فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لا يجوز نكاح المكره

( بابٌُ لَا يَجُوزُ نِكاحُ المكْرَهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَنه لَا يجوز نِكَاح الْمُكْره.

{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
قَالَ صَاحب التَّوْضِيح إِدْخَال البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة فِي هَذَا الْبابُُ لَا أَدْرِي مَا وَجهه، ثمَّ استدرك مَا ذكره بِمَا فِيهِ الْجَواب وَهُوَ أَنه إِذا نهى عَن الْإِكْرَاه فِيمَا لَا يحل فالنهي عَن الْإِكْرَاه فِيمَا يحل بِالطَّرِيقِ الأولى.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ: هَذِه الْآيَة نزلت فِي معَاذَة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي الْمُنَافِق، كَانَ يكرههما على الزِّنَا بضريبة يَأْخُذهَا مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة يؤاجرون إماءهم، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام قَالَت معَاذَة لمسيكة: إِن هَذَا الْأَمر الَّذِي نَحن فِيهِ لَا يخل من وَجْهَيْن: فَإِن يكن خيرا فقد استكثرنا مِنْهُ، وَإِن يكن شرا فقد آن لنا أَن ندعه: فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِه الْآيَة.
قَوْله: فَتَيَاتكُم أَي: إماءكم جمع فتاة.
قَوْله: على الْبغاء أَي: على الزِّنَا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: يُقَال بَغت الْمَرْأَة تبغي بغياً بِالْكَسْرِ إِذا زنت فَهِيَ بغي فَجعلُوا الْبغاء على زنة الْعُيُوب كالحران والشراد لِأَن الزِّنَى عيب.
قَوْله: إِن أردن كلمة: إِن، هُنَا بِمَعْنى إِذا أردن وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّرْط، لِأَنَّهُ لَا يجوز إكراههن على الزِّنَى إِن لم يردن تَحَصُّنًا نظيرها.
قَوْله تَعَالَى: { ال م} والتحصن التعفف.
قَوْله: وَمن يكرههن أَي: بعد النَّهْي لَهُنَّ فَإِن الله غَفُور رَحِيم والوزر على الْمُكْره.



[ قــ :6579 ... غــ :6945 ]
- حدّثنا يَحْياى بنُ قَزَعَةَ، حدّثنا مالِكٌ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ، عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ ومُجَمِّعِ ابْنَيْ يَزِيدَ بنِ جارِيَةَ الأنْصارِيِّ، عنْ خَنْساءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأنْصارِيَّةِ، أنَّ أَبَاهَا زَوَّجهَا وهِيَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن قزعة بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة الْحِجَازِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبد الرحمان بن الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمجمع على وزن اسْم الْفَاعِل من التجمع ابْن يزِيد بن جَارِيَة بِالْجِيم وبالياء آخر الْحُرُوف.
قَالَ أَبُو عمر: يزِيد بن جَارِيَة وَالِد عبد الرحمان، شهد خطْبَة الْوَدَاع وروى مِنْهَا ألفاظاً، وخنساء بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة وبالمد بنت خذام بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة ابْن وَدِيعَة الْأَنْصَارِيَّة من الْأَوْس.

والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بابُُ لَا ينْكح الْأَب وَغَيره الْبكر والثيبِ إلاَّ بِرِضَاهَا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: وَهِي ثيب كَذَا فِي رِوَايَة مَالك، وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن حجاج بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن جدته خنساء بنت خذام، قَالَ: وَكَانَت أَيّمَا من رجل فَزَوجهَا أَبوهَا رجلا من بني عَوْف ... الحَدِيث،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن سَحْنُون: جمع أَصْحَابنَا على إبِْطَال نِكَاح الْمُكْره والمكرهة، قَالُوا: وَلَا يجوز الْمقَام عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم ينْعَقد،.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: لَا يلْزم الْمُكْره مَا أكره عَلَيْهِ من نِكَاح أَو طَلَاق أَو عتق أَو غَيره،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن سَحْنُون: وَأَجَازَ أهل الْعرَاق نِكَاح الْمُكْره.





[ قــ :6580 ... غــ :6946 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا سُفيْانُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عنْ أبي عَمْرٍ ووهُوَ ذَكْوَانُ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله تُسْتأْمَرُ النِّساءُ فِي أبْضاعِهنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ فإنَّ البِكْرَ تَسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ، قَالَ: سُكاتُها إذْنُها
انْظُر الحَدِيث 5137 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ يفهم مِنْهُ أَن نِكَاح الْبكر لَا يجوز إلاَّ بِرِضَاهَا وَبِغير رِضَاهَا يكون حكمهَا حكم الْمُكْره.

وَمُحَمّد بن يُوسُف يجوز أَن يكون الْفرْيَابِيّ وَشَيْخه سُفْيَان الثَّوْريّ، وَيجوز أَن يكون البيكندي البُخَارِيّ وَشَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة، فَإِن كلّاً من السفيانين مَشْهُور بالرواية عَن ابْن جريج وَهُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَلَكِن جزم أَبُو نعيم أَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَن الْفرْيَابِيّ فَإِنَّهُ إِذا أطلق سُفْيَان وَلم ينْسبهُ فَهُوَ الثَّوْريّ، وَإِذا أَرَادَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة نسبه، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبيد الله بن عبد الله أَو عبد الرحمان بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ الْأَحول القَاضِي على عهد ابْن الزبير، وَأَبُو عَمْرو بِفَتْح الْعين اسْمه ذكْوَان مولى عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَكَانَت قد دَبرته.

وَمضى الحَدِيث فِي النِّكَاح.

قَوْله: تستأمر على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: تستشار النِّسَاء فِي عقد نِكَاحهَا.
قَوْله: فِي إبضاعهن قَالَ الْكرْمَانِي: جمع بضع.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك وَلَيْسَ بِجمع بل هُوَ بِكَسْر الْهمزَة من أبضعت الْمَرْأَة إبضاعاً، إِذا زوجتها.
قَوْله: فتستحي بياء وَاحِدَة وَفِيه لُغَة أُخْرَى: فتستحيي، بياءين.
قَوْله: سكاتها وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: سكُوتهَا، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تقدّمت فِي النِّكَاح بِلَفْظ: صمتها.