فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصرح، نحو قوله: السام عليك

( بابٌُ إِذا عَرَّضَ الذِّمِيُّ وغَيْرُهُ بِسَبِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمولَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ: السَّامُ عَلَيْكَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيمَا عرض بتَشْديد الرَّاء من التَّعْرِيض وَهُوَ خلاف التَّصْرِيح، وَهُوَ نوع من الْكِنَايَة.
قَوْله: وَغَيره أَي: وَغير الذِّمِّيّ نَحْو الْمعَاهد وَمن يظْهر الْإِسْلَام قَوْله: بسب النَّبِي أَي: بتنقيصه، وَلَكِن لم يُصَرح بل بالتعريض نَحْو قَوْله: السَّام بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَهُوَ الْمَوْت قَوْله: عَلَيْك هَكَذَا بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْكُم، فَقيل: لَيْسَ فِيهِ تَعْرِيض السب.
وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يرد بِهِ التَّعْرِيض المصطلح عَلَيْهِ وَهُوَ أَن يسْتَعْمل لفظا فِي حَقِيقَته يلوح بِهِ إِلَى معنى آخر يَقْصِدهُ، وَالظَّاهِر أَن البُخَارِيّ اخْتَار فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين فَإِن عِنْدهم أَن من سبّ النَّبِي أَو عابه فَإِن كَانَ ذِمِّيا عزّر وَلَا يقتل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن كَانَ مُسلما صَار مُرْتَدا بذلك، وَإِن كَانَ ذِمِّيا لَا ينْتَقض عَهده،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَقَول الْيَهُودِيّ لرَسُول الله السام عَلَيْك، لَو كَانَ مثل هَذَا الدُّعَاء من مُسلم لصار بِهِ مُرْتَدا يقتل، وَلم يقتل الشَّارِع الْقَائِل بِهِ من الْيَهُود لِأَن مَا هم عَلَيْهِ من الشّرك أعظم من سبه.
فَإِن قلت: من أَيْن يعلم أَن البُخَارِيّ اخْتَار فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين وَلم يُصَرح بِالْجَوَابِ فِي التَّرْجَمَة؟ .
قلت: عدم تصريحه يدل على ذَلِك إِذْ لَو اخْتَار غَيره لصرح بِهِ، وَيُؤَيِّدهُ أَن حَدِيث الْبابُُ لَا يدل على قتل من يسبه من أهل الذِّمَّة فَإِنَّهُ لم يقْتله.
فَإِن قلت: إِنَّمَا لم يقْتله لمصْلحَة التَّأْلِيف أَو لعدم قيام الْبَيِّنَة بالتصريح.
قلت: لم يقتلهُمْ بِمَا هُوَ أعظم مِنْهُ وَهُوَ الشّرك كَمَا ذَكرْنَاهُ على أَن قَوْله: السام عَلَيْك، الدُّعَاء بِالْمَوْتِ وَالْمَوْت لَا بُد مِنْهُ.
فَإِن قلت: قتل النَّبِي كَعْب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ قَالَ: من لكعب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ يُؤْذِي الله وَرَسُوله؟ وَوجه إِلَيْهِ من قَتله غيلَة، وَقتل أَبَا رَافع قَالَ الْبَزَّار: كَانَ يُؤْذِي رَسُول الله ويعين عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيث آخر: أَن رجلا كَانَ يسبه فَقَالَ: من يَكْفِينِي عدوي؟ فَقَالَ خَالِد: أَنا فَبَعثه إِلَيْهِ فَقتله.
قَالَ ابْن حزم: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مُسْند رَوَاهُ عَن النَّبِي رجل من بلقين.

     وَقَالَ  ابْن الْمَدِينِيّ وَهُوَ اسْمه وَبِه يعرف: وَذكر عبد الرَّزَّاق أَنه سبه رجل فَقَالَ: من يَكْفِينِي عدوي؟ فَقَالَ الزبير: أَنا، فَقتله.
قلت: الْجَواب فِي هَذَا كُله أَنه لم يقتلهُمْ بِمُجَرَّد سبهم وَإِنَّمَا كَانُوا عوناً عَلَيْهِ ويجمعون من يحاربونه، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس أَن عقبَة بن أبي معيط نَادَى: يَا معاشر قُرَيْش؟ مَا لي أقتل من بَيْنكُم صبرا؟ فَقَالَ لَهُ بكفرك وافترائك على رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، على أَن هَؤُلَاءِ كلهم لم يَكُونُوا من أهل الذِّمَّة، بل كَانُوا مُشْرِكين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله.

[ قــ :6560 ... غــ :6926 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو الحَسَنِ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا شُعْبَةُ، عنْ هِشامِ بنِ زَيْدِ بنِ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسولِ الله فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رسولُ الله وعَلَيْكَ فَقَالَ رسولُ الله أتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ قَالُوا: يَا رسولَ الله أَلا تَقْتُلُه؟ قَالَ: لَا إِذا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتابِ فَقُولُوا: وعَليْكُمْ
انْظُر الحَدِيث 6258
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَهِشَام بن زيد يروي عَن جده أنس بن مَالك.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن زيد بن حزم.

قَوْله: السام عَلَيْك هَكَذَا عَلَيْك بِالْإِفْرَادِ، وَلم يخْتَلف أحد أَن لفظ: عَلَيْك، بِالْإِفْرَادِ فِي حَدِيث أنس، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْكُم، وَكَذَا الْخلاف فِي حَدِيث ابْن عمر الَّذِي بعده.
قَوْله: أَلا نَقْتُلهُ؟ كلمة أَلا للتحضيض.
قَوْله: قَالَ: لَا أَي: قَالَ رَسُول الله لَا تقتلوه.

وَفِيه: حجَّة ظَاهِرَة للكوفيين مِنْهُم أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
فَإِن قلت: الْوَاو فِي: وَعَلَيْك، تَقْتَضِي التَّشْرِيك.
قلت: مَعْنَاهُ: وَعَلَيْك مَا تسْتَحقّ من اللَّعْنَة وَالْعَذَاب، أَو ثمَّة مُقَدّر أَي: وَأَنا أَقُول: وَعَلَيْك، أَو الْمَوْت مُشْتَرك أَي: نَحن وَأَنْتُم كلنا نموت، قَالَه الْكرْمَانِي.





[ قــ :6561 ... غــ :697 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، عَن ابنِ عُيَيْنَةَ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتِ: اسْتَأْذَن رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلى النبيِّ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ.
فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ واللَّعْنَةُ فَقَالَ: يَا عائِشَةُ إنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ.

قُلْتُ أوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قالُوا؟ قَالَ:.

قُلْتُ وعَليْكُمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن هِشَام عَن عَائِشَة.

والْحَدِيث مضى فِي الْأَدَب فِي: بابُُ الرِّفْق فِي الْأَمر كُله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن عمر والناقد وَزُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ.
وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان.

قَوْله: رَهْط قد ذكرنَا غير مرّة أَن الرَّهْط من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة وَلَا تكون فيهم امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَجمعه أرهط وأرهاط وأراهط جمع الْجمع.