فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة

( بابُُ قَتْلِ مَنْ أَبى قَبُولَ الفَرَائِضِ وَمَا نُسبُوا إِلَى الرِّدَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز قتل من أَبى أَي: امْتنع من قبُول الْفَرَائِض أَي: الْأَحْكَام الْوَاجِبَة.
قَوْله: وَمَا نسبوا إِلَى الرِّدَّة قَالَ الْكرْمَانِي: مَا، نَافِيَة، وَقيل: مَصْدَرِيَّة، أَي: ونسبتهم إِلَى الرِّدَّة.
قلت: الْأَظْهر أَنَّهَا مَوْصُولَة وَالتَّقْدِير: وَقتل الَّذين نسبوا إِلَى الرِّدَّة، وَالله أعلم.

وَهَذَا مُخْتَلف فِيهِ.

فَمن أَبى أَدَاء الزَّكَاة وَهُوَ مقرّ بِوُجُوبِهَا، فَإِن كَانَ بَين ظهرانينا وَلم يطْلب حَربًا وَلَا امْتنع بِالسَّيْفِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ قهرا وتدفع للْمَسَاكِين وَلَا يقتل، وَإِنَّمَا قَاتل الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مانعي الزَّكَاة لأَنهم امْتَنعُوا بِالسَّيْفِ ونصبوا الْحَرْب للْأمة، وَأجْمع الْعلمَاء على أَن من نصب الْحَرْب فِي منع فَرِيضَة أَو منع حقّاً يجب عَلَيْهِ لآدَمِيّ وَجب قِتَاله، فَإِن أَبى الْقَتْل على نَفسه فدمه هدر.

وَأما الصَّلَاة فمذهب الْجَمَاعَة أَن من تَركهَا جاحداً فَهُوَ مُرْتَد فيستتاب فَإِن تَابَ وإلَّا قتل، وَكَذَلِكَ جحد سَائِر الْفَرَائِض وَاخْتلفُوا فِيمَن تَركهَا تكاسلاً،.

     وَقَالَ : لست أَفعَلهَا، فمذهب الشَّافِعِي إِذا ترك صَلَاة وَاحِدَة حَتَّى أخرجهَا عَن وَقتهَا أَي: وَقت الضَّرُورَة، فَإِنَّهُ يقتل بعد الاستتابة إِذا أصر على التّرْك، وَالصَّحِيح عِنْده أَنه يقتل حدا لَا كفرا.
وَمذهب مَالك أَنه يُقَال لَهُ: صل مَا دَامَ الْوَقْت بَاقِيا، فَإِن صلى ترك وَإِن امْتنع حَتَّى خرج الْوَقْت قتل.
ثمَّ اخْتلفُوا، فَقَالَ بَعضهم: يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وإلاَّ قتل،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يقتل لِأَن هَذَا حد الله، عز وَجل، يُقَام عَلَيْهِ لَا تسقطه التَّوْبَة بِفعل الصَّلَاة، وَهُوَ بذلك فَاسق كالزاني وَالْقَاتِل لَا كَافِر،.

     وَقَالَ  أَحْمد: تَارِك الصَّلَاة مُرْتَد كَافِر وَمَاله فَيْء ويدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين، وَسَوَاء ترك الصَّلَاة جاحداً أَو تكاسلاً.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري والمزني: لَا يقتل بِوَجْه وَلَا يخلى بَينه وَبَين الله تَعَالَى.
قلت: الْمَشْهُور من مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه يُعَزّر حَتَّى يُصَلِّي،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: يضْرب حَتَّى يخرج الدَّم من جلده.



[ قــ :6559 ... غــ :6924 ]
- حدّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شهابٍ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: لمّا تُوُفِّيَ النبيُّ واسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ وكَفَرَ مَنْ كَفَر مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقاتِلُ النَّاسَ وقَد قَالَ رسولُ الله أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا: لَا إلاهَ إلاّ الله؟ فَمَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاّ الله فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مالَهُ ونَفْسَهُ، إلاّ بِحَقِّهِ وحِسابُهُ عَلى الله؟ قَالَ أبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عَناقاً كانُوا يُؤَدُّونَها إِلَى رسولِ الله لَقَاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعِها، قَالَ عُمَرُ: فَوالله مَا هُوَ إلاّ أنْ رَأيْتُ أنْ قَدْ شَرَحَ الله صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتالِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحقُّ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد.

والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب، وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلاه إلّا الله وَفِي رِوَايَة مُسلم: من وحد الله وَكفر بِمَا يعبد من دونه حرم دَمه وَمَاله.
قَوْله: من فرق بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها وَالْمرَاد بِالْفرقِ من أقرّ بِالصَّلَاةِ وَأنكر الزَّكَاة جاحداً أَو مَانِعا مَعَ الِاعْتِرَاف.
قَوْله: فَإِن الزَّكَاة حق المَال يُشِير إِلَى دَلِيل منع التَّفْرِقَة الَّتِي ذكرهَا أَن حق النَّفس الصَّلَاة وَحقّ المَال الزَّكَاة، فَمن صلى عصم نَفسه وَمن زكى عصم مَاله، فَإِن لم يصل قوتل على ترك الصَّلَاة وَمن لم يزك أخذت الزَّكَاة من مَاله قهرا، وَإِن نصب الْحَرْب لذَلِك قوتل.
قَوْله: عنَاقًا بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف النُّون: الْأُنْثَى من ولد الْمعز، وَوَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عِنْد مُسلم: عقَالًا، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث: عنَاقًا أصح، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة ذكرهَا أَبُو عبيد: لَو مَنَعُونِي جدياً أذوط صَغِير الفك والذقن.
قَوْله: فَعرفت أَي: بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الصّديق وَغَيره إِذْ لَا يجوز للمجتهد أَن يُقَلّد الْمُجْتَهد.