفت فَصَارَ، دِ، على وزن: عِ فَتَقول: دِ، دياً، دو، أُدي، دياً، دين وَيجوز إِدْخَال هَاء السكت فِي أَمر الْوَاحِد فَيُقَال: ده، كَمَا يُقَال: قه، قِ، الَّذِي هُوَ أَمر يقي وقِي الْمغرب الدِّيَة مصدر: ودي الْقَتِيل إِذا أعطي وليه دِيَته، وأصل التَّرْكِيب على معنى الجري وَالْخُرُوج، وَمِنْه الْوَادي لِأَن المَاء يَدي فِيهِ أَي: يجْرِي فِيهِ.
فَإِن قلت: ترْجم غير البُخَارِيّ كتاب الْقصاص وَأدْخل تَحْتَهُ الدِّيات، وَالْبُخَارِيّ بِالْعَكْسِ؟ .
قلت: تَرْجَمته أَعم من تَرْجَمَة غَيره لِأَن مَا يجب فِيهِ الْقصاص يجوز الْعَفو عَنهُ على مَال، فتشمله الدِّيَة.

وقَوْلِ الله تَعَالَى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الدِّيات، هَذَا على وجود الْوَاو، أَي: فِي قَول الله، وعَلى قَول أبي ذَر والنسفي بِدُونِ الْوَاو، وَكَذَا قَول الله فَيكون حينئذٍ مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء وَخَبره هُوَ قَوْله: { وَمن يقتل} فَإِن قلت: مَا وَجه تصدير هَذِه التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الْآيَة؟ .
قلت: لِأَن فِيهَا وعيداً شَدِيدا عِنْد الْقَتْل مُتَعَمدا بِغَيْر حق فَإِن من فعل هَذَا وصولح عَلَيْهِ بِمَال فتشمله الدِّيَة، وَإِذا احْتَرز الشَّخْص عَن ذَلِك فَلَا يحْتَاج إِلَى شَيْء، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل هَذِه الْآيَة: هَل للْقَاتِل تَوْبَة فِي ذَلِك أم لَا؟ فَروِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر أَنه: لَا تَوْبَة لَهُ، وَأَنَّهَا غير مَنْسُوخَة، وَأَنَّهَا نزلت بعد الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان الَّتِي فِيهَا تَوْبَة الْقَاتِل بِسِتَّة أشهر، وَنزلت آيَة الْفرْقَان فِي أهل الشّرك، وَنزلت آيَة النِّسَاء فِي الْمُؤمنِينَ، وروى سعيد بن الْمسيب أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، سَأَلَهُ رجل: إِنِّي قتلت فَهَل لي من تَوْبَة؟ قَالَ: تزَود من المَاء الْبَارِد فَإنَّك لَا تدخل الْجنَّة أبدا، وَذكره ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي الدَّرْدَاء، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر: للْقَاتِل تَوْبَة من طرق لَا يحْتَج بهَا، وَاحْتج أهل السّنة بِأَن الْقَاتِل فِي مَشِيئَة الله بِحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت الَّذِي فِيهِ ذكر بيعَة الْعقبَة، وَفِيه: من أصَاب ذَنبا فَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ غفر لَهُ وَإِن شَاءَ عذبه وَإِلَى هَذَا ذهب جمَاعَة من التَّابِعين وفقهاء الْأَمْصَار، وَقيل: الْآيَة فِي حق المستحل، وَقيل: المُرَاد بالخلود طول الْإِقَامَة.



[ قــ :6499 ... غــ :6861 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ رجُلٌ: يَا رسُولَ الله أيُّ الذَّنْبِ أكْبَرُ عِنْدَ الله؟ قَالَ: أنْ تَدْعُو لله نِدّاً وهْوَ خَلَقَك قَالَ: ثُمَّ أَي؟ قَالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ أنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ فأنْزَلَ الله عزَّ وجَلَّ تَصْدِيقَها 0 الْفرْقَان: 68 ف الآيَةَ

مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله:
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن شُرَحْبِيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن كثير وَسَيَجِيءُ فِي التَّوْحِيد أَيْضا وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ندا بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة، وَهُوَ النظير والمثل وَكَذَلِكَ النديد.
قَوْله: وَهُوَ خلقك الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ثمَّ أَي؟ بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء أَي: ثمَّ أَي ذَنْب بعد ذَلِك؟ قَوْله: خشيَة أَن يطعم أَي: لأجل خشيَة أَن يطعم مَعَك، قيل: الْقَتْل مُطلقًا أعظم فَمَا وَجه هَذَا التَّقْيِيد؟ .
وَأجِيب: بِأَنَّهُ خرج مخرج الْغَالِب إِذْ كَانَت عَادَتهم ذَلِك، وَهَذَا الْمَفْهُوم لَا اعْتِبَار لَهُ، وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن فِيهِ شَيْئَيْنِ: الْقَتْل وَضعف الِاعْتِقَاد فِي أَن الله هُوَ الرَّزَّاق، وَهَذَا نَظِير قَوْله تَعَالَى: 8 9 0 الْإِسْرَاء: 31 ف وَقَوله تَعَالَى: 0 1 2 3 4 0 الْأَنْعَام: 140 ف قَوْله: بحليلة أَي: بِزَوْجَة جَارك وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفِيه الزِّنَى والخيانة مَعَ الْجَار الَّذِي أوصى الله بِحِفْظ حَقه.
قَوْله: فَأنْزل الله تصديقها أَي: تَصْدِيق هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة فِي سُورَة الْفرْقَان وَهُوَ قَوْله عز وَجل: 0 1 2 إِلَى آخر الْآيَة.
قَوْله: الْآيَة أَي اقْرَأ تَمام الْآيَة آأقال مُجَاهِد: الأثام وادٍ فِي جَهَنَّم،.

     وَقَالَ  سِيبَوَيْهٍ والخليل: أَي يلق جَزَاء الأثام،.

     وَقَالَ  القتبي: الأثام الْعقُوبَة.





[ قــ :6500 ... غــ :686 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حدّثنا إسْحَاقُ بنُ سَعِيدِ بنِ عَمْرو بنِ سَعِيدِ بنِ العاصِ، عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَر، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَنْ يَزالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَراماً

هَذَا مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق المطابق لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة.

وَعلي شيخ البُخَارِيّ ذكر هَكَذَا غير مَنْسُوب وَلم يذكرهُ أَبُو عَليّ الجياني فِي تَقْيِيده وَلَا نبه عَلَيْهِ الكلاباذي، وَقيل: إِنَّه عَليّ بن الْجَعْد.
قلت: عَليّ بن الْجَعْد بن عبيد أَبُو الْحسن الْجَوْهَرِي الْهَاشِمِي مَوْلَاهُم الْبَغْدَادِيّ، قَالَ جَامع رجال الصَّحِيحَيْنِ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه اثْنَي عشر حَدِيثا وَذكر فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي هَاشم أَنه سمع إِسْحَاق بن سعيد الْمَذْكُور.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: لن يزَال كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا يزَال قَوْله: فِي فسحة بِضَم الْفَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وحاء مُهْملَة أَي: فِي سَعَة منشرح الصَّدْر وَإِذا قتل نفسا بِغَيْر حق صَار منحصراً ضيقا لما أوعد الله عَلَيْهِ مَا لم يوعد على غَيره.
قَوْله: من دينه كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة من الدّين.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من ذَنبه، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالباء الْمُوَحدَة، فَمَعْنَى الأول: أَنه يضيق عَلَيْهِ دينه بِسَبَب الْوَعيد لقَاتل النَّفس عمدا بِغَيْر حق، وَمعنى الثَّانِي: أَنه يصير فِي ضيق بِسَبَب ذَنبه.



[ قــ :6501 ... غــ :6863 ]
- ح دّثني أحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ، حدّثنا إسْحَاقُ سَمِعْتُ أبي يُحَدِّثُ عنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ قَالَ: إنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أوْقَعَ نَفْسَهُ فِيها سَفْكَ الدَّمِ الحَرامِ بِغَيْرِ حلِّهِ.
0 انْظُر الحَدِيث 686 ف

هَذَا حَدِيث ابْن عمر أَيْضا لكنه مَوْقُوف عَلَيْهِ.
قَوْله: حَدثنِي أَحْمد بن يَعْقُوب ويروى: حَدثنَا بنُون الْجمع أَحْمد بن يَعْقُوب المَسْعُودِيّ الْكُوفِي وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: حَدثنَا إِسْحَاق يرْوى: أخبرنَا إِسْحَاق وَهُوَ ابْن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق.

قَوْله: من ورطات الْأُمُور هِيَ جمع ورطة بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَهِي الْهَلَاك يُقَال: وَقع فلَان فِي ورطة أَي فِي شَيْء لَا ينجو مِنْهُ.
قَوْله: الَّتِي لَا مخرج ... الخ تَفْسِير الورطات.
قَوْله: بِغَيْر حلّه أَي: بِغَيْر حق من الْحُقُوق المحللة للسفك.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْوَصْف بالحرام يُغني عَن هَذَا الْقَيْد، ثمَّ أجَاب بقوله: الْحَرَام يُرَاد بِهِ مَا شَأْنه أَن يكون حرَام السفك، أَو هُوَ للتَّأْكِيد.





[ قــ :650 ... غــ :6864 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَّلُ مَا يُقْضاى بَيْنَ النَّاس فِي الدِّماءِ 0 انْظُر الحَدِيث 6533 ف
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة من حَيْثُ كَون الْوَعيد الشَّديد فِيهَا يكون أول مَا يقْضى يَوْم الْقِيَامَة بَين النَّاس فِي الدِّمَاء أَي: فِي الْقَضَاء بهَا لِأَنَّهَا أعظم الْمَظَالِم فِيمَا يرجع إِلَى الْعباد.

أخرجه عَن عبيد الله بن مُوسَى بن باذام أبي مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق آخر: أول مَا يقْضى يَوْم الْقِيَامَة بَين النَّاس،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا السَّنَد يلْتَحق بالثلاثيات وَهِي أَعلَى مَا عِنْد البُخَارِيّ من حَيْثُ الْعدَد، وَهَذَا فِي حكمه من جِهَة أَن الْأَعْمَش تَابِعِيّ وَإِن كَانَ روى هَذَا عَن تَابِعِيّ آخر فَإِن ذَلِك التَّابِعِيّ أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم يكن لَهُ صُحْبَة.
انْتهى.
قلت: إِذا لم يكن لَهُ صُحْبَة كَيفَ يكون الحَدِيث من الثلاثيات؟ فَالَّذِي لَيست لَهُ صُحْبَة هُوَ من آحَاد النَّاس سَوَاء كَانَ تابعياً أَو غَيره.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة: أول مَا يُحَاسب بِهِ الْمَرْء صلَاته، أخرجه النَّسَائِيّ وَبَينهمَا تعَارض.
قلت: لَا تعَارض لِأَن حَدِيث عبد الله فِيمَا بَينه وَبَين غَيره، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي خَاصَّة نَفسه.





[ قــ :6503 ... غــ :6865 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدانُ، حدّثنا عَبْدُ الله، حدّثنا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثنا عَطاءُ بنُ يَزِيدَ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيَ حَدَّثَهُ أنَّ المِقْدَادَ بنَ عَمْرٍ والكِنْدِيَّ حَلِيف بَنِي زُهْرَةَ حَدَّثَهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْراً مَعَ النبيِّ أنَّهُ قَالَ: يَا رسولَ الله إنْ لَ قِيتُ كافِراً فَاقْتَتَلْنا فَضَرَبَ يَدِي بالسَّيْفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ بِشَجَرَةٍ،.

     وَقَالَ : أسْلَمْتُ لله أقْتُلُهُ بَعْدَ أنْ قالَها؟ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقْتُلُهُ قَالَ: يَا رسولَ الله فإنَّهُ طَرَحَ إحْداى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذالِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَها، أقْتُلُهُ؟ .
قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ فإنْ قَتَلْتَهُ، فإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وأنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ
انْظُر الحَدِيث 4019 ف

مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة من حَيْثُ إِن فِيهِ نهيا عَظِيما عَن قتل النَّفس الَّتِي أسلمت لله.

وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد من الزِّيَادَة اللَّيْثِيّ عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف النَّوْفَلِي، لَهُ إِدْرَاك عَن الْمِقْدَاد بن عَمْرو، وَهُوَ الْمَعْرُوف بالمقداد بن الْأسود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة بدر عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِيهِ جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة: فَأَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد، وَالنَّسَائِيّ فِي السّير.

قَوْله: إِن لقِيت كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِكَلِمَة، إِن، الشّرطِيَّة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: إِنِّي لقِيت، بِصِيغَة الْإِخْبَار عَن الْمَاضِي، وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَن سُؤال الْمِقْدَاد عَن الَّذِي وَقع لَهُ فِي نفس الْأَمر لِأَنَّهُ سَأَلَ عَن الحكم فِي ذَلِك إِذا وَقع، وَالَّذِي وَقع فِي غَزْوَة بدر بِلَفْظ: أَرَأَيْت إِن لقِيت رجلا من الْكفَّار ... الحَدِيث، وَهَذَا يُؤَيّد رِوَايَة الْأَكْثَرين.
قَوْله: فَضرب بِالسَّيْفِ قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ قطع يَده وَهُوَ مِمَّن يكتم إيمَانه؟ فَأجَاب بقوله: دفعا للصائل، أَو السُّؤَال كَانَ على سَبِيل الْفَرْض والتمثيل لَا سِيمَا وَفِي بعض الرِّوَايَات: إِن لقِيت، بِحرف الشَّرْط.
قَوْله: ثمَّ لَاذَ بشجرة أَي: التجأ إِلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ لَاذَ مني أَي منع نَفسه مني،.

     وَقَالَ : أسلمت لله.
أَي: دخلت فِي الْإِسْلَام.
قَوْله: أَقتلهُ؟ أَي: أأقتله؟ وهمزة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة.
قَوْله: بعد أَن قَالَهَا أَي: بعد أَن قَالَ كلمة الْإِسْلَام.
قَوْله: فَإِن قتلته أَي: بعد أَن قَالَ: أسلمت لله.
.
الخ قَالَه الْكرْمَانِي.
قَوْله: بمنزلتك أَي: الْكَافِر مُبَاح الدَّم قبل الْكَلِمَة، فَإِذا قَالَهَا صَار مَحْظُور الدَّم كَالْمُسلمِ، فَإِن قَتله الْمُسلم بعد ذَلِك صَار دَمه مُبَاحا بِحَق الْقصاص كالكافر بِحَق الدّين، فالتشبيه فِي إِبَاحَة الدَّم لَا فِي كَونه كَافِرًا.
وَقيل: مَعْنَاهُ أَنْت بِقصد قَتله آثِما كَانَ هُوَ أَيْضا بِقصد قَتلك آثِما، فالتشبيه بالإثم انْتهى.
قلت: قَوْله الأول كَلَام الْخطابِيّ نَقله عَنهُ وَحَاصِله اتِّحَاد المنزلتين مَعَ اخْتِلَاف المأخذ، فَالْأول: أَنه مثلك فِي صون الدَّم، وَالثَّانِي: أَنَّك مثله فِي الهدر.
وَقَوله الثَّانِي كَلَام الْمُهلب،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّك صرت قَاتلا كَمَا كَانَ هُوَ قَاتلا.
قَالَ: وَهَذَا من المعاريض لِأَنَّهُ أَرَادَ الإغلاظ بِظَاهِر اللَّفْظ دون بَاطِنه، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن كلاًّ مِنْهُمَا قَاتل وَلم يرد أَنه صَار كَافِرًا بقتْله إِيَّاه.
وَقيل: إِن قتلته مستحلاً لقَتله فِي الْكفْر فَأَنت مستحل مثله، وَالْحَاصِل من هَذَا كُله النَّهْي عَن قتل من يشْهد بِالْإِسْلَامِ.
وَاحْتج بَعضهم بقوله: أسلمت لله، على صِحَة إِسْلَام من قَالَ ذَلِك وَلم يزدْ عَلَيْهِ، ورد ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي الْكَفّ على أَنه ورد فِي بعض طرقه أَنه قَالَ: لَا إلاه إلاَّ الله، وَهِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث.





[ قــ :6503 ... غــ :6866 ]
- وَقَالَ حَبِيبُ بنُ أبي عَمْرَةَ: عنْ سَعِيدٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْمِقْدَادِ إِذا كَانَ رجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفي إيمانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فأظْهَرَ إيمانَهُ فَقَتلْتَهُ، فَكَذالِكَ كُنْتَ أنْتَ تُخْفي إيمانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ

مطابقته لحَدِيث الْمِقْدَاد من حَيْثُ إِن الْمَعْنى قريب.
وحبِيب ضد الْعَدو ابْن أبي عمْرَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء القصاب الْكُوفِي، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير.

وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم وَالِد مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي عَن حبيب بن أبي ثَابت.
وَفِي أَوله: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة فِيهَا الْمِقْدَاد، فَلَمَّا أتوهم وجدوهم تفَرقُوا، وَفِيهِمْ رجل لَهُ مَال كثير لم يبرح فَقَالَ: أشهد، أَن لَا إلاه إِلَّا الله، فَأَهوى إِلَيْهِ الْمِقْدَاد فَقتله ... الحَدِيث.
وَفِيه: فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله فَقَالَ: يَا مقداد قتلت رجلا قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله؟ فَكيف لَك: بِلَا إلاه إلاَّ الله؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذالِكَ كُنتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} الْآيَة فَقَالَ النَّبِي لِلْمِقْدَادِ: كَانَ رجل مُؤمن يخفي إيمَانه الخ.